الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

نظرات فى الشعر التونسي المعاصر

Share

- 3 - العطف على  الطبقات الكادحة

لعل انبل موضوعات ما يمكن ان نسميه " بالشعر الاجتماعي ، هاته القصائد التى يتحدث فيها الشعراء عن حياة المستضعفين من الناس ، وجهاد الطبقات الكادحة لاجل العيش ولاجل " العدالة الاجتماعية " فى مجتمع غلب على افراده التكالب على المال ، والقسوة فى سبيل تحصيله - لقد كان وما يزال في الناس طبقات تعيش على هامش المجتمع ، وتقتات مما يتساقط من موائد الاغنياء ولولا أن الشرائع السماوية والقوانين الاخلاقية قد عطفت على هاته الطبقات وجعلت مواساتها والاحسان اليها من أوكد الواجبات ، ولولا أن الشعراء في كل امة قد لفتوا الانظار الى حالة هؤلاء البائسين المعذبين فى الارض ، ووصفوا عيشهم الضنك في مختلف صوره ، واستدروا الرحمة لهم ، والعطف عليهم لظلوا كمية مهملة تعاني الفاقة وشظف العيش ولا تجد لها منه مخرجا .

ونحن متى تصفحنا الشعر التونسي الحديث وجدناه يولي اهتمامه هاته الناحية ويدل على وعي اجتماعي منذ اوائل النهضة الادبية - فقد تحدث شعراؤنا عن اليتامى والمشردين ، وعن الشحاذين بكل طريق والذين اصيبوا بالامراض الوبيلة ولم يجدوا من يسعفهم بالعلاج ، وعر ساكني الاكواخ ، وعن عبيد الارض الذين نسميهم " الفلاحين " وعن العمال الكادحين الذين يستغل الاقوياء جهودهم ويبتنون على كواهلهم الثروات الضخمة ، وعن البغايا اللاتى جنى عليهن المجتمع ثم طرحهن نفاية فى الطريق . وسوف نتعرض الى كل هاته الاصناف ونورد نماذج من أحسن ما قيل في وصف عيشها والمطالبة بانصافها وتحسين حالها والاهتمام بقضيتها .

اما اليتامي فقد تحدث عنهم سعيد أبو بكر فى قصائد متعددة نذكر منها قصد " حياة اليتيم " الذي قص فيه قصة قوم كانوا فى مجلس انس ناعمين .

وقد زينوا مجلسهم باطايب الزهور ، ودارت عليهم كؤوس الشراب وهم بين هازج ومغن ومحدث للضجيج والتفت الشاعر دون قصد الى الجهة المقابلة فلاح له شبح كلما ذكره يكاد ينفطر فؤاده ذلك الشبح هو :

طفل صغير يكاد البؤس يقتله               يدمي القلوب ويدمي قبلها المهجا

أعضاؤه ، في انتفاض وهو يسترها           بالبعض بعضا . فوا اثما وواحرجا

يحميه ثوب ولكن انت تعرفه                 كالعنكبوت بخيط واحد نسجا

حتى اذا لم يصل للساق من قصر         غطى بكلتي يديه الساق وانثلجا

كان هذا الطفل يطوف الابواب بابا بابا فلم يظفر بشيء وحين رأى القوم المحتفلين ، مشى نحوهم الهوينا ، وهو يخشى التعثر في كل خطوة وكان يحمل فى كفه قطعة خبز ربما عجزت المطارق عن تفتيتها - جاء الفتى واقترب من القوم مبديا لهم حاجته وجوعه ولكنهم قابلوه بازدراء وأطردوه طرد الكلاب . فتأثر الشاعر لهذا المنظر الذى كان يشهده من قريب واراد أن يتداخل فى القضية . ونادى الطفل

ناديته فانثنى كفكفت دمعته                  حتى كان مسحت الجرح والضمجا

واشتد صوتي وقد حولت نحوهم                قولي وابرقت اذ اسمعتهم هزجا "

" هذا اخوكم وهذا بعض طينتكم               مما امتزجتم به يا ياناس قد مزجا "

هذا يتيم فقير بائس نكد                       من جوعه يشتهى لو بطنه بعجا

الى الشعب في اعماله عضد                     بل خنجر للدواهى يقطع الودجا "

هذا شعار غد . هذا دلائله                      قضم عن سعد ه او نحسه حججا ( 1 )

وهكذا اخذ يلوم الجماعة ويؤنبهم ويقنعهم بأن امثال هذا البائس سوف يبقى حجر عثرة فى سبيل نهوضنا . وانه لمن العار أن يظل امثاله فى الامة دون أن نفكر في وسيلة لانقاذهم ورفع الجهل عنهم وتنتهي القصة برجوع القوم عن غيهم وتنهال منهم العطايا على الطفل المسكين مما جعله يسر ويندمج معهم .

