الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 7الرجوع إلى "المنهل"

من مشاهدتى في جنوب الملكة، وادى نجران

Share

نجران وأدم معروف فى الجنوب الشرقي لجزيرة العرب وهو موطن لثلاثة قبائل عربية أصله تمت بالنسبة إلى يعرب بن قحطان وهى : - آل فاطمة وكبيرها  أبو ساق ، وجشم وكبيرها ابن منيف ، المر جدة وكبيرها ابن نصيب - وبجمعها  اسم [يام] ولعله ولد من أولاد يعرب ؟؟

وهذا الوادى مستطيل يبلغ طولة من الشرق الى الغرب ٢٥ كيلو مترا وعرضه من الشمال إلى الجنوب من كيلو مترين فى بعض جهاته إلى خمسة كيلو مترات فى البعض الآخر ، ويبدأ من شرقه بتخيل يسمى [آل منجم ور جله] وينتهى  فى غربه بنخيل آخر يقال له [المومنجه وشعب البرانى].

وهو واد خصب جدا ويمتاز بكثرة نخيله الذى يكاد يكون نماؤه طبيعياً [دون تنمية زراعية] أما سبب هذا النمو الطبيعي فيرجع إلى إهمال السكان التلقيح ثم لفصل صغارة بعضها عن بعض وتركه ينمو كما يشاء ، ويبلغ عدد النخيل فى هذا الوادى نحو سبعين الف نخلة تقريباً .

وليس النجرانيون والياميون أهل فلاحة ولكنهم أهل حرب وغارات تعودوا الغزو ، وكانوا فيما مضى يشنون الغارات على القبائل المجاورة لهم كقبائل وائلة والكرب والصيمر من قبائل حضرموت وقبائل وادى الدواس وقحطان فيقطعون المسافات الطويلة الشاقة فى سبيل الكسب والغنيمة وكانوا إذا أرادوا غزو قبائل الصيمر مثلا إمتطوا إبلهم وأخذوا معهم ما يكفيهم من الماء ذهاً واياناً ولما كانت الطريق التى بينهم وبين هؤلاء قاحلة فقد كانوا يدفنون فى الرمال عند ذهابهم عدداً كافيا من القرب الممتلئة بالماء ويسمون مواضع دفنها بالعرق وينسبونه الى صاحبه فيقولون مثلا :- هذا عرق ذيب المهابة وهو أحد شجعانهم حتى إذا ما عادوا من الغزو فائزين بما سلبوه من إبل وأراد المسلوبون

اللحاق بهم عجزوا عن تعقبهم مسافات طويلة بسبب قلة المها فى الوقت الذى يجدون طلبهم من هذا الماء فما كانوا قد كنزوه قبل ان يذهبوا - وهي خدعة من خدع الحرب .

ولم يقتصر الياميون على غزو حيرانهم البعيدين والقرباء ، بل كانوا يغزون بعضهم بعضهاً فينشأ عن هذا عدم استقرار العمران في بيوتهم وعدم انتظامها - فلا يرى الرائى في وادي نجران إلا بيوتا متفرقة هنا وهناك على طول الوادى  وعرضه يقوم كل منها كأنه حصن منيع يسوره سياج يضم البئر المعدة للشرب ولسقيا الزرع احتفاظا بالماء واستعداداً لمقاومة المهاجمين من جيرانهم .

ويتألف بعض هذه البيوت من ثلاث إلى أربع طبقات وبعضها إلى عشر طبقات - وكلها مبنية بالطين بطريقة (المداميك).

وعادة الاغارة السالف الذكر مما جعلت الياميين لا يلتفتون إلى استصلاح  النخيل وتحسين طريقة استثماره والى الانصراف لشئون الزراعة اكتفاءاً منهم بالاعارة كسبب للرزق مع أن أراضيهم جد خصبة كما سبق القول وواديهم كثير المياه فلا تحفر في أي موضع شئت منه الى عمق ثلاثة أمتار أو أربع حتى تجد الماء يتدفق بغزارة كأن الوادى عبارة عن نهر عظيم تكسوه طبقة كثيفة من التراب .

ويعهد الياميون إلى خدمهم من العبيد بزرع الذرة والشعير والحنطة وسقيها وحصادها أخيراً وبرغم صلاحية الأراضى النجرانية لزراعة كثير من الفواكه والبقول فان هذين النوعين من النبات مفقودان هناك ولكن بعد أن شملتها حكم جلالة الملك المعظم انصرف السكان الى استثمار أراضيهم  واخذوا يحفرون الآبار الكثيرة ويهتمون بالزراعة ، وقد شيدت الحكومة قصراً كبيراً فى مكان يقال له [أبو السعود] يضم ديوان الامارة ومكاتب الحكومة وجنودها وهو مؤلف من طابقين وفي وسطه ميدان فسيح جداً وبئران غزيرتان...

وجو نجران معتدل فلا الحر يشتد فيه ولا البرد ولكن جودته هذه مقيدة بغير أيام هطول الأمطار فاذا كثر هطولها فكثر المستنقعات وتتفشى الملاريا وهم يسمونها هناك [السدم] وإذا تفشت هرب السكان الى سفوح الجبال والى شعيب يقع فى جنوبى نجران ويدعي [تهوفه] أو الى المكان الذي يقع فى جوار قرية الأخدود ومكثوا هناك مدة تتراوح بين ثلاثة وست أشهر حتى تجف المستنقعات وتخف وطأة الملاريا.

وعلى ذكر قرية الأخدود فانني أنقل للقارئ شيئاً مما يتعلق به - ولعل كثير من المسلمين لا يعرفون موقع هذا الأخدود الذي ذكره الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم فى قوله تعالى : "قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود" الآية..

