في حديث شامل وطويل تحدث السيد محمد مزالي وزير التربية القومية والوزير الاول التونسي عن الوضع الراهن فى تونس وعن حركة التعريب التعريف ومحمل الاوضاع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية فى تونس وعن سياسة تونس الداخلية والخارجية .
وفي ما يلي النص الكامل للحديث : * الزائر لتونس كما هو الشأن لزائر أى بلد من بلدان المغرب العربى لا بد أن يتساءل عن حركة التعريب فيها فماذا حققتم بهذا الشأن هنا فى تونس ؟
- أرجو أن لا يكون مصدر هذا التساؤل هو الشك الواعي أو اللاشعورى فى عراقة انتسابنا إلى الحضارة العربية الاسلامية . فالكثير من اخواننا فى الشرق العربي لا يعرفون مدى اسهام تونس فى دعم هذه الحضارة فى هذه المنطقة سواء خلال عصور ازدهار الاسلام الاولى أو خلال ما اصطلح عليه بعصر النهضة فى فجر القرن الماضى . ولقد وقفت تونس طوال مدة الاستعمار ، وخاصة منذ أن تولى الرئيس الحبيب بورقيبة المسك بزمام الكفاح التحريرى ، وقفت وقفة صامدة في وجه الفرنسية وكل أنواع المسخ ، فحافظت على عروبتها لغة واحساسا .
لذلك فان ما نصطلح عليه بكلمة " تعريب " ليس الا عملا تربويا بالمعنى التعليمي وبالمعنى التكوينى .
كانت ديمقراطية التعليم مطلبا رئيسيا من مطالب الجماهير التونسية المناضلة من أجل استرجاع الاستقلال والسيادة باعتبار ان التعليم حق حرمت منه أغلبية الشعب التونسي وباعتباره أداة تغيير للواقع وخير ضمان لمناعة الوطن . لذلك بادرت تونس المستقلة بفتح المدارس فى كل الانحاء . ونظرا الى
افتقارنا حينذاك الى الاطار الكفء القادر على تدريس المواد العلمية بالعربية مع ضمان نوعية التعليم وتقدمية محتواه فضلنا الابقاء على تدريس تلك المواد باللغة الفرنسية بصفة وقتية حفاظا على المستوى العلمي . وحالما تمكنا من الاكتفاء الذاتي من حيث اطارات التعليم ومن حيث اعداد الكتب المدرسية المناسبة ، شرعنا فى عملية التعريب .
ففي المدرسية الابتدائية ، عربنا السنوات : الاولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسية وسيتم تعريب السنة السادسة فى مفتتح السنة القادمة أى فى ايلول 1980 مع ابقاء تعليم الفرنسية كلغة أجنبية حية فى السنوات الرابعة والخامسة والسادسة .
أما فى التعليم الثانوى فاننا انتهينا من تعريب كل العلوم الانسانية من فلسفة وتاريخ وجغرافيا . ويتواصل فى الوقت الحاضر تدريس العلوم الصحيحة بالفرنسية لاسباب عملية . الا ان التعريب فى مدارس اعداد المعلمين ، وهذا أمر هام ، قد شمل كافة مواد التعليم .
وفي التعليم العالي وقع الشروع فى تعريب عدد من مواد العلوم الانسانية والحقوق . كما أننا جعلنا العربية مادة اجبارية فى شعب اللغات الحية بحيث ان الطالب المتخصص فى دراسة الفرنسية أو الانكليزية أو الالمانية أو غيرها يتلقي دروسا فى العربية سني الدراسة ، وذلك حتى لا تستأثر لغة أو حضارة أجنبية ما بذهن الطالب وحتى لا تنقطع صلة أى طالب باللغة الأم .
