الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الثقافة"

بين الرجل والمرأة

Share

الحديث في خصائص الجنسين ، الكنيف واللطيف ، ممتع ، ولكنه شاق وشائك ، فما انفكت اقلام النوابغ تجري في طبيعة المرأة وصفاتها ، وتقربها إلي الرجل في طبيعته وصفاته ، فهذا يسفل بها وذاك يعلو ، ولكن قل أن تجد بين الكتاب الباحث المنصف الذي يصدر فيما يكتب عن حياد علمي متزن فكاتب يهاجم المرأة بلسان من نار لأنه محنق مغيظ ، خاض معممان الحب فكان من صرعاه . وكاتب يهدهد المرأة ويسمو بها ، حتى يحشرها في زمرة الملائكة الاطهار ، لانه رشف كاس الحب نميرا سلسبيلا وإن تناول الموضوع امراة كاتبة ، الفيتها صارخة صرخة الموتور المنتقم

وقد طالعت فصولا في المرأة والموازنة بينها وبين الرجل ، كتبها الفيلسوف الأديب " ول ديورانت : will durant فأعجبني منه حياده وإنصافه ، وإن يكن اميل قليلا إلي جانب المرأة ، فرأيت أن الخص للقراء بعض رايه :

فطرت في الإنسان طائفة من الغرائز والميول ، هي محور شطر عظيم من سلوكه في الحياة وقدرته على التصرف والتفكير . وقد قسم بعض علماء النفس هذه الغرائز الفطرية أقساما ثلاثة : غرائز تصون حياة الفرد ، وأخري تعين على حياة المجتمع ، وثالثة تعمل على حفظ النوع بأسره ، ولا بأس بالأخذ بهذا التقسيم . وسيكون سبيلنا في البحث ان نري هل تختلف المرأة عن الرجل في هذه القوي الطبيعية التي يتألف منها الجانب الأعظم من شخصية الإنسان ؟ وإن اختلفا ، فهل يقع الخلاف في الكم أو في الكيف أو في كليهما معا ؟ ولنبدأ بالبحث في الغريزه التي

من شأنها صيانة النوع البشري بصفة عامة ، وأعني بها الغريزة الجنسية لأنها في موضوع الموازنة أساس يتفرع عنه كل اختلاف في الجسم والعقل والخلق بين الذكور والاناث .

للأنثي سيطرة في عالم الحيوان ، فهي في كثير من الأنواع أضخم حجما من الذكر ، وهي فوق ذلك مكلفة بأداء الرسالة الحيوية الكبرى ، التي إن قيست إليها رسالة الذكر في حفظ الحياة ، لم تكن إلي جانبها شيئا مذكورا ، فنصيب الرجل من هذه الناحية عرضي وسطحي تستطيع الحياة أن تهمله وتستغني عنه ، فلا جدال في أن الآنثي من الحياة بمثابة الأساس ، وأما الذكر ففرع ثانوي في حياة النوع . وحسبك أن تعلم أن الذكورة مخصص جديد في سلم التطور ، تجسدت فيها بعض الوظائف التي كانت تتم بغيرها في أولى مراحل الحياة حينما كانت تتناسل بالإنقسام والتبرعم . وإن اللحظة التي تتمخض فيها المرأة لتضع جنينها ، في حين يقف الرجل بعيدا لا حول له ولا جدوي ، لتنهض دليلا قويا على أن الرجل اداة ثانوية تافهة في تطور الجنس البشري ، وأن المرأة هي عامل دوام الحياة واتصالها ، وانها معين يتدفق منه مجري الحياة الزاخر ؛ وليس عجيبا بعد هذا أن ترمي الأمومة مقدسة في كل دين .

