راجع ٤٤ سبق نشره في عدد ربيع الاول ١٣٨٤
- ٢ - اما الباب الثاني من الرسالة فيحتوى على ٩٩ فصلا يتناول فيها البتر والثقب والفصد والحجامة وجراحة الخراريج وانتزاع السهام من الجسد. ويحذر الزهراوي من ان الجهل باجراء عمليات كتلك قد يؤدى الى قطع عرق او اتلاف شريان، مما يسبب فقدان وتسرب كمية من الدم الذي هو عماد الحياة ونصح كثيرا باستعمال الابرة والخيط في رتق الجروح ولأم الفتوق.
والاجسام الغريبة التى تستقر فى الاذن كما ذكر الزهراوى فى الفصل السادس على اربعة انواع:
١ - الاحجار المعدنية او المواد الشبيهة بها كالحديد والزجاج.
٢ - بذور النباتات كالفول والفاصوليا.
٣ - السوائل كالماء والخل
٤ - الحشرات كالسوس والقمل وما شاكلهما.
ونصح لاستخراج هذه الاجسام الغريبة باستعمال عدد من الادوات منها ملقط دقيق على شكل القطارة ( شكل ٧ ) ومحقن يتصل بطلمبة أو انبوبة مصنوعة من الفضة او النحاس كما فى ( شكل ٨ ) ومما هو
عظيم الاهمية والفائدة وجدير بالملاحظة ما نصح به من دهن وتزييت التجاويف قبل استعمال تلك الادوات ...
اما الفصل ٢٤ فيختص بعلاج الاورام الليفية التى تنمو في الانف والجسد ) ومن ذلك السرطان ) وعلاجها بالدواء او الجراحة
وقد نصح باستعمال قطارة انف معدنية جوفاء على شكل لمبة الغاز ( شكل ٩ ) وتمسك القطارة من مقبضها بينما تسخر محتوياتها قبل الاستعمال ويبدو ان القصد من تسخين القطرات هو مساعدة الدهن أو المادة الدهنية على الانسياب ورفع درجة حرارتها الى درجة حرارة الجسم.
وقد نصح الزهراوي في بحثه فى طبابة الاسنان باستعمال المحكات والكلاليب الخاصة، بتنظيف ونزع الاسنان ( شكل ١٠ و ١١ ) وذكر بعض النقاط التاريخية الهامة، فقد حذر من الوقوع في الخطأ الشائع في انتزاع السن المجاورة السليمة بدلا من السن الموجوعة نزولا على كلام المريض في احساسه بالالم. وقد وصف للغرغرة الماء والملح والخل والشراب ولمقاومة النزيف باستعمال الزاج او ما يسمى ( سلفات النحاس ) فى عرف الطب الحديث.
وفي الفصل ٣٣ بحث الزهراوي طريقة استعمال القنطرة فى تثبيت السن المتقلقل ( شكل ١٢ ) ويفضل استعمال العظم على استعمال الذهب والفضة التى هى على حد قوله تفسد السن، وتتلفها فى وقت قصير.
ولنرجع الآن إلى الفصل ٣٦ حيث نجد الزهراوي يصف لنا سكينا حادة رقيقة مدببة ( شكل ١٣ ) لاستئصال اللوزات الملتهبة او اى أورام اخرى بالحلق وهي مصنوعة من الفضة او النحاس.
ويأتي في الفصل ٣٧ على ذكر استئصال اللهاة الملتهبة بالجراحة، كما يشير في نفس الفصل إلى استعمال الادوات المصنوعة من الصلب. ومما له اهمية كبرى فى العلاج الوصفة التالية التى لا يلجأ اليها الا عندما يكون الانتفاخ آخذا فى الهبوط:
خذ قدرا من النعنع البرى ( الحبق ) والابنث والزعتر والسذاب والثغام والبابونج وما شاكلها من الاعشاب النافعة، وضعها كلها في قدر واغمرها بالخل. احكم غطاء القدر وسدها بالطين واترك بها ثقبا صغيرا في وسط الغطاء وضعها لكى تغلى على النار. ضع طرف انبوبة جوفاء في الثقب وأدخل الطرف الآخر منها فى فم المريض لينطلق البخار المتصاعد الى اللهاة واذا لم تتمكن من ضبط هذه الآلة فخذ عودا من القش واشبكه بقشرة بيضة وعلقها على طرف الانبوبة التى بالفم لتمنع ما قد يسببه البخار الساخن فى الفم من حروق.