* هذا يجرنا بالضرورة الى سؤالكم عن واقع حركة التعليم العربي بتونس . ثم ما هى الاسس التى تقوم عليها المنظومة التربوية التعليمية فى تونس والى أى مدى ترتبط المناهج التعليمية بالواقع اليومي المعاش للطلبة والدارسين ؟
- من حيث الكم قد يكون من المفيد لتقييم الاشواط التى قطعناها ان نعطي للمقارنة بعض الارقام : كان عدد التلاميذ فى الابتدائى سنة 1955-1956 أى غداة حصول تونس على الاستقلال 209.400 وفي الثانوى 31.000 . اما اليوم فقد بلغ عدد تلاميذ المدارس الابتدائية 1.024.537 وفي الثانوى 238.317 وبذلك يكون خمس سكان الجمهورية التونسية فى المدارس . وقد قاربنا الآن استيعاب كل الاطفال الذين بلغوا سن السادسة اذ وصلنا الى نسبة 85 بالمائة تقريبا وسنصل الى الاستيعاب الكامل عندما نتغلب على التشتت السكنى فى
الاررياف الذي يعتبر أكبر عائق يحول دون ذهاب بعض الاطفال وخاصه الاناث ، الى المدارس ، وفي هذا الصدد نوجه حاليا عناية خاصه بالمدارس الريفية التى ما زال عدد منها يحتاج إلى الكهرباء والطرقات المعبدة الموصلة اليها .
ولقد حر صنا على ارساء التعليم على قاعدتين اثنتين أولاهما تربويه صرف تعني يبعث أحبال واعية متمسكة باصالتها وبالذاتية الثقافية ومتفتحه على العصر . وبهذه المعاني شحننت دروس التربية المدنية والدينية وكذلك دروس التاريخ والجغرافيا والفلسفة ونصوص القراءة ، لما فى هذه المواد من اثر مباشر في تنشئة الذهن والاحساس وجعل التلميذ عنصر خير وبناء فى المجتمع .
اما القاعدة الثانية فهي تكوينية تؤهل التلميذ لدخول معترك الحياة مزودا بالاختصاصات الاساسية التى تضمن له الشغل ، وذلك بما اقمناه من صلات بين المدرسية والمحيط الاقتصادى والاجتماعى ، ففي التعليم الثانوى دعمنا وطورنا شعب الاختصاصات المهنية والتقنية التى نتعهدها دائما بالمراجعه وتنتداركها بالاصلاح حتى تكون دائما متماشية مع مقتضيات التطور الاجتماعي ومتطلبات سوق الشغل . وضبطنا لذلك نظام توجيه يتولى كل معهد بمقتضاه توجيه التلاميذ إلى الشعب المختلفة وفق مؤهلات التلميذ وامكاناته .
غير أن التعليم الثانوى لا يستوعب كل التلاميذ المتخرجين من المدارس الابتدائية ، فأعدنا النظر في غائية التعليم الابتدائى وادخلنا عليه تجديدات جعلته يتتجاوز ما كان عليه فى الماضي أى كونه مجرد جسر يعبره التلاميد الى المعهد الثانوى فمن فاز ظفر ومن سقط خاب . وحرصا على تجنب خلق أجيال تعيش على هامش المجتمع منبتة عن محيطها لا قدرة لها على الاندماج الاجتماعى بل قد تصبح أداة شغب وعنصر تخلف - وهذا واقع تشترك فيه كافة اقطار العالم الثالث - اقبلنا على تجربة طريقة اقحمنا فيها المربين ومديرى المدارس ، وتمثلت هذه التجربة :
أولا : في بعث تدريب على العمل اليدوى يبتدئ من السنتين الخامسة السادسة من التعليم الابتدائى فى شكل تربية يدوية عامة ، غايتنا من ذلك تبصير التلميذ بنبل العمل وتهيئته لمتطلبات مجتمع متطور اقتصاديا واجتماعيا .
ثانيا : في بعث سنتين اضافيتين سابعة وثامنة يتواصل فيها التدريب على العمل اليدوى فى شكل تكوين عملي مختص يحسس للمهن ويعد لاقتحام الحياة العملية . وقد لاحظنا بفضل ذلك تغييرا جذريا فى عقلية الاطفال وسلوكها حيث اننا شاهدنا تلاميذ لمدارس ابتدائية يتكلفون بمدارسهم ويقومون بأعمال عدة لتطويرها من ذلك اعمال التسييج والتزيين والاعتناء بالحديقة المدرسية . كما شاهدنا مدارس تساهم في احياء اراض مهملة او فى ادخال زراعات حديثة بالمنطقة . وهناك مدارس اخرى ادخلت تقنيات حديثة مثل تربية النحل بالطرق العصرية واستعمال البيوت المكيفة ، كما تعلم التلاميذ بعض الحرف وساهموا في انتاج شاك الصيد والزربية وغير ذلك من الصناعات التقليدية والميكانيكية .