إن خجل المرأة واحتشامها اداتان اصطنعتهما غريزتها الجنسية لتخدم بهما الغاية الكبرى ، وهي التناسل واتصال الحياة ، لأن الخجل ينزع بها إلي التواري ، وهذا يمكنها من الروية الهادئة والتميز الدقيق في اختيار شريك حياتها الذي تنتقيه من بين الرجال ليكون ابا لابنائها ، حتى إذا ما أدت رسالتها وحققت غايتها في الأمومة ، ضؤل خجلها

وانكمش ، ولعلك قد لحظت المرأة الساذجة حين يخرج ثديها لترضع صغيرها في ملأ من الناس وكلها زهو وافتخار ، وهي هي التي كانت منذ قليل تذوب حياء وخجلا لو وقعت على جسدها الابصار ؛ لا تسخر من تلك البساطة القوية الجميلة ، فلعلها على حق ولعل رياء المرأة المهذبة هو الين والباطل ، فإن أحب ما ترمقه العيون في عالم الحقيقة او الفن هو منظر الأم ترضع صغيرها

ولما كانت الحياة الجنسية هي كل شئ في المرأة ، وكان الحب القوي ادوات الحياة الجنسية ، كانت المرأة اعقل من الرجل في الحب وأذكى . فالرغبة عندها أقل حدة منها عند الرجل ، ولذلك قل أن تضل في حكمها . ويروي لنا دارون أن معظم الحيوان لا تعبأ انثاه بالحب ، ويزعم بعض الباحثين في طبيعة المرأة ان المرأة لا تسعى إلي المتعة الجسدية بقدر ما تنشد الاعجاب بها والثناء عليها . من أجل هذا تري المرأة اسرع من الرجل ترحيبا بالجانب الروحي من الحب . .

ولكن إن كان الحب في المرأة أكثر ضحولة منه في الرجل ، فهو أوسع دائرة و اكثر شمولا ، بحيث يطغي علي جوانب حياتها ، فهي لا تحيا إلا مع الحب ، حتي قال قائل : إنها لا تملك لنفسها ذاتا مستقلة ، بل ترتكز في وجودها على وجود الرجل . وتستمد شخصيتها من شخصيته

غير أن المرأة إن فاقت الرجل في فن الحب ، فهو أعظم منها في فن الصداقة ؛ فليس بعيدا ان تتوثق روابط " الصداقة " بين الرجل والرجل . اما المرأة فمهما ازدادت بصواحبها اتصالا ، فالعلاقة بينهن لا تزيد عن " التعارف "

وما أندر أن تتحدث امرأة عن امرأة بالخير والذكر الحسن : وليس ذلك فيهن بعجيب ، فهن لا يمحضن " أدارفهن " الود والصداقة ، لان ذلك بعد الحب ممجوج لا طعم له ، وما حاجتها إلي الصادقة بعد ان روت قلبها بالحب ؟

والغيرة عند الرجل والمرأة شأنها شأن الحب ، فهي أحد في الرجل منها في المرأة ، ولكنها أضيق مدي في حياته منها في حياتها . والغيرة أقوي عند الرجل ، لأنه أشد من المرأة نزوعا إلي التملك ، وما حبه إلا حب في امتلاك امرأة بعينها دون سائر الرجال ، فهو إذا يغار على هذا الملك أن يسطر عليه المنافسون . ومن الشاهد أنه شديد الرغبة في أن يكون أول من ظفر بأنثاه . أما المرأة فلا تعبأ كثيرا أن يكون زوجها قد ظفرت به امرأة قبلها ؛ ولكنها تعوض فتور الغيرة عندها بالتوسع في نطاقها ، فهي لا تقصر غيرتها على حبيبات زوجها الآخريات ، بل إنها لتغار من أصدقائه ، ومن غليونه ، ومن كتبه ، بل من الصحيفة اليومية التي يقرؤها . وهي لا تدخر وسعا في تفرقة الأصدقاء عن زوجها واحدا بعد واحد ، فإن أعجزها ذلك غازلتهم ، غير عابثة أن تحقق سياستها بخطيئتها ، حتي إذا ما أحس الرجل غيرة على امرأته من هؤلاء الأصدقاء ، سرها ذلك وشعرت بالنصر والغلب ، وشجعت فيه تلك الغيرة لأنها تدرك بفطرتها أن حبه لها لا يشتد إلا إن رأي ملكيته لها تهن وتضعف . فالمرأة تعلم بطبعها أن الغيرة في الرجل أنجح دواء يعالج حبه إن أخذ في الخمود والذبول .

