الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 5الرجوع إلى "الفكر"

يوم الفضيحة

Share

الاشخاص عثمان           ثمانية عشرة سنة زينب            ثمانية عشرة سنة موسي           ثمانية عشرة سنة ام الزين             خادمة الحوادث تقع في دار أغنياء بتونس

المشهد الاول صباحا في غرفة أكل . عثمان ثيابه لا تسقتر مهمل الشعر . جسمه ونفسه الى شغل غريب يتأمل عن بعد فى المرآة شأن خلقته ، وفي النظر حدة واهتمام ويده إلى الوثوب يفرك عينه ثم يتقدم إلى المرآة مبتسما

عثمان : هذه العيون الذابلة كعيون البقر الحالمة . لو وقعت من يدي تلصقت بالاصابع لا رائحة فيها كرائحة عصيد البلور........  ( بعد توقف قصير ) كانك تريدين البكاء وفي البكاء رحمة - ما بال عيونك مبللة مريضة . ( ينتفض ) آه ! وي آه . وي

مرضي من مريضة الاجفان          عللاني بذكرها عللانى

( يفتح عثمان بابا خلفيا . نظهر من ورائه مدرج . يأخذ عثمان المدرج وهو يتراقص ويتغنى ثم يرجع وهو يحمل في احدى يديه ، ملفا ويشهر بالاخرى قلما )

عثمان : وفاء للمصادر لو لم تأت مريضة الاجفان لكنت تماديت فى ذلك

اللعب ، في تلك الصبيانيات . لا_لا  سؤال من فضلك_ لا سجل حلم البارحة . كنت البارحة فى المقبرة بقريتى المنسية ، . . . . وعلى حافة الطريق رجال ممدودة اعناقهم . جاحظة عيونهم مشدودة اعصابهم الى حفرة فاغرة فاها . . . . ولم أفهم شيئا من رطانتهم - ثم اخرجوا عظاما نخرة وجماجم . . كالوحشة والوحدة . . . هو لا . . . ثم جيوبا من لحم أصلها نهود يملؤها قيح ودم جامد سائل . ثم صاحوا الحمد لله لقد برزت . احذروا الخدش واللمس فقد تذهب هباء . . وقيل انها ! مخطوطات ثمينة

وإذا بمنظر الولي الصالح المنصب القبة والبناء يصفعني من الثقبة - ثم....ولكن هل  رأيتها من قبل أو من بعد . . . ثم يلحظ الطرف منى فتاة حسناء تنادينى وتلوح بلون أحمر في لون هذا الملف تحمله في يدها وعليها . . . ( يقف عن الكتابة حانقا )

عثمان : ماذا أريد ؟ أريد قلما لا يجف . رهين قلم . او تنفلت الذكرى . ( في لهجة اخرى ) وكيف تصنع الآلهة ؟ تستعين الآلهة بالملائكة ؟ هي إذن عاجرة .

اظنني فقدت ذوق الالوهلة وانقلبت شيطانا إلى الشيطان - وهذا الحلم على روعته قد لا يدخل في تركيب المسرحية - وعلى الليلة ان احلم حلما لا يقل عن هذا طرافة . ( بعد توقف )

عثمان : شأني شأن " مالك الخرين " في الحكاية تعددت الفريسة ولا يظفر في آخر الامر بقنص . هذا جل ما أخشاه ( ويدك فجأة الأرض دكا ويصيح ) فهل الى النسيان من سبيل ؟ رقصة البارحة . الرقص دواء وقتى .

( تدخل زينب بعد أن دقت على الباب ويكون عثمان قد اغلق الباب الخلفي على ملفه واشتغل بتحريك كرسي )

زينب : صباح الخير عثمان : يومك سعيد زينب : - أم الزين_ لم تأت بعد . اذا كنت تستيقظ باكرا اطلب منها ان

تحضر لك القهوة وتحفظها في قارورة " ترموص " كنت تفتش عن قارورة " ترموص " ؟

عثمان : ( لا يتكلم ويرنو اليها بالحاظ غريبة نكرة ) زينب : لامر ما في النفس استيقظت مبكرة - لاني سأذهب مع صويحباتي في نزهة.... الى نزهة ( تتضاحك ) لا جبل ولا بحر - ملتقانا في دار حسيبة . وهنالك نقرر ربما نلعب كرة السلة او . . غير ذلك . ولك ان تتخيل الجو الذي سيغمرنا هذا الصباح . سنأتى كلنا بعد الموعد المضروب تقول ؟

عثمان : هذا أمر ليلكن .... زينب : لا - نحن من هاته الناحية _ سواء فى المحنة - والخادمة قد سهت عن اعداد الطعام . ألا ترى معي ان ( أم الزين ) قد تضاءل منها العقل وأخذت تحل الذكرى محله . . ابنها المجنون والزوائد على الحياة . .

