الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 10الرجوع إلى "الفكر"

Share

الناطقون بالضاد في الوطن العربي ويستمدوا منه الموعظه والعبرة ، معتمدين كالعادة على ما يقوله الملاحظون والمفكرون فى الغرب حتى لا نتهم بالتعصب وعاملين بقاعدة و (( شهد شاهد من أهلها )) !..

ولعل اكبر حدث عرفته أروبا فى الشهر الماضى زبارة يوحنا بولس الثانى الى وطنه بولونيا بوصفه رئيسا للكنيسة الكاثوليكية ، بعد أن مرت ألف سنة علم آخر زيارة قام بها بابا لهذه البلاد .

ولقد اجمع كل الملاحظين فى العالم الغربى خاصة - المتدينين منهم والدهريين ، اليمينيين واليساريين - على أن الاستقبال كان حماسيا و (( أن أحدا لم يعد يشك فى قوة الكنيسة البولونية وتأصل جذورها فى كل طبقات الشعب البولونى ولا فى عزمها على تمثيل الامة كافة ( راجع افتتاحية جريدة (( لوموند )) ( التقدمية ؟!.. ) الصادرة فى 7 جوان 1979 ) . وأطنب الصحافيون المرافقون للبابا فى وصف الملايين المتجمعة فى ساحات فرصوفيا وغنيازنو وأوشويتز وكراكوفيا وبوزنان وفروكلاف ، وفوق الهضاب والجبال وعلى امتداد الطرقات وعند أبواب الغابات مغنية بحنو خاشع وعميق (( ابق معنا )) و (( لتعش مائة عام )) ..

يقول مراسل حريدة لوموند (( التقدمية )) ؟! فى عددها الصادر يوم 5 جوان : (( لقد كان الشارع العريض المؤدى الى المدينة العتيقة مكتظا بالناس : شبان جالسون ، واقفون ، طلبة .. تلاميذ يتكدس بعضهم على بعض فى كتلة متراصة . ولقد عسكر الكثير منهم هناك منذ الليلة السابقة . ولقد جابت المدينة طوال الليل مجموعات تتقاطر نحو نقطة اللقاء مع البابا . لم يكن ثمة ما يمنعه من الاتجاه نحو هذه الأيدى الممدودة ، نحو هؤلاء الأبطال الذين يركعون على قدميه ويمسكون به ليلامسوه ويعانقوه . منذ الامس وانا اسال نفسى : ماذا حدث لهذا المجتمع ؟ أتراه أصبح الى هذا الحد كاثوليكيا ؟ ))

ويقول مراسل لوفيغارو ( عدد 5 جوان 1979 ) : اجتاز البابا أكبر شارع بمدينة (( شستوشوفا )) ، وسط الهتافات الممتدة على مدى كيلومترين وصعد

على المدرج المؤدى الى معبد العذراء السوداء . ورغما عن أن هذا اليوم ليس يوم راحة فى بولونيا فقد حضر القداس خمسمائة ألف حاج ! وقد صلى البابا من أجل أن (( تتمتع الكنيسة بالحرية والسلام )) . كان الناس يصلون جاثين على الارض متضرعين مثل الخاشعين فى العصور القديمة : بهذه الطريقة تتجلى سجية الكاثوليكيين البولونيين الذين سموا بـــ (( مجانين الله ! )) .

ومما جاء فى مقال وصفى لمراسل مجلة (( بارى ماتش )) ( عدد 15 جوان 1979 ) : ((  لمدة ساعات امحت الجمهورية الشعبية أمام الامة الكاثوليكية وترك المنجل والمطرقة المكان المصليب وهو مع ذلك الرمز المنبوذ ( رسميا ) . وكتبت الأبرشية الطالبية بفرصوفيا هذه الكلمات باللاتينية على احدى اللافتات المعلقة ببناية جامعية متاخمة لكنيسة القديسة (( آن )) : الشباب الطالبى مؤمن، وفى دائما . وقد قضى عدد كبير من الشباب ليلتهم وهم نائمون على الطريق مستضيئين بالشموع وفجأة تنطلق الأصوات بنشيد : (( نريد الله فى مدارسنا )) ... ثم يحصل امر خارق للعادة : مائة ألف ... مائتا ألف صليب صغير ترتفع فوق الرؤوس !...

ويستقبل البابا فى المطار كبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الدولة وخاصة الكاتب العام للحزب الشيوعى الحاكم السيد جيرك الذى يخاطبه أمام الجموع الحاضرة فيذكره بالطريق التى قطعتها بولونيا منذ ثلاثين عاما ، أى منذ انتصاب النظام الشيوعى بها بعيد الحرب العالمية الثانية فى ميدان الانجازات الاقتصادية والاجتماعية ... فيضع البابا رده تحت شعار الوطنية قائلا : " إننا نحس - نحن البولونيين - كأعمق ما يكون الاحساس ، بان علة كيان الدولة هى سيادة المجتمع والأمة والوطن ... )) ويضيف : (( ان سياسة الانفراج وتقارب الشعوب ذات مغزى اخلاقى عميق ولكنها لا يمكن أن تنجح الا باحترام حقوق الأمة الموضوعية : ألا وهى الحق فى الحياة وفى الحرية وحق كل فرد فى أن يكون ذاتا سياسية واجتماعية وحق كل شعب فى أن يبنى ثقافته وحضارته )) وهكذا يقلب البابا - كما يقول مراسل مجلة

نفوذهم على الضعفاء وترسيخ هيمنتهم الاقتصادية والفكرية (1) والتى لا يستحى أحد((المفكرين)) من أن يلوم أهل الحل والعقد ببلاده على مساعدة بلاد العالم الثالث على نيل استقلالهم (2) كانهم ساعدونا حقا ولم نكافح نحن سنين طويلة ولم نضح بالنفس والنفيس لافتكاك حريتنا وتخليص سيادتناومساهمتنا الفعلية فى صنع تاريخنا .

إن التفتح ليس انبهارا بالغير ولا تقليدا له بل هو كما أكدنا ذلك تخير واقتباس واعتبار انطلاقا من أصالتنا أو اعتمادا على نظرتنا نحن للوجود وفلسفتنا فى الحياة .

والتفتح بهذا المعنى ضرورى وحيوى وسنظل متمسكين به ، ننظر من خلال نافذتنا المفتوحة على ما يجرى فى الدنيا ، من دون غفلة ولا ارتخاء ولا ملل لان حركة الاحداث في الساحة العالمية شديدة السرعة غريبة الاطوار ولان شعوبنا تلاحق التقدم وتنشد السؤدد ولان الذى لا يتقدم - فكريا وماديا - يتأخر وتتجاوزه الاحداث ولأن الساعات طائرة - كما يقول أبو حيان التوحيدى - والحركات دائمة والفرص - للشعوب كما للأفراد - بروق تأتلق !...

اشترك في نشرتنا البريدية