اليوم كلمتك كنت أدير رقم هاتفك بلا وعى مني بلا شعور وأصغى الى رنين الحرس فى دارك وكأنه ناقوس ينذر بالشؤم فى ليال دافئة . فوحثت بصوتك أسمعه رصبنا هادئا يأتيني من مغاور بعيدة . . وقد طوقه الزمان بقوته بقدرته عبثا حاولت أن اصعد الكلمات الى حلقي لتنطق بها شفتاي . . ظلت الحمل التى قررت قبل لحظة أن أسكبها على مسامعك مخنوقة محبوسة والحدة في داخلي لا تتحرك صوتك أخرسها . اماتها ) كنت في عام مضى لا أحضر جملى قبل مكالمتك أو قبل لقاك . كنت أنت تخلقها ببريق عينيك تهديها سواء السبيل بنبرات صوتك لجنون تسقيها فتحيا وتجرى اليك بلا كلفة بلا عناء هكذا يأتينى الكلام وأنا معك دون سابق تخطيط سعادتى بقربك تجعلني أثرثر اثرثر حقا السعادة تتبع من الذات لا من المحيط وانا ذاتك وأنت ذاتى تضحك من فلسفتى . . وتمضى تجذبنى اليك لتنسينى وجودى الكلمات تكهرب من القلب والجسد كلمات أحب أن أسمعها وأفعل احيانا الحيلة لأجعلك تلفظها كلما اشتقت اليها انها بحر من الهناء من الاطمئنان يغسلنى من ماضى ومستقبلى ويوقفني ويقعدني عارية على باخرة الحاضر ) .
الحاضر حاضرى الآن أليم لا شك معذب معذب عذبته الذكرى لم لا تموت الذكرى لم لا تموت ؟ !
- آلو اسمعها للمرة المائة دون أن أرد عليها لست ادرى لماذا لم أغلق الخط لأهرب ، من ذاتي المحطمة .
- من أنت ؟ من أنا . أحقا لا يدرى من أنا ! أنا ؟ أنا أنا هو من السخف أن أقنع نفسى بأنه لا يعرف نفسه من السخف من الحمق أن يكرر هذا السؤال . . لماذا لم يكن يلقيه على فيما مضى أفقد الذاكرة الآن . أهو منير آخر ؟ .
- من أنت ؟ يلح ودقات قلبي لالحاحه تكاد تتفرقع . . آه دقات قلبي هذه تضايقني تقلقني تقتلنى إنها كناقوس فقد توازنه أضع يدى على صدرى حتى أسكتها ولكنها تزداد قوة وعنفا تزداد ضجيجا وفوضى . - أأنت سامية ؟
سامية من سامية هذه ؟ .. رباه انفلق عروق رأسى تتقطع لم لا يغلق الخط ويريحني انه يدرى من انا . . ويشمت بى اذ يطيل عذابى بلامبالاته بسخريته . . انى اكرهه أكرهه وفى غمرة من الجنون أرمي السماعة على آلة التلفون وأقف امامها مغتاظة الدموع على عتبة عيني تريد الدخول أطردها كبريائى تمنعينى من البكاء فى مثل هذه المواقف . لا شئ فى الحياة يستحق ان نبكى من اجله لانه ما من شئ جدير بأن نجله قلوبنا الطاهرة وتقبله شفاهنا البريئة كتفاى تهتزان كأنهما تسقطان بكل ثقل رأسى يدفع الى الوراء كأنه لينفض عنه غبار الحياة . والانسان . . والزمان الوسخ قدماى تسيران ببطء وجرأة وثبات تقفان بجسدى أمام النافذة