تنتقل إلي عرض الغرار التي من شأنها ان تصون الفرد باعتباره فردا مستقلا ، لنري كم تختلف فيها المرأة عن الرجل .

إن وظيفة المراة ان تخدم النوع وتعمل على دوامه ، أما الرجل فواجبه أن يخدم المرأة وصغارها ، ذلك هو الأساس الذي تتفرع عنه الفوارق ، التي تتباعد بين الشخصيتين ؛ فلما كان الرجل منوطا به بحكم فطرته ان يخدم المرأة والأبناء ، كانت صناعته التي تمليها الطبيعة هي الحماية وتحصيل القوت وركوب المخاطر ، واجبه ان يغادر العش او الدار التي يأوي اليها الزوج والصغار ليبحث لهم عن القوت ، فإن كانت غاية المرأة ان تنسل ليدوم النوع ،

فغاية الرجل ان يجمع القوت ليحيا بشخصه ، ذلك منه محور الرحي ، فإن رأيته يسمي وراء شئ اخر غير القوت فاعلم ان ضالته المنشودة تمت بسبب ظاهر أو خفي لغرضه الأول ، شعر بذلك أو لم يشعر . فهو قد ينشد المنصب الرفيع ، وقد يطلب الثراء والجاه ، ولكن هذا وذاك يستران يخفيان رغبة شديدة في حالة تضمن استمرار الطعام . ويتفرع عن ذلك ان الرجل اشد حبا من المرأة للطعام والشراب ، وهو أسرع منها خضوعا إذا اغريته بالطعام والشراب . ولقد ادركت المرأة ذلك في الرجل فسيطرت عليه عن طريق معدته ، كما يقول بعض الكاتبين ولعلها ادركت ذلك منذ اسنت لها ذلك حواء حين اعطت التفاحة لأدم :

وسعي الرجل وراء الطعام اضطره في كثير من الحالات إلي ركوب المخاطر في سبيل تحصيله ، فانقلب على مر الزمان محاربا . فالحيوان الذكر يحارب بمخالبه وأنيابه ، والرجل من البشر يقاتل بالمنافسة الاقتصادية ، والأمم تحارب بالجيوش والأساطيل والصحف ! أما المرأة فطبيعتها أن تلتمس لها كنفا يؤويها ، فحياة الأمن والدعة آثر لديها من حياة الحرب والقتال ، وإن حاربت المرأة ففي سبيل أبنائها ، أو في سبيل النوع . فهي أقل ميلا من الرجل إلي اصطناع القوة والعنف ، حتى إنه ليروي أن بعض إناث الحيوان لم تركب في حبلتها غريزة القتال . والمرأة أجمل صبرا من الرجل ، ولكنها أضعف منه على احتمال الكوارث الكبرى ، وإن تكن أقدر على المنقصات الحقيقة الكثيرة التي تقع في الحياة كل يوم . وهي أقدر من الرجل علي تحمل المرض لأنها تعودت أن تقبع في عقر الدار ، أما الرجل الذي لم يألف القعود فيؤله أشد الألم أن يصيبه من الأذي ما يعطله ويعوقه ، وكثيرا ما تخفي المرأة داءها ولا تعلنه ، أما الرجل فلا يلبث أن يصاب بسوء حتى يملأ الدنيا صباحا بشكواه.

ولكن إن لم تكن المرأة مقاتلة بطبعها ، فهي تحب المقاتلة في الرجل ، اعني انها اميل إلي المحارب المقدام من الرجال دون الرخو القعيد ، مما احب إلي قلبها ان يكون زوجها جنديا او ذا سيطرة ! وليس اختيار المرأة للمحارب عبثا عارضا ، بل هو فرع من طبيعتها ، لأنها تتوقع من الرجل ان يحمها ويحمى صغارها ، والحماية تبلغ حدها الأقصي في الباسل المحارب . وإن هذا الطبع فيها ليبلغ من الرسوخ حمدا بحيث تتغير ظروف الحياة ولا يتغير ، فقد تبدل معني القوة في هذا العصر واصبحت في ميدان الاقتصاد ، ولكن ما زالت المرأة تفتح ذراعيها للمقاتل وإن كان ابله ، وتنفر من صاحب العمل وإن كان ذات ثراء .