وقد أدرك الجميع ضرورة التعاون البناء بين المربين والسلطات الادارية لكل المناطق لانحاز مشاريع التكوين بتعاون مع اصحاب المؤسسات والحرفيين الذين قبلوا المساهمة فى تكوين الشبان فى مؤسساتهم .
وهكذا اعطينا كلمة التفتح على المحيط مدلولا عمليا ايجابيا واصبح التعليم الابتدائي تعليما أساسيا بحق يعد للحياة ويؤهل للانتاج .
ونستطيع ان نقول : إن المشاكل التربوية التى تعترضنا هى نفس المشاكل التى تعترض التربية فى العالم بما فى ذلك الدول المتقدمة وتتجسم هذه المشاكل بالخصوص فى صعوبة ملاءمة مناهج التعليم ومحتوى البرامج مع مقتضيات واقع بتطور باستمرار وبسرعة . ونحن نعمل قدر الامكان على ادخال حركة دائمة على تعليمنا واعطائه مرونة تجعله قابلا للتطوير والتدارك .
* لا شك ان هذا التطور التعليمي انعكس على صعيد الثقافة اجمالا والادب على الاخص فما هى وضعية الحركة الثقافية في تونس بالضبط ؟
- من الطبيعي ان تشتد الحاجة الى المادة الثقافية كلما انتشر التعليم ، فالمدرسية هى الباعثة الاولى للحاجة الى الثقافة . وتضطلع وزارة الاعلام والشؤون الثقافية بسد هذه الحاجة وقد شجعت ظهور الفرق المسرحية والموسيقية الهاوية بمختلف انحاء الجمهورية كما بثت شبكة واسعة من دور الشعب والثقافة تقدم فيها المحاضرات والعروض المتنوعة والمعارض الفنية ، وهكذا تفضى ديمقراطية التعليم الى ديمقراطية الثقافة . وفى خصوص الادب
نلاحظ ان حركة الادباء الشبان نشيطة جدا وهى تتبلور فى انتاج مكثف يضم تجارب تعنى بالشكل قصد تجديد طرق التعبير واستقصاء امكانات اللغة ، وفي مستوى المضمون تغلب على هذا الانتاج الشاب اهتمام اهتمامات اجتماعية وفكرية ويبدو ان الشعر والقصة هما الميدانان المفضلان لدى الادباء الشبان .
* تطور الحركة الثقافية لا شك يحتاج الى اعلام فكرى متخصص فهل لديكم هذا الاعلام وكيف يتعامل الاعلام مع الحركة ومع المواهب الشابة ؟
- ان وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية تهتم بالتأكيد بالانتاج الادبي . ولكن الادباء والكتاب يعتقدون ان هذا الاهتمام غير كاف . وواضح ان الصحافة والاذاعة والتلفزة مطالبة بتخصيص مساحات أكبر للانباء والتحاليل الادبية ، ومطالبة كذلك بتوفير تغطية اوسع للنشاط الفكرى . ولكنى أرى انه يتعين على الادباء انفسهم بذل مزيد من الجهد للتعريف المتبادل بانتاجهم ، اذ كثيرا ما ألاحظ ان حركة النقد عندنا غير مواكبة بما فيه الكفاية لحركة الانتاج ، ونؤمل تدارك هذه الانقاص فى مستقبل قريب ، فالى جانب ظهور العديد من المواهب الادبية الجديدة ظهر الكثير من الصحفيين الشبان من ذوي الاختصاصات السياسية والاقتصادية والثقافية .
. دور كتاب تونس :
. بصفتكم رئيس اتحاد الكتاب بتونس هل تعتقدون ان الكاتب التونسى يلعب دوره الفكرى كاملا وان الظروف تسمح له بذلك ؟
- كان دور الكاتب التونسى والاديب والشاعر واضحا قبل الاستقلال . لقد كان ينافح من أجل الذود عن الكيان ومكافحة الاستعمار الذى كان يهدف الى مسخ الذات التونسية العربية الاسلامية وانكار الحضارة القومية واحلال حضارة الغالب مكانها . كان دور الكاتب التونسي واضحا وكان يناله من عنت الظروف وعناء الحياة وعجرفة الاستعمار ما ينال كل المواطنين التونسيين .
