ودكاكين ، واستبدلت بها دكاكين عصرية ودور منظمة مجهزة بوسائل الراحة والهناءة . فكأنك اذ تمر به ، وترى هذه المواكب المتراصة بجانبيه من دكاكين منسقة وعمارات منظمة انما تشاهد مواكب اعراس اخذت غاية الزينة والبهاء . وقد عبد على احسن طراز مستحدث ، واصبحت ذكريات تطاير الغبار والذباب منه الى الدكاكين والدور والمارة ، حديث ذكريات بائدة وقد غرست بطواريه اشجار " السرو " المقلمة و النيم " المنظمة وانشئت به على مسافات معينة ميادين عام ذات بهجة ورواء . . واضافت اليه امانة العاصمة اربعة شوارع عامة اخرى لا تقل عنه روعة وجمالا . وزودت هذه ايضا - كما زود هو بوسائل التنظيم ، وجعلت بين بعضها " تقاطعات " فنية ، لتسهيل حركة المرور والانتقال ، وأمدت المدينة بتيار كهربائى ضخم هيألها كل وسائل الرفاهية فى الدور والفنادق والمدارس والمصانع والشوارع وفي كل شىء . . فاذا جاء اوان الشتاء القارس فالجو معتدل بوساطة مكيفات الهواء التى عمت ارجاء المدينة ، واذا دخل موسم القيظ فان السموم يستحيل الى نسمات عذاب بفعل المكيفات نفسها . . وقد امتدت عمالقة الخطوط الحديدية فى المدينة لتسير عليها عشرات " الحافلات " تقل بعض المواطنين ليل نهار الى ارجاء المدينة الضخمة الفيحاء التى اصبحت تضم اليوم مليوني نسمة بعد ان كانت لا تحوى قبل ثلث قرن سوى حوالى مائتى الف نسمة على اكبر تقدير .
فاذا اردنا ان نشير الى اسماء الشوارع الخمسة الجديدة التى تخترق العاصمة كالشرايين فانها : " شارع عبد العزيز " الذي يخترق البلد مارا من شرقي المسجد الحرام ؛ و " شارع سعود " الذي يخترق البلد من غرب المسجد الحرام و " شار ع فيصل و شارع الشركات الوطنية " و " شارع الصحافة الجديد " .
ولم يكن للناس من قبل ، عهد بالمتاحف هنا اما الآن فقد اكتظت العاصمة بالمتاحف المتنوعة التى تهدف الى حفظ اثار مدينتنا السالفة ، والى وقفنا على مدى تطورنا اذا قارنا حالتنا الحاضرة بالحالات الماضية
فى العاصمة الآن من المتاحف : المتحف الأثرى ، وهو ذو شعب متعددة نذكر
منها الشعبة العمرانية . وجميل ان يحتفظ المتحف " بمصورات " عديدة تسجل جميع الوان حياة الغابرين من اسلافنا جيلا بعد جيل حتى ما كان يدعى ) بالسوق الصغير ( له " خريطة مجسمة " تمثل بنماذجها الفنية الرائعة ما كان ينبض فيه من حياة وما كان عليه حاله قبل عهد التنظيم
وهناك المتحف الزراعي ، والمتحف الصناعى ، والمتحف الحربي ، والمتحف الاقتصادى ، والمتحف العلمى الى آخر المتاحف المنتشرة فى نواحى العاصمة .
