الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 4الرجوع إلى "المنهل"

من أعلام الإسلام, محمد الفاتح

Share

توطئة

صفحات مشرقة وضاءة من تاريخ الجهاد والكفاح الاسلامى حجبت حقائقها عنا منذ تولت كتابة تاريخنا اقلام دأبها الدس وتشويه الحقائق . مما لا مجال لتفصيله هنا . .

وحياة هذا العلم السامق الذي نتحدث . عنه هنا هى احدى مفاخرنا التى حاولت تلك الاقلام المشتبه فيها أن تحجبها عنا لتحقيق أهدافها . فاظهروها لنا مزرية مزورة مكذوبة انخدع بها معظمنا لكننا مع ذلك لا نعدم ان نرى ندرة بسيطة من المؤرخين المنصفين الذين عرفوا الحق فجلوه وعرقوا الباطل فدحضوه ، ومع ذلك فلا تزال الصورة الاولى المزيفة راسخة في اذهان الكثير من المسلمين

وهذه محاولة منى فى أن أجلو صفحة من  صفحات أحد مؤسسة العثمانية ( ١) الذي استهدفت كثير من أقلام بعض المستشرقين وبعض المخدوعين تشويه حقائق صفحة حياته . ذلك الرجل العظيم والفاتح الشهم

العادل ، صاحب الفتوحات العظيمة فى أوروبة وآسية والتي توجها بفتح  : القسطنتينية) التي قال عنها نابليون   (لو كانت الدنيا دولة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها)

نسبه

هو السلطان العظيم والفاتح الجليل محمد بن مراد بن محمد بن بايزيد بن مراد ابن أورخان بن عثمان بن أرطغرل ( مرسى قواعد الدولة العثمانية) ابن سليمان بن  قيالب.

والسلطان محمد الفاتح هو السلطان السابح فى سلسلة سلاطين بنى عثمان أما لقب الفاتح فقد لقب به وحازه عن جدارة واستحقاق بعد قيامه بفتح القسطنطينية وقد اصبح السلطان محمد بن مراد يذكر بهذا اللقب كما لو كان اسمه الحقيقى

مولده ونشأته

ولد السلطان محمد الفاتح في اليوم السادس والعشرين من شهر رجب من عام ٨٣٣ه وهو اليوم الموافق للعشرين من ابريل عام ١٤٢٩ م. اما مكان ولادته فلم يتعرض له من كتتبوا عن حياته وكان مراد والد علمنا هذا سلطان بنى عثمان آنذاك وكان في شغل شاغل : فى حروبه مع اعداء دولته الفتية لكنه مع ذلك اهتم بتنشئة ابنه محمد وتربيته تربية جسمية وفكرية حيث علمه فنون القتال والفروسية ، وركوب الخيل وعني عناية شديدة كذلك بتثقيفه ثقافة علمية عالية على اسس دينية اسلامية متينة .

علومه

اوكل السلطان مراد ابنه السلطان محمد الى احد علماء عصره الاعلام وهو العلامة احمد

ابن اسماعيل بن عثمان الكورانى (٢) وهو عالم جليل ذو مهابة مع شدة وفقه (٣) هذا الى جانب الكثير من العلماء في انواع من العلوم شتى اهمها - علاوة على الفقه والعلوم الدينية - الجغرافيا واللغات (٤) والتاريخ والفلك والرياضيات (٥) نذكر منهم :محمد ابن فرامز خسرو (٦)، وسراج الدين الحلبي  .وقد اشتهر الاخير في الخط والكتابة

ولم ينقطع الفاتح عن التعلم والنهل من معين المعرفة حتى بعد توليه زمام الحكم

توليه زمام الحكم

بعد وفاة السلطان مراد في ٣ المحرم عام ٨٥٥ه الموافق ٥ فبراير ١٤٥١ م نصب ابنه  محمدا خلفا له لكن السلطان محمدا لم يتول الحكم فى الحقيقة الا فى ١٦ المحرم ٨٥٥-١٨ فبراير ١٤٥١ م ( لانه كان متغيبا عن العاصمة  أدرنة مقر الحكم ) حيث تقدم منه العلماء والشيوخ وكبار رجالات الدولة معزين مبايعين مهنئين . وعمر السلطان الفاتح لم يتجاوز الثالثة والعشرين بعد

