الويل حفظك الله مطلقا ، ويخص بعض المفسرين ما ورد منه فى القرآن بانه واد فى جهنم ، واد أعد لاصناف من التعساء الاشرار ، لعل قائمتهم نضم الى الكفرة الفجرة باعة الخضر المطففين . . .
وتأتى اللفظة فى سياق الوعيد ، كما تأتى فى سياق التخوف من شر مستطير . . الى جانب ورودها خبرا او كما يقال موضوعا لمحمول
والذى اعنيه انا بالويل لا يغاير هذه المفاهيم بل انه ليلتقى معها جميعا فى اكثر من وجه ، فهو الهلاك الشامل ، وهو جهنم او شعبة منها فى افظع ما يتصورها الذهن ويقشعر لها الفؤاد ، وانه بعد هذا وذاك لصيحة الشعور بالخطر المحيق واللفظة الدالة على حدث فى ذاته مكين
واذا كان ثمة من فرق بين المفهوم الذى اقصد وبين تلك التى عرفها الوضع وخرجها التأويل فهو ان هذه محدودة التأثير وان اشتد ، انها مفاهيم تتعلق بكارثة حرب ، بثورة بركان ، بانتشار وباء . . كما أنه لا شئ يلزمنا بتصديق اولئك المفسرين في مقابل خصوبة الخيال عندهم ، وحتى لو قادتنا الى ذلك الاريحية فان الله كما هو معروف غفور رحيم . . ومن باب احرى الا يجير عباده الابرار على الاستحمام فى الوادى الشنيع . .
اما الويل الذى اكتب عنه فلا يعرف اذا هو انطلق تمييزا بين برئ واثيم . فهو يوزع " خيراته " بكل ديموقراطية على الجميع . . ان لم يكن الجانب الاوفر منها للضعفاء والمستضعفين ، والغالب ايضا الا يقتصر التوزيع على منطقة الانطلاق بل يتعداها الى بعيد
وثمة فرق آخر . فتلك الانواع من الويل انما ينسب خلقها الى الله تعالى فليس للانسان على ارادة غالبها من سلطان . فاما هذا الويل الفظيع هذا الويل المريع المشؤوم فهو من ارادة الانسان نفسه ، بحر وسائله وبتصميم وتقرير . انه المصيبة وانه السيئة اللامفيدة . .
ويل يفوق كل هلاك معروف ، ويجارى افظع وبال متخيل اصبح فى الامكان معاناته دون توقف - يالاانتصار - على الله ولا آلاخرة
هلموا اذن يا ممجدى القوة وطحالب الخراب ، هلموا اذن ادعوا الرب يصفق لكم ويسلم لكم من امره عرشا !
ام انكم لتشعرون - بكيفية غامضة وحيوانية - بحقيقة توهج القبس قبيل الانطفاء ؟
ويومئذ يبزغ من تحت الرماد مقبلا من وديان العرق الفجرى عود يضئ ولا دخان يدفئ ولا يتفحم ، وسيكتب باحرف من حب هناك فى مقاطع الرخام هناك على جذوع السرو : ما اعظم واقوى نسيج العنكبوت ما احقر واضعف الرماد !
اللهم . . لا حوالينا ولا علينا ! وبعد فاى شىء ذلك الويل وقد لوحت به واعترتنى بخطوره شطحة كادت تنسيني نية بسطه ؟
انه شىء يصنع بالارض ومنها ، يصنع بحجر هذه الام الطيبة العجوز وبوسائل منها ، امنا التى اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج ؛ كذلك يصنع ثم يعود عليها وعلى ابنائها نقمة لا مثلها نقمة وعقوقا لايدانيه عقوق .
طريق هذه العودة المشؤومة مختلفة قصرا وطولا ، سرعة وابطاء ، مباشرة ومواسطة ؛ هذا من حيث تفاوت النقمة والعقوق ، فاما حصولهما المطلق فان كل طريق كما يقال توصل الى رومه ، ورومه هنا هى اغلب بقاع الارضين . . .
ودع تعرفنا على الويل يبتدئ باحد اعراضه : المطر ؛ اجل ان له لمطرا يتساقط كغيره من السماء ، وكثيرا ما يكون شأبيب سخية لو رآها الفلاح المجدب لكانت المشكلة عنده تنحصر فى ايجاد مخازن جديدة لحبوب موسم خصيب . ولكن صاحبنا لو وعى حقيقة هذا المطر لكان تمثل يقول الرسول وزاد عليه فدعا الرب الا يصبه لا على الحوالى ولا على العوالى . ولبادر في اغلب الظن الى تحسين العلاقات به حل جلاله
اما اناس آخرون من غير شعوبنا هذه فسيبادرون ولا شك الى ارتداء الاقنعة والواقيات بدل الاستغفار وعمل الصالحات الباقيات . .
ومثل المطر الذي ينكب الفلاحين ويغرق الناس ليعد بالنسبة الى المطر الآنف نعمة وبركة .
وتقول والحق معك : كيف تكون النقمة نعمة والنكبة بركة ؟ اجيبك والحق معى انا الآخر ان فى الشر ما يختار وان المشرف على الموت ليحمد كما يقال الحمى
والمقارنة تتمثل فى ان هذا المطر اللعين لا يقتصر خطره على تهديد منطقة بالجوع او فقدان المأوى وفى الناس اشلاء من ضمير ، بل انه ليهدد الوجود ذاته وجود الناس اجمعين ، ثم فلا عاصم ولارحيم
انه المطر الطاعون ، المطر السم . انه عرق الجحيم المسعور !
الجزء الذى لا يتجزأ وان تعجب فعجب ما ترى ، مطر ولا كالمطر ، جحيم ولا قيامه ، وويل لا يضاهيه وبال . . ذلك بانه من عالم ميزته العجب والغرابة ، عالم محسوس وليس بالمحسوس ، عالم نعيشه ولا نعيه ، وانه بعد هذا وذاك لعالم الطاعة والتمرد ، يطيع احيانا منطقنا ونواميسنا ويجبرنا احيانا اخرى ان نخضع نحن لمنطقه هو وتقاليده
واعجب من كل ذلك انه ظل قرونا عديدة عالما محتقرا عند اكثر الناس ومثل التفاهة والضالة عند الجميع ، وذلك الى ان تم اكتشاف حقيقته فى عصرنا على يد رواد منقبين
هذا العالم هو عالم الذرة ، وما ادراك ما الذرة !