ويكرر الزهراوي في الفصل ٥٣ عن السرطان ما ذكره الاطباء اليونانيون قديما من ان من الممكن ازالة السرطان بالجراحة فى مرحلته الاولى فقط، وعندما يكون فى جزء متحرك من الجسم كالثدى، وهو بذلك يعترف انه لا يستطيع ولم يسمع بان احدا تمكن من اجراء عملية بنجاح لازالة سرطان فى مرحلة متأخرة من النمو ...
ومن الجدير بالذكر ما اشار اليه في الفصل ٥٩ من الحقنة المعدنية ( شكل ١٥ ) المستعملة فى حقن المحاليل الطبية فى المثانة حيث قال: " يجب ان يتسع تجويفها
للقدر اللازم من الدواء وان يكون على طرفها طلمبة بحيث تساعد على دفع الدواء الى المثانة ومص الفائض منه عند اللزوم.
ومن العمليات المتبعة قديما في استخراج الاجنة من الرحم ما ذكره في الفصل ٧٦، ويكشف لنا هذا الوصف لا عن عبقرية الزهراوي وذكائه فقط ولكن يظهرنا في نفس الوقت على مقدرته ومهارته كطبيب جراح ..!
ويوضح لنا الفصل ٨٣ الادوات المستعملة فى الحقنات الشرجية لامراض المستقيم وحالات المغص والنزيف، وهي عبارة عن عدد من الحقنات الفضية او الزجاجية او النحاسية المختلفة الاشكال ( شكل ١٦ ) نشير الى احداها بصفة خاصة منصوح باستعمالها للاطفال ينتهي أحد طرفيها بطلمبة لضخ السائل المراد حقنه، وهي اشبه بالحقنة المستعملة في الوقت الحاضر
وفي الفصل ٨٤ يتحدث الزهراوي عن آلة تستعمل لعدة جروح وينصح باستعمال الوصفة التالية وهي:
خذ جزأين متساويين من اللبان الذكر ورب الفاكهة وثلاثة اجزاء من الجير الحي ( الرخام ) او المطفأ. اسحقها كلها جيدا وانخلها. ذر شيئا من المسحوق على الجرح.
اما فى حالات تلف الاوعية الدموية فتوثق العروق برباط.
وقد ذكر في فصل آخر أربع طرق لخياطة الامعاء.
ولم يفت الزهراوي ان يتحدث عما يمر بنا من اصابات في الحرب وهو يكتب رسالته فى نهاية القرن العاشر الميلادي، فليس من شك فى انه قد مر به ما كانت تلحقه السهام بالجسم من أضرار، ويكشف لنا ما نص عليه فى الفصل ٩٤ من ملاحظاته فى بحوث متقنة عن استخراج السهام على أنواعها من الجسد، وبناء على ذلك فقد وصف في الرسالة انواعا مختلفة من الملاقط والشناكير لاخراج السهام ( شكل ١٨ ) وقد جعلت اشارة الزهراوي عن الاقواس والسهام التركية المؤرخ ( فريند ) لا يشك ابدا في ان المؤلف كان ما زال على قيد الحياة فى القرن الثاني عشر، مع ان الواقع وحقيقة الامر هو ان الاقواس والسهام التركية كانت شائعة الاستعمال حتى في اواخر القرن العاشر الميلادي ..!