بداية حروبه

تولى الفاتح الخلافة - والبلاد المسماة بآسية الصغرى كلها خاضعة لحكمه ما عدا بعض مناطق القرمان ومملكة طرابزون ومدينة سينوب . لذلك شمر السلطان محمد منذ البداية عن ساعد الجد وبدأ بعض هذه المناطق الباقية حتى كانت دولته متصلة لا يفصل شىء بعضها عن بعض

فتح القسطنطينية

كثيرا ما حاول المسلمون فتح القسطنطينية بعد ان دانت لهم أراضى في آسية ، حتى وصلوا الى الصين ، وفى افريقية حتى عبرها الى اوروبة ، لكن كل هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح لما تتمتع به القسطنطينية من موقع استراتيجى وجغرافي ممتاز علاوة على التحصين القوى المتين وعدد هذه المحاولات كما يذكر بعض المؤرخين احدى عشرة محاولة .

وحين قامت الدولة العثمانية واتسعت رقعتها عبرت مضيق البوسفور الى اوروبة حيث فتحوا اجزاءا ليست بالصغيرة لكن سلاطينها الاوائل لم يقووا على فتح القسطنطينية اول مدينة مواجهة لهم فى اوروبة ولم تكلل محاولاتهم هذه بالنجاح - ايضا - حتى قيض الله للمسلمين السلطان محمدا الفاتح الذي قر قراره على فتحها بأى ثمن

خطوات الفتح

كعادة السلطان الفاتح في كل حصار يقوم به قام بعزل مدينة القسطنطينية عن كافة بلدان العالم سواء من البحر بوساطة الاسطول العثمانى العظيم أم من البر بوساطة الجيش المجاهد الجرار . أما الحصار

الفعلي لهذه المدينة فقد بدأ في اليوم التالي لليوم الذى وصل فيه الجيش العثمانى الى اسوار القسطنطينية وهو يوم الجمعة ٢٧ ربيع الاول من عام ٨٥٧ه الموافق ٦ ابريل ١٤٥٣ م. . وقد قسم السلطان محمد جنده في هذا الحصار الى أقسام ثلاثة هى : الميمنة بقيادة اسحق باشا ومحمود بك ، ويضم جنود الاناضول . والميسرة بقيادة قره جه باشا ويضم المتطوعين من اوروبة وغير النظاميين . أما الثالث فهو القلب ويضم جنود الانكشارية والمختارة بقيادة الفاتح نفسه .

ومع فجر يوم الثلاثاء ٢٠ جمادى الاولى  ٨٥٧ ه- ٢٩ مايو ١٤٥٣م . بدأت طلائع الجيش العثمانى مهللة مكبرة في الهجوم على القسطنطينية فى الوقت الذى كانت فيه المدافع العثمانية تقصف اسوارها ممهدة بذلك الطريق امام المجاهدين حتى تم فتح هذه المدينة فتحا كاملا فى يوم الاربعاء ٢١ جمادى الاخرة ٨٥٧ ه الموافق ٣٠ مايو ١٤٥٣ م.

