الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 6الرجوع إلى "الفكر"

555 سنة الاخماس ، عن وفاة ابن خلدون

Share

يوم الخميس 16 مارس الجارى من عامنا هذا 1961 م يكون قد مضى على وفاة مؤسس علم الاجتماع فى العالم عبد الرحمان بن خلدون 555 سنة شمسية تامة .

فابن خلدون قد توفى يوم 16 مارس عام 1406 وهو الموافق ليوم 26 رمضان من عام 808 ه

وها نحن فى شهر رمضان ايضا من عامنا القمرى 1380 ولا فرق فى تعداد ايام شهره الا ساعات معدودات بحيث قد مضى عليه من السنوات القمرية 572 سنة تامة وتزيد 48 ساعة . ولعلنا نلاحظ فرقا يبلغ 17 سنة بين التعداد القمرى والتعداد الشمسى ، وهي متولدة عن فرق 13 يوما التى يزيدها التعداد الشمسى عن التعداد القمرى ، وكانت الامم القديمة تضيفها بترتيب مناسب حتى يلحقوا الدورة الشمسية ، الا ان المسلمين اغفلوا ذلك ، فبقى الفرق يتزايد من السنوات ، كما تراه . وليس هنا موضع تدقيق كل ذلك ، لاننا بصدد احياء ذكرى اشهر علماء تونس الذى نقف اليوم على ذكراه

كنت اتمنى ان نكون اليوم قد اهتبلنا هاته الذكرى الشريفة واغتنمنا فرصتها لكي تخرج تونس الى العالم مطبوعات كاملة للكتب التى وضعها علامتنا الاعظم عبد الرحمان بن خلدون

فمن الفخر لعاصيمة تونس ان العالم اجمع قد ساهم فى اخراج كتب علامتها العظيم ، وقد توثبت اللغات الحية الى ترجمة اهم مؤلفاته واخرجتها مطبوعة فى السنتها المختلفة منذ قرن وخمس القرن

فقد طبع العلامة نوبل دى فرجية المقتطفات التى ترجمها من تاريخه العظيم (( ديوان العبر )) مما يتعلق بحياة الاغالبة وتعمير صقلية بعد ان ترجمها فظهرت سنة 1841

وفي سنة 1863 اخرجت مطابع شقيقتنا الجزائر ما اقتطفه دى سلان من ذلك التاريخ بعد ان ترجمه الى الفرنسية ، مما يتعلق ببلادنا المغرب العربي

فى تاريخه وقبائله ، كما اخرج النصوص التى اختارها فى مجلدين ضخمين ، باللغة العربية ، على حدة

كما ترجم المستشرق دوزى القسم الخاص ببنى عبد الوادى ، ملوك تلمسان ، فى 3 مجلدات

وتتابعت الترجمات الى الروسية والايطالية والهولندية والاسبانية والبرتغالية

ولعلنا نلاحظ ان جميع الدول الاستعمارية قد شاركت فى الاستفادة من كتب صاحبنا لخدمة نفسها فى مدة الغيبوبة التى اخذت العالم العربي والعالم الاسلامى ، والتى اخذت المشرق قاطبة ، عندما حسب ان ما عنده من حضارة وعلم هو كل شئ ، وقال محوصل قواعدهم معجبا (( ما كان اصح علم من تقدم))

اما الجهد العربى لاخراج كتب صاحبنا ومفخرتنا ، فانما كان متاخرا عن تلك الامم الاستعمارية اذ ان اول طبعة قد ظهرت لتاريخه ديوان العبر قد تاخرت الى سنة 1274 ه - 1867 م عندما اخرجته مطبعة بولاق في 7 مجلدات بمصر

ثم توالت الطبعات التى كانت اخرها طبعة بيروت فى العام الماضى

ولكن مع الاسف ان تونس لم تشارك فى طبع اى كتاب من كتب مفخرتها ابن خلدون حتى ساعتنا هاته .