وكانت " الصحف " فى عام ١٣٦٨ ه ضئيلة العدد ، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة عدا ، فى طول البلاد وعرضها ، وكانت حجومها ضئيلة ، وطريقة اخراجها غير مشوقة ، وكان الكتاب والشعراء فئة مغمورة مغامرة كالرواد المجهولين ، وكانوا قلقى الضمائر ، لا يستطيعون ان يوفقوا بين اوضاعهم وأفكارهم ، وقد فتحوا عيونهم على آخر عهد من عهود الاضطراب فتأثرت أرواحهم وعقولهم الباطنة بذلك التيار الجارف ، وتأثر نتاجهم الادبي بذلك ، ولو لا روح من نسمات عذاب كانت تهب عليهم من الاقطار العربية المجاورة لما أسس لنا شىء اسمه ادب وطنى حديث ، وقد كان لهم فضل الريادة ، والقيادة ، وإن لم يكن لهم فضل بارز فى العمق والسموق والابتكار وصحافة هذا جوها الأدبي - وجوها الاجتماعى متساون مع جوها الأدبي جوهرا وعرضا - خليقة بان تكون غير غنية الانتاج ولا شامخة الجدوى والتأثير . .
ذلك كان حالنا فى عام ١٣٦٨ ه كما يحدثنا البقية الباقية من طوال الأعمار . . أما الآن فهنا صحافة عملاقة جبارة . . وقد نظمت شؤونها تنظيما جديدا وتخصصت كل مجموعة من الصحف بناحية حيوية تعالج استمرار تقدمها ، فمن صحف علمية ، ودينية ، وطبية ، وصناعية ، وزراعية وتجارية وادبية وسياسية ، بعضها شهرى ضخم شائق ، وبعضها نصف شهرى كذلك ؛ وبعضها اسبوعى ، وبعضها نصف اسبوعى ، وبعضها يومى ، وبعضها نصف يومى ؛ والبعض يصدر فى اليوم والليلة ست طبعات متلاحقة وتزودها شركة الأنباء الوطنية السعودية ومحطات الاذاعة الداخلية بالأخبار والاراء وثمار القرائح الداخلية والخارجية بصورة مستمرة استمرار ساعات الليل والنهار .
وقد أصبح ميل أغلب القراء الى الصحف التى تغذى عملاق النهضة الجبار بغذاء دسم سواء كان روحيا او ماديا ؛ واعرض الناس دفعة واحدة عن ادب التراشق والتهاتر ، فقد ارتفع مستوى الأدب والأدباء عن مثل هذه السخافات الصبيانية العابثة التى كانت تحتل مكان الصدارة فى صحف ما قبل التطور الحديث . . كما تقرؤه فى بعض أعدادها القدامى من باب التسلية وارجاء فراغ الوقت وللمقارنة بين ما كان وما صار . .
وفي الواقع ان ذهنية قارئ اليوم لا يوجد فيها متسع لقراءة الهراء ، وهذا سبب انهيار الأدب الذي كان يقوم على ثلب الاعراض . . ووضر الاغراض .
ونحمد الله فقد بلغت صحافتنا بما سلكته من طريق حميد مبلغ الرشد بين صحف العالم ، وأصبح لها صوت مسموع مدو فى ارجاء العالم ، فقد عرفت بالتوجيه الراشد ، وبالعمق والسموق في البحوث ، وتوخي الافادة والامتاع فى الأسلوب والاستعراض ؛ كما عرفت بالرزانة والروية وبالتعقل والاتزان في معالجة المشاكل والاحداث العالمية الجسام ، فأصبح حكمها فصل الخطاب ؛ واراؤها ، الحقيقة المنشودة . . ولذلك فاننا لا نستغرب إذا رأينا تلهف دوائر " العلم والاقتصاد والسياسة فى العالم على استيعاب ما تنقله اليهم في كل حين من ذخر ثمين .
ومن المناسب ان نقول شيئا عن تاريخ هذه الصحف الخمس التى تقدمت الصفوف ، وبزت الاقران ، وأصبحت " مثالية " فى دنيا الصحافة .
وتلك هي مجلة " المنهل الشهرية التى أنشأها منذ نصف قرن الشيخ المتقاعد عبد القدوس الأنصارى . . فقد تطورت هذه المجلة تطورا عظيما . . كانت قبل ثلث قرن ، صحيفة شهرية متواضعة وحيدة تصدر بكل جهد فى ٤٨ صفحة ، وفي عدد محدود من النسخ . . وكان منشوؤها هو مصحح جزازاتها : ) بروفاتها ( وكاتب بعض مقالاتها وبعض قصائدها . . كان كل شىء تقريبا فى تحريرها وإخراجها ، وكان يعاونه على اعمال الادارة صديقه المتقاعد الثري السيد هاشم نحاس .
