الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

ندوة القراء, أحاديث موضوعة عن المنستير

Share

جاء مقال السيد نور الدين صمود المعنون " المنستير " فى الاحاديث النبوية الشريفة بالصفحة 32 من العدد 5 لسنة 1981 بمجلة " الفكر " ملخصا لما ورد فى كتابين هما : " الطبقات " و نزهة الانظار " وقد نقل عدة احاديث زعم واضعوها انها نبوية شريفة (!) ...

ان موضوع المقال يحتاج فعلا إلى ان يعاد تحليله بطريقة علمية دقيقة . لذا سنحاول تصويب ما جاء فيه وسنجيب عن تساؤلات السيد صمود ...

1 - مصادر الحديث :

ان مصادر الاحاديث التى استقى منها كاتب المقال ليست من كتب الحديث الصحيحة كذلك محققوها ليسوا من أهل الاختصاص فى هذا الميدان ..

ان كتب الحديث معروفة ومشهورة وقد ضبطت وحققت بطريقة علمية لا يتسرب اليها الشك او التزييف ..

اما الاحاديث المروية فى المقال فلا أصل لها فى الصحاح المتفق عليها من الجمهور فى كامل الامة الاسلامية والجدير بالذكر ان كل حديث تتضمنه كتب الادب او التاريخ لا اصل لها فى كتب الحديث الصحيحة لا يمكن اعتمادها . اذ فن الحديث له علومه واصوله وقواعده ..

2 - وضع الاحاديث :

ان كل الاحاديث التى وردت فى المقال بلا استثناء هى احاديث باطلة وموضوعة لانها تتوفر فيها شروط الاحاديث الموضوعة ..

لقد وضع العلماء المختصون قواعد لتمييز الحديث الصحيح من الحديث الموضوع والقواعد كثيرة واشهرها خمسة ذكرها الدكتور صبحى الصالح فى كتابه : " علوم الحديث ومصطلحه " فى الفصل السادس ( الموضوع وأسباب الوضع ) .

أ - اعتراف الواضع نفسه باختلاق الاحاديث

ب - أن يكون فى الحديث لحن فى العبارة او ركة فى المعنى ( لان للحديث النبوى ميزته البلاغية والمعنوية ) .

ج - ان يكون الحديث المروى مخالفا للعقل او النقل .

د - ان يتضمن الحديث المروى وعيدا شديدا على أمر صغير او وعدا عظيما على أمر حقير .. ( وهذا اكثر ما يفعله القصاص والكاذبون ).

ه - أن يكون الراوى مشهورا بالكذب يضع الحديث لغاية خسيسة .. ثم ان كثرة الحديث دليل على الوضع وقرينة له ..

أما اسباب وضع الحديث فهى كثيرة منها : الانتصار لمذهب معين وهوى النفس او التقرب الى الطبقة الحاكمة كسبا للخطوة او التعالم بين العامة بغير علم وما احسن قول القائل : " رأيت الحديث يباين العقل او يخالف المنقول او يناقض الاصول فاعلم انه موضوع . " ( عن ابن الجوزى فى كتاب التدريب ) .

3 - فحص الاحاديث المدرجة فى المقال :

اذا عرضنا ما جاء من حديث عن المنستير على المقاييس العلمية للوضع التى اقرها العلماء نجد ثلاثة شروط من خمسة على الاقل متوفرة بينما لم يشترط العلماء سوى توفر شرط واحد لاسقاط الحديث ..

نقل صاحب المقال تعليق المحققين على كلمة " المنستير " بما يلى :

" مدينة بساحل تونس اشتهرت كرباط بناه هرثمة بن اعين سنة ( 180 ه ) فهل يعقل هذا ؟ مدينة تبنى سنة 180 ه ويقع ذكرها فى الاحاديث النبوية الشريفة ؟ !..

ثم ان الاحاديث مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة وهي مخالفة لنصوص صريحة اذ كيف يجازى الانسان على شئ حقير بثواب عظيم كهذا الادعاء : " من رابط بالمنستير ثلاثة أيام وجبت له الجنة " ثم يزيد الامر تعظيما : " وله فى هذه الايام الثلاثة كأجر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " وجاء فى المقال : ان اهل المنستير لا يموتون كبقية الخلق .. اقرؤوا هذا العجب العجيب : " فيخرج عليهم ريح صفراء ما بين المشرق والقبلة فتخرج أرواحهم فما ينزع عنهم أخلاقهم - أى ثيابهم الخلقة البالية - الا ازواجهم وخدمهم من الحور العين " ولكن ، ورد فى حديث صحيح مشهور ومعلوم بالضرورة ان الناس يبعثون يوم القيامة من قبورهم حفاة عراة غرلا - أى غير مختونين - اذن ، كيف نوفق بين هذا وذاك ؟ .

