يبتدئ العهد الذهبى للطب الاسلامى من اليوم الذي بدأ فيه " أبو بكر بن زكريا الرازي " فى وضع الكتب العلمية التى يربو عددها على المائتين ، وقد عاش من عام ٨٦٥ م الى ٩٢٥ م انفق اغلب ايام حياته في تأليف المصنفات التى بلغ نصفها فى الطب ، وفوائد العقاقير والاوراق النباتية . . ولم يقصر الامام الرازي تصانيفه على الطب فحسب ، بل الف - ايضا - فى تشريح الابدان (ANTAMAY)
عدة كتب اقتبس منها علماء الغرب الشئ الكثير .
وكتابه الذى وضعه عن الجدرى ، والحصبه تحدث فيه عن العدوى وماهيتها ، وكيف تنتقل من مريض الى شخص سليم ، وأبان فيه ان الجدرى والحصبة مرضان يختلفان عن بعضهما كل الاخلاف ، وقد ترجم هذا الكتاب الى اللاتينية ، والانجليزية والفرنسية والايطالية والروسية . . كما جرى طبعه ونشره اربعين مرة ما بين عام ١٤٩٨ و ١٨٦٦ م ، أى خلال ثلاثة قرون ونصف تقريبا .
وأعظم كتاب للامام الرازي الذى
ينبغي ان نفخر به هو كتاب " الحاوى " وهو يقع فى اكثر من عشرين مجلدا سرد فيه اقوال الحكماء ، اليونانيين ، والسريانيين ، والعرب ، والايرانيين والهنود ، عن كل مرض على حدة . . ثم قدم تجاربه ورأيه فى تلك الاقوال فى صوغ علمى وقالب تحقيقى يشفى غلة الباحث ويروى " عطش الدارس
والى عام ١٥٤٢ م طبع هذا الكتاب الضخم خمس طبعات باللغة اللاتينية
وكان الامام الرازى كيمائيا من الدرجة الاولى وهو يتفوق على ) جابر ( فى هذا الحقل بدرجات ، وقد وضح فى اسهاب طرق علاجه ، وتجاربه الكيمائية والطبية ، وآلاته التى كان يستخدمها ، دون ان يوهم القارىء بان فيها شيئا من الشعوذة أو السحر وهو أول طبيب استعمل فى معمله الكيمائى ، المركبات الكيمائية . . . ووصفها كأدوية لمرضاه الذين كانوا يؤمنون بمقدرته الفائقة فى معالجة المريض ايا كان نوع مرضه.
ونبغ فى العهد العباسى طبيب آخر اسمه " على عباس ايرانى " المتوفى فى عام ٩٩٤ م وقد وضع كتابا ضخما أطلق عليه " الكتاب المالكى " ضمنه
الطب النظرى والعملى وقد ترجم مرتين الى اللغة اللاتينية . .
وكتاب " القانون فى الطب " الذى وضعه " ابو الحسين بن سينا " يعد من اعظم المؤلفات الطبية ، وقد نقل الى اللغات الافرنجية ست عشرة مرة فى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي وطبع اثنتين وعشرين مرة فى القرن السادس عشر ، وكان هذا الكتاب العظيم يدرس فى اوروبا الى نهاية القرن السابع عشر ، ويمكن القول بانه ليس هناك كتاب وضع عن البحوث الطبية وطالعه ودرسه ألوف العلماء والبحاثة والطلبة مثل هذا الكتاب الكبير الذى يحق له ان يحمل لقب " الكتاب العالمي " لكثرة من استفاد منه وافاد غيره فى ميدان الطب ، وخدمة الانسانية
وكان الطبيب ابو القاسم الزهراوي الذى اتخذ اسبانيا مقرا لاقامته طبيبا فى بلاط الملك " كاردوا " وكون يتولى علاجه وعلاج اسرة هذا الملك الذي امن بمقدرته ومهارته ، ورغم عمله الرسمي هذا فقد استطاع ان يؤلف كتابا فى الطبا سماه " التعريف " وهو كتاب ضخم سلس العبارة شيق الاسلوب عالج فى آخره موضوع " تشريح الابدان " فى افاضة واسهاب يأسران الباب القراء ، وقد نقل هذا الكتاب الى اللغات اللاتينية والاسبانية والعبرية وجرى طبعه عدة مرات . . وهو الكتاب الذي لفت أنظار الاطباء الى اهمية علم الجراحة وتوقف حياة المريض على اجراء العملية الجراحية فى كثير من الاحيان ، بل ان الابحاث التى جاءت فى هذا الكتاب
عن الجراحة كانت بمثابة " اسس " لطرق الجراحة الحديثة .