وهى لغة الدقيقة يعنى القطعة من الشئ المسحوقة كحبة الرمل الصغيرة ومثلها الهباءة وهلم تصغيرا . .
وموضوع الذرة قد سبق ان فكر فيه فلاسفة يونان متأتين اليه بالبحث فى أصل المادة والكون اذ واجهوا فكرة ارجاعهما الى اصل ابسط واعم فكان الذرة .
. . وغير بعيد عن ذلك ما يعرف عند المتكلمين بقضية الجوهر الفرد او الجزء الذى لا يتجزأ . . على اختلاف فى النهج والقصد ، غير ان هذه الافكار جميعا لم تكن لتتجاوز نطاق النظر والتخمين المختلط بضروب من التحكم والخيال ، وفي احسن الحالات لم تكن لتدنو من المستوى العلمى ذى الصحة والثبات . . .
ووقف بعد المسلمين التفكير الذرى دهرا طويلا ثم بعث فى القرن الثامن عشر واستقام فى قرننا العشرين ، ومن المحقق تماشيا مع سنة التطور ان يتقدم اشواطا اخرى فيما يأتى من الازمان ؛ وعسى ان يكون تقدما حقا مما ينفع البشر ويفيد .
بل يتجزأ : ان ما يهمني بالدرجة الاولى وانا استهدف التعريف بحوادث الذرة الخطرة ان القى لمحة كافية لاعلى مفهومها عبر التاريخ ولكن على حقائقها كما هى مبسوطة اليوم لدى العلماء المعاصرين ، ولذلك فلا بد هنا من تبسط او فى مما فعلت في الفقرة السابقة . . .
وموضوع المادة يصلح ان يتخذ محورا لهذا البحث ، او بعبارة اخرى مجالا له ، وقد عرفنا منذ الصغر ولا بأس فى ذلك ان المادة هي ما يتمدد اى ما يشغل حيزا من الفراغ . ومن صفاتها المحسوسية ، فهى تلمس او تشم او تذاق او تبصر او تسمع بعض معلولاتها . . او كل ذلك او بعضه . . فهى تبعا لذلك قابلة لان توزن وتقاس وتحد . . . فالحجر والماء والهواء جميعها من المادة ، وليس اياها خاطرة تلم بوجدانك
اما الحقيقة الاخرى المتعلقة بالمادة والتى هى من بنات النظريات الحديثة ( نسبيا ) فهى ان جميع تلك الصفات ليست سوى مظاهر لحقيقة الطاقة التى لا نحس بغير حوادثها
ومهما يكن فان المادة كصورة محسوسة للكون لتتركب عند التحليل مما يدعى بالعناصر ، والعناصر المعروفة الآن لا تتجاوز الا يقليل المائة ؛ وبناء عليه فان كل مادة معروفة لتعود الى هذه العناصر . الماء مثلا مكون مما يسمى بالاكسجين ومما يسمى بالهيدروجين ، وهما عنصران كل منهما يقوم بذاته ، وهناك بعض المواد قوامه عنصر واحد يدعى به انتسابا ، وهو الذهب مثلا
اما العنصر نفسه فهو ابسط مادة يمكن ان تستخلص من اخرى بشرط ان تظل محتفظة بخصائص اصلية معينة ، فالماء - وهو عند القوم مثل قام زيد عند قدماء النحاة - ليس بالعنصر ، لاننا لو نجحنا فى وصل انبوبين منه بقطبي التيار الكهربائى لتفكك الى الهيدروجين والأكسجين ولكل منهما كما سبق خصائص مميزة .
وهو بدوره اعنى العنصر يتركب من الذرة ، من واحدة فصاعدا حسب الكمية ، وتعرف ذرة كل عنصر به فتضاف عند التحديد اليه ، كقولك ذرة او ذرات الهيدروجين او الاكسجين او اليورانيوم او غيرها
قلنا العنصر ابسط مادة يمكن ان تستخلص من اخرى مع الاحتفاظ بالخصائص المميزة ( كيماوية مثلا ) فاما الذرة فهي اصغر مادة كذلك اى مع شرط الابسطية والمحافظة ، وغير خفي الفرق بين الصغر والبساطة . . وعلى ذلك فان المعتبر فى تحديد العنصر هو الابسطية المحافظة بصرف النظر عن صغر حجمه او عظمه فى حين ان ما يعتبر فى تحديد الذرة هو جميع خصائص العنصر مع اضافة الاصغرية
ومن هنا يتضح انه اذا وجد جسيم اصله من ذرة ما ، من عنصر ما ، ولكنه قد فقد بعض خصائص اصله ، عق او خان او شردته الاقدار . . هذا الجسيم لا يستحق التسمية بالذرة ولا بالعنصر وهو الابسط وهو الاصغر الادني
انه جزء ، مجرد جزء من الذرة وان للذرة لاجزاء
ولكى تعذر اداتى التوكيد الذى اصبح نسمع وصفه بالكلاسيكية . . علينا ان نعرف ان اضخم ذرة واكبرها لا يتجاوز معذرة اخرى - قطرها اى الخط الوهمى الذى ينصفها ، نقول انه لا يتجاوز جزءا واحدا من عشرة ملايين جزء من السنتمتر الواحد ! ودع عنك اصغرها الذي لا يتجاوز واحدا من مائة مليون من ذلك . .
ثم اذا كان هذا هو الشأن مع الاصل اعنى الذرة نفسها فكيف يكون اذن الامر اى الحجم او الوزن او المساحة مع جزء من اجزائها ؟ ! سنتعرف على بعض ذلك فيما يأتي من الصفحات . .