علمان : هذا امر بينك وبينها - ولك ان تعتذري الى صويحباتك بما تشائين لا شأن لي في ذلك عثمان : (فجأة) ما هذه العائلية فى العلاقات - أنا لم اتحدث يوما مثل هذا الحديث . زينب : وأحاديثك فى المائدة . أليست من أعذب الناس فكاهة والطفهم اشارة عثمان : يقع ذلك منكم موقع الغرابة فتضحكون ولا تفهمون . لم تفهموا قصدي ولا كان لا بد لي من الحديث زينب : أنا وحدي فهمت كل شئ . انك تبغضنا . عثمان : وبعد ؟ ولكن لا اذكر لك يوما خاطبتني بمثل هذه اللهجة وعلى هذا المنوال .

منذ ثلاثة اشهر او تزيد وأنا انسان رسمى وأريد البقاء انسانا رسميا وحتى الاطفال ساقطع عن اللعب معهم فى اوقات الفراغ وليبعث هذا الحرمان في حياتهم نصيبا من خيبة والم . ذلك صالح لهم

اعطى دروسا واهتم بعملى الشخصى وتكون لي اشغال اخرى لم اضبطها الى حد الان . وتاتين انت وتريدين الخلة فى هذا النظام البديع الا اني شخص رسمى . اتركينى رسميا اذهبى الى صويحباتك ودعيني وحدي . تلك متعتي ورجائي .

زينب : ( محادية ) انك تروقنى وانى اليك نازعة . ( مبتسمة ) ولقد القيت على ارواقك وشراشرك .

عثمان : ( وفمه يعوج ) هواية الاطفال بالغريب من الالعاب يلهون بها يوما او بعض يوم ثم يملون لابد انك تعلمين اني شخص ممل ( ينصب ، صمت ثقيل يتململ فيه عثمان على كرسيه زينب : لقد استمعت اليك هذا الصباح خمر وليست بخمر فكيف تثمل ؟ عثمان : ( في حنق ) سمعتني هذا الصباح ماذا تقولين ؟ هذا الباب الجهنمي اللعين . . . . ( ويهم به . . )

زينب : رويدك قد يستيقظون ( ويمتثل عثمان ) عثمان : وحسبته مصابا في عقله زينب : ( لا تجيب وتنظر ) عثمان : ولكن أليس غريبا ان اجدنى اتحدث اليك

زينب : ( متحدية ) لقد انكشفت لي منك عورة وزالت حجب انت المغلق دائما ياعثمان عثمان : سمعتنى اذن ما في ذلك بأس . اقترح عليك هذه اللعبة ( ويلحس له اصبعين ثم يحوم ويحوم مفتشا ) عثمان : ليس للتراب بهاته الدار وجود . جليز ومرمر لا يعرف الاطفال اللهو بالتراب والتمرغ فى التراب والتراب عندكم لكثير .

( ويأخذ من جبيه قطعة نقود ويتهلل بشرا ) حسبنا ، ماذا تختارين : عربيا ام فرنسا .

زينب : فرنسا . ( يرمى القطعة ) عثمان : ها انا قد وليت ظهرى . ما قال الفرنك ؟ زينب : لا عربي ولا فرنسي . جاء واقفا عثمان : الفرنك لا يقف يرقد على وجه او على غيره زينب : فرنسيا عثمان : احييته . .

زينب : وهل كان ميتا ؟ هو ؟ من هو ؟ عثمان : لا كذب الفرنك زينب : الم تعهد الى الفرنك بتقرير مصير من نويت عثمان . لا ارفض هذا الحكم

( يصمتان يضرب عثمان بقدمه على الارض زينب : بم يشتغل من يبقى منعزلا  عثمان : بم يشتغل من يبقى منعزلا ؟ أيتأمل انعزاله . يمشى ويرى نفسه يمشى ويتأمل مشيته - ( بعد سكتة قصيرة ) وبعد ؟ فيم تريدين ان نتحدث الآن ؟ ماذا تريدين ؟ لم تتناولي حظك من الملل ؟ لم تضجري ؟ عجيب !