وكان الطبيب " على بن رضوان " الذى عاش فى القاهرة ، وتوفى فى عام ١٠٦٧ م اعظم طبيب فى عصره طارت شهرته فى آفاق الدنيا ، فقد صنف كتابا كبيرا ضمنه بيانات واضحة عن " نماذج " الطب المصرى والطرق التى كان الاطباء المصريون ينهجونها فى المعالجة والمداواة فى ذلك العهد ، وقد نقل هذا الكتاب الى اللاتينية ، وجرى نشره في اوروبا فى القرن الحادى عشر .
وفي هذا العصر - اقصد القرن الحادى عشر والثاني عشر رؤى اضافة بحث جديد فى كتب الطب وهو بحث " خواص المفردات " الذى يعتبر من أهم الابحاث عند الاطباء ، فقد ذكر الطبيب " أبو منصور موفق " وهو من سكان مدينة " هرات " ما يقرب من ٥٨٥ من تلك " المفردات " فى كتابه الذى وضعه باللغة الفارسية اما الكتب التى سبقته فقد كانت كلها باللغة العربية وكان يرجى نقلها الى اللغات الاخرى بعد ذلك .
وفي أواخر القرن العاشر تقريبا ، تقدمت البحوث الطبية الخاصة بأمراض العيون ، فاشتهر فى هذا الفرع وهو أهم فرع من فروع الطب كل من " على ان عيسى ، وهو مسيحي من سكان بغداد - والطبيب المسلم " عمار " وهو من سكان " الموصل " ووضعا عدة كتب عالجت هذا البحث الذى لم يكن له نصيب واف فى الكتب السابقة وقد ترجمت مؤلفاتهما الى اللغة اللاتينية وطبعت مرات عديدة . والى
نهاية النصف الاول من القرن الثامن عشر كانت كتب هذين الطبيبين لها المقام الاول فى الاوساط الطبية حيث أقر لهما الاطباء الافرنج فى كثير من الصراحة والتقدير.
وبعد ذلك شرع الاطباء فى فرنسا يقومون بتحقيقات واسعة جديدة فى طب العيون بلغ بهم جهدهم وسهرهم ومثابرتهم ، ونضالهم ، الى ما وصلوا اليه من التقدم فى هذا الفرع حتى اصبحوا يجرون عمليات استبدال " القرنية " فى سهولة ويسر تامين ، كما لو كانوا يخرجون " شعرة " من تحت الجفون . .!
وفي القرن الرابع عشر الهجرى توقدت القريحة فى أوروبا ، وانبثق
فى حقل العلوم وميدان المعرفة . . الفكر الغربى وتفجر عن مكنوناته من علم وفلسفة وادب وصناعة وابتكار واختراع . . وتدرج شيئا فشيئا ثم تقدم بخطوات سريعة ، فى حين بقى " العقل الشرقي والاسلامى " فى تأخر وتدهور واتخذ لنفسه شكلا جديدا حتى كانت النتيجة أن تقهقر الطب الاسلامى رويدا . . رويدا . . بعد ان وضعت العراقيل فى طريقه وشابه شوائب لا حصر لها . .
وهكذا تقدم الغرب ونصب نفسه زعما للنهضة العلمية والطبية حالما بقى " العالم الاسلامى " يتعثر ويتدحرج من عروج " الثريا " يوما فيوما حتى قارب ان يصل الى الحضيض
عن الاردية