وجاء فى الحديث المزعوم ان الله ينزع أرواح اهل المنستير بالريح الصفراء نزعا جماعيا وهذا النزع الجماعى لا يحدث الا عند فناء الدنيا وفناء الدنيا لا يكون الا على اشرار الناس فقد روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ."

وذكر الراوى فى مزاعيمه : " ما ذكرت شيئا الا والمنستير أفضل منه ولك انه بلغني عن النبى صلى الله عليه وسلم انه من أبواب الجنة "

أيصح ان تكون المنستير أفضل من بيت الله الحرام ؟ وافضل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .

4 - كلمة عن القصاص :

ان للموضوع صلة متينة بموضوع القصص والقصاص ..

فلقد بدأت ظاهرة القصص فى تاريخنا منذ زمن الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد استنكر الصحابة على الذين يروون القصص وكشفوا دوافعهم التى تتلخص فى ابتغاء الشهرة وكسب المال والحصول على الجاه والظهور .. وتفاقم امرهم في عهد التابعين ولا سيما أيام الفتنة ثم كثروا فى أيام الدولة العباسية كثرة تركت أثرا واضحا فى الناس والأدب والحديث وكان التصوف فى ذلك الحين يمد القصاص بالخرافات والاباطيل ويلبس الشعوذات لبوس الدين .. ان القصاص يعتمدون على

العامة البسطاء فيخدعونهم بالقصة المحبوكة واللهجة الخطابية والاحاديث الباطلة ..

أشار ابن قتيبة الى اثرهم السئ هذا فقال : " فانهم يميلون وجه العوام اليهم ، ويشيدون ما عندهم بالمناكير والاكاذيب من الاحاديث . ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبا خارجا عن العقول ، أو كان رقيقا يحزن القلب . فاذا ذكر الجنة قال : " فيها الحوراء من مسك او زعفران ، وقصر من لؤلؤة بيضاء فيها سبعون ألف مقصورة ، فى كل مقصورة سبعون ألف قبة ... " فلا يزال هكذا فى السبعين ألفا لا يتحول عنها ..

5 - تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أخرج البخارى والترمذى والنسائى وابن ماجه والدارقطنى فى مقدمة : كتاب الضعفاء عن أنس انه قال : " انه ليمنعنى أن احدثكم حديثا كثيرا ان النبى صلى الله عليه وسلم قال : من تعمد على كذبا فليتبوأ مقعده من النار " .

سقنا هذا الحديث من بين 138 حديث أخرى ذكرها الامام جلال الدين السيوطى فى كتابه : تحذير الخواص من احاديث القصاص " تحقيق محمد الصباغ . نشر - المكتب الاسلامى - فمن شاء المزيد فليرجع الى المصدر

6 - ضرورة التثبت قبل كتابة الاحاديث :

ان السيد نور الدين صمود شاعرنا المحترم ، لئن كان من غير المشتغلين فى ميدان الحديث فهو لا يعفى من اللوم والانتقاد ، اذ كان عليه أن يتثبت أو أن يسأل أهل الذكر قبل أن يقدم على نشر الاباطيل والافتراءات ..

أليس مدعاة الى الاسى أن نرى الدولة تعاقب من يقدم على تعاطي الطب وهو ليس من اهل المهنة بالعقوبات الرادعة وتترك من يقدم على رواية الاحاديث الباطلة فأيهما أشد خطرا : الذي يؤذي بدن الفرد لجهله بالطب او الذى يؤذي دين الامة لجهله بأصول الدين ؟

ان الاحاديث الموضوعة كثيرة ولا يميزها الا الناقد من اهل الاختصاص ولقد قام الامام المحدث ناصر الدين الالبانى بعمل جليل لما جمع كل

الاحاديث الموضوعة والضعيفة فى مجلدات قيمة وبين اسباب وضعها أو ضعفها ..

7 - كلمة ختامية :

بعد ان حاولنا تحليل الموضوع من بعض جوانبه رأينا ان نقول كلمة

ختامية فى شأن هذا الموضوع الذى قال صاحبه بأنه يحتاج الى التحقيق واعادة النظر فيه . اذن نقول : ان موضوع صاحب المقال موضوع فعلا والاحاديث التى أوردها باطلة ولعلها من احاديث القصاص ..

وجاءت تعليقات السيد صمود لتدل على انه يصدق بالاحاديث ولفت العنوان : " المنستير " فى الاحاديث النبوية الشريفة واضح الدلالة !! وبقى لنا ان نتساءل :

ترى ما هى الفائدة العملية والعلمية من هذا المقال موضوع الرد فى عصرنا الحاضر ؟ !

لعله التشكيك فى الاحاديث النبوية وذلك بنسبة الخرافات للرسول والاباطيل المردودة بما هو ثابت من الدين بالضرورة ؟ !

اشترك في نشرتنا البريدية