( أمام النافذة كنت أقف لأترقبه كانت الدقائق عندى ساعات بل أعواما طوالا مراضا مشحونة بالاسى والمرارة . . مرارة الانتظار كان يحب أن يتأخر بل ويتعمد التأخر ليزيد فى شوقى اليه وحنيني وكنت أحب أن انتظر لان الانتظار هو البداية أما قدومه فالنهاية وكانت لى كل يوم بداية ونهاية ليست لها نهاية كنت أتطلع من وراء النافذة الى سيارته متى تقف أمام باب الفيلا وتقف وأجرى راكضة انزل الدرج كنت أحس بنظرات عم الهاشمى حارس الحديقة تنظر الى مستغربة أيعقل أن تخرج هذه الأديبة الحسناء هكذا كالمجنونة ؟ ايعقل أن يسيطر على عقلها وقلبها هذا الشاب وهى التى تسيطر على القلم والكلمة ؟ الفتاة
فتاة ينرقها بطبشها يغرورها الفتاة فتاة مهما بلغت قيمتها كنت أحسى به بلعن الدنيا وهو يرانى أرتمى على صدر منير لامبالية بوجوده نعم كنت محنونة كنت لا أحسب للناس حسابا . . كنت جريئة لا أتستر بالظلام ثائرة وزادنى الحب ثورة على ثورتى . . لا تهمنى أقاويل الناس لا تهمني اشارات أصابعهم المنافقة . . نظراتهم المستغربة ؟ لتزدد استغرابا . وقوفهم من وراء النوافذ ليتفرجوا على فيلمى القصير ؟ ليطل ! لا يهمني ما دام منير لي ما دمت قبل ان اندس معه داخل السيارة اعانقه سعيدة فرحة ناسية الانتظار المر الذى كنت اتخبط فيه ما دمت أركب الى جانبه وادع يده تعانق رقبتى حتى نصل الى مقهى البلفدير او مقهى باريس او مقهي كلاريدج او . . قلا . . لا شئ يستحق ان ابالي به . . كان يحب اندفاعى يعشق تمردى يشجعني على هذه الثورة العارمة ضد المجتمع . ضد الامخاخ الحامدة يريدني صادقة أبدا لا أتستر بقناعة " هم الكذاب ما دمت أحب أن حبه واخرج معه واكشف للدنيا عن السر الذى يجمعنا مع فعلام النفاق ؟ كان بحرا وكنت انا سمكة ضالة متشبثة بمائه لا ابتغى منه خروجا حتى لا أموت وكنت سعيدة سعيدة )
اتأفف وانا انظر من وراء النافذة السعادة ! . كلمة لا معنى لها بل ولا وجود سعادتى معه كانت فقط طعما فى صنارة الشقاء الذى يلم بى . افتح النافذة الهواء بارد بارد كبرودة أيامى الكالحة كبرودة قلب المصقع لم أعد فى هذه اللحظة أشعر باي شئ مما يعرفه الناس لا فرح لا حزن لا ندم أحس فقط بالشقاء . . بالضياع . . بالحيرة احساسات لذيذة لا يعرفها الا العظماء وأنا عظيمة أجرى الى مكتب آخذ علبة السجائر فى رغبة فى رؤية ضباب من دخان سيجارتى أغذق النافذة .
