الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "المنهل"

نهضة علمية، وحركة مباركة اصلاحية

Share

تستقبل هذه البلاد العربية السعودية نهضة علمية شاملة لجميع نواحى الاصلاح الذي به تحيى البلاد وتسعد العباد وذلك بعناية الله وتوفيقه ثم بهمة جلالة الملك المفدى ) سعود ( بن عبد العزيز أيده الله بنصره ، فلقد وجه عنايته المباركة منذ اعتلى على عرش ملكه لما يصلح به شعبه ، وتنهض به بلاده ، سائرا فى ذلك على المنهاج الذي كان عليه والده العظيم تعمده الله برحمته . . وان أعظم شىء تسعد به العباد وتحى به البلاد هو العلم الصحيح النافع بأنواعه فانه حرسه الله لم يزل يصدر الاوامر متتابعة بفتح المدارس بانواعها من ابتدائية وثانوية وكذلك العالية التى هي نواة الجامعات السعودية ، وليس من أحد يجهل فضل العلم وفضل المتصفين به وفضل الباذلين جهودهم بتعلمه وتعليمه والمنفقين أموالهم لاسعاف الراغبين فى تحصيله . . والله جل وعلا عظم شأن العلماء ورفع قدرهم فى عدة آيات من كتابه العزيز كقوله تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الالباب ( والنبى عليه الصلاة والسلام حث على تعلم العلم ورغب فى تعليمه ، كما فى قوله : " تعلموا العلم فان تعلمه لله خشية . وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة " وقال عليه السلام . " من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين " فهذا نص صريح دال علي أن من

فقهه فى الدين فقد أراد به خيرا ، وان من أهمل العلم الصحيح الشرعى ولم يتفقه فيه فان الله يرد به خيرا ، وكفى بذلك حرمانا . . والدين هو ما شرعه الله لعباده فى كتابه او جاءت به سنة رسوله ، ولا فرق فى ذلك بين ما هو متعلق بالامور الاعتقادية او المسائل العملية وليس الشأن فى حفظ المسائل وتصورها فقط من غير اذعان لنصوص الكتاب والسنة ولاعمل بما دلا عليه . فان هذا العلم وبال على أربابه ، لانه من العلم الضار الذي لا ينفع وقد استعاذ النبي منه ، بل مثل هذا العلم يسمى سهلا لانه علم على اللسان ولم يتجاوزه الى القلب اذ إن أعماله لم تصدقه

وقد روى الامام احمد عن زياد بن لبيد قال : ذكر النبى صلى الله عليه وسلم شيئا فقال : " ذاك عند أوان ذهاب العلم " قلت : يارسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القران ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم الى يوم القيامة ؟ فقال : " ثكلتك أمك زياد إن كنت لاراك من أفقه رجل بالمدينة أوليس هذه اليهود والنصارى يقرون التوراة والانجيل لا يعملون بشىء مما فيهما " . . فهذا الحديث النبوي دال على ان ثمرة العلم العمل به وان من لم يعمل بعلمه لا يسمى عالما ، بل هو جاهل أتعب نفسه فى تحصيل ما هو حجة عليه يوم القيامة . فالعلم الصحيح هو الذي يحمل صاحبه على الاخلاص فى عبادة الله والصدق فى معاملة الخالق والمخلوق ، وحفظ شعائر الدين ورعاية الامانة التى ائتمن عليها من حق الله وحق عباده ، فهذا هو العلم الصحيح الذى من أجله أسست المدارس وبذلت الأموال ، وهو العلم الذى رغب النبى فى حفظه وفهمه وتبليغه والدعوة اليه

ولقد شاع واشتهر بين فرقة من طلاب العلم ممن قعدت بهم همهم وفترت عزائمهم ومالوا الى الكسل واستلانوا مهاد البطالة - التثبيط عن الحفظ والاكتفاء بفهم العبارة ، وهذا من الغباوة . فان العلماء المتقدمين ومن وفقهم الله من المتأخرين لم يزالوا يؤلفون الكتب والرسائل المختصرة ليحفظها أهل زمانهم . . وترغيب العلماء فى حفظ العلم نثرا ونظما قد اشتهر وامتلأت به بطون الدفاتر ، وانظر الى قول القائل المصيب غير الفائل : " ما العلم ماحوى القمطر ، العلم ما وعاه الصدر " . . ورغبة هؤلاء عن الحفظ كرغبة اكثر

الناس عن مؤلفات المتقدمين وميلهم الى مؤلفات كتبها المتأخرون ظن الجاهلون انها مناسبة لاهل زمانهم ، وان كتب المتقدمين معقدة غير واضحة . . وهذا قول ناشئ عن قلة الفهم وضعف التمييز والادارك . . ولا نزاع فى أن من المتأخرين من نور الله بصائرهم واعطاهم من الفهم والعلم ما قاربوا الاقدمين ، ولكنهم اقل من القليل . .

واعتبر ذلك فى مادة النحو فتجد من درس كتب ابن هشام وابن مالك يفوق كثيرا من درس الكتب المدرسية المقررة دراستها فى المدارس الثانوية ، بل إن من درس الاجرومية والازهرية تفوق دراسته دراسة من قرأ الكتب النحوية فى المدارس الابتدائية . . يعرف ذلك من مارس هذه العلوم فالعلوم الدينية هي التى يصدق على اصحابها انهم العلماء وهى العلوم على الاطلاق ، واما العلوم المدنية مثل الطب والهندسة والتجارة والزراعة وغير ذلك من العلوم الصناعية فهى من العلوم اللازمة التى ينبغى علينا العناية بها وتشجيع طلابها بما يرغبهم فيها . فانها من الضروريات للبشر

ولهذا قال بعض العلماء انها من فروض الكفاية كسائر العلوم الشرعية التى لا تجب على الاعيان ، ولكن الصحيح انه لا واجب الا ما اوجبه الشرع ، ويجب على طلاب هذه العلوم المدنية ان لا ينسوا نصيبهم من علوم الدين . فيتعلموا ما وجب عليهم من معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الاسلام ومعرفة اركان الأسلام الخمسة على وجه التفصيل والاستدلال ولا يكتفوا بما علموه من المعلومات المدنية فانها علوم دنيوية لا دينية مع كونها نافعة جدا وضرورية .

واننا نحمد الله ان قيض لنا حكومة مصلحة صالحة صادقة فى اصلاح امر رعيتها باذلة الاموال الطائلة لنفع شعبها " ساهرة لاجل مصالحها . . ادام الله لها السعادة والسيادة بمنه وكرمه

اشترك في نشرتنا البريدية