ذلك كان أمرها . . أما اليوم فانها تقوم فى دار فخمة كاحدى ناطحات السحاب
وتحتل هذه الدار زهاء ثمانمائة متر مربع من ناحية شارع الصحافة الجديد وتضاء بانابيب الكهرباء ، وقد كتب اسمها بحروف ضخمة جدا من الكهرباء الملونة ليقرأه الناس من عشرات الكيلوات . . وبطابقها الارضي أحدث المطابع وأضخمها من انتاج القسم الصناعى المختص بمدينة الصناعة " الرابضة بمنطقة بحرة ، وقد تطورت الدار والإدارة فاما الادارة ، فقد اصبحت عبارة من ادارات لعدة صحف عالمية . هى المنهل الشهرى ، والمنهل الأسبوعي ، والمنهل اليومي وأما الدار فقد غدت دارا عامة للنشر ؛ وكل ما فيها يطبع بالروتوغرافور وباللينوتيب على أحدث طراز ، وفي عزمها بداية الطبع باللاسلكى ، فقد وضعت التصميمات الفنية لهذا الشأن من خبراء الصناعة المواطنين ولم يبق إلا دور التنفيذ . ويشرف اليوم على إدارة الصحف والدار جميعا الدكتور نبيه الانصاري ومعه صديقه الدكتور يوسف نحاس ومعهما عشرات المحررين والمخبرين ومديرو الاقسام الفنية والطباعية وغير ذلك مما يستلزمه هذا المشروع الضخم العظيم
فاذا صوبت نظرك إلى أمام فانك مشاهد من كثب ، فى ناحية الشارع المقابل ، دارا فخمة شاهقة تناطح الجبال والسحاب وتلك هي دار ) اخبار الأسبوع ( . وكانت أخبار الاسبوع صحيفة إخبارية أسبوعية متواضعة كزميلاتها الخمس وأن تكن أصغرهن سنا ، وقد أنشأها الشيخ المتقاعد محمد سعيد العامودي في عام ١٣٧٠ ه وما زال يبذل من جهده وعرقه حتى استطاع آن يسلم زمام أمورها الى ابنه الدكتور محمد عمر العامودى المتخرج من قسم الصحافة بالجامعة السعودية فقفز بها هذا قفزتها الحاضرة حتى اصبحت تضاهى أرقى صحف العالم طباعة ورونقا وإخراجا ، وقد انتشرت في أرجاء الدنيا وأصبحت الصحيفة الممتازة فى بابها بما أضفى عليها من وسائل التدعيم والتنظيم وعجيب أن تتقابل الداران : دار المنهل ودار اخبار الاسبوع ، وان تبدو فى هذه الأردية الزاهية من الضخامة التى ما كان يترقبها مؤسساها ولو فى عالم " الاحلام والآن ها هما المؤسسان بين ظهرانينا وكثيرا ما نراهما جالسين في شرفة
دار المنهل أو أخبار الأسبوع ولا بد أنهما كثيرا ما يتبادلان الحديث عما كانا يقاسيان - فى سالف العمر الطويل - من متاعب فى سبيل الصحافة والأدب . .
ولا يعرونك الدهش والاستغراب إذا قلت لك : ان ما تراه من سيارات ضخمة أمام مدخلى الدارين وما سمعت عن جثومه من طائرات فوق سطحيهما انما ذلك كله خاص بهما وملك لهما . . فالسيارات لنقل ما يصدر من أعدادهما صباح مساء الى الأماكن القريبة . . والطائرات لحمل ذلك الى المدن الداخلية النائية والى أقطار العالم . . فما تمضي بضع ساعات على صدور اعداد الدارين إلا وقد اشترك العالم في الاطلاع عليه .
