الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "المنهل"

من وحي الحرب, بين مدافع المقاومة، وطائرات الانقضاض المهاجمة

Share

" مهداة الى ع . ص "

معارك حامية الوطيس ، يأخذ بعضها برقاب بعض . . وحرب عوان لا تنتهي مرحلة منها الا الى مرحلة جديدة . .

كم مرة أجلس -فى غرفتي - هادىء البال ، فتميل النفس الى مطالعة كتاب من الكتب او صحيفة من الصحف ، أو قضاء عمل من الاعمال ، واذا عدو شديد الوطأة يفاجئني بهجماته العنيفة ، حالما أتجه الى ما أريد ، فيحول بيني وبين أى عمل مفيد ، وتتصل هجمات هذا العدو المغير فى تشكيلات الطائرات المنقضة والطائرات المطاردة التى يصوبها شطرى بدقة واحكام ، وسرعة وانتظام ، فهو عدو جوى محض ، واخطر الحروب على الانسان ما كان منها جويا . وهكذا ينقض على ذلك العدو المتوحش بطائراته السريعة افواجا بعد افواج ، حتى يبالغ فى ازعاجي وبلبلة أفكاري .

وكم مرة آوى الى الفراش الوثير لآخذ قسطى من الراحة بعد النصب والعياء وبعد المجهود الفكرى العنيف ، واذا بهذا العدو الخطير يشعر بوجودي في المكان بما لديه من آلات الاحساس الدقيقة ، فما هى الا لحظة حتى يتبدل هدوئي الى قلق وسكوني الى حركة ، وأملى الى ألم بما يبديه من هجوم شديد يقوض عنقه المنهك كل أطناب الراحة والاطمئنان المنصوبة اوتادها فى جوانب النفس المكدودة.

وما كنت فى يوم من الايام كسولا فى مقاومته ، وما كنت متوانيا عن البحث وراء وسائل ابادته وكفاية شر سلاحه الجبار فكم مرة منذ نشوب الحرب بيني وبينه اعملت التفكير فى ابتكار الاساليب الفعالة للقضاء عليه بحرب خاطفة

جوية مثل حربه ، وبقوة خارقة تفوق قوته ، وعمليات احسن تنظيما من عملياته وأوسع أثرا من هجماته ، واوفر خطرا من غاراته ، واتذكر ان من الوان المقاومة التى وققت اليها بادئ ذى بدء ، انى جعلت من " باطن كفى " ذات مرة : قنابل يدوية ( محطمة ، اهوى بها هويا وبغير هوادة ولا رفق على ( أم رأسه ) بمجرد ما تهبط طائراته على الارض بمجرد ما ينشب مخالبه فى المسام ، فتارة اكون الظافر المنتصر فأباهي بهذا الفوز المبين ، وتاره أخفق فى تسديد الضربة واحكام الرمية فيباهي عدوى بهذا الاخفاق ، ويذيع على الملأ اخفاقي بزئيره المرعب الذي يرسله فى الفضاء حينما يطير ناجيا بروحه التى تعز عليه ويعتز بها ، وحينئذ أتحمس وأظل اتعقب ببصري حركاته فى طيرانه علنى اهتدى الى ) المطار ( الذي يأوى اليه أخيرا لاحكم له الضربة النهائية ، وما أزال ارسل وراءه البصر ، وما يزال هو يرتفع وينخفض ويلتوى فى طيرانه عن عمد ودهاء ليختفى عني بهذا الالتواء حتى يغيب عن نظرى فى اجواز الفضاء القريب ، وهنا انتظر ) الغارة الجوية ( التالية انتظرها وقد سرت فى الجسم قشعرة انتظار هولها المرير فقد عرفت ان العدو سيأخذ بالثار ، وأدركت انه لا شك يتهيأ للانتقام . وما هى الا لحظة وجيزة واذا باسرابه تعود اقوى قوة واوفر نشاطا ، وأشد حماسة من ذي قبل ، فتتناوشني من كل جانب ، وتعمل فى انيابها الحادة من كل طرف . فأتألم وتبتدئ المقاومة الجديدة ، وهكذا تظل المعركة فى مراحلها العديدة .

والحاجة أم الاختراع ، فقد دفع بي عامل الرغبة فى المقاومة المجدية الى ان اجعل من " سبابتى وابهامي" طرابيد تصوب الى هيكل الطائرات المغيرة بمجرد جثومها على الأرض ، فاما أن انجح فى المقاومة والدفاع ، وأما أن افشل ، فاذا بالعدو يعود الى سيرته الاولى فى الاخذ بالثأر ، مزدريا بوسيلتى الثانية ، معلنا استهزاءه بفشلي المريع ، بما يطلقه من اجنحة طائراته من أزيز فظيع...