زينب : هذه ام الزين (وتخرج) عثمان : ولابد لزينب من الرجوع الي

القيت عليك ارواقي وشراشري . تعنين ؟ تحبني ؟ حقا تحبني . لا ارى فى ذلك حرجا انت وحيدة ابويك لا يملكان من الاناث غيرك واذا تكور منك البطن فلا مناص من الظفر بك شرعيا . وما نصيبي بعد كل ذلك ؟ بورجوازي مبتذل - لا اعتبر ذلك خيانة او ينتصر موسى ؟ ( ضاحكا ) اذهبى الى ابن عمك لا ينقصه شيء ابن عمك ستار

المشهد الثاني مساء في نفس المكان زينب وعثمان شبه مجتمعين حول مائدة . وشخص جديد ؛ موسى . وعلى المائدة كؤوس

زينب : لقد رأيت لا يريد خلافكما ان يكون سوء تفاهم سريع الزوال موسى : ويا ليته كان كذلك اذن لهان الامر . . وكف إلى التعبير عما اشعر نحوه عثمان : انك تشفق على . ولست محتاجا الى اية شفقة من اي كان موسي ؛ او اشفق منك . اشفقت من مداواتك

عثمان : ( متأففا ) دائى من باطن . وانا طبيبه إن كان داء ( يتناظر موسى وزينب )

موسى : صديقي يا صديقي ورفيقي عثمان : ( متشدقا ) او انقلبت العاطفة فيك والوجدان إلي . ذلك بالنسبة لك خطر عظيم .

زينب : معناه ؟ علمان : معناه . . أن موسى : تحافظ على حريتك . عثمان : ( الى نفسه ) ما اردت ذلك . وها قد ابتدأت الخطبة الملتهبة الرنانة المصقاع موسى : ( في حدة ) حافظ على حريتك . إلا أنك في محافظتك على حريتك تضيع رضا بحياة انت ثائر عليها متنكر لها وفيها تشجيع لها وتنمية .

عثمان : كما يشاء لك موسى : وهل انفع للرأسماليين من هؤلاء المفكرين ممن لم يقفوا عند حل ينشدون المطلق ويرهقون على الانسان عيوبه وبؤس منزلته وقصور حجته وقعدوا عن العمل والرأسماليون قد اتخذوا موقفا وساروا في اعمالهم اشواطا بعيدة .

ثم إنى اود لصديقى تغيير الاجواء وانفساح افق ليجرب ويتحمل المسؤولية . فيكون ثراء للشخصية ونموا لقصتك . قصتك هذه التي ينبغى ان تكون قصتنا جميعا .

عثمان : ( إلى نفسه ) ها هم قد اخذوا فى التمثيل بى حيا البله ( الى موسى ) على رسلك يا صاح . ما كان لى ان احدثك حديثا كان في النفس . .

زينب : والواقع انك في حاجة حيوية الى الجمهور ، اذا عييت عن تحصيله تبتدعه وتحادث الخيال والاطياف

عثمان : ( إلى زينب ) انت تعبرين الرؤى والاحلام . فأكون في حلم ابدا ( إلى موسى ) القصة ؟ القصة كلنا نحملها وكلنا نمثل المسرحية - واشتغالي بالقصة كاشتغالك بمشكل حسابى . وكتابة القصة من ذلك الجنس

القصة الادب والفن في الجملة صحو وباب للصحو ، خلاص وفرصة للخلاص ، ضبط او تحرير .

موسى : وأنا لا أفهم الانسان الا مضبوطا ، مربوطا إلى التاريخ والمكان او الزمان ان شئت وهو مربوط ارتباط ابى بوضعه الاقتصادي والاجتماعى - وكلنا مسؤول ان يتخذ موقفا ، مسؤول ان يختار على هدى وبصيرة . واجدد دعوتى حتى تنظم إلينا وتؤمن . ( يسكت موسى لحظة وينقل النظر من عثمان الى زينب الى عثمان )

موسى : أن تؤمن بهاته الفلسفة الانسانية العملية التى تنفذ الى العقول والقلوب جميعا ولا سبيل الى اتخاذ موقف ( يتوقف ويهم بكلام . الا ان ام الزين الخادمة تدخل لترفع الكؤوس ) الا بالاضافة اليها

موسى : ( الى الخادمة ) ما اصاب عثمان يا اماه ؟ هل التحمت فكاه ؟ ام الزين : ولقد انست من قديم الى خرافاته

موسى : ( هازلا ) عليه اما بالجنون او الانتحار ( يصيب الخادمة كالذهول وتخرج )

زينب : لا تذكر الجنون امامها . من فضلك موسى : ( الى عثمان ) ولكأنك حديد علاه الصدأ - ان كان داؤك داء الشك والحيرة فعندنا الايمان والقضايا البشرية وليدة الوضع الاقتصادي

عثمان : انك لتؤكد وتؤكد موسي : والداء إذا عضد من اصله يكون الشفاء . واذا انقلاب اقتصادي فانقلاب  اجتماعي يمليه التاريخ لانه يمليه الانسان او يمليه الانسان لانه يمليه التاريخ