ولك أن تقارن هذه الحال التقدمية الجبارة بما كانت عليه حال الصيحفتين ايام تأسيسهما ، حيث كان المؤسسان يشتركان في الاشراف حتى على توزيعهما فى العاصمة ، فلا تصل الأعداد الى أصحابها إلا بعد عنت وارهاق .
وجريدة " البلاد السعودية " كانت صحيفة أسبوعية وقد أنشأها فى أول منتصف القرن الذي نقف على آخره ، الشيخ محمد صالح نصيف ثم تسلمتها منه " شركة الطبع والنشر " الوطنية فتقدمت بها خطوات الى الأمام . . وها هى الآن - باشراف هذه المؤسسة الوطنية الكبرى - قد أصبحت يومية ، تصدر فى ٢٤ صفحة من الحجم الكبير وبالألوان الزاهية ، وتطبع بالروتغرافور طبعات متعددة في اليوم الواحد ، ويسهر على تحريرها وإدارتها مدير قدير يعاونه عشرات من الزملاء ، وتصل اليها أخبار ) آخر لحظة ( بوساطة مخبرها العالميين ، وها هي سياراتها وطائراتها جائمة تستقبل فى كل وقت هذا الفيض الطامى من الأعداد لنقلها الى ارجاء الدنيا . . وقد اصبحت سمعتها تضاهى سمعة ( التيمس ( في نيويورك ان لم تفقها ، وأصبح ما يباع من اعدادها يضارع أكبر صحف العالم كثرة وانتشارا
وجريدة " المدينة المنورة " . . هذه الصحيفة الوطنية اللامعة كان قد أنشأها الشيخان المتقاعدان السيد على وعثمان حافظ بالمدينة فى أوائل النصف الثاني من هذا القرن الذي بلفظ اخر انفاسه الآن وقد تقدمت وتطورت فى جميع أوضاعها
وأصبحت يومية تطبع بأحدث المطابع وبالآلوان الزاهية ونسقت أروع تنسيق وصارت ذات شهرة مدوية فى انحاء الدنيا بما تطرقه من موضوعات طريقة مشوقة
وقد أنشئت جريدة " أم القرى " الرسمية فى أواخر النصف الأول من هذا القرن وكانت أسبوعية ، وقد أصبحت اليوم نصف أسبوعية ، وقد تضخمت فأصبحت أعدادها اسفارا تحوي كل شىء عن الوضع الاداري في البلاد
ومجلة " الحج " كانت أنشئت سنة ١٣٦٧ ه وقد ترقت في كل شىء وصارت خير ترجمان يعبر عن تعاليم الدين الحنيف ، وما وصلت اليه البلاد في ضوئه من ازدهار في كل شىء
ولا ريب ان من أسباب ضعف الصحافة الوطنية فى زمن انشائها الأول : انفراديتها . وانتشار الأمية وأعني بالانفرادية هنا ، قيام فرد أو فردين أو ثلاثة على شئون الصحيفة وهذا فى الحقيقة أثر من آثار تقلص الروح الجماعية فى ذلك العهد .
ومع أن ذلك العهد قد شهد مولد بصيص من الروح الجماعية بما أسس فيه من شركات وطنية ، - ضخمت فيما بعد واتسعت حتى اصبح لها شان عظيم في كيان نهضتنا الحاضرة ، وتلك هي شركة التوفير والاقتصاد ، وشركة الطبع والنشر ، وشركة المصحف ، وشركة السيارات بمكة ، وشركة الكهرباء بالطائف نقول : مع كل ذلك . فان الحالة الاقتصادية بقيت في غير نشاط عام هام ، ونال الصحافة قسط وافر من هذا التقلص والانكماش .
