الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "المنهل"

نم ثقافتك ...

Share

" باب جديد نفتتحه في هذه المجلة من أجل تنمية ثقافة القراء الكرام وتوسعة افق مداركهم فيما يجدى ويفيد " . . .

العرب أول من استعمل البترول وعرفه

يسمى العرب ( البترول ) زيت الصخر والنفط . .

وكلمة " بترول " معناها زيت الصخر ، وأصل هذه الصيغة ( بترالييوم) . و ( بتر ) معناه الصخر و ( أوليوم ) معناه الزيت . . وقد عرف العرب البترول ، عرفوه فى العراق وفي سهول الاردن قديما وفى الجزيرة العربية . . فاكتشافه الحديث بهذه الاقطار ليس بالامر الحديث .

وقد استعمل العرب النفط فى أغراض مختلفة ، مكررا بوساطة القرع والانبيق للانارة والوقود ، واستعملوه غير مكرر ، منذ أواخر القرن الهجرى الثاني . . يدل على هذا مهاجاة شعرية دارت بين عالمين احدهما " نفطويه " اللغوى ، والثانى " ابن دريد " اللغوى بأوائل القرن الهجرى الثالث . . قال نفطويه يهجو ابن دريد :

ابن دريد بقره

        وفيه لؤم وشره

قد ادعى من جهله

         وضع كتاب الجمهره

فأجابه ابن دريد بقوله :

أف لذا النحو واصحابه

       قد صار من اصحابه نفطويه

احرقه الله بنصف اسمه

      وصير الباقي صراخا عليه

فنصف اسمه : ( نفط ) وهو نفس المادة المعروفة قديما لدى العرب بهذا الاسم وباسم زيت الصخر . وحديثا بالبترول .

وقد عرف أبو عبيدة اللغوي المتوفى سنة ٢١٦ ه ( النفط ) بانه مادة البترول وروى امثالا جاهلية فيه كقولهم : ( قطن ونفط اسرع احتراقا ) ويضرب هذا المثل فى اجتماع الشرين . ..

وروى الاصمعي اللغوي اشعارا في ذلك منها قولهم :

كان بين ابطها والأبط

         ثوبا من الثوم ثوى والنفط

فى حياة مدنية العرب الاسلامية استعمل النفط كمادة حارقة ملتهبة ، فى التنكيل بالخصوم . وفى الحروب الكبير الكبيرة . . كما هو شانه في العالم الحديث مع فوارق الزمن والتطور ، ففي عهد بن أمية وفي سنة ١١٩ ه بالذات ادعي بيان بن سمعان التميمي الألوهية فأخذه خالد بن عبد الله القسرى مع خمسة عشر رجلا من اصحابه وشدهم باطنان القصب . وصب عليهم النفطف فاحرفهم جميعا . .

وإلي عيون النفط

وقد عرف العرب عيون البترول ، ووضعوا لها نظاما ونظارا وولاة يتصرفون فى شؤون ادارته ووارداته لمصلحة خزانة الدولة ، كماهو الشأن فى عصرنا الحاضر تماما مع فوارق الزمن والتطور .

وكانوا يسمون ( منابع النفط ) بالنفاطات ( بتشديد النون وفتحها وتشديد الفاء بعدها ) وقد دلتنا أبيات للشاعر ابن المعدل عبد الصمد ( أوائل القرن الهجرى الثالث ) بأن صديقا له ولى منصب ( حفظ عيون النفط ) قال الشاعر لصديقه موبخا له على تعاظمه عليه بسبب ولاية هذه الوظيفة المهمة :