وغنى عن البيان ان مثل هذا الصغر الخارق فى الذرة يجعل رؤيتها بالعين المجردة من مطلق المستحيل بل ان احد المجاهر وامضاها ثاقبية والحاحا وفضولا لتصبح بمفردها عديمة الجدوى . . .
وللقوم رغم ذلك طرق تسلك فتؤدى الى حيث تصبح العين قادرة والمجهر كشافا ، انها طرق من الالتواء والمراوغة والتعقد اين منها العن ذنب ضب على حد ما كان يقال !
هى اساليب العلم الحديث ووسائله ، ميادينه وآلاته المتعاونة العاملة فى طاعة ونظام هى فنونه العالية ولغته الرياضية ورموزه ؛ وانها قبل كل شئ عزيمة العلماء انفسهم وكدهم وتفانيهم ؛ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون عقلهم حب كشف واطلاع ، مشمولين برعاية بلادهم القادرة المقدرة . .
فتحوا لها عقولهم فاباحت لهم نفسها ووضعت تحت ايديهم كنوزها وفى اعناقهم الامانة ، الامانة التى عرضت على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وحملوها هم ليتصرفوا بها تصرف الامناء او السفهاء . ولقد اساء بها التصرف غالبهم فكان ظلوما جهولا
فوا أسفاه على النور يصبح وسيلة الديجور ! ثم وا أسفاه على مؤتمن الكون ورشيده يصبح خائنه وسفيهه
" انا هدينا الانسان السبيلا اما شاكرا واما كفورا " ولقد كفر فهل متاب وتكفير
ولنعد من " الشطحة " الى مواصلة الحديث صارفين النظر عن مصير الامانة لدى اولئك العلماء الجهلاء الذين ابتدأوا حياتهم في ميدان نذرها لله . . العالم المحب المؤنس للطبيعة ، لينتهوا بها الى الشيطان الجهول الحقود ملحق الانسان بالجلمود .
مكنت تلك الاساليب اصحابها من هتك حجاب الذرة فاستطاعوا ان يقيسوها ويزنوها ويصوروها فتوغرافيا ويتحكموا فيها ويتعرفوا على هندستها وتركيبها . .
ويهمنا الآن ان نلقى نظرة على مكوناتها الاساسية الشهيرة مما هو ضرورى فى تبيان - حفظ الله الجميع - الجانب الشرير منها
يعتاد الناظر فى الكتب التى تعالج الذرة ان يعثر اكثر من مرة على تشبيه هذه بالمجموعة الشمسية من حيث نظامها وكيفية تركيبها . وليس ذلك لغاية التبسيط والتسهيل وحدهما بل ولاشتراك حقيقي في جوهر ذلك النظام وذلك التركيب
فللذرة كتيلة مركزة في وسطها تدور من حولها وفي افلاك معينة كتيلات اخرى صغرى يحافظ على مداراتها جاذبية ودافعية كالتى هى بين الشمس وكواكبها . .
وهذه الشميسة المسماة بالنواة عبارة عن نوعين من الجسيمات المتراصة المتماسكة يدعى احدهما البروتون والاخر النيوترون . . . وذلك مهما يكن نوع الذرة وانتسابها . اللهم الا في ذرة عنصر واحد تاتى الاشارة اليه لا تتركب نواته الا من نوع واحد من الجسيمات .
فالبروتون يعرف بانه جسيم ذو شحنة كهربائية نوعها موجب . واما النيوترون فمعناه فى لغته المحايد ثم اشتق ذلك للاشارة الى انه جسيم لا يحمل شحنة على الاطلاق ، وذلك لما هو معروف في علم الكهرباء من ان نتيجة الشحنة السالبة والموجبة اذا تعادلتا تصبح صفرا ، وهو عين الحال في النيترون : شحنتان مختلفتان متساويتان ، ومن ثمة فهو كثيرا ما ينعت بوصف المتعادل
والذى يدور حول هذه النواة المركبة ان هو بدوره الا نوع من الجسيمات ( على اعتبار ما ) يتمع كالبروتون بشحنة كهربائية ولكنها على عكسه سالبة . واسمه العالمى الالكترون وقد اشتهر عند اكثر العلماء العرب - المحدثين طبعا باسم الكهرب او الكهيرب . . محظيا بهذه التسمية الشهيرة دون بقية اخواته التى ظلت فى اعجميتها اشهر واجلى . . .
ومجموعات عدد الكهارب فى ذرة عنصر ما يتساوى دائما مع مجموع عدد البروتونات فى نفس العنصر ، ولكن مجموع عدد النيوتروات فى ذرة نفس العنصر لا يتساوى دائما مع ايهما ، كما ان كل ذرة عنصر تختلف بعدد كهاربها او بروتوناتها عن اية ذرة عنصر آخر . . .
فمثلا ذرة العنصر المسمى بالهيليوم تحتوى على نواة قوامها بروتونان ونيوترونان يدور من حولها كهربان كذلك ، غير ان هذا التساوى بين اعداد انواع الجسيمات الثلاثة ليس بالقائم فى جميع العناصر واصنافها كما سبق التنبيه .
فهذا عنصر اليورانيوم الاصيل المهيب لذرته اثنان وتسعون كهربا تدور على نواة بها عين العدد من البروتونات فى حين ان نيوتروناتها لتساوى ستا واربعين ومائة (146)
هذا وليس من باب الاطناب فى غير مقامه ان نقف وقفة طويلة نسبيا حول مسألة العدد هذه فأليها تعود جميع الخصائص الذرية الاساسية ، ولو كنت " العقاد " لاستخدمت فى الترجمة لها مثل تلك " المفاتيح " و " السمات " التى عالج بها " اقفال " العباقرة الذين ترجم لهم . .