إذا لا حاجة للمرأة إلي القوة ما دامت تتوافر القوة في زوجها ؛ ولكن كيف تنتصر علي هذا الزوج نفسه إن تعارضا ودب بينهما الخلاف ؟ إنها لا تلجأ إلي قتال لأنها ضعيفة وهو قوي ، بل وسيلتها الإلحاح الدءوب والتكرار الذي لا يعرف الملل . فلئن كان الرجل محاربا بطبعه فهو أسرع إلي المسألة لأنه لا يحتمل العداء إلا فترة قصيرة يحتد فيها ويشتد ثم يفتر ويخور ، اما المرأة فحدتها وشدتها فائرتان ولكنهما دائبتان دانتان حتي يكتب لها النصر فيما تريد ؛ فقد ينهر الزوج زوجته ، بل قد يعتدي عليها بالضرب ، ولكنها سنتنصر اخر الأمر في الاعم الأغلب ، ستنتصر بالتكرار الملح كأنها إعلان عن سلعة في السوق وإلحاحها هذا نتيجة ضعفها وعجزها عن القتال الحاسم ، وتلك قاعدة شاملة : فالضعفاء من أنواع الحيوان ومن الشعوب ومن الأفراد تراهم أغنياء بالصبر والدعة ، وإن ظفروا بطلبهم كان ذلك بأسلوب الرقة والاسترحام . وليس بعجيب أن تري نابليون الذي نشر سلطانه على قارة بأسرها يستخذي أمام زوجته ، فليس في عدته كلها ما يواجه به سلاح المرأة الماضي : العبرات والبكاء

لقد تبينت ان المرأة اعلي شأنا من الرجل فيما يتصل

بصيانة النوع ، وأقل منه خطرا فيها يتعلق بالشخصية الفردية . وستري في هذه الرحلة الثالثة أن المرأة تفوق الرجل مرة أخري في الغرائز التي من شأنها حفظ المجتمع . فالمرأة أشد من الرجل حبا في التجمع ، وا كثر منه ميلا إلي مرافقة الأصحاب والضرب في الزحام . إنها لا تسال : ما أحسن المسارح وما اجمل المصايف وما أروع الحدائق ؟ ولكنها تقول : أيهما أكثر ازدحاما ؟ فخير المسارح ما كثرت نظارته مهما يكن من امر روايته ، وأجمل المصايف اكثرها ارتيادا من المصطافين ولا عبرة بجودة هوائه ! فالمرأة أقل قدرة من الرجل على العزلة ، ولهذا قل ان نجد امراة اثبنت لنفسها صومعة تنفق فيها حياتها كما يفعل بعض الرجال . ومن حبها للاجتماع انها تشعر بنقصها إذا لم يكن الرجل إلي جانبها ، أكثر هما يشعر الرجل بنقص إن لم تسكن في رفقته امرأة .

وتفرع عن ميلها إلي الاجتماع كثرة كلامها ، فما اندر ان نجد امرأة تستطيع أن تصون السر في صدرها ، فهي غربال الأسرار كما يقولون . ومن عجز المرأة الطبيعي عن كتمان ما بنفسها نتج أنها لا تقوي على التظاهر بغير ماتشعر به . فوجهها لا يلبث ان يفضح دخيلة نفسها ، وذلك بخلاف الرجل الذي علمته التجارب ان يلبس وجها لا يتغير مع الكسب والخسارة والألم واللذة . وقد نشأ من تلك الصفة في المرأة - صفة افتضاح سرها في وجهها - أنها كانت اقدر من الرجل على تفسير ملامح الآخرين ، ومن هنا كانت خديعة الرجل بالتصنع أيسر من خديعة المرأة .

