الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 3الرجوع إلى "الفكر"

هل من جديد في مؤتمرات الأدباء ؟

Share

الى القارئ

إحتضنت مدينة طرابلس من 24 الى 30 / سبتمبر / 1977 المؤتمر الحادى عشر للأدباء العرب بدعوة كريمة من اتحاد الأدباء والكتاب الليبيين بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية . وقد بذل أمينه العام جهودا موقفة فى أن يكون المؤتمر ناجحا ومغيرا لما دأبت عليه المؤتمرات السابقة من رتيب القرارات ومتكرر التوصيات ومتواضع النتائج .

وإذا كان المؤتمر قد خيم عليه شبح انتخاب الأمين العام للأدباء العرب وطغى عليه جو من استراتيجية حضوره وغيابه مدعمة بتكتيك((ثابت أمين))فان مؤتمر طرابلس يعد منعرجا بالنسبة للأدباء العرب لعدة أسباب من أهمها أن الأمة العربية تمر بفترة دقيقة لم تعد شعوبها في معظمها لترضى بما فرض عليها منذ الخمسينات من نسق فكرى وموقف إيديولوجى تبين إفلاسهما وتهافتهما وظهر للجميع أن الأدب الخاضع لهذه الأفكار لم يساهم في وعى الجماهير العربية الوعى الصحيح بواقعها حاضرا ومستقبلا وأبقى الأجيال التى تغذت به على نوع من التفكير السحرى والأسطورى الذى لم تغير منه الحياة العصرية المادية إلا بعض المظاهر الطفيفة ، فالتفاوت بين الحياة المادية وبين الحياة الفكرية والنفسانية ما يزال قائما لم تبدده الأيام وطوارق الأزمان والعزلة الذهنية مع العالم العصرى لم تمح رغم المظاهر الخلابة .

ومن أهم الأسباب أيضا أن السياسة طغت - فى كثير من البلدان العربية - على الأدب والأدباء من حيث يشعرون أو لا يشعرون فأصبح الأدب

والفكر خادمين للسياسة لا صنوين مثيلين ، وأصبح الأدباء مهما كانت عبقريتهم ورجاحة أفكارهم ، وبحكم تعقد الحياة العصرية وسيطرة الأجهزة الرسمية على النشر والتوزيع والترويج والاعلام ، ظلالا خافتة وأنوارا باهتة لا يبلغ شعاعهم الى الجماهير ولا تنتشر آراءهم إلا إذا ركبوا مطية ((مسجلة)) .

ومن الأسباب ، كذلك ، تلك التى تتعلق بسيرورة المؤتمر وجوهره . إذ هو لا يعدو ان يكون ملتقى للأدباء والمفكرين سلاحهم الكلمة وليس لهم من سلطة فعلية لتحقيقها وتجسيمها الا فى النادر القليل . ولكن مسؤوليتهم ليست فى القرارات والتوصيات وإنما فيما يقدمونه من دراسات وبحوث ويطبخونه خلالها من آراء لانارة الرأى العام وإخراجه من الدرك الفكرى الذى تردى فيه مما أعجزه عن حل مشاكله وخاصة معظلته الشائكة ، أى القضية الفلسطينية .

ان الطرق التى خطها الفكر والأدب العربيين بانت للعيان مسدودة وان ما يتخذ فى مثل هذه المؤتمرات من مواقف ومهاترات وهامشيات وضروب الديماغوجية لكسب الأنصار ، ومهادنة لقضاء المآرب ، هى التى أفسدت هذه اللقاءات . وكان يحب ألا تكون مواقف ايديولوجية نابعة من أفكار مسبقه بل فرصة للانكباب على واقع الأدب والفكر العربيين تحليلا وتعميقا . لان الأدب إذا هو لم يرتبط بواقع الفرد والجماعة لا الواقع الزائف الذى تكيفه بعض العقول لمآرب (( سياسية )) أو إيديولوجية بل الواقع الحى المعاش للأفراد والجماعات فانه لا يمكن أن يعبر عن الطموحات الحقيقية الراغبة فى التجسيم والآلام المجرحة التى تنتظر الدواء .

لعل مؤتمر طرابلس كان منعرجا لانه أظفر أكثر من غيره من المؤتمرات الأخرى - استنادا بالطبع الى ما يطفو على السطح - مأساة الفكر العربى وضحالة الأدب العربى المعاصر إلا النادر القليل ودفع الأدباء والمفكرين على أن يشعروا حاد الشعور بأنه من الواجب أن يغيروا مناهجهم وطرقهم وأنساق تفكيرهم .

وهذا العدد الذى يحتوى على معظم الدراسات والبحوث المعروضة فى المؤتمر الحادى عشر للأدباء العرب والذى أعاننا على اعداده اتحاد الأدباء والكتاب الليبيين مشكورا يدعو الى هذا التفكير وأكثر رغم جودة ما نقرؤه فى بعض الأحيان ورشاقة ما يبسط من أفكار وعميق ما يدون من معلومات . ولكن الواجب يدعونا الى التشاؤم . ولعل التشاؤم الايجابى هو ضرب من التفاؤل الذى يقود الى الوعى والوعى طريق إلى الخلاص .

اشترك في نشرتنا البريدية