أما الآن فمطرب جدا ان نشهد تكتلا اقتصاديا عاما تأثر بانتشار التعليم ، فقد سادت الثقة بين الافراد ، فتعاونوا على البر والاصلاح والنهوض ، وتركزت آثار هذا التكتل بصفة خاصة فى قيام شركاتنا الوطنية الكبرى بالتعاون على إنشاء ) مدينة الصناعة الجبارة فى سهل بحرة الافيح الجميل ؛ وقد نال الصحافة خير كبير من هذه الروح التقدمية ايضا فالفت شركات وطنية للصحافة جمعاء فتوطد مركزها من جراء ذلك وسرعان ما بلغت الاهداف السحيقة التى تحلم بها فى عالم يعج بالتقدم الحثيث وقد نظمت لها برامج ورسمت لها خطط ؛ ساعدها على نهضتها البارعة كثرة القراء وكثرة الكتاب الاختصاصين من أبناء البلاد فى كل علم وفن ، وقد حلق الادب بذلك
فحلق بالأمة الى مستوى رفيع . وكان لتحسن الطباعة والاخراج ولسرعة المواصلات واستبحار العمران أثر واضح في كل ذلك ، وبذلك قفز رجال الصحافة من حالة العناء والعسر الى حالة مغبوطة من الأقبال واليسر والكرامة
وقد كانت معاهد العلم محدودة بالنسبة لعدد السكان و فى عام ١٣٦٨ بلغ عدد التلاميذ سبعة عشر الف تلميذ على ما نشرته جريدة البلاد السعودية بعدد ممتاز لها اطلعنا عليه مصادفة فى " المكتبة الوطنية العامة الكبرى " اما اليوم فقد بلغ مجموع عدد التلاميذر رقما قياسيا فى المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات . . انهم الآن زهاء الثلاثة ملايين تلميذا من مجموعة السكان التى بلغت رقما قياسيا وها هى ) مدينة العلم ( بجوار مكة اصبحت تتيه بالجامعة السعودية الكبرى . . وفي المدينة المنورة جامعة اخري مستوفية لكل شروط التعليم العالي والتخصص وفي الرياض وجدة والاحساء مثيلاتها . بل ان منقطة عسير اصبحت تتشبث بضرورة التعجيل فى إنشاء جامعة بها تكفى طلاب ثانوياتها العديدة مشاق الرحلة والتغرب الى اجدى الجامعات المنشاة فى غير عسير من انحاء الوطن الكبير ..
وقد اصبحت البلاد زاخرة بزمر من علماء الدين من مرشدين وقضاة وبزمر من علماء الدنيا من أطباء واقتصاديين وفنيين وحقوقيين ، وغير ذلك .
وكانت الصناعة الحديثة مفقودة من البلاد . اللهم الا اذا استثنينا مصنعا او مصنعين انشئا بجهود وطنية محدودة الطاقة . . وكان جميع ما تزخر به البلاد من سلع وحاجيات وادوات وسيارات من فيض صادرات الخارج مما ارهق كاهل الاقتصاد الوطني اما اليوم فان نظرة عابرة الى الجهاز الحيوى الجبار للبلاد : مدينة الصناعة التى اصبحت ) خلية نشاط صناعي عجيب ، إن نظرة عابرة اليها تبهر خيالك مهما كان واسع الافق ففي مدينة الصناعة هذه ، قسم هائل لصناعة الفولاذ المستخرج من مناجم البلاد بايد وطنية ومن شركات وطنية ، وفيها قسم للصناعة الثقيلة . وقسم لصناعة السيارات وتركيبها ، وقسم لصناعة المطاط والاطارات وقسم للالومنيوم واجزائه وقسم للورق وقسم للطائرات النافورية الاندفاع ، وقسم للطائرات الكبيرة ، وقسم للقلاع الطائرة ؛ واخر للأيرق ) الاسمنت ( وقسم للنسج وغير
ذلك من لوازم الحياة ومطالبها ، وقد جهز كل قسم بعشرات الخبراء والباحثين الوطنيين وقد انشئت في " جدة " ) دار صناعة ( مجهزة بكل ما يلزم لبناء الزوارق الحراقات : " اليخوت " والبواخر والبوارج
وقد امتدت بد وزارة الزراعة الى الصحاري وملأتها رعيا وريا بعد أن مهدتها وزارة الاشغال بوسائل العلم الحديث فحولتها الى مناطق تموج بالخصب والاخضرار ، وبذلك اصبحت البلاد فى غنى بحاصلاتها الزراعية عن استيراد اكثر مطالبها من الحاصلات وهكذا نرى ان هذا العمر انما استبحر فى ارجاء المملكة بفضل الانتاج الزراعي والصناعي العملاقين ، يسندهما ، ويدعمهما الانتاج العلمى والادبي الجباران .