واشهر من كتاب (( العبر )) كتاب (( المقدمة )) الذى جعله تقدمة لكتاب تاريخه العظيم فان ابن خلدون قد عرف ان اهمية التاريخ (( ان يكون عبرة لمن اعتبر)) فاسماه (( كتاب العبر )) واقام له مقدمة فى مجلد ضخم حوصل فيها علم الاجتماع وبذلك كان اول من خص الاجتماع بقواعد وقنن له وقسمه ذلك التقسيم العجيب . وهكذا سهل على قراء تاريخه ان لا يمروا باحداث الدهر مرورهم بالخرافات التى لا يقصد منها الا التسلية ، بل تستفيد منه ملكتهم ويمكنهم ان يكون بركة على مداركهم ونورا تستضئ به اعمال العاملين فى سياسة المجتمع . . . وحتى سياسة العائلة والافراد.

ناهيك ان نصف كتاب المقدمة قد خصه بفن التعليم ، التعليم الثقافي والتعليم العملي ، من صناعات وزراعة . . .

وكان اول من اخرج كتاب المقدمة الى نور الطباعة ليستفيد الشعب ، الاتراك فقد ترجمت (( المقدمة )) واخرجت فى اللغة التركية ، قبل ان تظهر في العربية ، وقبل ان يتنبه لتعميمها الاروبيون ، انفسهم . قبل ان يتمحضوا للاستعمار كما دخلوه . فقد نشرت الترجمة التركية الاولى سنة 1749 ، اى منذ قرنين ونصف .

ومما يذكر ان (( الاسلوب التاريخي )) الذي جمع به عبد الرحمان بن خلدون اخبار البربر وغيرهم ، ونسقها ، لم يرثه عالم بعده طيلة 3 قرون ، حتى جاء الاستاذ ( مورانو رمى )  الايطالى فامكنه ان يبنى تاريخ الرومان من الوثائق التى جمعها فى مكتبه ( ميلانو ) . ثم قام تلميذه البروفيسور " فيكو " فاقام رسوم علم الاجتماع فى القرن 17 بكتابه (( العلم الجديد )) الذى نقض به مبدأ ديكارت الفرنسي ، واقام نظرية صاحبنا التونسى ابن خلدون فى اعتماد النواميس الاجتماعية واستقرائها . وبعد كل ذلك قام المستشرق سيلفستر دى ساسى فترجم فصولا متتالية من المقدمة الى اللغة الفرنسية وتمكن من نشرها مطبوعة فى موسوعة (( تراجم الاعلام )) وذلك بين سنتى 1806 و 1816

كما ان الالمان عرفوا آراء ابن خلدون وتذوقوها من ترجمة الاستاذ المستعرب فون هامار ، وقد وصف صاحبنا ب (( مونتيسكيو العرب )) فكانت دراسته تلك أول وأهم دراسة تنظيرية وتحليلية لفلسفة ابن خلدون ، فى المجتمع والعصبية والدولة ، وفى الاقتصاد الاجتماعى . وبها تذوق العلماء الاروببون رشاد فيلسوفنا ومبلغ تقدمه . بينما كان العالم العربي في محنة الحروب الدينية والمذهبية والاستعمارية ، قد اضاع سبل الرشاد .

الى آخر مؤلفاته التى استقصيناها فى تاليفنا (( عبد الرحمان بن خلدون دراسة ومختارات )) الذى طبعناه سنة 1952 فى مطبعتنا العرب ، بتونس .

وهكذا نرى ابن خلدون قد كان يعيش في العالم ، ويفيد العالم الناهض الحي ، بعلمه الذي خلده ، وقدره به جميع الشعوب ، وساهم في نشر كتبه جميع الاقطار . حتى بلغت طبعات المقدمة 67 طبعة فى مختلف بلاد العالم ولغاته ، وقد اخرجته مصر مشكولا كاملا ، واخرجته بالتعاليق والشروح واخرجته الشام واخرجه لبنان . . الا تونس فانها لم تتوفق - بعد - للمساهمة فى اذاعة واخراج اثار اعظم ابنائها الذين تفخر بهم عبد الرحمان  خلدون . وعسى ان يكون عصرنا الجمهورى اكثر توفيقا ، حتى نرى آثار عظمائنا قد طبعت فى وطنهم .

اشترك في نشرتنا البريدية