اما الفصل التالي فكان عن استعمال الكيزان المصنوعة من القرون او الخشب او النحاس او الزجاج وذلك تبعا للموجود والمتيسر منها. أما طرق استعمالها فعل نوعين وذلك بان تستعمل بالنار اولا ( شكل ١٩ ) وينصح بدهن الموضع وغسله بالماء المعطر قبل وبعد استعمال الكيزان وذلك ليسهل العلاج ويتحقق الشفاء.
اما عندما لا يكون من الممكن استعمال الكيزان كما هو على الانف، والاصابع وما
شاكلها عن اجزاء الجسم الانساني فهل كان يجيز استعمال العلق فى العلاج؟ ان هذا كما يبدو مما لم يشجع على استعماله او اللجوء اليه.
اما القسم الثالث والاخير من الرسالة فيقع فى خمسة وثلاثين فصلا يتحدث فيها عن وسائل جبر وعلاج العظام المتفككة وما لحق بها من اضرار ومن ذلك الكسور فى عظام الحوض، ويكرر الزهراوى ويعيد في مقدمة هذا الباب ما سبق ان ذكره في المقدمات السابقة من نصائح وتنبيهات. وتحفل الرسالة علاوة على ذلك بمختلف اوجه العناية بالمسائل الصحية. فقد تحدث فى اسهاب عن تضميد الجروح وأشكاله المتعددة وعن الجبيرات المستعملة فى عمليات مختلفة.
اما شرح الزهراوي المفصل عن كسور العظام فيعد مرجعا تاريخيا هاما في علم التشريح فقد وصف وصور الاساليب الخاصة بربط العظام المصابة بكسر او غيره وينصح ان تكون الضمادات واللفائف من الكتان الناعم وان تكون اقل شدا كلما اقتربت من مكان الاصابة ( الفصل الاول ) ولصيانة المناطق المجاورة للجزء المصاب من ملامسة اطراف اللفائف ينصح باستعمال نسيج ناعم والصوف المندوف، وفي بعض الاحوال يفضل لاجل الوقاية من الانتفاخ
تأخير ربط اللفائف على الجبيرة لمدة يوم او اكثر، وقد ابتكر الزهراوي الكثير من انواع واشكال الجبائر لاستعمالها فى تطبيب كسور الرأس والاكتاف والاصابع والاذرع الخ البسيطة منها والمركبة. انظر ( شكل ٢٠ ) فقد نصح مثلا فى خلع العضد باستعمال جبيرة تتكون من عصا رفيعة ملساء منحنية فى شكل قوس له وتران يتصل كل منهما بطرفي القوس كما فى ( شكل ٢١ ) يوضع العظم المصاب في وسط قوس الجبيرة، حالما يجلس المريض على مقعد مرتفع ولا يستعمل الرباط الا اذا لم يكن ثمت انتفاخ مؤلم ( الفصل الثاني ) ومن بين الملاحظات الهامة التى في هذا الباب ما ورد فى وصف الشلل المتسبب عن كسر العمود الفقرى.
ومما هو جدير باهتمام مؤرخي الادوية
والمستحضرات الطبية ما ذكره الزهراوي من مستحضرات طبية لعمل الجبائر لاستعمالها على العظام المتكسرة. فهو يصف مثلا المستحضر التالي لصنع جبيرة عن تلك الجبائر:
(خذ قدرا من غبار الرحى) غبار الدقيق المترسب على جدار الرحى ) بدون ان تنسف عنه النخالة. اعجنه بزلال البيض
جيدا حتى يصير قوامه معتدلا. وضعه على العظام المصابة ).