ان عدد البروتونات مضافا الى عدد النيوترنات فى ذرة عنصر ما يتناسب طردا مع ثقله وخفته ، اى كلما ارتفع عددها ازداد ثقلها وكلما انخفض خف ، فى حين ان يقية اجزاء الذرة ( الكهارب ) لضئالة وزنها الخارقة لا تكاد تذكر فى مسالة الوزن وتقديره ، ومن ثمة صح اعتبار النواة ممثلا كفئا لثقل الذرة كلها ، ومن هنا ايضا نفهم كيف ان عنصرا كاليورانيوم هو من اثقل العناصر . لما تقدم من اكتضاض نواته
اما عدد الكهارب فهو يعين الخصائص الكيمياوية والاشعاعية والترتيبية ، ويقدر ما يتوفر ذلك في عنصر ما من العناصر ووفقا لهذا المقدار يأخذ العنصر رتبته ومركزه وقدره بين اخوانه . . ولذلك كان اليورانيوم ثانيا وتسعين والهيليوم ثانيا فحسب
هذا ويجب ان ننبه على ان هذا الترتيب لا يعنى التدرج فى الاهمية او التدرك فيها كما قد يتوهم ، اذ ان الاهمية قضية متعلقة بالانسان نفسه وليست بالطبيعة ومن ثمة فهي قابلة للتغير والتبدل عرضة لمختلف الوجهات . وبعبارة اخرى فان وظيفة الترتيب التعيين وليست التقييم ( ولا اقول التقويم . . . )
ومهما يكن فان الذهن قد يتفقدها هنا صاحب العدد الرتبى الاول فى سلم العناصر او جدولها ، ما هو وما عساه ان يكون ؟
والحق انه ليس الا عنصرا متيما محروما . . عنصر تتركب نواة ذرته من بروتون وحسب ليس يجاوره على خلاف سائر العناصر اى نترون اصيل ، ويدور من حوله ولا يفتا يدور كهرب وحيد وذلك بغض النظر عن العنصر الهجين الذى يشتق منه . .
وهذه الصفات الاستثنائية هى التى جعلتنى اتناساه قبل الآن . ولكن لا ينبغي ان نعتبر فقره حاطا من قيمته وان عزوبته تلك قد تتسبب فى النيل من سمعته لدى اجواره والناس مثلما رفضت اسكانى قهرمانة شمطاء . .
والواقع ان لهذا العنصر مزايا ، مزايا تفوق الحصر والتعداد ، والحق ان الفضل في هذه المزايا يمكن ان يعود الى حرمانه نفسه والى عزوبته بالذات ان . . . ان استقام اللفظ واغمضنا عن اطراد القياس .
انه عنصر الهيدروجين الجبار !
ولا غرو فكم كان لليتم من مزية ، وكم كان للوحدة من حسنات . هذا وليس دوران الكهرب حول النواة مما تختص به دون سواها ذرة الهيدروجين كما قد يوهم الاسلوب السابق ، بل هو صفة مشتركة بين جميع الذرات على اختلافها وتعددها .
فاذا تقرر ذاك قلنا انه دوران ذو سرعة فائقة جدا ، كما انه ذو نظام خاص تتبعه اثناءه الكهارب ، نظام يتبدى فى توزعها على افلاك او مدارات متباعدة عن النواة يحتل كلا منها عدد معين من الكهارب ذو حد اقصى لا يمكن مجاوزته
فالمدار او الفلك الاول اعنى الاقرب الى النواة لا يسمح بأن يدور فيه اكثر من كهربين ، والذى يليه لا يقبل منها اكثر من ثمان وكذلك الفلك الثالث . . .
ومثل هذا الدوران الفائق السرعة يدل على ان معظم الذرة فراغ كما يدل بعد اعتبارات اخرى على ان المسافة بين الكهارب والنواة جد بعيدة نسبيا حتى ان بعضهم اخذ ينظرها مع التى هى بين الشمس والارض
اذا الفتنا الانظار ان لا بد لمسك هذا النظام والمحافظة عليه من قوة واذا استحضرنا البعد السحيق بين الكهارب والنواة والسرعة الهائلة الدورانية علمنا ان لا بد ايضا ان تكون هذه القوة الماسكة المنظمة المحرك على جانب جد عظيم من العنف والشدة
الا ان هذه القوة لا تتبدى ما دامت الذرة فى حالتها الطبيعية ، مثلما لا تتبدى قوة الشد فى القوس الموتر قبل انطلاق السهم .
ولكن كيف هى الطاقة الهائلة الكامنه بالذرة ؟ لقد سبق ان ذكرت احتواء النواة على نوعين من الجسيمات صفر الشحنة وموجبها كما ذكرت ما يدور حولها من الكهارب السالبة ، والآن يجدر ان نقول ان الشحنة الموجبة على النواة والشحنة السالبة على الكهارب متساويتان تماما ، وذلك مهما اختلف عدد هذه وتلك ، ومهما كان نوع الذره وعنصرها الذى تنتسب اليه ، وبالرغم من اثقلية النواة ان كان فى الاثقلية ما يوهم بأزيدية الشحنة الكهربائية وتفوقها اطرادا على ذى وزن اخف . . .
فالذرة اذن فى مجموعها وفى تكاملها وفى حالتها الطبيعية انما هى على تساو واعتدال ؛ وهذه حقيقة بالغة الاهمية فى ذاتها وبالغة الاهمية فيما يتلوها من استنتاج .
فمعنى ذلك اولا ان بالذرة طاقة عنيفة ملجمة وحبسة ومعناه ثانيا اننا لو نجحنا فى احداث اختلال على التساوى والاعتدال لكانت الطاقة الحبسة قد تحررت فانطلقت ، كلها او وبعضها حسب مدى النجاح .
وقد تمكن بالفعل العلماء من بلوغ هذا الهدف يوم ان نجحوا فى ترويع الذرة وادخال الفوضى والاختلال على تئالفها ونظامها ، فدشنوا بذلك حقبة جديدة في تعامل الانسان مع الطبيعة وتنازعهما . .
ولكن باى اسلوب وعلى اية كيفية يتم ذلك
الواقع ان التبسط فى مثل هذا الموضوع لتعجز عن استيعابه المجلدات الضخام كما يعجز عن ايعابه بمفرده اقدر العلماء . فكيف بفقرة فى مقال وقلم ليس من ذوى الاختصاص !