ولما استقلت تونس منذ 24 سنة اتجه التونسيون بكليتهم الى تدعيم الاستقلال وبناء تونس الجديدة على أسس عصرية اصيلة والخروج من التخلف بمكافحة الفقر والجهل والمرض وتطهير النفسيات مما ران عليها من تواكل واستسلام وانانية فأخذ الكاتب التونسى على عاتقه ان يسهم فى هذه المعركة
وان يجند طاقاته الفكرية من اجل ذلك فقال بالالتزام الصحيح الصاحى الذى يعنى المسؤولية والرشد الفكرى واعتبر الادب والفكر ملحمة فى خوضها اثبات الوجود وارادة الحياة .
فى هذه الظروف التى تقتضى الوعى الكامل بما يتحمله الكيان التونسى من ضغوط لم يتأخر الكاتب عن القيام بدوره الفكرى الرائد فصدع بآرائه سواء فى قصصه واشعاره ومسرحه أو فى مقالاته وبحوثه ودراساته .
صحيح ان الكاتب بمعناه الواسع لم يعد وحده فى مجال الابلاغ وفي الساحة الثقافية مثلما كان فى السابق اذ نزلت الوسائل السمعية البصرية بكلكلها وتعددت فنون الثقافة ووسائل التعبير المختلفة وتعقدت الحياة الاقتصادية والاجتماعية مما جعل صوت الكاتب لا يسمع وحده بل من بين جملة أصوات ربما هى أقوى منه تقنيا وأيسر بلوغا الى الناس وأشد وقعا فى اذهانهم وتأثيرا على خيالهم .
هذه هي أهم الظروف التى حدت شيئا ما من دور الكاتب وجعلته يحاول بشتى الطرق ان يتخطاها ويسمع صوته عاليا ويقوم بدوره الفكرى على أحسن وجه .
وانى اعتقد انه ما من كاتب أو خلاق فى أى فن من الفنون بقادر على أن يسكت وان لا يصدع برأيه مهما كلفه ذلك ومهما كانت الظروف . الكلمة كالبذرة الصالحة التى تلقي فى الارض الصالحة فهى الى الانبات واليناع والاخضرار وقطف الثمار . نعم هى تحتاج الى الرعاية والظروف الملائمة وهي نقضى أيضا المعاناة والكفاح وتذليل الصعاب .
* إذا سمحت هنا اعطاءنا صورة عن اتحاد الكتاب ودوره فى تونس ؟
- ان ما أنشئ من أجله اتحاد للكتاب التونسيين منذ 1971 هو ايجاد الظروف الملائمة ليقوم الكاتب التونسي بدوره كما يراه هو . ولهذا فان الاتحاد يضم أغلب الكتاب فى تونس لا الادباء فقط ويحتضن جل الاتجاهات الفكرية والادبية . هناك أرضية للعمل قوامها خدمة التفاهم البشرى والاحترام المتبادل بين الشعوب والذود عن حرية الفكر ومساندة جميع القضايا العادلة فى العالم وتأييد الكتاب المدافعين عنها أو المضطهدين من أجلها والدعوة الى الأخوة الانسانية واقرار السلم فى العالم ومناهضة الاستعمار والتمييز العنصرى وكل اعمال التعسف والعنف والقهر والاستغلال .
والاتحاد أنشئ أيضا لرعاية أعضائه والمنتسبين اليه بالتعريف بانتاجهم داخل الجمهورية وخارحها والسعى الى نشره وترويجه وتشجيع الكتاب وخاصة الشبان منهم على ابراز طاقاتهم فى الابداع والاخذ بيدهم .
ويعمل الاتحاد كذلك على مساعدة أعضائه العاملين في انجاز اعمالهم ومشاريعهم الأدبية والفكرية داخل الجمهورية وخارجها والمشاركة فى المؤتمرات والندوات المحلية والدولية وتنظيم الملتقيات المختلفة والعمل على دعم الانتاج التونسى وصفة عامة والتعريف به والسعى الى تسهيل وسائل نشره وترجمته وتوزيعه ومساندة الكتاب التونسيين على الاضطلاع فى احسن الظروف بدورهم الطبيعي في مجتمع بتطور ويهدف الاتحاد ايضا الى ربط علاقات صداقة وتعاون مع الجمعيات الثقافية المماثلة فى سائر الاقطار والاطلاع المستمر على التيارات الفكرية بكل الطرق الممكنة .