وطبيعة المرأة الاجتماعية جعلتها اكثر من الرجل استمساكا بالعرف والتقليد ، وأقل منه إبداعا وأصالة ، واجبن منه في الثورة والخروج على النظام الموضوع . وهي أبطأ من الرجل في مخالفة الشئ المعهود المألوف . ولعل ذلك يفسر أن قليلا جدا من النساء يصعد إلي النبوغ أو يهبط إلي الجنون . والمرأة أقرب شبها بسائر النساء من الرجل بسائر الرجال ، فإن ارتحال الرجل وتغيير بيئته

وعملة يوما بعد يوم قد صب الرجال في الوف الصور المتباينة . أما المرأة فلها صنعة لا تتغير بتغير الزمان والمكان : تدبير الدار وتربية الصغار ، فجاء النساء كلهن على غرار واحد ، نفوسهن سواء وإن اختلفت في الوجوه ، وقد يكون ذلك علة انتقال الرجل في حبه من امرأة إلي اخري ، إذ طريق الوصول إليهن جميعا واحد لا يتغير ، أما المرأة فأصعب الصعاب عندها أن تستبدل حبا بحب

ومن نتائج ميل المرأة إلي التجمع وتفوقها في ذلك علي الرجل ، أنها أكثر منه تقديرا لرأي الناس ، فرأي الجيران أهم عندها منه عند الرجل ، واحترامها لما يقوله الناس يقتضيها الإناقة في الثياب والحديث ، خشية أن تزل فتنتقد ، وهذه الرغبة الحادة فيها هي أقوي العوامل التي تدفع الرجل إلي التماس العظمة والمجد . . وتفرع من طبيعتها الاجتماعية ومن أمومتها أنها أحن من الرجل علي الضعفاء وأعطف منه على الفقراء والمرضي ، وتلك الصفات تنزع بها إلي التدين ، فضلا عن أنها مشتعلة العواطف . فالأديان التي تخاطب المشاعر سرعان ما تجد في نفوس النساء مجالا تبذر فيه بذورها . أضف إلي ذلك أن المرأة كثيرا ما تكبت ميولها الجنسية ، حتى إذا ما ثقل عليها حمل المكبوت ، انصرفت به إلي موضوع تخصص حياتها في سبيله ، وكثيرا ما يكون ذلك في التدين . والمرأة أرسخ من الرجل اعتقادا في خلود الروح بعد الموت ، لأنها أشد منه رغبة في لقاء من مات من أبنائها وأحبابها . تنظر المرأة إلي الطبيعة وكذلك ينظر إليها الرجل ، فأما المرأة فتخشاها وتعبدها ، وأما الرجل فتثور فيه غريزة الملك فيحاول أن يسيطر عليها بعلمه . المرأة ضعيفة القوي ولذا سرعان ما تنشد رحمة الله وعونه ، فهي إذا أخلص من الرجل في عبادتها وصلاتها ، والمرأة تخشي الوحدة فتملأ الدنيا بأرواح من خلق خيالها لتضمن الرفيق والسلوي إن عز ذلك في بني الإنسان ، ولذا فهي أقرب إلي الخرافات من الرجل . يستولي اليأس علي الرجل فينتحر ، أما المرأة

فإن فقدت رجاءها القت بنفسها بين يدي الله أملا في رحمته ورضوانه .

تلك لمحة سريعة تبين الفروق الغريزية بين بالرجل والمرأة ، ولكن الغريزة ليست كل شئ في الإنسان ، بل نشأ إلي جانبها شئ اسمه العقل أو الذكاء فالي اي حد يختلف في ذلك الجنسان

