تتجه البلاد في السنين الاخيرة إلى رفع مستوى نهضتها في العلم والتعليم . وقد رأي المنهل ان من الحسن ايضا ان يرتفع بمستوى الأدب عن أدب المقالة والفصيدة إلى لون جديد طريف يتمثل في عقد اجتماعات دورية بين الأدباء الممتازين ليجرى بينهم حوار - فى موضوعات عامة تتناول المرافق الحيوية والأدب والتفكير - وكان من بينها وفي طليعتها موضوع التعليم ، فتقدم المنهل بهذه الفكرة الى دور العمل والتنفيذ ، فاجتمع لأول مرة فى تاريخ آدبنا الحديث لهذا الغرض الأساتذة : محمد سعيد العامودى ، عبد الله عبد الحبار حسين عرب ، عبد القدوس الأنصارى ، واتفق أن حضر الاجتماع - من باب الصدفة الطيبة - الأساتذة : خليفة شعبان ، حسن القرشي ، عبد العزيز الرفاعي ، فانضموا بدورهم الى المتحاورين .
استهل الحديث عبد القدوس الانصاري بقوله : هل ترون أن نشر التعليم العام أجدر بالتقديم ، وخير للأمة ، أم نشر التعليم العالي ؟
الاستاذ عبد الله عبد الجبار : نحن فى حاجة إلى النوعين ، وأرى ان التعليم الشعبى اهم ، فالنهضة الحقيقية لا تكون إلا بانتشار التعليم ، والحياة الصحيحة للأمة هي حياة الشعب السعيد ولا يتوفر ذلك إلا إذا كان الافراد على قسط من التعليم . فالتعليم يمحو المرض والفقر والجهل ، وهي الأعداء الثلاثة للأمة ولا يجدي الطبيب مع المرضى الذين لا يفهمون معنى الصحة . فلا بد ان يتعلم الفرد المبادئ الصحية ليستطيع تطبيقها . والتعليم يسهل للأنسان وجود اعمال كثيرة . وفي ذلك ما فيه من قضاء على الفقر والبطالة
الانصاري : معنى هذا أنك ترى أن التعليم الشعبي أجدى للأمة من التعليم العالي ؟ الاستاذ خليفة شعبان : ليس هذا محلا للخلاف ، ولكن أرجو تحديد ما يقصده
الاستاذ عبد الله هل الحديث الآن مقصود به ان يلاحظ أبسط درجة من التعليم ، وهي التي تقضى على الأمية ؟ ان كان كذلك فان هذه الدرجة لا ترفع من مستوى الشعب
الاستاذ عبد الله عبد الجبار: التعليم العام خطوة هامة لأنه يجعل المتعلم يستزيد منه وحينئذ ينبثق فى الشعب الشعور بالاكتمال .
الاستاذ خليفة شعبان: اذا همم التعليم اندفع الشعب من ذاته الى استكمال التعليم العالي ، ولكن محل المناقشة هو توجيه الجهود إلى التعليم الشعبي فقط .
الاستاذ عبد الله عبد الجبار: ليس معنى كلامي الانصراف عن التعليم العالي ، فان اتجاهنا هذا الطبعي الى التعليم العالي حسب التطور كفيل بان يحقق اهدافنا فى وجود القادة . والمرشدين ، ويجب على هذا ان يتجه جل الاهتمام الى تعميم التعليم
الانصاري : البحث منحصر في ناحيتين : هل توجه جهودنا إلى التعليم الشعبي أم الى التعليم العالي ؟ اني أرى ان توجه جهودنا قبل كل شئ ما دمنا قد تنسمنا ريح النهوض الثقافى - الى التعليم العالي لانه هو التعليم الذي سرعان ما يكون القادة ويفتح الافاق المغلقة ويضئ السبيل للسائرين فى دياجي الحياة . وهؤلاء القادة اذا وجدوا في أمة - فانهم يستطيعون قيادة المجتمع بكل سهولة ووضوح الى ما فيه خيره وهداه ، ومن الممكن تكوين ثلة كبيرة منهم دفعة واحدة بعد أمد غير مديد .
الاستاذ محمد سعيد العامودي : هذا مثار الخلاف . فالأستاذ عبد الله عبد الجبار يرى نشر التعليم العام أولا . والذي أراه العناية أولا بنشر التعليم العالي ، ذلك ان بعض الأمم التى تقدمت في طريق الحضارة تكون على حق إذا اهتمت بالتعليم العام ، لأنها في المرحلة المتوسطة أما المبتدئة فى التعليم فالأجدر بها توجيه الجهود إلى التعليم العالي قبلا ، وفي مثل هذه الفترة من حياة أمريكا ، فى القرن السابع عشر والثامن عشر كان التفكير متجها إلى التعليم العالي اكثر ، اما المدارس الأولية فهي شى حديث فى تاريخ التربية والتعليم ، وكما قال الاستاذ الانصارى ان الأمة يجب أن تكون القادة اولا
الاستاذ عبد الله عبد الجبار: تقصد بالتعليم الشعبى ان يكون نوعا من التعليم العملي التطبيقي الذي نريده ، والذي يتفق مع طبيعة البلادو وزراعتها وحالتها الاجتماعية .