وقد أتيح لى أثناء وجودى بنجران أن أشاهد موقعه رأى العين فقد ذهبت مع زميلى الشيخ محمد على القفيدى صباح يوم الخميس الموافق ١٣٥٤/٦/١٤ ه الى قرية الأخدود فى صحبة حضرة أمير نجران الأسبق عساف بن حسين المنصور فنصبنا خيامنا هناك في ميدان واقع بجوار ضريح عبد الله بن تامر الذي كان الياميون يعظمونه فيما مضى وينذرون له النذر وكان بعض الجهلاء منهم يبالغ فى تعظيمه الى حد بعيد معتقداً أنه يشفى من الامراض ويمنح العطايا الى آخر ما هنالك من معتقدات العامة الفاسدة.

ذهبنا إلى موضع الأخدود فأليناه عبارة عن بيوت متهدمة توالت عليها السنون فلم تبق منها الا أكداساً من الحجارة - وشاهدت فى وسط هذه الأكوام والخرائب المبعثرة بقايا قصر تدل آثاره على أنه كان ضخما كبيراً وقد قال لى بعض أهل نجران أنه قصر ذى نواس الحميري أحد ملوك نجران السابقين ، وقال بعضهم انه كعبة نجران القديمة . . وكل هذه الأقوال مجردة عن الاثبات طبعاً ولكن شواهد الحالة تدل على أن هذا القصر كان لعظيم من عظماء نجران بدليل أن حجارته كلها منحوتة نحتاً فنياً ويبلغ إرتفاع بعضها

مترين وعرضه مترا ونصف متر وسمكه ثمانين سانتيمترا تقريباً وقد شاهدت بالقرب من هذا القصر رحي حجرية يبلغ قطرها متراً ونصف متر وسمكها (٢٢) سانتيمترا وشاهدت مهراساً من الحجر أيضاً يبلغ ارتفاعه متزا ونصف متر وفطره (٥٠) سانتيمترا وسمكه (١٥) سانتيمترا ، ووجدت قطعاً صغيرة من الصينى المدهون يظنها الرائى لأول وهلة أنها فصلت من اناء صنع حديثاً لشدة صلابتها وثبات ألوانها .

وهذا دليل على أن سكان نجران السابقين كانوا يعنون بصنع هذا النوع من الصينى .

وقد لفت نظرى وجود حفر حديثة متعددة فى بطن هذا الأخدوه ولما سألت عن السبب قيل لى أن بعض الياميين يأخذون التراب من جوف الأرض فى هذا المكان ليستعملوه سمادا لزراعتهم ، وان بعضهم يعثرون فى بعض الأحيان على آثار قديمة قيمة كنقود وأوان فضية وذهبية ، وأن أحد النجرانيين عثر على جرة مملوءة بقطع النقود الذهبية نقش على أحد وجهيها [لا إله إلا الله] وعلى الوجه الآخر [عيسى روح الله] فبحثت عن هذه القطع فلم أعثر عليها عند أحد - وعلمت أنها بيعت فى مدينة صعدة باليمن بأبخس ثمن فوسطت بعض التجار ليشترى لى شيئاً منها لكنه لم يفلح وفي أواخر ذلك العام اجتمعت فى ظهران بالحاج الغبيري عامل صعده وهو من اعضاء الهيئة المبتدية من قبل حكومة اليمن لتقرير الحدود مع الهيئة السعودية التى كنت منتدباً معها وقادنا الحديث الى ذكر الأخدود وآثاره فسألته عن صحة الاشاعة المشار اليها فأكدها وقال : انه اشترى بعض تلك القطع الذهبية وأرانى فعلا ثلاثاً منها أثبتها على مقبض خنجره كحلية فقرأت على أحد وجهيها عبارة [لا إله إلا الله] وبالطبع لم يظهر الوجه الثاني - وهى تشابه [المشاخص] المعروفة فى الحجاز ، وقد سألته : هل يوجد شئ منها فى صعدة ، فقال : ربما - وكان معه عبد الله ابن مناع من كبار قبيلة سحار الشام ومن وجهاء صعدة (وهو من أعضاء الهيئة اليمانية أيضا) فرجوته أن يبحث عن بعضها فيكتب الى صعده فعلا ولكنه

لم يوفق الى العثور على شئ منها.

وفى أوائل تلك السنة أى عام ٣٥٤ - بلغ أمير نجران عسافاً ان أحد النحرانيين عثر فى الأخدود على أسد مصنوع من الذهب الخالص فأحضره فاعترف بأنه وجد رأس أسد مثبتاً على قطعة من رخام وملقى بالقرب من الأخدود ولا يعرف من الذي عثر عليه واستخرجه ؟ ولما فحص هذا الرأس وجد مصنوعاً من البرونز وقد تكرم هذا الأمير فأطلعني عليه قبل إرساله الى الرياض وسمح لى بالنقاط صورته.

وقد أهدى إلى البعض من ربطتنى واياهم رابطة الصداقة من مشايخ نجران فص خانم من الحجر نقشت عليه صورة إنسان يحمل عكازا - وقال لى أنه عثر عليه فى الأخدود .

وكل هذه المشاهدات تدل على أن بقعة الأخدود لا تخلو من آثار تاريخية قيمة وكنوز ثمينة فلو أن شركة وطنية تؤلف [بعد استصدار تصريح من الحكومة طبعاً] وتجلب الاختصاصيين والآلات اللازمة للقيام بعمليات الحفر هناك .. فان من المؤكد جداً أن تعثر هذه الشركة على أشياء قيمة لا تقدر بثمن ، وسيكون الربح من وراء هذه الحفريات محققاً وعظيما فيما أعتقد .

اشترك في نشرتنا البريدية