الخرجة - كما هو معلوم - هى القفل الاخير من الموشحة والشرط فيها ان تكون من الفاظ العامة وقد تكون عجمية اللفظ وقد كشفت الابحاث المتاخرة عن وجود خرجات رومانية فى بعض الموشحات الاندلسية
لقد نشرت ) الفكر ( ) 1 ( الغراء نظرية للعلامة - ايميليو غرسيه غومز - اراها غير صحيحة فيما اعتقد للاسباب الاتية
1 - انها استندت على افتراض نظرى محض خلاصته ان هذه الخرجات تمثل بقايا الشعر الغنائى الرومانى الذى سبق الموشحات ، وهو شعر افترض وجوده - بلا دليل - العلامة - ريبيرا - افتراضا نظريا ، وتخمينيا ، فاقره على ذلك العلامة - غرسيه - ، رغم ان النظرية كلها قائمة على افتراضات محضة فاين هو النموذج الشعرى الرومانى الكامل الذي تعد ) خرجة ( الموشح بقية منه ؟
2 - ان العلامة ) غرسيه ( قد استند فى دعم نظريته على تفسير كلام ابن بسام فى كتابه الذخيرة اذ قال متحدثا عن شاعر قبره :
" وكان يضعها على اشطار ، غير ان اكثرها على الاعاريض المهملة غير المستعملة ياخذ اللفظ العامى والعجمى فيسميه المركز ويضع عليه الموشحة "
فابن بسام لم يصرح بان الشاعر ياخذ الخرجة من الشعر الغنائى الرومانى ولو اراد ذلك لقال انه ياخذ البيت او الشطرة وفرق كبير بين اللفظة والشطرة
نص ابن بسام اذن لا يساعد على التفسير الذى ذهب اليه الاستاذ - غرسيه القائل ان الموشح لم يكن فى الاصل سوى اطار جعل للاحاطة بخرجة رومانية كانت تؤخذ كما هى من التراث الشعرى للشعوب الرومانية المغلوبة على امرها
3- ان مجرد كون الخرجة الرومانية موزونة وزنا عربيا لدليل آخر على انها ليست من الشعر الغنائى الرومانى
4 - اذا لم تكن الخرجة من التراث الشعرى الرومانى ، بسبب انعدام الدليل ولان قول ابن بسام لا يساعد على هذا التخريج ولان وزنها العربى ينفي كونها شعرا رومانيا فما هى اذن ؟ اننا نقدم هنا وبكل تواضع تفسيرنا للخرجة الرومانية فى بعض شعر الموشحات العربى
ان الامة العربية قد جاورت عديدا من الامم والشعوب . وقد نشأت عن هذه المحاورة ازدواجات لغوية كثيرة . ففى المشرق نشأ شعراء كتبوا الشعر باللغتين العربية والفارسية منذ النقت الحضارتان والثقافتان فى بواكر العصر العباسى بل وايام العصر الاموى ايضا
وفي شعر ابي نواس ) الحسن بن هانئ ( نماذج شعرية كتب بعض اشطارها بالعربية الفصحى وبعضها الآخر باللغة الفارسية كقوله
يا غاسل الطرجهار للخندريس العقار
يا نرجسى وبهاري بده مرايك بارى
والطرجهار هو قدح الشراب بالفارسية ومعنى الشطر الاخير اعطنى مرة واحدة ومثله قول جلال الدين الرومى فى المثنوى :
جملة كفتند اى حكيم باخبر الحذر دع ليس يغني من قدر
تاتوانى دم مزن اندر فراق ابغض الاشياء عندى الطلاق
ومعنى الشطر الاول يقول الناس ايها الحكيم المحنك ، ومعنى الشطر الثالث لا تبق لحظة على فراق . ومثله قول حافظ شيرازى :
درونم خون شداز نادييدن دوست الا تعسا لايام الفراق
ومعنى الشطر الاول : باطني صار دما من عدم رؤية الحبيب . وكقول سعدى شيرازى فى كلياته :
توخون خلق بريزى وردى در تابى ندا نمت جه مكافأت باين كنايابي
تصد عني في الجور والنوى لكن اليك قلبي يا غاية المنى صابي
ومعنى الشطر الاول انت تريق دم الخلق على حين وجهك مشرق ، ومعنى الشطر الثاني لا ادرى اى جزاء تجد فى هذا الاثم
لقد سمى هذا اللون من الشعر فى المشرق ) الملمع ( تمييزا له عن سواه وفيما بعد ظهرت فى المشرق ازدواجات اخرى بين اللغتين العربية والتركية والعربية والكردية فى الشعر العراقى خاصة ليس هنا مجال تفصيلها ونكتفى بنموذج من الملمع العربى التركى :
بدر بدا ببدرة سحير ليل حالك
يغشى العيون نوره اخجل بدر الفلك
قلت افندم كيل بره منك اليك اشتكى
فسل عضبا مرهفا وقال وكيت قلت بكى
والمعنى ) كيل بره ( تعالى هنا ، وكيت معناها اذهب وبكى معناها نعم .