ولسعيد أبي بكر قصيد آخر بعنوان " اليتيم ، وفيه يتحدث عن طفل قضى عليه أن يظل محروما من الهناء - بسبب يتمه - وان ينشأ مهملا كالنبتة التى تنشا يانعة لكنها سرعان ما تحرم الرى والعناية فتذبل وتتلاشى . هو يتيم :

" امطرته السماء حزنا كما امطرت الارض وابلا مسموما "

والدواهي بقوسها رجمته                     فاغتدى حائرا . بها مرجوما "

" يضع الجسم فى التراب ومن جوع يرى الجسم ناقصا مهدوما "

" يضع الكف حاجزا بين قلب       وسهام تصيبه مكلوما

فيلاقي زفير نار تلظت              وهي تكوى فؤاده المهموما "

باسماء ارفعيه ! ايتها الارض ابلعيه عسى يكون سليما

ويختم الشاعر قصيده محرضا على مديد المساعدة لليتيم

ها يدى تحمل اليتيم لتبديه اسيفا وبائسا ويتيما "

انلاقي سرورنا بسرور             ويلاقي ببؤسسه التحطيما "

انذوق الزلال فى كاس بلور وذاك الفتى يذوق حميما

فمن يا ترى التفتنا اليه            وأزلنا مصابه والهموما ( 2 ) "

ومن هذا القبيل قصيده " ليلة فى اصطبل " تحدث فيه عن يتيم راح يبحث عن مأوى يؤويه فى ليلة من ليالي الشتاء لمعت بروقها رصمت رعود ها و كست الارض ثلوجها واضحي ريحها يلسع الوجوه - وحين اعياه البحث والمسير قصد الى زقاق تعود أن ينزوى فيه وكسر بابا من الابواب هناك ودخل ثم استسلم الى النوم الذى كان في اشد الحاجة اليه فهو يريحه من تعب الطواف وينسيه همومه . وحين طلع الصباح ادار طرفه فى ذلك المكان الذي قضى فيه ليلته فإذا هو اصطبل حيوانات . وحبذا هذا المكان منزلا لبائس مثله .

فيه الوفاق مخيم              فيه الصداقة والصفا

فيه الحنو وفيه آيات المحبة والوفا "

هو المكان تطهرا "

هي الوحوش تعاظمت ، عن كل مكر اوجفا "

لا الشاة يلقاها البعير ضعيفة فيدوسها "

" كلا ولا يلقي التملق لازما فيبوسها ( 3 ) "

وللمرحوم الفائز القيروانى موشح لطيف بعنوان " اليتيم " وصف فيه حالة عامل مريض واسرته فى بيت خيم البؤس على ارجائه وعجز فيه المسكين على التخلص من بلوائه ثم يموت الرجل ويخلف بنيه

دون أن يترك لهم مالا

وقضى المسكين من بعد ليال           ذاق في أثنائها مر العذاب

ومضى للقبر في أسوا حال .           لم يودعه سوى بعض الصحاب

ليست شعري من لهااتيك العيال       حينما قد وسدوه فى التراب

لم يخلف لبنيه درهما                      لا ولم يترك لهم الا الديون

خرجوا بين الثنايا كالدمي ( ١ )          لاكتساب العيش طرا يعملون

ودع الاكبر منهم مكتبه                  ومضى يعمل في كل طريق

كان بالامس ويا ما أنجبه                 سائرا للدرس في ثوب آنيق

من لتلك الزهرة الفيحاء من               ويد الهلاق فيها تعمل

بعدما غنى عليها البلبل                   سقطت خضراء من فوق الفنن

وينتهي الموشح بالتحريض على البذل لتأسيس المشروعات الخيرية التي تتكفل بايواء اليتامي وحفظهم من الفاقة وسوء المصير .