ثم دخل الفاتح القسطنطينية فوجد بعض جنده وقد اخذتهم نشوة النصر فراحوا يسلبون وينهبون ولما بلغه امرهم وكان قد توسط المدينة فى سيره بها بعد الفتح نهاهم عن ذلك فى خطبة ابتدأها بحمد الله وشكره ثم هنأهم بالنصر المبين وفتح القسطنطينية ، وبعدها تلا عليهم الحديث الشريف ( لتفتحن القسطنطينية فلنعم الامير أميرها ولنعم  الجيش ذلك الجيش ). ثم استقبل القبلة وصلى لله شكرا

اما معاملته للنصارى فى هذه المدينة فقد ضرب فيها مثلا عاليا للحاكم المسلم حيث أمر جنده بعدم التعرض لهم او لكنائسهم بأذى ، وجعل لهم كافة الحرية في دينهم فكانوا يقيمون صلواتهم في الكنائس ويقيمون شعائرهم الدينية متى شاءوا

وحيثما ارادوا وما من مانع لهم عن ذلك ، ونصب لهم بطريقا خلفا للبطريق الذي كان قد مات اثناء الحصار .

ولقد كان لهذا الفتح الاسلامي المجيد الصدى الواسع في كافة ارجاء العالم الاسلامى واستبشر به المسلمون (٧).

شهادة الرسول (ص) للفاتح وجنده

من اجل اعمال الدولة العثمانية فتح القسطنطينية التى تم فتحها على يد احد سلاطين  هذه الدولة العظيمة الا وهو علمنا - بفتح العين واللام - هذا كما اسلفنا شرح ذلك . وان فتح القسطنطينية ميزة خص الله بها الدولة العثمانية ، وهى مكرمة لها ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم (وهو الصادق المصدوق ) اخبر بفتحها على المسلمين فقال : ( لتفتحن القسطنتينية فلنعم الامير أميرها  ولنعم الجيش ذلك الجيش).

فتوحاته الاخرى في اوروبة وآسية

بعد ان من الله على السلطان محمد الفاتح بفتح القسطنطينية نقل اليها مفر الحكم من أدرنة وجعلها بالتالي منطلقا لحروبه في اوروبة وآسية على حد سواء : لوقوع القسطنطينية فى الحد الفاصل بين هاتين القارتين

ويمكن تجزئة حروب الفاتح بالنقاط التالية : اولا - فى اوروبة: قام السلطان محمد الفاتح بفتح جميع اجزاء البلقان ثم اتجه شمالا حتى وصل الى مناطق البوغدان

وترانسلفانيا حتى وصل الى بلغراد لكنه لم يقو على فتحها . ثم فتح صربية ، والبوسنة والهرسك ، والمورة والبلقان وغيرها ، وبدأ في فتح اجزاء من شمالي ايطاليا وجنوبيها .

اما اسماء الدول التى فتحها الفاتح فهي حسب ما تعرف الآن : بلغاريا ، اليونان ، يوغوسلافيا، ألبانيا ، رومانيا ، جنوبي المجر ، اجزاء صغيرة من روسيا ، جنوبى ايطاليا وشماليها وجزر مترامية فى بحر الادرياتيك والبحر الابيض المتوسط مثل جزيرة ( رودس ) وتقدر مساحة الدول التى فتحها السلطان محمد رضي الله عنه  ب ٧٢٨,٠٠٠ كم٢ أي ما يعادل ٧,٥% من مساحة اوروبة.

ثانيا - فى آسية : وهي أقل بكثير منها في اوروبة وقد بدأها كما اسلفنا بفتح البفية الباقية من آسية الصغرى كمملكة طرابزون ومدينة سينور واجزاء من بلاد القرمان. الى جانب اخضاع بعض المتمردين الذين شقوا عصا الطاعة على السلطان (بير احمد) و(اوزون حسن ) . وحتى يقضى الفاتح عليهم وعلى امثالهم خرج بنفسه في جيش عرمرم اخضعهم به واعادهم لجادة الصواب وحين تم له ذلك نصب ابنه مصطفى على تلك المناطق

ولكن هؤلاء العصاة اعادوا الكرة مرات وكان الفاتح يقضي عليهم في كل مرة .

