إلى القارئ
من أبشع مظاهر الاستعمار الصهيونى فى الاراضى الفلسطينية المحتلة وأفظع جرائمه - الى جانب استئصاله ابناء البلاد من وطنهم بالعنف، والرمى بهم فى متاهات التشرد والضياع - ما أقدم عليه ((اخصائيوه)) منذ كارثة جوان 1967 من تغيير وتحريف للمناهج والكتب المدرسية وتبديل لمحتواها لعزل أبناء الخليل ونابلس والقدس - مثل ما أصيب به منذ 1948 اخوانهم المقيمون بيافا وحيفا وعكا - عن تاريخ قومهم وترات أمتهم، ومسخهم مسخا ليسهل القضاء عليهم سياسيا وهضمهم حضاريا.
فقد أصدرت سلطات الاحتلال فى أوت 1967 أمرا عسكريا يقضى بمنع استعمال 78 كتابا مدرسيا، ثم أعادت طبع 59 كتابا منها بعد أن حذفت عددا كبيرا من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الداعية الى الجهاد أو المشيرة الى اليهود، وكل ما من شأنه أن يذكر بالعروة الوثقى التى تجمع بين الشعوب العربية والاسلامية، وبعد أن أحلت اسم اسرائيل محل فلسطين فى كتب الجغرافيا؛ أما فى أرض الاسراء والمعراج فانها تجاوزت هذا الحد اذ هى عطلت الدراسة بالمدرسة الشرعية داخل المسجد الاقصى، وألغت النظام التعليمى العربى وفرضت النظام التعليمى الخاص بعرب المنطقة المحتلة منذ 1948، وهى بذلك تأمل أن تيسر عملية ((تهويد)) أو بالأحرى، ((صهينة)) الشاب الفلسطينى.
وإن هذا العمل الذى يسلخ التلميذ عن بيئته ويستأصله من حضارته ليتنافى مع أبسط حقوق الانسان ويناقض بالخصوص مبادئ ((اليونسكو)) التى حث مؤتمرها العام المنعقد سنة 1956 جميع الدول على اتخاذ اجراءات ((لضمان احترام التربية فى كل مكان للتقاليد القومية والدينية واللغوية للسكان، وعدم تغيير طبيعتها لأسباب سياسية)).
ونحن فى تونس - التى عانت كشقيقاتها فى المغرب العربى الكبير عملية التشوية الثقافى طيلة عشرات السنين - فى الوقت الذى نعبر فيه - بوصفنا مثقفين - عن استنكارنا الشديد لهذا النوع الوضيع من العنف فى ذات القيم الانسانية وندعو كافة رجال الفكر الاحرار فى العالم الى التضامن الايجابى من أجل انقاذ الشعب الفلسطينى من ((الصهينة)) الثقافية، وفضح هذه الاعمال التى لا تشرف البشرية، لا يسعنا الا أن نؤكد من جديد أن شعبا يؤمن بنفسه ويستعذب الموت كي تكتب له الحياة الحق لن يفنى مهما جن جنون الاستعمار لان ارادة الشعوب وطبيعة الأشياء أقوى من جحافل التجهيل وبطش القوة العمياء.
بل ان فى المقاومة الفلسطينية المتنامية الشاملة المعبرة عن ارادة الحياة الدليل على أن القدر سيستجيب، وان المستقبل سيكون لفلسطين الحرة. ولتمعن اسرائيل فى عدوانها وتحديها للضمير العالمى فهيهات أن تغير اتجاه التاريخ وهيهات أن تنهزم الروح أمام المادة. ((الفكر))