عثمان : أوهما معا موسى : عند ذاك يكون مولد الانسان الجديد ويكون اخاء في عمل متواصل متحد مشترك . ولا بد من العمل

عثمان : أو ليس هذا البنيان ريبة فى قلوبكم موسى : الريبة فى نفس المتأمل متعشعشة أكالة ، في نفس من يقتصر على النظر

وينبو عن الفعل اتخذ مسؤولية لتحقق عملا . . عثمان : ( الى نفسه ) او ليس لى مسؤوليات انا ؟ موسى : . . . وستلمس ان التفكير والعمل يتكاملان . بالعمل يستقر اليقين ويزول  الشك . .

عثمان : وتتحجر العقلية . او هى العقلية متحجره في كل الحالات موسى : . . . وفي العمل يصطدم الفكر بالواقع الصدمات الحاسمة وبين الاعمال يكتهل الانسان ويسمو ويحقق ذاته اذا شئت

وبعد ، فهل انت الى اندثار النظام الرأسمالي الجائر ليحل نظام اشتراكي محله - شيوعي ( وينتظر )

عثمان : ( لا يجيب وكان مسحة من ذلة تغشى وجهه وتخفق من عنقه الحرقدة ) موسى : أم تدعو الى الاصلاح والترميم وفتق الرقع ورقع الرقع عثمان : ( بكل عناء ) وهل تظن ان عملكم المستقبل يزيد على ذلك موسى : ( فى شدة ومرارة ) إنك يا عثمان ، العجز والافلاس من قبل ان يتاح لك العمل . أفلس نشاطك الصيفى فأنت لا ترضي عن الاسفاف والابتذال عمقت في التفكير حتى لا تقبل السطحية وعمقت في الشعور حتى لا تستطيع عملا ستعيش وتترك الامور تسعى الى نهايتها . تتأملها ولا تغير فيها من شئ . مثل اناء اذا ولغ فيه فأر فهو منجوس . لا تصلح للعادة ولا للعبادة ( يخرج . موسى من الباب الخلفي )

زينب : هذا الشاب من يكون ؟ انه قال حقا كثيرا عثمان : أول انسان اتحدث إليه حديثا متصلا منذ ثلاثة شهور . أحد اصدقائي عثرت عليه .

زينب : والهاك الحديث عن طعام الفطور . عثمان : عفوا . هل رأيت من بأس وهل يرى والدك من بأس في دعوتى اياه هذا المساء الى دخول هذا البيت زينب : لا حرج في ذلك البتة وانا ادعو صديقاتي

عثمان : عفوا . اعدكم انه لن يأتي هذا البيت مرة ثانية . وام الزين .؟! زينب : وانت مكابر معاند . . ( يتظاهر عثمان بالخروج ) ولو احرقت جميع اوراقك لكان ذلك احسن واضمن لمستقبلها ومستقبلك

عثمان : ( راجعا على اعقابه ) ذكرتني يا . . . آنسة كيف اباحت لك نفسك وانت المهذبة المثقفة ان تهتكي سر هذا المعبد ( مشيرا الى السقف ) وتفضي بكارة تلك الصحف وذاك الهيكل ؟

زينب : الا ترى ان في فض بكارتها خيرا لها وثراء ، فتكون مثل . . وسيقع التلقيح . الم تكتب انك فقير

عثمان : ( يسرع الى كرسي ) بلى . اني فقير الى اشخاص غيري . وهل تعلمين اني مسرور اذ زرت اليوم غرفتي وان كان ذلك بصورة . وصحيح ايضا انى لي من وحدتى اشخاصا متعددين فيها من كل صنف استغنى بها عن الاخرين . انا غني

( يخرج عثمان من جيبه قلم حبر ويعبث به . ويتأمل الى زينب وهي تفتش في الخزانة عن . شئ . )

عثمان : ( الى نفسه والحرقدة منه ترتعش ) لاعلمن اسماء النساء كلها . ولتكن تجربة وهل تسلم التجربة . وثيابي هندامى ولحيتي شعري ( عاليا ) زينب !

كانوا يقولون لي بالذكاء عند ما كنت صبيا . ولا اعرف لذاك سببا كل ما اعرف انى ضحكت من نفسي ومن الناس وبقيت في الضحك حولا كاملا . وأضحكت

اما الان فمحتاج الى الابتسام . . شره اليها نهم . زينب : ( تقبل زينب عليه مبتسمة ) عثمان : ام الزين ام الزين : تضحكون على من ؟ على من تضحكون ؟ زينب : نضحك على موسى عثمان : انه قال حقا كثيرا

اشترك في نشرتنا البريدية