والاتحاد لا يتوانى في التضامن خاصة مع أعضائه اذا تعرض الكاتب من أجل آثاره إلى المضايقات بأنواعها وإذا تعرض الاثر الادبى او الكفرى الى الرقابة أو الحجز أو الحيلولة بينه وبين الجمهور وذلك حرصا من الاتحاد على تمكين الاثر من التعبير عن ذات صاحبه بالوسيلة التى يختارها وكدلك لا يتردد الاتحاد لمد بد المساعدة فى نطاق امكانياته للكاتب أو عائلته اذا تعرض الكاتب من أجل آثاره إلى الاعتقال أو المحاكمة أو السجن او الحرمان من حق من حقوقه المدنية الشرعية .
هذه هي الارضية التى اجتمع حولها الكتاب التونسيون فى اتحادهم هذا تلك طموحاتهم وهي طموحات مشروعة تقتضى ان يكرس الاعضاء جهودهم لتجسيها والكفاح من أجل تحقيقها بايجاد الامكانيات والوسائل وتجنيد الطاقات .
ولا يخفى ان اعضاء الاتحاد فى تونس لا " يرتزقون " مما يكتبون فهم يسرقون اوقاتهم للكتابة ولا يتفرغون لها ولا للعمل بالاتحاد فهم هواة بأتم معنى الكلمة وهم أحرار حقا وليسوا موظفين أو موالين أو مرتزقة بالقلم .
والعمل مكرس لارساء قواعد العمل الثابتة وتأمين مسيرة الاتحاد حتى لا يتردى فى المتاهات التى لا تخدم الكاتب ولا الكتابة فى تونس ولا فى العالم العربى .
ولهذا فان عملنا جماعي والهيئة المديرة للاتحاد تنتخب بصفة ديمقراطية
وتؤخذ القرارات بالاغلبية وتضبط برامج العمل فى الجلسات العامة وتطبقها لجان متكونة من الاعضاء .
وقد انعقدت أخيرا جلسة عامة ضبط اثناءها برنامج لمدة عامين يحتوى على ما يجب ان نقوم به من محاضرات وندوات ولقاءات مثل ندوة حول قضايا الكتاب فى تونس وندوة حول منزلة الكاتب فى البلاد العربية ودوره فى المجتمع وملتقى للنقد وندوة حول الشعر التونسى وترجمة الكتاب الثقافي وهذا البرنامج يضم أيضا نشر مختارات من الادب التونسى فى القصة والشعر والدراسة .
اننا نولى كذلك اهتماما كبيرا لعلاقاتنا مع الاتحادات الشقيقة والصديقة اذ امضينا اتفاقيات مع عدد كبير من الاتحادات شرقا وغربا مما من شأنه ان يمكن الاعضاء من الاطلاع على تجارب الآخرين والتعريف بالانتاج التونسي واستقبال الكتاب الضيوف .
رأيتم ان ما يطمح الى تحقيقه الاتحاد عظيم بالنسبة الى امكانياته وعدد اعضائه وعدم تفرغهم الى هذا العمل . وانه لا يمكن ان يعوضهم أحد فى هذا ولا يجدر بهم ان يتواكلوا على أى كان رغم ان السبيل شائكة .
. ازمة النشر :
* معظم ادباء المغرب العربى يعانون ازمة النشر وقلة الرعاية وحتى الاتحادات بحكم ظروف كل بلد لا تجد الدعم الكامل وهل الوضع هنا مغاير لذلك ؟
- قبل الاستقلال كان النشر يكاد يكون معدوما وكان الاديب يقضى عمره كله وهو ينتج نثرا وشعرا فى المجلات والجرائد ثم يتوارى ولا يصدر له ولو كتاب واحد ، تذكر مثلا أبا القاسم الشابى الذى لم يظهر ديوانه الا فى الخمسينات رغم ما بذله من مجهودات ومحمود المسعدى الذى لم ينشر له كتاب السد الا مع الاستقلال وغيرهما كثير .