ولذلك علينا ان نقتسر وان نقتصر على الخطوط العريضة كما يقال . . ولكن الكافية على كل حال ، فى مثل هذا المقام والمقال . . مقدما بعضها الآن وعائدا اليه والى بعضها الآخر بعد كلمات . .
اذا قذفت النواة موضوع التجربة بجسيم معين من اجزاء ذرة ما حدث على توازن الاولى تشوش واضطراب في تركيبها ومسارات الكتروناتها فيسرى من ثمت الاختلال فى سائر اجزاء ذرتها وتفقد الكهربائية والمغناطيسية الرابضة بها اعتدالها فتخرج عن طورها معبرة عن اهتمامها بانطلاق طاقة عنيفة من الحرارة والاشعاع وامواج الضغط الشديد . .
وتتم هذه العملية بعد ان تستخلص بالاساليب العلمية بعض النيترونات او البروتونات . . . وتوضع فى جهاز خاص مهمته تعجيل دورانها واكسابه سرعة فائقة حتى تنطلق من فوهته وقد اكتسبت القوة اللازمة الحاصلة بالسرعة لتسدد نحو قلب الذرة المقصودة فترتاع سويداؤها وترد الفعل على النحو الذى سبق
وعندما يتواصل التسديد الى ذرات بعض العناصر تظل عملية الانفجار متواصلة كذلك فيستمر نشاط الاشعاع والحرارة وغيرهما موجودا بل متزائدا متدرجا في العنف الشديد بسبب ان كثيرا من اجزاء الذرات موضوع التجربة ! تصح الى كونها متفجرة في ذاتها مساهمة فى تفجير اخواتها . .
فيا للقتل والانتحار !
وفي هذه الحالة تصير الذرة موضوع التجربة اثناء تفجرها المتسلسل الى ذرات بعض العناصر الاخرى الاخف ، ثم تقف وتهدأ فتصبح فى حاله اعتدال مثل أية ذرة طبيعية تنتسب الى العنصر الذي بلغته ثورتها - او حربها الاهلية - الجامحة . . .
وهكذا تنتهي سلسلة الانفجار فى ذرة اليورانيوم مثلا الى ذرة رصاص متوصلة اليها بعد ان مسخت مرات عديدة الى ما هو اثقل من هذه واخف من تلك .
وسنعلم بعد قليل ان الانفجار المتسلسل هو من اهم المبادىء المراعاة معطياتها فى القنبلة الذرية الى كونه من اشهر لوازم انفجارها . . اما الآن فيجدر ان نتذكر عنوان الفقرة لنختمها رادين على الاقدمين الذين ظنوا ان الجزئى لا يتجزأ فراحوا يعتورونه دليلا على قضايا كلامية . . بينا هو بالعكس يتجزأ ويتحطم كما سبق ان بينا
فهل لا يجدر اذن بالمتكلمين - علماء التوحيد - الحريصين على مبادىء الاقدمين ان يراجعوا ما ترتب على ذلك الدليل فيشطبوه او يحاولوا التوفيق بين حقائق العلم كما زالت عنها الحجب وبين الوهم والتخمين !
اجل ! عليهم ان وجدوا ان يفعلوا ذلك والا فسيوجد من يتمثل والاسلام دينه بالبيت المشهور :
اعيدوا صلاتكم كما قال خليلكم ان الصلاة وراء المشركين حرام
وسواء اكان الامر صلاة وراء مشرك ام اهتداء وراء جاهل فكلاهما ضال وكلاهما مفتقر الى العودة وسواء السبيل
قليل من الارقام : لم تكن طبعا مهمتى فى هذا المقال تنبيه رجال الدين الى واجبهم فى نطاق العصر الذرى والفضائى واغلبهم من الجهل والخمول والاحترافية الى حد ان التصدى الى ذلك يصبح شبيها بالنفخ فى الرماد . . وانما هى طريقة لا اكره سلوكها كلما اجدى الحجر الواحد فى اكثر من عصفور . . .
وفى نطاق المهمة ارى من الضرورى ان اثبت بعض الارقام بقدر ما تعطينا فكرة اجمالية عن حقيقة الطاقة الكامنة فى الذرة ، فلو اننا نجحنا في تحرير ما يوجد منها فى غرام واحد من الفحم لتحصلنا على طاقة تعادل الحرارة الناجمة عن احتراق ثلاثة الآف طن من عين الفحم احتراقا عاديا !
ونستطيع ان نعبر بصورة اخرى عن هذا التعادل فنقول ان طاقة الغرام الواحد من الفحم تستطيع اذا حررت جميعها ان ترفع حرارة اكثر من مائتى الف طن ماء من درجة الصفر الى درجة الغليان !
والاعجب ان طاقة الذرة الجبارة انما توجد فى نواتها بل فى جزئيها البروتون وهو وان كان مع النيترون يمثل 99.9 من مجموع وزن الذرة فان كتلته لا تتجاوز جزءا واحدا من ستمائة الف مليون مليون مليون جزء من الغرام الواحد !
والاعجب من كل ذلك انه رغم هذه الضئالة المعجزة فى وزن البروتون فانه ينطوى على قوة جذب مع بروتون آخر تتراوح بين اربعة كيلو غرام وبين العشرين
واذا كان ذلك هو الشأن بين بروتونين فكيف به مع كتلة تحتوى على الملايين منهما مثلما هى الحالة فى القنبلة الذرية مثلا
٠٠ في سبل " بوتاج " ساخن بذهنى الآن بيت لنزار قبانى يتساءل فيه عن ثمرة الطاقة فيقول : " الذرة من اجل السلم " ثم لا يلبث ان يجد الجواب فى هذا المقطع " الذرة من اجل الظلم . "
وانه لجواب مع الاسف الصادق يسانده الواقع ويبرره الدليل . ذلك ان حل مظاهر هذه الطاقة الهائلة لا يتمثل الا فى صورة اسلحة وقنابل ومدمرات ، ولم يستغل منها للاغراض الانسانية او السلمية كما يتبجح بعضهم غير مقدار عند المقارنة جد ضئيل
فقد سمعنا بالساعة الذرية والبواخر والمولدات الكهربائية التى تم صنعها . . ولكن اين الطاقة المستغلة فى هذه من الطاقة المتفجرة فى قنبلة ذرية عادية البالغة قوة انفجار عشرين الف طن من اجود المواد تفرقعا
هذا واذا جاز ان نسلم بوجود التقارب بين مدى التسخير الشرى وبين مدى الاستثمار الخيرى ، فانه لا يمكننا بحال ان نعتبر بالمثل الفرق تافها بين الربح والخسران . . اذا وازنا بين الامور بمقاييس الانسانية والحضارة وبروح اى تأسيس وبنيان.
