الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

من يدري.... ربما

Share

كانت غرفتها تشرف على الشارع ، وكانت الشمس تدخل من نافذتها الواسعة فتبسط اشعتها الوهاجة المنعشة على شجيراتها المزهرة ، شجيرات غرستها بيديها منذ اسبوعين وما فتئت تحظيها برعاية مفعمة بالشباب والحيوية والانوثة العذراء ، لكن بصرها فى ذلك اليوم كان يغادر الازهار من حين لآخر الى نافذة مفتوحة فى الطابق الثاني من العمارة المقابلة . كان شاب فى سنها تقريبا ينظر اليها تارة ثم يختفى ثم يعود الى النافذة من جديد ثم يتوارى عن بصرها ليرجع بعد حين .

وابتسمت هند لانها كانت تتوقع ما سيحدث بعد ذلك وانكبت على زهيراته لحظة ثم رفعت رأسها فجأة فاذا الشاب ممعن نظره فيها . فكانت عيناه حالمتين مستقرتين على نافذة هند تلتهم الشابة فى نهم شديد ، وشعر الشاب بافتضاح سر عينيه فارتبك لحظة ثم عاد الى شجيراته يسقيها وينزع عنها الاوراق الميتة فى شىء من عدم الاكتراث ، ولكن عينيه ظلتا تختلسان النظر الى هند من حين  لآخر وامتلأ الوعاء وطفح وسال الماء ونزل بغزارة على رأس احد المارة ، كان هو  ايضا يسبح فى بعض احلامه فبسط مظلته ونشرها على رأسه وتمتم فى حسرة طويلة : " ايه . . ربى يرحمنا لكن الصيف ايضا رحمة . . "

الصيف رحمة . . لكن موسم المطر استمر فى تلك السنة حتى آخر ايام الصيف . . اما فى ذلك اليوم فقد كانت الشمس فى اجمل ريعانها . . لكن هذا لا يهم كثيرا بالنسبة لقصتنا . فمنذ ان وقع نصر هند على جارها ومنذ ان  وقع بصر الجار على هند لا اعتبار للمطر ولا للشمس فسقى الازهار من الواجبات اليومية اذا لم نقل من واجبات كل ساعة والنظرات المختلسة والابتسامات المحتشمة قضاء محتم لا مناص منه ، اكترت هند بيتها يوم دخل الجار بيته فى العمارة المقابلة ومنذ ذلك اليوم ، منذ اللحظة التى فتحت فيها النافذتان المطلتان على الشارع وهند وجارها الشاب فى مد وجزر فى لقاء قصير وفراق اقصر ، فى نظرات صامتة حالمة وابتسامات مرتعشة خجولة منذ اليوم الاول . . اول " أحد " تبرز فيه الشمس وضاءة زاهية كانما لتثار للآحاد التى مرت من ذلك الصيف المطير . . فمنذ يوم الاحد كانت هند وجارها يلتقيان عبر الشارع فى نظرة وابتسامة مرة فى اليوم على الاقل ، اما ايام العطل فكانت تجمعهما الساعات الطويلة . واذ كان لابد  لكل لقاء علة فعلتهما ازهار يسقيانها فى سخاء طويل

كاحلامهما ، مرتعش كتلك النظرات التى يلقيانها من نافذة الى النافذة المقابلة . . فاشترت هى الازهار واشترى هو نوعا من النبات كان يعتقد انه مزهر فلم يزهر النبات ولم ينتبه الشاب الى هذا العقم ولكن المهم هو العلة وعلته موجودة وان لم تزهر . .

لربما يقول البعض : بما ان الشاب الوسيم والجارة الحسناء يتوقان الى اللقاء في نظرة وبما انهما يكثران من النظر خلسة فلم لا يتخاطبان ويتفاتحان دون اللجوء الى علة ، لربما يقول البعض هذا لكن ليس من السهل ان يتخاطب خجولان وهند وجارها من الصنف الخجول ثم ان احدا لم يعرفهما الواحد بالاخر فقد التقيا صدفة كل فى نافذة ولم يلتقيا ولو مرة واحدة فى غير ذلك المكان لا عند الخباز ولا عند اللبان ولا عند القصاب فما حيلتهما ؟ ومع ذلك فقد اضناهما البحث عن حيلة تمكنهما من هذا اللقاء عند الخباز او عند اللبان او عند القصاب فضاعت المحاولات سدى ولم يلتقيا . كانا - كل على حدة - يطيلان الحديث مع اصحاب الدكاكين او يتباطئان فى الشارع او يطوفان بالعمارة البيضاء او العمارة الصفراء . . لعل من يدرى . . ربما . واعيتهما الحيل . . كانما جنى لعين ابى الا ان يبقيهما فى لهفة فقطع حبل الوصل ليمنع حدوث المعجزة . . تخيل ايها القارىء الكريم ان هندا كثيرا ما كانت تدخل الى غرفتها وتفتح النافذة - لتسقى ازهارها طبعا - وفى ذلك الحين كان الجار الوسيم ينزل الدرج ليلتحق بالبدال يسأله عن حاله وحال ذويه ويطيل الوقفة بدكانه ويشرب معه فنجان قهوة او شاى فاذا تفطنت هند لوجوده عند البدال ، واسرعت الى الدكان علها تصادفه - هكذا عفوا - لا تلبث ان ترى دراجة تغيب فى افق الشارع او تدور فى احد منعرجاته حاملة معها كل احلام هند وكل آمالها فى لقاء جارها الغريب . ما اقسى الدراجات . اصبحت هند تكرهها لانها تمنع الشبان من المشى على الاقدام . ولم خلق الله للناس ارجلا ؟