واخيرا وبعد كل تفكير ، وبعد كل لاي - ان صح التعبير - اهتديت الى اكتشاف وسيلة حاسمة من وسائل التحطيم المبيد لجموع هذا العدو المتوافر النفوس

والعتاد ، مهما تكاثفت جموعه ، ومهما تكاثرت بنوده ، فاسترسلت في اتقان كيفية الاستعمال لهذا السلاح الجديد الذي يفوق سلاح ) الطابور الخامس ( حتى تمرنت على ذلك وعرفت وجوه القضاء به على العدو اينما جاءت غاراته وكيفما حومت طائراته ، ودأبت على ادخال التحسينات الجمة على هذا الاكتشاف ولا أكتم القراء اني بهذا الاكتشاف توصلت الى الفتك بالعدو اللدود وإلى ادخال الرعب فى قلوب جنوده . ويتمثل اكتشافى هذا الذى أتبرع باذاعة انبائه على جمهرة القارئين ، فى مروحة غليظة " اقبض على طرفها بجمعي بحرص وقوة وانتباه متظاهرا بعدم الشعور بوجود اسراب المهاجمين التى تحوم حولي فى كفاح شديد لتطمئن بذلك التغافل فتتكاثر وتتراكم ، فان لعدوى احساسا دقيقا جدا به يعرف حركاتي وسكناتى ، ولولا عنايتى بتضليله وتوهيمه انى لا أراه ولا اراقبه أذن لفات المراد . وحينئذ... حينما تتم جماعاته ، وتنتظم معداته ، وتتشابك اسرابه بالقرب منى وتتلاحم وتتكاتف جنوده الهابطون بالمظلات وتتلاطم أهوى بمروحتى الجبارة على الجمع الغفير فاذا الجمع قد تمزق شذر مذر فمنه الصريع المضرج بدمائه ، والجريح الملتصق بالتراب ولا أمل له فى السلامة لاني سأجهز عليه حالا والكسير الذي تطايرت اشلاؤه ، والهارب المرتعب من هول الصاعقة فهو يطير فى سرعة جنونية ولا يلوى على احد مكتفيا من الغنيمة بالاياب ومن السعادة بالهزيمة ثم بعد انتهاء هذه المعركة الحاسمة أظل قابضا على مروحتى الجبارة منتظرا قدوم فلول جديدة من هنا وهناك ، وأمثل دور المتغاقل لئلا يشعر عدوي بحركاتي وسكناتى ، وبعد برهة وانتظار طويل اسمع أزيز طائرة او طائرتين منفرتين قادمتين من هنا او هنالك ، وسرعان ما أوجه اليهما الضربة الخاطفة فاذا بهما تهويان ونار الموت تشتعل فيهما أيما اشتعال

فقد علمت اذن من التجارب العديدة انى اهتديت الى سلاح خطير لأبادة هذا العدو اللدود الذي يقض مضجعي ، ويذهب براحتى كلما أويت الى الفراش أو رغبت فى القيام بشأن من الشئون

ولعلك تسائلني بعد هذا قائلا : ماذا أعددت من وسائل لمواراة هذه الجموع الغفيرة من الجثث الهامدة المبثوثة فى أمامك الميدان بعد كل معركة ؟ ! . فاني مجيبك باني بعد ما وثقت بنجاح اكتشافى للسلاح السرى الجديد اعترضتني هذه العقبة نفسها ، ولكنى فضلت جانب اقتران العمل بالأمل فى هذه الناحية ايضا وما هو الا ان انقضت اول معركة قمت باجرائها على النمط الحديث حتى شاهدت تلك الجثث الهامدة محاطة بنقالات وحمالين اكثر منها عددا ، وأغزر مددا فسرت بهذه الظاهرة أيما سرور!..

وأخيرا فانى اترك الى ذكاء القارئين امر الاهتداء الى معرفة هذا العدو اللدود الذي لا يكاد يخلو منه مكان ، ولا يسلم من هجماته انسان..

كما أترك لألمعيتهم ايضا الاهتداء الى معرفة تلكم " الطائفة " التى تتطوع دائما بنقل جنث هذا العدو الهامدة المتساقطة فى الميدان بعد كل معركة من المعارك السالفة ؟

اشترك في نشرتنا البريدية