الاستاذ محمد سعيد العاموري : أنا معك في هذا ، ولكن كيف نعلم طبقات الأمة بدون ان نوجد لهم معلمين وقادة ومرشدين ، مستكملين للتعليم العالي المنشود ؟ !
الاستاذ عبد الله عبد الجبار سير التعليم الان تبشر خطواته بخير ، واذا ما مضينا على هذا النحو التدريجى فاننا نستطيع ان نسير به الى مرحلة التعليم العالي .
الاستاذ خليفة شعبان : لو لم تكن مدارس ابتدائية لما نتج هذا التعليم العالي فى بلادنا كمدرسة تحضير البعثات
عبد القدوس الانصارى الملاحظة التى نعرض لها الان ان التعليم الشعبى غير التعليم الذي تفتح له مثل المدارس التحضيرية والابتدائية . انه تعميم التعليم لكافة طبقات الشعب دفعة واحدة وفي وقت واحد بصفة الزامية . أليس كذلك ؟ !
الاستاذ خليفة شعبان : هذا يجربنا إلى التعليم العام . الاستاذ محمد سعيد العامودي . ليس القصد اهمال التعليم العام ، إنما القصد النهوض بالتعليمين ولكن في حالتنا الحاضرة نحن محتاجون إلى التعليم العالي اول ، فلو اردنا تعميم التعليم بدونه لما استطعنا ، لعدم وجود الأساتذة الاكفياء كما قلت سابقا ، ولهذا يجب أن نبدأ بالتعليم العالي أول .
الاستاذ خليفة شعبان : مهمة المتعلم تعليما عاليا تفقد اذا لم يكن فى مجتمع يفهم ما يقوله صاحب الاختصاص . ماذا يصنع مع الأمية القائد
الاستاذ محمد سعيد العامودي هذا طبعى فى اول عصور النهضات ولكن بمضي السنين وانتشار التعليم تقارب العقليات
الاستاذ خليفة شعبان : على كل انا ارى ان البدء بنشر التعليم أهم
الاستاذ حسين عرب : لياخذ مثلا العراق ، حينما بدأت فى النهضة الثقافية اسندت امر التعليم الى الأستاذ ساطع الحصرى ، وأول ما عني به أن اوجد مدارس ابتدائية ثم كانت المهمة الثانية ايجاد مدارس معلمين متوسطة وعالية ومن تخرج بها منهم ارسل الى الجامعات فلما عاد هؤلاء الى بلادهم وجدو أوسطا متعلما يفهم ما يوجه اليه من خطط وارشاد ، فتضافرت هذه الجهود فانتجت الوسط العراقى الحاضر .
الانصارى : لم يخرج ذلك عن حدود فتح مدارس ابتدائية ومتوسطة ولعل ذلك ليس المعنى الذى يقصد من نشر التعليم العام
الاستاذ حسن القرشى : في اعتقادى أن التعليم العالي إنما هو نتيجة للتعليم العام الذي يحسن توجيه عناية الأمة اليه ، على أن يتدرج هذا التعليم إلى التعليم العالي فلا ينحصر في مرحلة خاصة وبذلك يتكون في الأمة وعي ثقافى صحيح
الاستاذ عبد العزيز الرفاعي : أرى الانسياق مع الوضع الذي تسير عليه الأمم وهو الجمع بين التعليمين وتوزيع الجهود بينهما ، فالتعليم العام هو الأساس الذي يرتكز عليه التعليم العالي ، والتعليم العالي هو الذي يوجد القادة في الحياة
الاستاذ محمد سعيد العامودي : الحقيقة أن التعليم العام هو الغاية لكل امة والتعليم العالي هو الوسيلة فأرى أن توجه الجهود الي الوسيلة لنتحصل على الغاية .
عبد القدوس الانصاري : فهمنا كل شئ . لقد ظهر الآن من يرى لزوم توجيه الجهود قبلا إلى التعليم العام ، ومن يرى لزوم توجيهها أول إلى التعليم العالي . وكلا الرايين يهدفان الى الصالح العام ، وللقراء ترجيح أي الاتجاهين يختارون .