العقل في الرجل أشد عمقا وأوسع مدي ، لأن الرجل منذ بدء الحياة قد اضطر إلي مغادرة البيت إلي حيث العالم الواسع ، فكان عليه أن يلقي ظروفا جديدة فيجاوبها بردود مبتكرة جديدة ، إذ لم تعد الغريزة وحدها تكفيه . فليس من شك أنه استطاع على مر العصور أن يروض قواه العاقلة حتى بلغت من المرونة حدا بعيدا . . أما المرأة فقد ظلت إلي عهد قريب بل لا تزال حتى اليوم إذا استثنينا قليلا من نساء المدن - لا تعني في حياتها إلا بالسعي وراء العشير حتي تصادفه ، ثم تنصرف بعد ذلك إلي تدبير منزلها وتربية أبنائها ، فلم تضطرها طبيعة حياتها إلي تدريب ذكائها ليجيب المواقف المتبابنة بردود ملائمة ولكنها في الوقت نفسه مكنت للغريزة من نفسها ، حتي أصبحت في كل ما يتصل بها قديرة ماهرة ، فإن كان الرجل أقرب منها إلي النقد والشك ، فهي أفضل منه في وحدة غرائزها ودقتها ، لأن غرائزه تحطمت من كثرة التعديل والتبديل ، فلم تعد مأمونة الجانب شديدة الحكم ؛ لذلك تري الرجل في حضرة المرأة لا يكاد يدري ماذا يفعل . أما هي فأشد منه ضبطا لنفسها وأميل إلي الناحية العملية ، وأمهر في تدبير الخطة وأسرع إلي التنفيذ ، ما دام الأمر متصلا بزواج أو بأبناء . ولن نصادف رجلا في سن الثلاثين يضارع فتاة في العشرين في معركة الحب وحسبك أن تري كيف تستطيع الفتاة الصغيرة أن تتحكم في زوجها الكهل وأن تسيره كيف تشاء ، دون أن تسعفه في ذلك حكمته

ولما كانت المرأة أكثر من الرجل استعدادا بفطرتها

لمباشرة شؤون الحياة اليومية ، كانت أسرع منه نضجا وأقرب إلي بلوغ الرشد ، وأعرف بما يرضي المجتمع ، ولكن سبقها للرجل في هذا يقصر بها دون الرجل من حيث الغاية القصوي ، فهي أدنى منه شوطا ، وأقل ارتفاعا في النبوغ ، ذلك لأنها لا تنمو إلا في حدود فطرتها المطبوعة ، أما الرجل فيمتد نموه ما امتدت تجاربة ، فالمرأة مقيدة مما ورثته ، والرجل مغامر مخاطر مجدد ، هي عامل الاستقرار المطرد ، وهو أداة التغير ، هي من شجرة الإنسانية جذعها الثابت ، والرجل فروعها التي تعلو حرة طامحة إلي السماء وهذا الاستقرار في طبيعتها قد ولد فيها جمودا في الشعور وقصورا في الفكر ، فأفقها لا يتسع إلي اكثر من دارها وأسرتها ، ولكنها في هذا الأفق المحدود بجدران أربعة عميقة كالطبيعة ؛ نعم قد يحدث أن تتسع نظرة المرأة حتى تشمل بعطفها الانسانية جميعا ، ولكن ذلك لا يكون إلا في صدر شبابها ، حتى إذا ما صادفت عشيرها سارعت إلي ذلك العطف فحصرته في دارها ، بل تحاول أن تعلم زوجها كيف يكون على غرارها في ذلك ، فينصرف بحبه إلي بيته وأبنائه وكفي . . إن الشاب ليغازل فتاته قائلا : أفديك بالعالم كله فإن تزوج منها علمته كيف يكون ذلك القول دستورا عمليا ، فهو ما يلبث أن تضيق دائرته وتضيق حتى تصبح دنياه الزوج والأبناء

ولعل أوضح الفروق العقلية بين الرجل والمرأة ، هو أن هذه لا تكاد تسير على الفكر المجرد ، فهي لا تعلي يبحث فكرة لذاتها ، بل تحصر بحثها في الرجل ، لأن الرجل هو مشكلة المشكلات عندها ، فقد كتب على المرأة أن تملأ حياتها شغلا بأشخاص - الزوج تارة ، والأبن طورا - وأما الرجل فنصيبه من الحياة ان يلقي بنفسه في ضجيج التجارة والصناعة ، والتفكير في اسباب الظواهر ونتائجها . فأيسر على الرجل أن يستمتع بقراءة كتاب يدور حول فكرة بعيبها ، أما الكتاب الذي يعجب المرأة فهو القصة - قصة رجل !

اشترك في نشرتنا البريدية