شرفتنى مجلة المنهل الغراء حين تفضلت وسالتني عن ) ملامح المستقبل العربى كما اتخيلها ( واني وان كنت اقدر الكتاب والمفكرين الا اني لا ادعي انني احدهم . . وما دامت المجلة الغراء قد احسنت الظن فيجدر بي ان احاول الا اخيب ظنها .
وقبل ان ادلى بنظرتى فى الموضوع أو ان أسجل هنا اعجابي باسلوب المجلة فى اختيار المواضيع التى تستفتي فيها كتابها
من ناحية الاسلوب والهدف والواقع ان الموضوع خطير . وحساس وشائك ومعقد ومتعدد الجوانب والزوايا والاركان والخطر في الموضوع هو أن المجلة حددته بالخيال . ولو انها ذكرت المستقبل المتوقع لامكن لكل امرىء تحديد ما يتوقعه أما ان عليه ان يحدد ما يتخيله فهذا هو الصعب العسير وان لم يكن عسيرا على من أوتى خصوبة فى الخيال - هذا ان استطاع ترجمة خياله الى دنيا الحقيقة - .
وملامح المستقبل العربي في اعتقادى وفي خيالي ايضا تنقسم الى صورتين :
الصورة الاولى هي ما يمكن ان تكون عليه صورة المستقبل العربى من خلال المثاليات والمبادئ . التى يعتنقها الفرد . . فان تواجد في الحاضر او في المستقبل اشخاص امنوا وعملوا بوحي تلك المثاليات وبدافع من تلكم المبادىء ، كان من المحتم ان ترتسم فى الخيال صورة مشرقة للمستقبل العربى . . وان رأى المفكر فى مثاليات العاملين من اجل المستقبل العربى مظهرا اكثر من مخبر فان ملامح التشاؤم قد ترتسم طولها وعرضها على افق المستقبل العربي المنتظر
والصورة الثانية هي ما يمكن ان تكون عليه صورة مستقبلنا العربى من خلال دراسات الماضى والحاضر وماسيكون ويتوقع ان يكون عليه المستقبل من ثنايا تصرفات الواقع الحاضر .
وهناك صورة ثالثة هي التى استطيع ان اجهر بها صراحة وهى ان العرب وقد قاموا بعد رقاد طويل بداوا يشعرون ان عليهم مضاعفة الجهد لرسم مستقبل افضل لامتهم يواكب سير الحياة الصاعد المتطور . وهذا الشعور النابع من الإدراك بالنقص نتيجة ذلك التاخر الذي فرض علينا بأن يصل مداه ويبلغ غايته السامية لو قدر له ان يستمر بنفس الحماس والقوة اللتين نراهما يدفعان بعجلات هذه الامة الى الامام .
ان الامة العربية وقد صممت على المضى قدما الى اهدافها البعيدة المدى لم تسلم لا في الحاضر ولا في الماضي من معوقات الخطى ومثبطات العزائم ومؤخرات البشائر والتقدم ولكن السار فى الامر والعامل الوحيد فى عدم الركون الى الإغراق فى التشاؤم هو ما نراه من اصرار العزم العربى على السير رغم العراقيل الاقتصادية والمتاريس السياسية التى توضع بين ارجله وعلى مرمي البصر من ارادته . . هذا الاصرار الذى بات لا يأبه ولا يبالي بصيحات التعويق ولا يركن لصرخات الخداع وانما يصم اذنيه دونها ويفتح عينيه على الهدف البعيد الذي يرنو الى بلوغه .
من هنا . . ومن خلال هذا الواقع وان لم يخل من أمور يؤسف لها . . من هنا استطيع ان استبشر وابشر بل واؤكد ان ملامح المستقبل العربى ستكون خيرا مما نتخيل ونتوقع . والله الهادى الى سواء السبيل