على ان التشدد فى مراعاة الواقع بجميع اقطاره ولو دقت وتضاءلت ليقتضى الباحث الا يهمل تطبيقات الذرة فى مثل ميادين الطب والزراعة وغيرها مما تجرى فيه المحاولات .
غير ان ذاك التشدد نفسه لا يلبث حتى ينبهنا الى ان اكثر التطبيقات السلمية المشار اليها هى لا ترجع الى عظم الطاقة الذرية بقدر ما ترجع الى بعض خصائصها الاخرى التى يمكن ان ينظر اليها على غير اساس الطاقة نفسها . .
فمن السفسوطائية المغالطة اذن ان يلحق بعض العلماء ميدانا بئاخر منظور اليهما من وجهتين مختلفتين ثم يقدمه على انه صورة واحدة لمنظر واحد .
ومهما يكن فان دعاية ضخمة مشبوهة ربما ومبالغ فيها قطعا قد احيطت بعلاج بعض الامراض ذريا ، فى حين انها لا تزال مجرد محاولات تكاد تكون مقصورة على بعض حالات السرطان - مميت دالس - واللوخيما - تزايد كريات الدم البيضاء - وتصدع العظام . .
واذا كانت هذه المحاولات لتجدى احيانا فى اشفاء المريض او التهوين عليه ، فانها ايضا قد تحدث له فى احيان كثيرة مضاعفات عكسية يكون نتيجتها فقدان الحياة .
فاصح وصف اذن توصف به تلك التطبيقات انها محاولات ، ولكن مع العلم بان فشلها لا يقتصر دائما على ابقاء ما كان على ما كان وانما هو قد يتعدى الى جلب الممات . . وابدال السقام بالحمام
الا ان تدمير حياة فرد واحد لا يمكن ان تعادل خسارتها بتجويد الآف الهكتارات وتحسين الآف الاصناف الانتاجية ، وجعل المسافر يسير باسرع من الصوت . . . اذا كانت الغاية من ذلك هى تسمين اليات المرابين والمحافظة على سخانة مأدبة من نيويورك الى بعيد البلد المضياف . . فليت شعرى كيف تكون الخسارة اذا نحن تذكرنا مئات الآلاف من الارواح التى دمرتها قنبلتا هيروشيما ونجازاكى ، بل ليت شعرى كيف تكون الخسارة بعد ان وصل القوم في مدارج " التقدم " حدا تصبح معه القنبلتان فقاعتى صابون ؟ ! اجل ان العقل عاجز عن تقدير الخسارة فيما إذا دارت حرب الذرة او تواصلت تجاربها الفتاكة
ولقد كتب عالم نووي كبير استيقظت فى ضميره مسؤولية الامانة ؛ عن الاخطار الذرية المتوعده كلمة جاء فيها : " اكب لاخيفكم ، انا نفسى خائف ، وكل العلماء الذين عرفتهم خائفون . . . " .
اذا القنبلة انفرت . . . ربما وهم البعض فاعتقد ان الامر بالنسبة الى تجارب القنبلة لا ينطوى على خطر مقلق ، وان الفرق بين هذه وبين القنبلة السلاح شبيه بما يوجد من فرق بين الخراطيش المستعملة فى الحرب وبين تلك التى توصف بالبيضاء
والحق ان لفظة التجريبية لتوهم فعلا بمثل ذلك ، اذ ان العقل انما ينصرف ازاءها الى المقارنة بين وجود وعدم وليس بين وجود فقط متفاوت الاهمية والخطر ولكنه على أية حال قائم الذات محصل الجوهر
على ان ما سبق ان بيناه فى امر محاولات تطبيق الذرة فى العلاج ليصلح ان يتخذ اساسا يتبدد عليه الوهم والاعتقاد ، وبكلمة اخرى فان كل " جد " في عالم الذرة هو اعظم من اى جد عرفناه ، وكل " هزل " فيه ان هو الامن اسوء جد معروف . . .
ونعود الآن الى اكمال تلك الخطوط الاولية الملوح بها آنفا فنقول ان القنبلة الذرية سواء كانت سلاحا ام تجربة فانها لا تخلو من كمية معينة من عنصر اليورانيوم المميز برقم 235 لان هذا العنصر ببروتوناته الكثيرة واجزائه الاخرى العديدة وبقية مزايا نوعه ذو قابلية شرهة للانفجار المتسلسل . وقد اشرت سابقا الى اطراد مثل هذا التسلسل حتى الانتهاء عند ذرة الرصاص كلما استمر القذف والتسديد الى العنصر موضوع العملية . غير ان للاورانيوم خاصية الاستغناء عن مواصلة قذفه فى تسلسله الانفجارى ، وذلك متى بلغت الكمية منه حجما محدودا تعرف ضبطه الاسرار الحربية
وهذا هو المبدأ الذى يقوم عليه صنع القنبلة الذرية ، فتهيأ كمية اليورانيوم على جزأين كل منهما اقل - او حتى اكثر ربما - من الحجم الحرج ليوضعا فى اجهزة تتكفل وقت الحاجة بضمهما الى بعضهما بعضا ، ثم يصوب على المجموع وابل من النيوتروات او البروتونات منفوثة من مدفع جبار القذف والتعجيل ، يكون بمثابة الشرارة القادحة او ما يعرف فى لغته بال " كابسيل "
فاذا ما توافرت الشروط وحصل هذا الاقتران المشؤوم جمعت من عقالها طاقة القنبلة الحبيبة فانطلقت في مواكب من الوهج الخاطف والدوى العاتى المهول تحف بها ظلمات من الدخان المارد وسحب الجحيم ، مصعدة بسرعة الى السماء . .