ولا شك أن مثل هذا الشعر الهادف قد أعان على ايقاظ الشعور وكان له أحسن الاثر فى ما أسس من ملاجئ ومدارس لايواء اليتامي والمشردين وللشابى قصيد من أوائل اشعاره بعنوان " شكوى اليتيم " تناول فيه موضوع اليتيم أيضا ولكن على طريقته هو - فلم ينظمه لتحريض القوم على البذل والعطاء او ليستمد به العطف بل اظهر فيه اليتيم الذى حرم العطف من الناس مجفوا من الطبيعة نفسها .

لقد ذهب اليتيم الى ساحل البحر واسمعه زفرات مهجته التى اترعت بدمع الشقاء ولكن زفراته الحرى ضاعت فى ضجة البحر - ثم ذهب الى الغاب وسكب اوجاع قلبه نحيبا محرقا ولكن الغاب لم يفهم اشجانه . ويظل يردد الحانه واخيرا وقف على النهر باكيا بدمع يسيل على وجنتيه وكانه من دموع الجحيم - كما يقول - ولكن النهر لم يكترث له وظل يعدو شاديا مترنما بأهازيجه وفي كل مرة يلاقي جمود الطبيعة يصيح مناديا امه قائلا

أيا ام هيا الي فقد سئمتني الحياة "

ولكن نداءه يظل بدون جواب فيكتفى فى آخر الامر بلوعته ويعتصم بالصمت :

ولما ندبت ولم ينفع                وناديت أمي فلم تسمع

رجعت بحزني إلى وحدتى           ورددت نوحي على مسمعي

وعانقت في وحدتى لوعتي          وقلت لنفسي ألا فاسكتي ( ٥ )

وهناك طبقة اخرى من الطبقات الكادحة هى و طبقة الفلاحين أو عبيد الارض كما يسميها بعضهم . والشعراء - اذا تحدثوا عن الفلاح او العامل الفلاح صوروه رجلا يعمل من الفجر الى المساء مكبا على ارض عراء يفلحها ويعالجها ليستخرج منها خيراتها لا ليطعمها اهله وابناءه بل ليجني ثمرة كده الاغنياء واصحاب الارض مقابل قوت زهيد خشن لا يسمن ولا يغني من جوع ، ومقابل خرق بالية لاتقى جلده حر الصيف ولا قر الشتاء يقول منور صماح في قصيد " عيد الشعوب

العامل الفلاح يزرع ثم يحصد آملا أن يمنحوه نوالا

فيظل يكدح جاهدا بالعزم يخصبها سهولا كزة وتلالا

ويثير فى الارض الرؤوم حنانها فتجود اكراما له وجلالا

لكنه يجني الثمار لغيره - ويعيش فى شغب . يموت هزالا

عجبا يجوع بارضنا خدامها : كي يطعموا المحتال والمكسالا (6)

ويقول احمد اللغماني في قصيد الفلاح "

من جدا كفك يحسو الاغنياء        يا اخا المحنة يا إلف الشقاء

ذلك الساعد كم اوهنه             نصب المحراث في الارض العراء

تسبق الفجر الى الحقل وتستقبل النجم به عند المساء

تبرح الكوخ على مسغبة             كي ترى غيرك موفور الغذاء

لا تقي جلدك الا خرق             في سعير الصيف او قر الشتاء

غير انه وان كان جائع البطن ، بالى الثوب ، واهن العظم ، فهو صاحب اباء وشمم ، يقبل على العيش ، ونفسه مملوءة املا ورجاء ويمضي في عمله ثابتا كالطود ، لا يثنى عزمه وثباته لا عنت الدهر ،

ولا قسوة القدر - وهو مع ذلك طيب النفس طاهر الضمير لا يعرف الخبث والمكر الى نفسه سبيلا . يكتفى بالقليل من الزاد قناعة ويقبل على عبادة ربه تدينا :