نعم... موزع البريد . . بالطبع . . يعرف " هند " ويعرف الشاب الوسيم ، فهو يحمل الى كل منهما كل يوم قسطه من الفرح او من الكئابة . . وهو يعرف ان الشاب الوسيم يدعى " توفيق " وانه موظف بالبنك المركزى وموزع البريد يعرف ايضا ان " هند " تدعي في الواقع فاطمة . . لكن من هى الفتاة التى تتعلق في هذه آلايام بالاسم الذى اطلقه عليها ابواها . . فاطمة ؟ ربما وافق هذا الاسم هوى فى نفوس بنات القرن الاول او الخامس . . اما

فى عصرنا ؟ ؟...  موزع البريد اذن يعرف " توفيق " ويعرف " هند " وبأستطاعته - لو اراد - ان يجمع شملهما ، لكن امن مهمة موزع البريد ان يجمع شمل عاشقين لم يبوحا بحبهما . . ليس له ان يفعل حتى ولو شعر بوجود ذلك الخيط العاطفى الرقيق الذى كان يربط نافذة العمارة البيضاء بنافذة العمارة الصفراء . . فكيف يجمع بينهما ولم يفطن بحبهما لا هو ولا احد من الوافدين على الشارع او المقيمين بعماراته ؟ فلا احد شعر بوجود ذلك الخيط الذى كان يحمل من نافذة الى النافذة المقابلة اريج ازاهير هند او افكار ذلك الشاب الوسيم الذى كان يقضى الليالى الطوال واقفا خلف استار نافذته ينظر الى النافذة المقابلة لا يشغله عنها شاغل الى ان ينطفئ النور وكثيرا ما يطول به الوقوف والنور فى غرفة هند والافكار فى رأسه هو : افكار غامضة متشتته حيرى . كان فى حلمه الطويل يرى فتاته جالسة الى مكتبها الصغير اللطيف وامامها كتب كثيرة واوراق وقلم بين شفتيها الرقيقتين وهى تفكر فى حلول للمشاكل المطروحة بين يديها ، فيقول فى نفسه . . انها تنهك قواها " او يقول : " سوف تنجح . . . انا اعرف انها ستنجح فتاة كهذه لا ترسب فى امتحان ولا يمكن ان ترسب " وكان يراها فى حلمه احيانا اخرى وهى على سريرها الناعم وعيناها الواسعتان تستلهمان الشعر فى لهفة هادئة تارة وثائرة تارة اخرى ، فيقول فى نفسه : شعرها منى وإلى . . " ثم يعثر فى حلمه على بعض الاوراق المتناثرة على سطح الغرفة فيرفع احداها الى عينيه " خط جميل . . حبر اخضر وورق ازرق . . وهذه الرقة فى الشعر " ويقرأ ويعيد القراءة مرات متوالية . . " انها ساحرة . . الم اقل " لكم " انها ساحرة ؟ ثم يغمض عينيه ويمضى فى حلم صامت طويل ولكنه لا يلبث ان يفتح عينيه فى ذعر . . من المحتمل آن تجرى خلف هذه الستائر المسدولة على نافذة جارته الحسناء امور اخرى ؟ من يدرى ولكنه يعود الى نفسه يؤنبها على سوء الظن فى قسوة شديدة ، وذات يوم . . فى امسية يوم احد بينما كان يشرف من نافذته على الشارع اذا بسيارة حمراء تقف امام عمارة جارته ويخرج منها شاب لم يره قبل ذلك اليوم ، ووقف الشاب على الرصيف برهة من الزمن ثم ادخل بعض اصابعه فى فمه وراح يصفر كالمجنون فى وقاحة لم يستسغها توفيق كما انه لم يستسغ بالمرة ما وقع بعد ذلك ، صفر الشاب الوقح طويلا واذ لم يجبه احد اندفع فى نفس الجنون ونفس الوقاحة في بهو العمارة ولم يظهر بعد ذلك فى الشارع . العمارة البيضاء تحتوى على عشرة بيوت على اقل تقدير ويسكن كل بيت من هذه البيوت عائلة وربما عائلتان اذا لم يكن اكثر ، فمن