وهنالك مستحضر خير من سابقه وهو:
( خذ مقدار عشرة دراهم من كل من عروق الرمان والخطمى الابيض ومثل ذلك القدر من الصبر والمر، مع ستة دراهم من الصمغ العربى وعشرين درهما من طين المعامل، واسحقها كلها سحقا جيدا وانخلها ثم اعجنها بالماء او زلال البيض
وضعها على العظم المصاب ) ( الفصل الاول )
وقد يتساءل الانسان: ما اذا كان الزهراوي قد اجرى اى تشريح للجسم البشرى؟ انما الجواب على هذا السؤال
فيحتمل الخطأ، لان معرفتنا عن حياته ليست مكتملة .. وعلى كل حال فانه لم يذكر شيئا من ذلك فى أى جزء من الاجزاء الثلاثين التى يشتمل عليها كتاب
( التصريف ) - وهي كل ما عرف عنه من مؤلفات - وليس هنالك ما يدل على انه كان يمارس ذلك في الخفاء. ولكن ما عرف عن استقامته كمسلم يؤكد ويردد تمسكه بالدين، ولا يرى باسا فى اجراء
التشريح على الحيوانات عملا بها جرى عليه اليونانيون والرومانيون والسلف الصالح. فقد كان المسلمون والمسيحيون من قرون مضت ضد فكرة تشريح الجسم البشرى مهما
كان الغرض المقصود من ذلك. لأن الدين الاسلامي وعقائدهم المتوارثة لا تقر مثل ذلك العمل. وربما كان ما دعا الزهراوي الى ممارسة الجراحة وتحمسه لدراسة التشريح واتقانه لما له من ضرورة عملية فى الجراحة واعتقاده التام بضرورة المام الاطباء التام بالتشريح قبل مباشرة اجراء اية عملية جراحية - هو اثبات ان ذلك ممكن بدون الاقدام على تشريح الجسم البشرى والتمثيل به. وما دعا مؤرخي الطب أن يدهشوا كيف امكن له ان يتقن هذا الفن ولم يسبق له قط تشريح الجسم الانساني في حياته الطويلة.
الخلاصة ان الامثلة التوضيحية للأدوات الجراحية القليلة التى نقدمها هنا، مما يدل ويثبت ان النسخ العربية على العموم قد حافظت على الاصل والملامح الفنية المتمثلة فى تلك الرسوم في الوقت الذى اغفل ذكرها فى النسخ المترجمة الى اللاتينية وغيرها من اللغات عن كتاب التصريف. وقد كان لملاحظاته الشخصية وآرائه الاصيلة ومعلوماته الواسعة فى الطب العربى والاغريقي وذكائه وتجاربه الكثيرة - ما دفعه الى تأليف كتابه ورصد تجاربه وايضاح ذلك برسم الادوات الطبية المتعددة.
وقد لعبت رسالة الزهراوي، فى الطب الجراحي، بما ازدانت به رسوم وايضاحات دورا هاما فى تحسين وتقدم الادوات الجراحية التى كانت تستعمل فى العصور الوسطى، كما كانت تلك الرسالة بدون شك سببا فى ازدهار وتقدم الطب فى الاسلام، كما كان لها مثل ذلك التأثير وزيادة في الغرب بما جرى لها من ترجمات متعددة الى مختلف اللغات الحية .. مما جعل هذه الرسالة تشتهر بحق، كأروع انتاج في الطب الجراحى حدث فى اسبانيا العربية، وقد كانت فاتحة تطور كبير في هذا الفن وتقدمه. فقد اسهمت كثيرا في تزويد المتعلمين والجراحين المدربين بخير الادوات الفنية او الجراحية المعروفة في ذلك الزمان، كما شجعت في نفس الوقت على اختراع أدوات جديدة حسب ما تتطلبه الحاجة وتدعو اليه الاحوال والظروف، ومع ذلك فان تلك الادوات سهلت كثيرا مهمة الجراح ساعدته على اداء واجبه.
لقد لفت الزهراوي في اكثر من مكان فى كتابه ( التصريف ) الانتباه الى ما للمستحضرات الطبية من اهمية كبرى فى فن العلاج، ومن ذلك ما يستلزم اجراء عمليات جراحية من حالات.
" النشرة رقم ٢٢٨ التي يصدرها متحف التاريخ والفنون "