يغتدى والعظم منه واهن                  بيد أن القلب موفور الاباء

خلف لمح من امان شرد                   وسراب من طموح ورجاء

ثابت كالطود ما زعزعه                   عبث الدهر ولا سخط القضاء

يقبل العيش بقلب آمل                   بيد أن العيش هم وبلاء

مهجة طهرها الله فلا                      شابها يوما نزوع الجبناء

عابد في كوخه مبتهل                      مستهام لانفاقا ورياء

يكتفي بالنزر في عيشته                    فلديه الوجد والفقر سواء

يأكل الكسرة من ساعده                  ثمرة الكد وانتاج العناء

ثم لا يلبث الشاعر أن يقارن هذا الفلاح بساكن المدينة فيفضله عليه : فكم من أغنياء لا يتورعون عن اكتساب المال من طرق الخنا وكم من علماء اصحاب نزغات باعوا دينهم لاجل الدنيا . اما هو فقد ورث العفة عن آبائه واجداده ، وغذي في لبان الام نبلا وحياء . وهو حافظ للعهد وفي يبذل النفس فى سبيل الوفاء بعهده ، وهو عظيم الانفة والكبرياء يمقت الظلم ولا يعنو لظالم . ان ثار كانت ثورته نقمة عاتية وان لان فهو لطيف مسالم . وهو على كل حال أبي النفس شجاع

لا تقولوا مع م فاقة                      رب مال نبعه دور الخناء

لا تقولوا معم فهو على                  فقره قد عال ارباب الثراء

جاهل لكنه ذو شرف                    لم يلقن نزغات العلماء

ورث العفة عن آبائه                     وغذته الام نبلا وحياء

يحفظ العهد ويفديه ولو                 كان بذل الدم والروح الفداء

يمقت الجور ولا يعنو له                شامخ الانف عظيم الكبرياء

فاذا لان فذو لطف وان                 ثار فالنقمة او سهم القضاء ( 7 )

ونظرة مصطفى الحبيب بحري الى الفلاح تغاير نظرة اللغماني فهو يتحدث عن الفلاحين حديث من يرجو اصلاح حالهم بتصويرهم

ضحايا من ضحايا المجتمع ، مستسلمين الى مضطهديهم . وقد جعلهم في قصيده " عبيد الارض " يصفون حالتهم البائسة ( مخاطبين سادتهم قائلين :

عذبوا ارواحنا فالعدل أن لا ترحمونا

واملأوا اكوابنا ويلا وهما وشجونا

ما خلقنا كى نرى الافراح بل ذلا وهوونا

وعذا ابا لن يلينا

وقعوا السوط على أجسامنا أو تهلكونا

انه لحن شجي      فاق في الوقع اللحونا

هل سكرتم من صداه العذب يهديكم فنونا

أن تكونوا ناعمينا

لكن غرض الشاعر يظهر من هذا الوصف الاقتم فهو يغرق فى بيان حياة العبودية التى يعيشها الفلاح وقصده أن يبعث فيه روح الثورة على وضعه الذليل المزري

نحن في الارض دواب لا ترى الراحة حينا

نخدم الارض ونجني الويل زهرا وغصونا

هكذا الاقدار شاءت حكمت بالعدل فينا

هكذا شاءت وشينا

نكدح العمر . ولا نجنى سوى ما تملكونا

ما لنا الا صخور الخبز يطحن البونا

أو قليل من مياه الطين . او طمر مهينا

بالبلايا قد رضينا (8)

ومعنى قوله " هكذا شئنا " وقوله " بالبلايا قد رضينا " يرادف القول لو شئتم التحرر والخروج من طور العبودية لتغير حالكم وهي طريقة غير مباشرة للدعوة للثورة وتكسير القيود . اما محمد العربى صماح فيرجع بؤس فلاحه لا لفقدان العدالة الاجتماعية بل لتآمر بعض الاقوياء عليه وعدوان الايدى السوداء على ارضه حتى اذا حاول استرجاع ما سلب منه بالقوة كان ماله

السجن أو التجريد بحكم العدالة او ما تواضع الناس على تسميته بالعدالة . ففي قصيد " ساكن الكوخ ، يسأل الطفل آباه الفلاح : لماذا كانت الارض سهولها ورباها تفيض بالخيرات ، ولماذا كانت الأودية والسيول تتدفق بالارزاق وهم عراة جياع . هل ذلك لان الله غضب عليهم فحقت عليهم اللعنة الابدية ؟

يا بالنا عبر جياع فى الورى يا والدى ؟

نأوى الى كوخ حقير في الشتاء البارد

هل ذلك الرب المقدس غاضب ابدا علينا

فتطايرت رحماته من حولنا . ماذا جنينا

ورغا من الجوع الشديد بكوخه ودعا اباه

فاستيقظ الحقد الدفين في صدر الاب وتذكر حقله الخصيب المغتصب وشياهه الحلوب ، وملتقي اصحابه عند السمر وتراقصت فى ذهنه صور ماضه البعيد حين كان صاحب الحقل وحين كان عزيزا مكرما فمض كالثورة العمياء لا يلوى على شئ وانقض كالمعتوه يسترد ارضه وأرض أجداده مغيرا ثائرا . لكن العدالة التى تحمي المغتصبين الاقوياء زجت به فى السجن وقدمته للمحاكمة :