اما الطاقة نفسها فتتبدى فى شكل كرة عظيمة من النار تبلغ حرارتها ثلاثة الآف درجة مئوية ، اى نصف درجة الحرارة على سطح الشمس ! كما تتبدى فى امواج عنيفة من الضغط تبلغ سرعتها حوالى 318 مترا فى الثانية الواحدة ! وتدور بسرعة على الارض من اقصاها الى اقصاها قبل ان يعتريها فتور
ويحسبنا ان نعلم ان برجا من الفولاذ اعد لاجراء التجربة على اول قنبلة ذرية قد تبخر بمجرد ان حصل الانفجار ، وان امواج الضغط المصاحبة قد اطاحت بشخصين كان يقفان على بعد تسعة كيلومتر من مكان الانفجار كما جاء فى بلاغ رسمى لوزارة الحرب الامريكية
ومثل هذه الشدة في الضغط تجعل من المستحيل اخفاء التفجيرات كما نجعل من النادر انطلاءها ببعض الحوادث الطبيعة ، وذلك لتمكن ابسط جهاز ( ميكرو وباروغراف ) من تسجيل هذه الامواج ؛ من جهة ، وذلك ايضا لكون الحوادث الطبيعية المعنية مقصورة على مثل انفجار البراكين القوية جدا بكيفية نفوق المعتاد ، وعلى مثل اصطدام الارض ببعض المذنبات . . وكلاهما نادر - من الجهة الاخرى
ويجرى تفجير القنابل على مسافة قريبة او بعيدة من سطح الارض ، باقامة الابراج الخاصة او بواسطة المظلات ونحوها . . وبمجرد ان تتم العملية يتصاعد في دقائق معدودة الى حوالى 15 كيلومتر جسم المارد الذرى المكون من النار والدخان والمواد المتبخرة . . جارفا معه فى الحالة الثانية بعض الاديم الموجود تحت قاعدته . . اما في الحالة الاولى حيث يجرى على بعد قريب من سطح الارض تفجير القنبلة فان قوة الجرف كما هو واضح تكون اشد فينحشر الى جسم المارد المصعد عدد لا يحصى من اطنان المواد الموجودة على السطح تاركة مكانها هوة سوداء ؛ وقد قاس العلماء معدل المساحة التى تنتشر عليها قاعدة المارد فوجدوا قطرها نحوا من ثلاثة ارباع الكيلومتر ، اى ان جميع ما ينشر على سطح هذه المساحة الدائرية يصبح بخارا !
واذا كان هذا المقدار انما يتعلق بحجم جسمه فقط فمن الغني عن البيان اذن ان نقول ان تاثيره او منطقة نفوذه تتجاوز ذلك الى مئات بل والوف الكيلومترات . .
تختلف بالنسبة الى الغاية من مقالنا هذا اهمية المواد المنجرفة كلما اختلفت طبيعة مصدرها وتكوينه
فهى من اشد ما تكون اهمية اذا اختير السطح اليابس ميدانا للانفجار . اما اذا كانت الصحارى هى ذلك الميدان فان الاهمية تكتسب قيمة بالغة وتصبح بلا نظير
ذلك بأن الاتربة والغبار والرمال هى على الاطلاق اشهى مواد السطح والاديم ، فى شره المارد الرجيم . ومن ثمة فهو يحشرها اليه حشر . . . النهمان النهيم . وستعرف بعد قليل وجه الاهمية وشرها العميم
ويل من السماء ! الاشعاع من الزم لوازم القنبلة الذرية ؛ وهو عبارة عن موجات من الجسمات الفائقة الدقة ينطلق بعضها بسرعة الضوء ! فهي لذلك شديدة النفاذ فيما يصادفها من الاجسام والاشياء فتخرقها تخريقا وتتلفها ايما اتلاف .
وتكتسب خاصية الاشعاع هذه عن طريق العدوى جميع المواد التى ساهمت فى صنع القنبلة او التى علقت بكرتها النارية من الآف اطنان الرمل والتراب والفولاذ والغبار والسحب المصادفة في طريق الصعود
ولنعد الآن الى هذا الحشد الهائل بعد ان تركناه على ارتفاع 15 كيلومتر من سطح الارض
والواقع ان جسم المارد وقد بلغ هذا الارتفاع يكون قد فقد الكثير . من حرارته وامواج ضغوطه وما ترتب عليهما من المغناطيسية والكهربائية . وذلك لما هو معلوم فى القوانين الطبيعية من ضرورة التعديل بين الحرارة والضغط الذات تبين وبين درجتهما بالجو المحيط . ولما هو معلوم كذلك من اطراد انخفاظ الحرارة كلما حصل ارتفاع فى طبقة الجو السفلى المعروفة بال " ترابوسفير " . .
وهكذا تمتزج الاهوية الباردة بحرارة المارد وتنتشر ضغوطه العاتية في الامواج الاقل شدة او الواهية . حتى اذا ما حصل التعادل وساد الاتزان ارتدع المارد عن مزيد الصعود وقد اخذ فى التلاشى الافقى منتشرا على مساحات جوية واسعة
هنا يبتدئ المارد الذى اصبح غبارا ودقائق فى الاستعداد الى التساقط على الأرض وجوها القريب ، متأثرة بمالها من وزن ولو طفيفا وبما يثقلها من انواع الهطول الراجحة المصادفة والوقوع
وتختلف مدة الاخذ فى التساقط بعد الانفجار من نحو نهار واحد الى بضعة اسابيع وذلك باختلاف حجوم الدقائق وتفاوتها فى الاثقلية وباختلاف حالة الجو السائدة من درجة رطوبة وكثافة وتوزع الاهوية ووفرة السحب ونحوها من العوامل الطبيعية المساعدة او المؤقتة التعويق . . .