الممكن ان يقصد الشاب الغريب احدى هذه البيوت العشرة ، لكن " توفيق لم يفكر فى هذه الاحتمالات قطعا ، فالشاب فى نظره قاصد بيت جارته الحسناء بدون شك شاب وقح يصفر هكذا على مرأى ومسمع من المارة فى الشارع لا بد ان تكون له علاقة بجارته ودل عليها . . وهذه السيارة الحمراء وذلك الاندفاع . . كل القرائن تدل فى نظره دلالة واضحة على ان الشابة الحسناء وهذا الفتى الوقح الغريب على اتصال متين ، ولاول مرة يشعر توفيق بالالم يحز من نفسه . . انه حزين لانه لا يملك سيارة حمراء كهذه التى وقفت امام عمارة جارته ، لا بد ان تكون فتاة احلامه مادية ككل فتيات العصر . انها لا تقدر عواطفه ولا تحترم خلجات صدره ، ولكنه لم يلبث ان ينهال على نفسه بلومها على هذا السقط . كيف يمكن ان تجول بخاطره مثل هذه الافكار ؟؟ وطالت وقفته وهو على هذه الحال بين الشك واللوم والتلطف والاستعذار وفجأة وقع بصره على الجارة الحسناء وهي تغادر عمارتها وبيدها سلة كبيرة وتبين ما بالسلة

قوارير فارغة سترجعها بلا شك الى اللبان ، ومرت الفتاة بحذاء السيارة الحمراء فربتت على سقفها كأنما لتداعبها ثم انصرفت . وشعر توفيق بارتخاء يعترى كامل جسمه ويثقل ذراعيه ورأسه وساقيه . . انها ربت على سقف السيارة بحنان كما لو كانت تداعب صاحب السيارة من خلال تلك الكومة من الحديد الاحمر والبلور . . وقال توفيق فى نفسه : " آن الاوان . . يجب ان اوقف هذه المداعبات عند حدها . انا احبها وربما كانت تجهل حبى لكن هذا لا يهم يكفي اني رجل وانى احبها . هي الآن عند البدال او عند اللبان . . ستعد للشاب الغريب الوقح طعام الفطور وتجلس واياه حول نفس المائدة ويأكلان في نفس الانية نفس الطعام . . هذا كثير لا بد ان اخاطبها سأفاتحها فى الامر وفى حبى . . " واطرق توفيق يفكر فيما سيفعل وخطر له ان ينزل الى الشارع وان يعرض عليها حمل السلة الثقيلة التى بيدها ، نعم سيحمل سلتها ويكبت حقده لذلك الشاب الغبي . . نعم اذا كان لا بد من تضحية فى سبيل التعرف إلى فتاة احلامه فسضحى بكبريائه ويحمل السلة حتى مدخل العمارة " الرجل اللطيف لا يخسر صفقة ابدا " هكذا يقول مديره بالبنك المركزى ومديره لا يخطئ في هذا القول ، لذلك قرر توفيق ان يسرع فى تنفيذ ما صمم ونزل الدرج وهو يقفز كالطفل واذ انتهى الى باب العمارة وهم بالخروج اوقفه صديق له وقد انتصب وصاح فيه - مالك تعدو هكذا كالمجنون ؟

- لا . . لا شئ سأبحث عن قليل من اللبن . . هناك . . الدكان قريب انتظرني . .

- انت تعلم انى اكره اللبن . . عندك ولا شك قليل من الجعة او من الشاي . . دعنا نصعد

- اصعد يا اخى وافسح الباب . . اشرع فى اعداد الشاى وسآتي بعد لحظات . .

ولكن صديقه امسك بطرف ثوبه ولم يفسح المجال . .

- انا ايضا معجول اسمعني دقيقة وخل سبيلي ، اتيتك بالمنظار المقرب ، خذ . . اتعتزم الذهاب الى الصيد :

- شئ من هذا القبيل . .

اجاب توفيق عن سؤال صديقه فى صيحة وافتك من يده المنظار وانطلق كالسهم فى الشارع وبقى الصديق فى مكانة لا يدرى سر هذه العجلة غير المعهودة . .

