الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 607الرجوع إلى "الرسالة"

صفحة حزينة. . .!

Share

(إلى زوجتي الشابة المثقفة الطيبة الخلق  شريكة حياتي ورفيقة دراساتي).

بعد أيام. . .

مماتك في الرَّيعان أصمي مقاتلي ... وفقديكِ من عيشي مشيرٌ مشاكلي

وكنتِ الغِنَي من مشكل بعد مشكل ... وعقداتِ نفسٍ تستديم قلاقلي

مشاكل شتَّى: حاجةُ النفس للهوى، ... وحاجة ذي حسٍ، وحاجة عاقل

جمعتِ لي الدنيا - فأغنيت معدمي، ... وأمتعتِ محرومي، وزينتِ عاطلي

أدور بعيني كالشريد بلا هوىً ... ولا منزلِ مثلِ الهوى والمنازل

وما منزلي إلا الذي أنتٍ ملؤُه ... وما من هوى إلاّكِ بين العقائل

رأيت الغواني وهي لهوٌ ومظهرٌ ... وأنتِ مزاجٌ من جميل وكامل

ورقة إحساس، وعفة لفظةٍ ... ولحظٍ وتفكير، وحفل فضائل

تعزَّيْتُ لو أني كغيري من الورى ... وأَنَّكِ أُنثى كالنساء الحوامل

ولكنني نفساً وحسّاً مُعَقَّدٌ ... وأنكِ طبُّ للنفوس العلائل

أقول لدهري فيمَ، فيمَ حرمتني؟ ... وكل عزائي كان فيها ونائلي

أسائله في كل يوم وليلة ... ولن ينتهي مهما حييتُ تساؤلي

أراني مع الأيام تزداد لوعتي، ... وعهدي بها للنقص في قول قائل

ويوحشني، أني وحيد وأنني ... مع الناس - أبغي الأنسَ في غير طائل

يزلزلني همي، فأخرج هائماً ... أسكِّن في هذا الفضاء زلازلي

فأذهل أن ألقي السماء وضيئةً ... تَشِعُّ على الآفاق بسمة آمل

وأن تكتسي الأشجار أنضرَ خضرة ... ويرقص موجُ النيل رقصة جاذل

بنا تسخْر الأقدار: موتٌ وأدمعٌ ... وثمَّةَ أنوارٌ وزهر خمائل؟!

خيالك في التابوت أثلج بي دمي، ... وأحرق أعصابي، وهدَّ مفاصلي

وغيَّض دمعي أن رأيتك جثةً ... وجسمك معروق العُلَى والأسافل

ووجهك شمعٌ ذو شجوبٍ وصفرة ... كرسم عتيق في التصاوير حائل

وشَعرك غريبٌ، وهُدبكِ أَسودٌ ... كذيل غُدافٍ حالك الريش ذائل

وما أنس لا أنسى جبينَك عالياً ... قوياً - على قيد الردى - غير ناكل

كأن الردى قد هاب ما في وِطا بِه ... من العلم عصريّاً وعلمَ الأوائل

وأذكر زوجي كيف كانت إلى مدىً ... قريب، وما اختُصَّتْ به من شمائل

فينهلّ دمعي هامراً بعد حبسةٍ ... تَفَجُّرَ مُزنٍ حافل الضرع هاطل

وأعجبُ من شان الحياة وسرّها ... وأعجب من شأن المنون المعاجل

ويبلغ من فعل الزمان تعجّبي، ... فأضحك كالمفجوء من فعل هازل

هنا كان إنسانان: شطرُ وصِنْوُهُ ... سعيدان في فيض من العطف شامل

ففيمَ انصداعُ الشمل، شطر على الثرى ... وآخر من تحت الثرى والجنادل

لقد كان لي في الحب مَحْيا مضاعفٌ ... وحبك - بعد البين - لاشك قاتلي

ذكرى

على الرغم مني أن خلا منكِ معهدُ ... وأنَّك ذكرى الصدى يترددُ

وأنت التي كانت عميقاً شعورُها ... وتفكيرُها فهي الوجود الموكّد

طواك الردى ما بين يوم وليلة ... وأهنأ هذا الناس نحن وأسعد

وجَدّث الردى هزلُ، وأحكامه هوىً ... ومنطقه فوضى القياسٍ مفنَّد

قَضي أن تموتي حتفَ أنفك غضَّة ... وما أنت كُبرانا ولا أنتٍ أوهد

وأن يتوافىَ نحو بيتك صحبُنا ... فيلقاهم في البيت أَرملُ مُفرد

يصبّرني أهلي شجاهم تهالكي ... يقولون هذه أختها تتجلد

وما أختها؟ إني عَدِنْتُ قرينتي ... وأختي، ومن أرجو، ومن أتفقد

تسائلني أمي ضحّى: أين تقصد؟ ... فأفحم لا أدري، فَيْومي تشرُّد

وأغمض جفني حين تطرق مضجعي ... ليُسكن روعَ الأم أنيَ أرقد

يُهيِّج ما بي أن ألاقى معزِّيا ... وما بي - وإن طال المدى - ليس يخمد

وجانبتُ من لم يبلغ سمعَه ... حذارَ سؤالٍ عنك لا يُتعمَّد

وأعدل عن هذا الطريق لغيره ... فقد كالما جُزناه نُهوى ونصعد

وخير رفيقٍ أنتِ في كل رحلة ... وخير سمير للحديث ينضِّد

وتجلس في حضن الطبيعة ضمتُنا ... مناجاتها - إن الطبيعة مبعد

ونجلس للإسفار ندرسها معاً ... كأنْ ليس غير الكُتْب في العيش مقصد

فلا درس إلا وهو عندك أرشد ... ولا لهو إلا وهو قربّك أرغد

أمثلك لي خلٌ كريمٌ موافق! ... أبعدك نعمي في الحياة وأَسْعُدُ!

وهل متعة إلا عليها موكلٌ ... يحرّمها من ذكرياتك مُرْصَد

بحسبيَ أيام قلائل عشتُها ... بواحة روضٍ حولَها العمر فدفد

هنيهة أنسً، قبلَها العيش صفحةٌ ... بياضٌ وعيشي بعدها اليومَ أسود

ووالله لا أدري أدهري أذمُّه ... على قِنَصرٍ فيها - ولا شيء مُخَلَد؟

أوانيَّ على ما خصَّني فأذاقني ... ولو طرفاً من ذلك الخلد أحمد؟

برغمي أن قد عاود الشعر مِقْوَلي ... وأم كان في مرثاك منه التجدد

وقد كان يستعصي عليَّ، فما له ... كدمعي معينٌ سيلُه ليس يجمد!

تعجّب أصحابي وطال سؤالهم ... يقولون لي في كل يوم تُقَصَّدُ

وما كان أغناهم عن القول لو دروا ... بأني طول الليل يقطان مُسْهَدُ

وكنتِ عروسي في الحياة، فلاتَنِي ... عروسً قصيدي تلهمين وأُنشد

اشترك في نشرتنا البريدية