وقد تكاثر السكان وتحسنت الصحة العامة بوسائل الوقاية العامة التى هى خير من العلاج فلا تكاد تجد بقعة فيها سعة ومجال ، خالية من معمر اومن مثمر : والتفت الواحات بالحدائق الغلب ، ونبثت العيون القديمة الثرة المندثرة ، و احتفرت مئات الآبار الارتوازية التى احالت الصحارى و القفار الى ريف فياض بالماء النمير وكذلك ساد الخير والرخاء وعم الهناء جميع الطبقات .
وقد غطت مزارع القمح والارز والذرة وانواع الغلال واشجار الفواكه والقطن والمطاط أكثر المناطق الصالحة لزراعة هذه الأشياء ويسر الافادة منها سهولة نقلها من مناطقها الى سائر الجهات فى الداخل والخارج بما امتد من شرايين الخطوط الحديدية فى أنحاء البلاد .
وقد ازدرع الناس سفوح الجبال ، وعمروا كل مكان ؛ واتصلت حلقات العمران فلا تخرج من مدينة حتى تفضى بك الى مدينة اخرى ، ولا تطلع من قرية ، الا وسلمتك الى سواها تباعا وقد أصبحت مكة وجدة متصلتين فى العمران ، ولولا هذه المدينة الصناعية الرابضة بينهما لما ميزت بين حدود مكة وحدود جدة واصبحت موانئنا على ساحل البحر الاحمر خيرا من زميلاتها على ساحله الاخر فى العمران وفي الحركة والنشاط ، واصبحت موانئنا على ساحل الخليج الفارسي خيرا من زميلاتها على سواحله الاخر نشاطا وحركة وتنظيما . . وقد امتدت شرايين الخطوط الحديدية حتى الى عسير ، فاستقبل الناس ينبوعا فياضا من هناءة ما كانت لتخطر لهم على بال . .
اما الربع الخالي فقد اصبح يرسم فى المصورات الجغرافية الحديثة ) بالربع المعمور ( . لاستفحال عمرانه الحديث فقد تسابقت الشركات الوطنية الى الحكومة وتسلمت منها هذه المنطقة الفيحاء لتنشئ بها مدنا منسقة وقرى وريفا جميلا ومزارع ومصانع ، وقد مهدتها ثم خططتها وانثالت طياراتها وخبراؤها لنقل اسباب الاستصلاح المزمع ، وعجت مئات الالات لحفر الابار الارتوازية فى ارجاء البلقع التاريخي الجاف الذي اريدت له الحياة والنضرة والعمران . ووفق الخبراء الوطنيون الى اختراع اجهزة جبارة يمكن - بتسليط تياراتها على كثبان الرمل وجباله - ان تجمد وتتصلب فتصبح حزنا ثابتا قويا متماسكاصالحا للبنيان وقابلا للزراعة والتعمير . . فاعملوا هذا الاختراع الوطني العجيب فى رمال الربع الخالى وسرعان ما تكتلت كما اريد . . وهكذا انشئت المدن ذات البهجة والرواء فى انحاء ذلك الربع الفسيح ، فاصبح معمورا جميلا رائعا ، كاحدى عرائس الاقطار العالمية المزدهرة بالنشاط وقد اكتظ بالسكان .
وبذلك خف الضغط عن بقية مناطق المملكة ، وامكن التغلب على عقبة هائلة من عقبات هذا التقدم العام المشهود .
طبق الأصل عبد القدوس الانصارى