وانتهى توفيق الى دكان البدال ووقف يتفرس فى وجوه الزبائن ولكنه لم يقف بينهم على عروس احلامه فقفل راجعا تجاه العمارة البيضاء وما كنت ببصره على مدخل العمارة حتى رآها تغيب فى بهوها والسلة الثقيلة بيدها فاعتراه غضب شديد وظل يكيل الشتم لذلك المغفل الذى قطع عليه الطريق فأفسد خطته ، وسار فى طريقه الى بيته فى غيبوبة عما يقع حوله وما ان وصل مدخل عمارته وتوقف لحظة ليلقى نظرة اخيرة من الشارع على نافذة الطابق الثاني حتى أسترعى انتباهه امر غريب لم يلاحظه من قبل فى الشارع نعم . . لم يلاحظ توفيق الى حد ذلك اليوم ان وراء الشارع الذى يفصل بين نافذته ونافذة العمارة البيضاء ساحة كبيرة يمكن ان تسع عمارة ثالثة ، كم انه لم يلاحظ اكوام الحجارة واطنان الحديد التى بدأت تملا المساحة منذ ما يقرب من اسبوع وها هو يرى الآلات تنصب الى جانب الحجارة والحديد والخشب والعملة من حولها فى صخب وشغل شاغل . ولم يتوقف طويلا امام هذا المشهد فدخل العمارة وبدأ فى صعود الدرج وقال في نفسه

" ستكون الاشهر صاخبة . . سامحهم الله . . " ووصل الى بيته فى الطابق الثاني ودخل واوصد الباب وراءه ثم ما لبث ان فتح نافذته على مصراعيها واخذ المنظار بين يديه ورفعه الى عينيه واخذ ينظر فى اتجاه النافذة المقابلة ، لكن الستائر منعته من مشاهدة اى حياة او حركة فى بيت جارته الحسناء وسال على عينيه عرق بارد واعترته رعشة اهتزت لها فرائصه واجبرته على الجلوس ما كان اسعده لو شاهد ما كان يقع وراء الستائر التى حجبت عنه سر اللغز الذي حيره طوال ذلك اليوم ، لو لم تكن الستائر لامكنه ان يعلم ان

صاحب السيارة الحمراء لم يأت فى ذلك اليوم فى زيارة هند بل اتى يأخذ خطيبته ثريا . . وثريا صديقة هند من امد طويل وقد جاءت فى ذلك اليوم تعير صديقتها بعض الاوانى ، ستقيم هند حفل استقبال بسيطا على شرف صديقة قديمة من الله عليها في الايام الاخيرة بطفلة جميلة أسمتها " هند " وقوفا عند رغبة هندنا صاحبة نافذة البيت المقابل . حقيقة ، توفيق لا يستحق كل هذا . . لكن . . الجني الخبيث كان له بالمرصاد . . فمن يهديه السبيل ؟ وقالت صديقة هند وقد ازاحت جانبا من الاستار

- من هذا الذي ينظر فى اتجاهنا من خلال منظاره المقرب . . هناك من النافذة المقابلة ؟

ولم تجب هند بل تغافلت عن السؤال واردفت الصديقة : - هو ذا ينزع المنظار . . اوه شاب لطيف.....  أتعرفينه ؟

ولم تجب هند عن هذا السؤال أيضا ولكنها اقتربت من النافذة والقت نظرة عجلى على النافذة المقبلة . وما لبثت الصديقة ان اخذت تسوى شعرها وتعدل ثوبها وقالت هند فى نفسها : " كيف تجسر هذه المغفلة هكذا امام خطيبها " وشعرت هند بالغضب يتسرب الى نفسها ، لو قيل لها انها غاضبة لانها غائرة لما صدقت ولكن الغيرة طبعا هى التى قادتها الى النافذة من جديد وجعلتها تزيح الاستار في عنف غير معهود ، وقالت صديقتها فى لهجة فيها قليل من التودد وكثير من المكر :

- انا افهم الموقف هذا الشاب يقلقك . . لكن سوف يحرجك طويلا عندما يصعد المبنى الجديد بطوابقه الخمسة يمكنك ان تفتحى الباب على مصراعيه . . وسيرتفع المبنى قريبا .

