نزاهة النقد دعامة حرية الفكر
نشرت مجلة " الفكر " فى عددها الاخير مقالا للاستاذ الشاذلى بويحيى تحت عنوان " اسبوع الشابى " نقد فيه صاحبه نصيبا وافرا من المحاضرات التى القيت " بدار الجمعيات الثقافية " . وانك أيها القارىء طالعت ذلك المقال كما طالعته ووجدت فيه كما وجدت نقدا حرا نزيها تحاشى فيه الناقد ذكر اسماء المحاضرين ولم يعتبر فيه الا بحوثهم وقيمتها فى نطاق الحياة الادبية ببلادنا . ولعلك استبشرت بتلك البادرة الطيبة فى النشاط الادبى فحمدت الله على موت الجمود الفكرى وعلى وعى بعض المثقفين وتمسكهم بمبادئ حرية الفكر واحترامهم لحرمتها ورعايتهم لقداستها
لا انك قد لا توافق صاحب المقال على بعض آرائه وقد لا تسايره فى وبعض احكامه فتميل نفسك الى الرد عليه ردا لا يمكن ان يخرج عن مظاهر اللياقة في الرد ولا عن مذاهبه المحترمة عند كل من يستحق صفة الاديب وانه ليضطرك اى ذلك ما في نقد صاحب المقال من احتشام ومناصرة للذوق ودفاع عن الادب الحق لا سيما انك لمست فيه انجع ما للنقد من المذاهب فقدرت حق قدره خلوه مما قد يدنسه من مرض النفس او " يزيفه " من الغرور والغى فلا تحمل على الاستاذ بويحيى - ان وطنت نفسك على حب الحق والسداد في الراي والتزام ما يلتزمه الادباء في كل عصر وفى كل بلاد من نزاهة ومروءة - لتشبعه شتما وتلوث شخصه ببذاءة الهجاء ووقاحة التعبير بل تأبى عليك نفسك الا الرد عليه ردا طيبا سليما نافعا لحرية القول والفكر مفيدا للنهضة بالحياة الادبية وبعثها بعثا صحيحا .
وان نفسك لا تؤاخذك لو ذهبت فى الرد ذلك المذهب وانه لا لوم عليك لو احترمت ما لفن النقد من اصول
ثم انك ترتاح نفسك لو عثرت على رد على الاستاذ بويحيى لا يخرج عن تلك الطريقة في الرد وانك لا تغتم لو وقفت على نقد يحترم اصوله وقواعده بل انك ترحب بذلك وينشرح صدرك كما ينبغى ان ينشرح للحق ويفعم السرور قلبك بحرية القول والفكر وبانتعاش الادب الحق وخيبة سلطان الرياء والكذب واستئصال داء الجمود والجبن
الا انك طالعت فى مجلة " الاذاعة " ردا على الاستاذ بويحيى تحت عنوان " الشابى بين التزييف والبحث العلمى " بقلم الدكتور محمد فريد غازى الذى كان ساهم فى محاضرات " اسبوع الشابى " فابتسمت لما رواه لك من " مأساة " عنوان مقالة الاستاذ بويحيى وما حدثه عنك من امر تلك " المحنة " اذ كنت قد شاهدت بعيني رأسك انه خصم جزء منه فختم على ذيله الذى هو " أوجناية الرابطة الثقافية على الادب " بخاتم شفاف . وقد كنت ذهبت فى تأويل ذلك المذاهب وتكهنت في سبب ذلك التكهنات
الا ان ابتسامتك نغصتها عليك مرارة قاسية اذ ذكر لك الدكتور محمد فريد غازى ان الاستاذ بويحيى " تراجع " فى امر ذلك العنوان قبل ان يخرج المقال ففضح لك الدكتور ما فضح من امر الضغط الذى " تنبأ " به بويحيى فى مقالته والذى ليس اشنع منه ضغط لانه يكبل الفكر حتى يميته كما تمات الزهرة التى ينقطع عنها الماء .
ثم انك أسفت اذ شاهدت الدكتور محمد فريد غازى قد آثر على اللياقة فى الرد والتزام قواعد النقد العلمي الصحيح عبارة الشتم وبذاءة الهجاء فى نيف صفحة هى نصف المقال او يكاد
فأسفت على ما قد يدعو اليه الغرور من غى باظهار الباطل مظهر الحق وهتك حرمة النقد الحر و " تزييف " لمبادىء الرد النزيه
ثم انك لم تأسف فحسب على ما أسفت عليه من ذلك الباطل بل استأت كما ينبغى ان تستاء عند الطعن فى الحق والفتك بحرمة حرية الفكر
وانك لتصرخ فى اذن الدكتور محمد فريد غازى هاديا الى الصواب ؛ أيا دكتور ما كان النقد سبا ولا تعييرا بل كان فنا وما كان الشتم من شيم الادباء وما كان السب مما يليق بحرمة " الدكتوراه " . ثم انك ايا دكتور كنت ناصرت حرية الفكر ودعوت اليها وتعلمت مبادئ النقد السليم فما بالك هفوت تلك الهفوة وما بالك وقعت ذلك الموقع
فبالله عليك يا دكتور عد للجاحظ وطالع مقدمة كتاب الحيوان ان لم تكن طالعتها قط وشاهد بعين قلبك لا بعينى راسك كيف رد على من انتقد كتبه ردا قد يعلمك الرد ويطلعك على ما لفن النقد الادبي من اصول ومقاييس وما لحرية الفكر من حرمة وقداسة .
" فابعدك الله ، يا دكتور ، عن الغرور والغى وجنبك النفاق والبهتان وانار بصرك بنور الحق وابرد قلبك ببرد اليقين . . . "
" ولقد يكبو الجواد " فليتك يا دكتور ذاك الجواد !