أجلس على كرسى وضعته حذوى ذوى وتمضى عيناى تشربان منى السهوم والشرود وأمضى أنفت دخان سيجارتى فى سكون ويمضى السكوت ساكتا لا شئ أسمعه غير انفاسى المنتظمة الهادئة أنفاسى هادئة ! يا للغرابة ( لم تكن أنفاسى هادئة وانا معه حتى أنفاسه لم تكن هادئة كانت دائما كفحيح الحديد المحمي حين ترميه يد فى ماء بارد ( فما الذى تغير ؟ ؟ ؟ فى الحقيقة كل شئ تغير حتى أنا تغيرت فى مظهرى . وطباعى ونظرتى للامور تشدني رغبة طفولية فى النهوض والوقوف أمام المرآة لأتأكد من تغيري لا أعاند وأمضى الى المرآة أحاكيها ... هذا شعري قصير وقد كان طويلا طويلا فلماذا قصصته . . لا لسبب الا لأن
طوله يذكرني به وبحديثه الحلو عنه هذان حاجباي أصبحا عريضين بعد ان كانا كالخيط المهلل فوق مستوى عيني لماذا تركتهما يهيجان ؟ فقط لأنسي الصورة التى تركنى عليها وذهب هذا فمى . لا أثر لأحمر الشفاه عليه ولماذا أحمره ؟ ! ولن ؟ فقدت الامل الذي لأجله كنت أتزين وأتجمل ولم الجمال الآن ؟ ولمن ثقبت وجهى فى المرآة بحثا عن عيب فيه يردع كل فتى أن يعشقه فلم أجد أنا جميلة جميلة بخضرة عيني . بحمرة خدى ببياض اسنانى بصغر فمى بارتفاع جيدى جميلة . وجمالى يعذبني الفتاة الجميلة فى بلدنا تشقي لست ادرى لماذا ؟ ربما لان الله يحب الجمال أزفر غبارا يستحيل ندى على صفحة المرآة . أتنهد ومع تنهيدتى يدق جرس الهاتف لن أرد . فلا أحد يستحق أو أرد عليه لم تعد مكالمة ما تفر حتى تعد مكالمة ما تهمني ) انا .
أنا التى كنت أجل قرب الهاتف أتصنع قراءة كتاب حتى يكلمنى . أنا التى كنت اذا صادف ودق جرس الهاتف عن غير انتظار أجرى انا فى حيوية المراهقة وأختطف السماعة قبل ان تصل اليها يد الخادمة جميلة أنا . انا التى ( لن أرد لن . . لن . . لكنه يلح . . يلح ببلادة تثير الاعصاب لن أرد أجل الى مكتب آخذ ورقة اكتب عليها أرد وورقة أخرى اكتب عليها لا أرد . . أطويهما بعناية . وأطلق سراحهما من قبضتى على المكتب والتلفون يدق يدق ببلادة أختار ورقة أفتحها ارد اذن سارد أهز السماعة الى مستوى يسرى أذني بتثاقل
- آلو - آلو حسناء ظننتك خرجتى يا ابنتى الاجتماع سيطول لن ارجع قبل ساعتين او ثلاثة وأمام سكوتى تستأنف اخرجى يا بنتى ستقلقين وحدك . - حسنا يا أمي سأفعل .
وتنتهى المكالمة انها أمي اذن لكم احسدها على نشاطها على انشغالها الدائم لا دقيقة لها تضيعها مهامها كثيرة وراءها دائما شئ تفعله . تجتمع بالنساء فى الشبيبة النسائية تذهب الى الحلاقة تزور الصديقات تدعى الى سهرات تقيم حفلات هى كالفراشة رغم كبرها ابدا جميلة رغم اعوامها الخمسة والاربعين ) كنت انظر اليها مدهوشة وقد استحال جمالها قبحا غاضبا وهي تشتم أبى كنت يومها فى الخامسة من عمري .