والذى نريد ان نقوله هنا : ان كتابة - الملمع فى المشرق راجعة بالدرجة الاولى الى وجود شعراء يحسنون النظم بلغتين او اكثر فهم يملحون ويطعمون شعرهم بهذا اللون المبتكر الذى ابتكره المشارقة فى وقت مبكر جدا .
مثل هذا يمكن ان يقال عن الخرجات الرومانية فى شعر المغاربة والاندلسيين فهي اقفال كتبها شعراء عرب - اندلسيون ومغاربة - كانوا يحسنون اللغتين العربية والرومانية الدارجة معا فهم لم يقتبسوا هذه الخرجات من الشعر الغنائى الرومانى كما ذهب العلامة ) غرسيه ( وانما كتبوها هم ، لانهم فى الاصل كتبوا الموشحة باللغتين العربية والرومانية فالخرجة الرومانية اذن قفل لموشحة كتبها شاعر عربى بالعربية الفصحى ثم ختمها بخرجة من نظمه هو باللغة الرومانية ليملح بذلك موشحته ويزيدها مسكا وعنبرا
فلا علاقة للشعر الغنائى الرومانى بذلك . ودليلنا على هذا بالاضافة الى ما تقدم نجمله في قولنا : ان بعض الشعراء العرب فى المغرب طعموا موشحتها ولمعوها ) بخرجات ( هي فى ذاتها مزيجة من اللغتين اى ان الخرجة هنا ليست اسبانية صافية وانما هى مزيج من العربية والاسبانية : ومثل هذه الخرجات لا يمكن تفسيرها الا بان الشاعر يتقن فى الاصل اللغتين معا ونظم خرجته بهما معا فى ازدواج لغوى ووحدة فى المعنى وبوزن عربى
مثال ابن بقى فى خاتمة موشحة له
الب ديه اشت ديه دى ذا العنصر حق
بشترى مو المدبج ونشق الرمح شقا
ومعنى هذه الخرجة بجملتها : هذا اليوم يوم فجرى انه يوم عيد العنصره ، سوف البس ثوبى المزين واشق الرمح شقا .
تم ان ابن سناء الملك قد جعل بعض خرجاته باللغة الفارسية ، فهل يصح القول بان هذه الخرجات منسوبة الى شعره من الشعر الغنائى الفارسي
ومما يؤيد ويؤكد صحة وجهة نظرنا ما يشيع فى هذه الايام من شعر الانكل آراب وهو مزيج من العربية والانكليزية يكتبه بعض شعراء عدن والمحميات .
نموذج انكلو آراب :
ايها الناس افيقوا انما الدنيا FINISH
كيف ترضون بعيش همنا رز و FISH
قاتل الله سجونا تجعل اللون REDDISH
فهل يصح القول بان الالفاظ او الاشطار الانكليزية الموجودة فى هذا الشعر قد انسربت اليه من الشعر الغنائى الانكليزى ؟ الجواب بالنفى طبعا والاصوب في التفسير القول بانها حصيلة شعراء احسنوا اللغتين وكتبوا بهما معا .
اننى اقدم شكرى لمجلة - الفكر - الغراء التى كانت دائما منارة من منارات الفكر وقلعة من قلاعه والتى اتاحت لقلمنا المتواضع أن يخوض فى مصطرع الاقلام .
واقدم عظيم احترامى للعلامة - غرسيه - مكبرا فيه علمه الواسع وبحوثه القيمة ومجهوداته المتواصلة الرائعة راجيا ان يتقبل هذه الكلمة بالروح العلمية المخلصة التى املتها . .