لعمري ، لقد اظهرت تيها كانما

   توليت للفضل بن مروان منبرا

وما كنت اخشى لو وليت مكانه

    على - ابا العباس - ان تتغيرا

( بحفظ عيون النفط ) احدثت نخوة

    فكيف به لو كان مسكا وعنبرا

دع الكبر واستبق التواضع انه

   قبيح ( بوالي النفط ) ان يتكبرا

وقد كان ( منصب ولاية عيون النفط ) اذ ذاك لم تكن له الاهمية البالغة اليوم ، لان النفط لم تستخرج كمياته العظيمة من الاعماق البعيدة آنئذ بسبب ضعف وسائل الاخراج ولذلك لم يعمم استعماله فى الاضاءة والحروب ، فان الكميات الموجودة منه قليلة ، اذ لا تعدو المنبثقة من قرب سطح الارض ولم يكتشف بعدا استعماله فى وسائل المواصلات ويدل على هذا المعنى قول الشاعر :

بحفظ عيون النفط احدثت نخوة

    فكيف به لو كان مسكا وعنبرا

لأن قيمة النفط العمرانية والاجتماعية اذ ذاك كانت اقل بكثير من قيمة المسك والعنبر . . أما الآن فهو اعظم اهمية وقيمة منهما ولذلك سمى بالذهب الاسود .

النفاطات في حضارة العرب

وقد تمكن العرب من استعمال النفط فى شتى الأمور . . في الاضاءة وهذا كشف عظيم ، فان عامة الناس كانوا يخالون ان الاضاءة بالبترول غاز الاستصباح امر حديث العهد . . وكان العرب يسمون نوعا من السرج يرمي به النفط للانارة " نفاطات " . والعين التى ينبع منها النفط يدعونها ايضا " نفاطة " . . والآلة النحاسية التى يرمى فيها بالنفط والنار للحروب كانوا يسمونها " النفاطة " . . وكذلك جماعة الرماة بالنفط والنار تسمى " نفاطة " .

وكان لبعض الدول العربية جيوش من النفاطين الذين مرنوا على استعمال النفاطات لدحر الاعداء ويسمونهم بالزراقين أيضا .

النفط الاسود والابيض      يعرفهما العرب

ومما يدل على بليغ معرفة العرب للنفط ان القزويني في القرن السابع الهجرى وصفه بان منه نفطا اسود ومنه نفطا ابيض ويكرر بالقرع والانبيق ويستعمل فى بعض شؤون العلاج ، ومما يدل على عظيم معرفتهم لخواصه قولهم عنه : انه ربما يتوقد

من غير نار بتحريكه . . فهذا شئ نراه حتى الآن إذا اشتدت حركة البترول في ماكنة السيارة او الطيارة اشتعل فسيرهما . .

وحصون الصين زمن هشام عام ١١٣ ه انما فتحت بالنفط . . وفتح الرشيد مدينة هرقله سنة ١٩٠ بالنفاطين ، وكذلك مدينة تفليس عام ٢٣٨ ه زمن المتوكل العباسى ومنذ ذلك اليوم اصبح النفط من العتاد الحربي الذي عليه معول كبير .

ويعرفون النفط الطيار

واكتشف العرب سنة ٥٨٦ ه النفط الطيار ، وقد استعمله صلاح الدين الايوبي في الحروب الصليبية بواقعة حطين وفي حصار عكا . .

والنفط الطيار هو اساس القنبلة

الطائرة ، واساس الفكرة نفسها فى القرن الرابع عشر الهجرى الحالى .

يقول المؤرخ الفرنسى زانوييه المتوفى سنة ١٣١٧ م يصف نار المسلمين الطائرة الى الصليبيين وكان المؤرخ أحد من ساهموا فى هذه الحروب مع لويس التاسع : " كان العرب يقذفوننا بنار ، كانت تاتي طائرة فى الهواء كالتنين المجنحة والمذيلة بذيل طويل سمكها كسمك برميل طويل يدوى كالرعد القاصف وبسرعة كالنور . وكان ظلام الليل الدامس ينعدم بتاتا بضوئها المهلك "

وقوله : مجنحة ومذيلة . . أى لها جناحان وذيل كالطيارة فى عهدنا الحاضر . وهذا الوصف يقرب الينا تصوير القنابل الطائرة فى العصر الحاضر . .

اشترك في نشرتنا البريدية