النواحي العلمية في عهده

يقول بروكلمان في كتابه ( الاتراك العثمانيون ) عن السلطان محمد الفاتح : " كان يجمع في شخصه جميع مظاهر عصره الفكرية والثقافية. فقد ناصر العلوم الاسلامية وناصر الشعر بما اغدقه على ممثليها من هبات مادية سخية . ليس هذا فحسب بل كان مولعا بان يختبر براعته

الشخصية في ميدان الشعر " (٨) . وقد كان السلطان محمد الفاتح يهتم بالعلم والتعليم بقدر ما كان يهتم بالحروب والفتوحات . فأعطى كل علم حقه من هذا الاهتمام

ففي مجال العلوم الدينية اهتم بالفقه والتفسير وغيرها من العلوم الدينية ، وأكرم علماء الدين وأحسن معاشرتهم .

وفي مجال التعليم عني السلطان الفاتح ، بالناحية العلمية عناية فائقة تجلت فى انشاء المعاهد ودور التدريس وبثها فى كافة المدن والقرى فى كل البلاد : (ونظم الفاتح هذه المدارس ورتبها على درجات ومراحل . ووضع لها الامتحانات فلا ينتقل طالب من مرحلة الا بعد امتحان دقيق عسير)  (٩).

واهتم بالتراث الفكرى والتاريخي . ولعل أهم دلائل ذلك أن تعلم (ان السلطان الفاتح كان شديد الاهتمام بالنهضة الفكرية التى تفتحت اكمامها في ايطاليا فقد طلب الى جمهورية راجوزة مرة أن تدفع الجزية مخطوطات تجمع من ايطاليا ) (١٠".

اهتم كذلك بالصناعة والصناع فجعل من مدينة القسطنطينية اعظم مركز صناعى لا في العالم الاسلامي وحده بل في العالم قاطبة .

ومن العلوم الاخرى التى لا مجال لتفصيلها هنا : الشعر ، الموسيقى ، التصوير ، النقش  أما العلماء فأن الفاتح كان يكرمهم ويحسن  وفادتهم وكان كثير المخالطة لهم والاجتماع بهم والاستماع الى مناظراتهم العلمية والمشاركة فيها . وحين فتح القسطنطينية صارت كعبة للعلم والمعرفة يؤمها العلماء من كل صوب ومكان .

وفاته

بينما كان السلطان محمد الفاتح في جهد مستمر ومتواصل استعدادا للقيام بقيادة حملة الى آسية الصغرى ألمت به وعكة لم يهتم بها في البداية ومضى حتى تم الاستعداد وسار بجيشه . لكن المرض لم يليث ان تضاعف وثقلت وطأته عليه ، وانتهى هذا المرض بموته بين جنده المجاهدين في يوم الخميس ٤ ربيع الاول من عام ٨٨٦ ه الموافق ٣ مايو  ١٤٨١ م وعمره  ٥٢ عاما بعد ان حكم ٣١ عاما  قضاها كلها في جهاد وكفاح.

ولقد كانت وفاته خسارة على العالم الاسلامي والمسلمين وبهجة للمسيحيين . حتى ان أحدهم وهو المؤرخ الفرنسى جييه بلغ به الامر ان قال في كتاب له ألفه في عام ١٧٨١ م انه ( يرجو من الله ان لا يظهر مرة اخرى على وجه الارض حاكم كالسلطان محمد الفاتح فقد كان حكمه بلاء ونكبة على النصارى والنصرانية) وقال:( ان هذا ما يجب ان يتمناه دوما بدون  انقطاع لا الفرنسيون وحدهم ، بل جميع الشعوب النصرانية) .

مكة المكرمة - العتيبية- عبد العزيز السحيمي

أهم مراجع البحث :

(١) : محمد الفاتح - تأليف سالم  الرشيدى - الطبعة الثانية .

(٢) : تاريخ الدولة العلية العثمانية- تأليف محمد فريد بك - الطبيعة الثالثة  ١٣٣٠ ه ص٥٨-٦٧

(٣) : شذرات الذهب في اخبار من ذهب للحنبلى ( ابن عماد ) ج ٧ ، حوادث سنة  ٨٨٦ ه- ص٣٤٤.

اشترك في نشرتنا البريدية