وكذلك تختلف سعة المنطقة التى يقع عليها التساقط تبعا لقوة القنبلة بالاضافة الى عوامل الجو المذكورة وخاصة لتصريف الرياح
فهذه المنطقة قد تنتشر على الوف الكيلومترات اذا بلغت قوة الانفجار ما يتراوح بين العشرين الف طن والثلاثين كذلك من قوة انفجار الديناميت ، واذا اشتدت سرعة الرياح وتوزعت تياراتها على كثير من الاتجاهات . .
وقد تكون منطقة الترسب اوسع او اضيق فى غير هذا وذاك . فهي اضيق كلما كانت القنبلة صغيرة واعتدلت من الجو الطقوس والاحوال اما اذا تتسع جونا الارضى مغناطيسية وكهربائية فدمدم الرعد وانقضت الصواعق وجمحت العواصف فطغت الرياح . . اما اذا تراوحت قوة الانفجار بين الثلاثين الف طن والمائة . . . فان منطقة الترسب قد تصبح الارض جمعاء !
وفي هذه الحالة لا يتم الترسب فى يوم او شهور بل انه ليستغرق سنوات تتراوح بين العشرة والعشرين
ويعود سبب البطء الى ان الانفجار القوى يصعد مارده الى ارتفاع يجاوز طبقة " التروبوسفير " فيبلغ المنطقة فوقها المدعوة بال " ستراتوسفير " وهي منطقة على عكس الاولى قليلة السحب والبخار فهى قليلة المساعدة على الترسب السريع ، فيظل الغبار الذرى ينزل ببطء الى التروبوسفير تحتها حيث كل مساعدة وتسهيل . . وهكذا تتكامل طبائع الطبقتين الجويتين في سبيل تغطية سطح كرتنا الارضية بدقائق الانفجار الذرى واشلاء مارده الرميم
ومعنى هذا اذا لم ننس ما سبق ان ذكرناه من ان الغبار الذرى يكتسب الفعل التلوث خاصة الاشعاع - معناه بداهة ان سكان المعمورة قد اصبحوا عرضة لفتك الاشعاع وموجاته المبيدة للخلايا والانسجة والاجسام . .
فاذا ما تعرض المرء لقد كاف من ذلك ازرق لونه رويدا ثم تفتت جسمه وتناثر . وقد تبين ان مادة السترانشيوم 90 - وهى من نتاج الغبار الاشعاعى . تصب ضحيتها بالسرطان واللوخيما كما تؤثر تأثيرا سيئا على الوراثة . . وهي كلها امراض لا فائدة في التأكيد على خبثها واعضالها
وهناك موجودات ضئيلة جدا يقال لها الفيروسات تتكاثر حسب بعض العلماء بفعل الاشعاع الذري هي السبب في انواع عديدة من الامراض الوبيلة اهونها اهون حالات ( الانفلونزا ) التى اجتاحت آسيا وافريقيا وبقاعا كثيرة فى سنة 1957 وما بعدها حيث اضيف غبار التجارب الذرية التى اجرتها امريكا اذ ذاك الى ماسبق ان وجد مثله فى الجو . .
وهناك كوارث غير مباشرة يسببها الاشعاع ، اذ ان من صفاته تكثيف بخار السحاب وتهيئته للهطول . . . كما ساعده هذا على الترسب والنزول لاسباب متداخلة . . .
ولذلك كثيرا ما تعقب الانفجارات الذرية امطار غزيرة وتقلبات فوضوية فى مسارات الاهوية وتيارات البحار وعواصف وفيضانات . . فتغرق وتشرد الى جانب التلويث بالاشعاع ما لا يحصى من الناس
الا ان الخطر الناتج عن التفجيرات الذرية لمزعج الى حد لا يتصوره العقل اذا نحن تذكرنا ان التجارب المجراة في سنة 1957 مثلا لما تعط بعد " ثمرتها اليانعة " . ولا يفهم اصرار القوم على ذلك وهم المدركون لفداحة الخطر الا ان يكونوا قد صمموا على الابادة والانتحار ، والا ان يكونوا قد خططوا بعد ملاجيها وقصورهم فى الكواكب والاقمار . . قبل ان يلوثوها هى الاخرى بأدرانهم الهلاكه !
وبحسبنا ان نعرف ذهاب بعض العلماء الى القول بتناقص اشعة الشمس الواردة الينا اذا ما تمادى القوم فى اجراء التفجيرات الذرية والنووية ، وذلك بسبب تكاثر مواد الغبار فى طبقة الستراتوسفير التى لا تسمح بالتساقط الا ببطء كما سلف ، فتصبح مظللة بمثل السحب تمتص الاشعة وتحجبها عن الوصول الينا بالمقدار الضرورى
ويؤيد هذا الراى كثير من الاستقراءات الجيولوجية عبر العصور الاولية حيث كانت البراكين الجبارة تطول بحممها منطقة الستراتوسفير
وسواء استقام تعليل الحقب السائد فيها الجليد بتسبب البراكين فى صحب اشعة الشمس اذذاك ام لم يستقم فان الامر الذى لا شك فيه ان تكون سحب من مواد ظروف الانفجار على الكيفية المذكورة - ليتسبب حتما فى تقليل ما يصلنا من اشعة الشمس ان لم يحرمنا منها زمنا طويلا . . .
وغنى عن البيان ان قصة الحياة لثبت بالاشعة كما تنتهى بما قد يعروها من زوال وفقدان .
ومعنى ذلك ان حرماننا من الشمس او من مقدارها الكافى لا يفقدنا فحسب نعمة وانما يودى بنا الى نقمة ، نقمة تجرف الى العدم حياتنا وحضارتنا فنصبح مجرد تاريخ في سجل الكون ، فى ذاكرة الله الباقى المحيط .
. . لانه لن يبقى حينئذ على ارضنا قارىء ولا مقروء ، صغير ولا كبير ، ولن يبقى غير علام الغيوب
لا جرم انه جزاء يعادل خيانة الامانة المحمولة ، واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، وصدق الله العظيم