وآلم هند ما سمعته من فم صديقتها واخذ المها يزداد مع ارتفاع المبنى . . مع كل شهر يضاف فيقرب الجدار من مستوى الطابق الثانى . . غريب امر هؤلاء العملة . . لا شغل لهم سوى الارتفاع بهذا الجدار اقداما كل يوم . الى السرعة هكذا ؛ كانهم يعرفون سر النافذتين فابوا الا ان يقطعوا ذلك الخيط العاطفي الرقيق الذى طالما ربط بينهما . . يقطعوه فى اقرب اجل ممكن ولهذا تراهم يسرعون على غير عادتهم في بناء هذه العمارة المشؤومة ، وكثيرا ما وقف العاشقان كل في نافذة وكثيرا ما اطالا الوقوف وتبادلا النظرات خلسة وكثير ما طفح الماء وسال على الجدار وبلغ رؤوس المرة على الرصيف . ورفعت هند يديها الى السماء وطلبت من الله غيثا جزيلا كريما املا فى ان يتوقف العملة عن البناء او على الاقل أن يبطئ المطر الاشغال فيبعد ساعة الفراق وكثيرا ما تساءل توفيق بدوره وهو ينظر من نافذته الى البناية الصاعدة عن امكانية توقف العمل من جراء اضراب يقوم به العملة احتجاجا على . . امر ما لم يوافق

هواهم ولكن الصيف الذى تكبد الكثير من اعباء المطر في هذه السنة قرر في اخر ايامه ان يكون عند حسن ظن الناس فقام بواجبه كصيف وأتاح للشمس ان تبرز وان تسطع فى زهو وكرم متناهيين . اما العملة فلم يقوموا باى اضراب ، كل طلباتهم لبيت ووقعت تسوية بعض المشاكل بالحسنى دون اضطراب ولا شجار . . ولهذا كنت تراهم منهمكين فى شغلهم والرضا يعلو وجوههم واغنيه واحدة فى حناجرهم تقول ما معناه : " العمل الجيد يشرف عامله ومن يقوم بالعمل الجيد خالق فى فنه " وهكذا اخذت البناية ترتفع بسرعة مدهشة الى ان بلغت رؤوس العملة مستوى نافذة هند ، واتى اليوم المشهود

كان العمله في مستوى اقدام هند ووصلت  البناية الى مستوى نهديها كان ذلك صباح يوم اثنين وكانما فكرة واحدة طافت في رأس العاشقين في ذلك اليوم فقد بقيا بالبيت ووقف كل منهما فى نافذته ينظر الى البيت المقابل والى  العملة وهم يرفعون الجدار لبنة لبنة وجمعهما خاطر واحد للمرة الثانية في ذلك اليوم لقد قرر كل منهما ان لا يضيع آخر فرصة . فى نفس الوقت رفع كل منهما يده  مشيرا الى الاخر وبينما كان الجدار يقطع حبل الوصل بصورة نهائية كان توفيق وهند كل من ناحيته ينزلان الدرج فى سرعة مدهشة وما هي الا لحظات حتى التقيا  امام مدخل العمارة الجديدة ، لم يجسرا فى بداية الامرء على الحديث ثم انهما كانا منهوكين من اثر العدو ، لكن ما لبثا ان تخاطبا فانزاح الضباب وفي مساء ذلك اليوم كانا معا جنيا لجنب فى السنما ، وبعد اسبوعين ، يوم الاحد كان توفيق يحمل الى بيته سلتين ثقيلتين . حفل الاستقبال يقام الليلة في بيته وقد دعا بين من دعا إلى ذلك الحفل خطيب ثريا صاحب السيارة الحمراء والغريب انه لم يعد فى نظر توفيق ذلك الشباب الصفار الوقح الذى اقض عليه مضجعه يوما ما فى سابق الايام وعند ما وقفت سيارته الحمراء امام باب العمارة صفر كعادته لكن صفيره لم يعد وقحا ولا منكرا بل استطابه توفيق ووجد له رنة

كانت هند هذه المرة ايضا فى استقبال المدعوين فهى التى اعدت السهرة واختارت المئاكل والمشروبات ، وفرغ العملة من بناء العمارة الجديدة ، فكانت اجمل عمارة فى الحى بها الوان كثيرة على الطراز الحديث وتعلو مدخلها فسيفساء رصفت بعناية فائقة وذوق مجيد ، فاذا قادتك رجلاك يوما صديقى القارئ - هكذا عفوا - ومررت بالعمارة الجديدة ليدفعك الفضول الى دخول البهو  فستجد فى زاوية منه مجموعة من صناديق الخشب يعرفها موزع البريد ويعرفها اصحابها واحدا واحدا . على صندوق من هذه الصناديق ورقة بيضاء كتب عليها باحرف جميلة " هند وتوفيق . الطابق الثاني " وتفهم عندها لماذا ارجع توفيق الى صديقه المنظار الذى استعاره منه ليخرج الى الصيد . . او الى . . شئ من هذا القبيل . .

اشترك في نشرتنا البريدية