وكانت هى فى الخامسة والعشرين ولم أكن أفهم معنى أن تشاجر ابى ان تطرده ان المشهد الذى تفرجت عليه يومها مازال منقوشا بالوشم على صدرى أمام عيني
- لا أريد أن يعارض تصرفاتى احد ما من شخص فى هذا الوجود يستطيع ان ينال من حريتي أنا حرة حرة أيها السيد فان كان يروقك ان تبقى معي ولا تقيد حريتى فسأقبل من اجل ابنتنا وان لم يكن يروقك ذلك فمع السلامة ستعثر على امرأة أخرى غيرى جاهلة ترضى أن تخدمك كالأمة دون كلمة ترضى ان تكون المطيعة لأوامرك دون مناقشة . اما أنا فلا . لا . لن ارضى فمن خلق ليعيش حرا لا يقبل العبودية من خلق لبكون عظيما لا يصغر ابدا ابدا
- لا تتهورى يا امرأة لا تفترى أنا لا أرغب فى تقييدك ولا فى اذعانك لأوامرى فلا رئيس ولا مرؤوس هنا فقط أريدك أن تولينى من اهتمامك كرزوج له عليك حق من هو الرجل الذي يحب زوجته الى حد العبادة ويسكت حتى لا يراها أبدا . . لا وقت الغذاء ولا وقت العشاء . وفي بعض الاحبان لا يراها حتى فى وقت النوم ؟ . أتزوجت امرأة أنا أم تزوجت فراغا اني اكاد لا أراك اليوم كله أليس من حقى أن أشتاق اليك . أن أدافع عن حقوقي عليك كزوج أنا احبك ولولا حبى لك لما نقدت تصرفاتك هي لا شك ليست سيئة ولا تمس من سمعة العائلة ولكنها تثير أعصابي شغل اجتماعات . . شغل اجتماعات . . أريد أن أشعر معك ولو مرة بالدفء بالحنان أما كفانى أنى فقدت حنان أمي منذ صغرى أما كفاني العذاب الذى عشته وأنا يتيم تضربني زوجة ابى وتفتك مني والدى مرفأ نجاتى الوحيد أما كفانى ذلك يا وداد . . تريدين أنت تعذيبى وحرمانى ماذا جنيت حتى ألقى منك هذا الجفاء ألانى أحببتك !
كانت غصته وقتها فى حلقه خلت أنه سيبكى وأن أمي ستبكى لكن العيون ظلت جافة غامضة خاصة عينا أمي كانتا تكشفان عن كراهية كارهة أما عينا أبى فكانتا تعكسان حيرة ملحومة خوفا مكبوتا وحزنا عظيما حزينا سحبه لا تمطر حقا الرجال لا يبكون قلوبها فقط تبكى وأمي ؟ . يبدو انها رجل . . لكن ليس حساسا من صنف ابى بل صلب قاس لا تزعزعه المشاعر . . أترى اشتغالها كالآلة جعل منها القاسية الصلبة فلم تبك ولم يبك أبى كذلك فبكيت أنا
مازلت أرى نظرات كليهما وهي تلتهمنى حنانا وعطفا جرى ابى الى ضمنى اليه ثم خطت امي نحوا الخطوات التى تفصلها عنا وعانقتنا وبكينا بكينا كلنا بكينا ( كما تبكى الريح الآن فى الخارج بكاؤها انين خافت ارتدى معطفى سأخرج رغم الريح وحتى رغم المطر أو انهمر سأخرج فكل شئ فى غرفتى يوحى بالكآية الكآبة الرتيبة التى تقف كالمسار على تابوت الزمان سأخرج وبخطوات آلية وجدتنى أمام المدرج انزل درجاته ببطء اعترضني عم الهاشمي على آخر درجات المدرج كان يغط فى نوم عميق علام لم يدخل غرفته ؟ . إنها أريح . وأدفا الظاهر أن أمي أمرته أن لا يدخل حتى تأتي ولو صادف ورأته عن هذه الحال لا يقظته بشراسة ونعته بالمهمل الكسول نعم انها قاسية الا معي قسوتها كلها تستحيل حنانا وحبا حين تلتقى بى .
وامرها الدستور عندى أنا تصبح طلبات تفعل المستحيل لألبيها لها عن اقتناع قابلتني الاشجار فى الحديقة تتخاصم تتلوى عراكا انه مفعول الريح تماما كمفعول الخمر المعتق وقبل ان اصل الى باب الحديقة وقعت عيناى على قرنفلة انحنيت وقطفتها وخرجت الى الشارع بعد ان اغلقت الباب ورائى بهدوء حتى لا أوقظ عم الهاشمي القرنفلة فى يدى أشمها
) يتبع (