وهناك قال له غبي بالعدالة يحكم

لم لا تقضى العمر تشحذ في الورى يا مجرم

مثل العجائز والطفولة والشيوخ الطيبين

لم لا تقضي العمر تشحذ آمنا كالاخرين(9)

ونرجع الى مصطفى الحبيب بحرى في قصيد " رماد وجوع الذي وصف فيه امرأة لااخالها الافلاحة فقدت زوجها وسلبت ارضها فجاءت تعيش - بين القصور - فى كوخ حقير . كان الليل مخيما وكان الاطفال ممددين فوق الحصير بسبب الجوع والسقام - وكانت الام تعللهم بقدر قد وضعته فوق بقايا الرماد وليس في القدر الا الماء وليس فى الكوخ الا الجوع والسقام .

بقايا رماد

وانات مرضى بليل السهاد

وأم تصلي لرب الطعام

لينقذهم من اله الحمام

دموع وأشلاء كوخ حقير

وولولة الصبية الجائعين

وقد مددتهم أكف شداد

من السقم والجوع فوق الحصير

وما زالت القدر فوق الرماد

رماد وماء وقدر وجوع

ونور يغور بكهف العيون

فتوقظه لسعات البطون

ويستصرخ الصبية الجائعون

ويسترحمون .

اما حضر الاكل يا أمنا ؟

وكانت أمهم تنظر في ذلك الظلام فترى النور حولها يضئ القصور فلا تدري لماذا هذا التفاوت فى العيش ولا تلبث أن تستسلم لتدبير القدر

قصور ونور . وكوخ حقير

نعيم هناك . وبؤس هنا

لهم ما يشاءون . ذل لنا

كذلك شاء إله الوجود

فمنهم ملوك ومنا عبيد . ( 10 )

وينقضي الليل كله وينام الصغار وما يزال فيهم الحنين للطعام

ثم يشع النهار ولكن القدر ما تزال فوق الرماد وليس في القدر الا الماء وليس في الكوخ الا الجوع . وهذا موضوع مطروق ولكن الشاعر افلح فى تكوين جو عاطفي لطيف بواسطة بعض كلمات ايحائية تبعث فى النفس اصداء عميقة

على ان شعراءنا لم يكتفوا بوصف حالة بعض الطبقات المستضعفة ليبعثوا من خلال هذا الوصف الإهتمام بهم والعطف على مشاكلهم والعمل على انصافهم بل عمدوا بطريقة مباشرة الى استدرار العطف عليهم والدعوة لمد يد المساعدة اليهم كما جاء فى هذه الابيات لجلال الدين النقاش

ايها الموسر رفقا بالفقير           فلصخر عيون تدمع

ولتعطف منك قلبا عن اخي      شظف لاواه فقر مدفع

ان للايام حكما عادلا             وردا الإثرا وشيكا ينزع

والفتى يحييه ما أثمره                من برور وجميل يصنع

وهي ابيات لا تخلو من تكلف خصوصا وقد ارتكب الشاعر فيها ضرورتين متجاورتين وهما قصر الممدود فى مكان واحد مع ان الإستعارة التى حرص عليها ليست من التعبير المبتكر . ومن هذا القبيل ما جاء فى قول كاتب هاته السطور وقد تراءت له آلام البشر ذات ليلة :

ياليل يا ابن الهول ، حدث بالحديث المحزن ؟

كم فيك والهة رماها الدهر ، كم من مشخن ؟

كم من غريب الدار بل كم من معنى موهن

لا تسمع الشاكي ولا الباكي ولا من يسمع

فبنوا السعادة نائمون

او في المباهج ينعمون

ياليل حدث عن جياع كيف باتوا ليلهم

وعن العراة بزمهريرك فى شتائك - ويلهم

وعن الارامل والايامي كيف غير حالهم

صرف القصاء . ومن تهدم كوخهم

وعن اليتامى البائسين

اني لمصرعهم حزين ( 11 )

اشترك في نشرتنا البريدية