ثم أسست دور النشر الحكومية والخاصة وصدرت الكتب لاغلب الكتاب غير أن صعوبات كثيرة ظهرت واصطدمت بها دور النشر ولم تتمكن من مواجهة الانتاج الغزير الذى عرفته الساحة الادبية فى السنوات الاخيرة . هذه الصعوبات المتمثلة فى مشاكل الطباعة والورق والتوزيع والتسويق لم تقدر
هذه الدور على تخطيها . لان الامر لا يتعلق بتونس وحدها بل بالاقطار العربية الاخرى فالكتاب العربى يعاني مشاكل كبيرة امكن للاخوان فى المشرق القضاء على بعضها نظرا الى ما احرزوه من سابقية فى هذا الميدان بينما لم يتوصل القائمون على النشر في المغرب العربى الذى كان الاستعمار ضاربا الحواجز الاقتصادية بين اجزائه كما كان ضاربا الحواجز الاقتصادية بين المغرب العربى المشرق العربى لم يتوصلوا الى ازاحة العوائق ويجب الا ننسى ان الكتاب وهو الحامل للقيم الفكرية والأدبية بضاعة تخضع لقوانين السوق بل هي بضاعة أصعب تروبجا لانها ما زالت تعد فى كثير من البلدان العربية كمالية ولا توضع بمثابة الخبز اليومى مثلما نراه فى البلدان المتقدمة .
ولهذا فان الدعم الموجود يظهر انه لا يتماشى مع طاقة الانتاج ولا مع الطموحات التى ذكرنا ولا التصور الذى نعطيه لعملنا الفكرى والادبى وهذا يقتضى مراجعة الاساليب التى دأبت عليها دور النشر وتصويب خطها التنموى .
* هل يعنى هذا انكم لا تعانون من ازمة نشر وطباعة واذا كانت الازمة كذلك فهل يمكن اعطاؤنا صورة عن دور النشر والطباعة هنا ؟
- ولهذا لا يصح أن نقول ان هناك ازمة نشر وطباعة إذ الازمة تعنى ان النشر والطباعة كانا مزدهرين فتقلصا بينما كانا يكادان يكونان معدومين . ان الشأن يدعو الى الاعتراف بوجود بطء فى النمو وتباطؤ فى حل مشاكل الكتاب .
ان لنا ثلاث دور حكومية لها امكانيات النشر : الدار التونسية للنشر والشركة التونسية للتوزيع والدار العربية للكتاب (تونسية ليبية) ودور أخرى خاصة نشيطة مثل مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله للنشر والتوزيع ومؤسسات بوسلامة ودار النجاح وغيرها . ويظهر ان معدل العناوين التى تنشر فى تونس تناهز 150 عنوانا ويبلغ عدد النسخ ما يقارب 800 ألف نسخة بما فيها كتب الاطفال .
وبطبيعة الحال فان دور النشر لها مقاييسها التى توفر لها الربح وتهتم بالكتاب المضمون الرواج . ولا تقبل كثيرا على طبع الدواوين الشعرية والانتاج
الادبي الصعب الرواج رغم ان وزارة الشؤون الثقافية تشجع بشراء نسبة تتراوح بين 10 و 20 بالمائة من عدد النسخ المطبوعة لكل كتاب .
ورغم هذا النمو البطئ والتشجيع النسبى فان قضايا أساسية باتت تنتظر الحل وتجعل كل المعنيين بهذا القطاع يشعرون بعدم تلبية رغبتهم ناهيك ان عددا كبيرا من الادباء أصبح اليوم يقتحم بنفسه ميدان الطبع ويكتفى بترويج النزر القليل من نسخ انتاجه .
وأظن ان اعظم مشكل ينتظر الحل بالنسبة الى الكتاب التونسى والكتاب المغربي هو حضوره فى المشرق العربى . ومما يزيد فى شعور المعنيين بالامر بوجود هذه العقبات هو انه كلما زاد عدد العناوين المطبوعة وبقى الترويج على حاله تفاقم الشعور بهذه العراقيل وهكذا بقى الكتاب التونسي والمغربي بصورة عامة يدور فى بوتقة ضيقة لا تمكنه من الازدهار وبالتالى لا تدخله فى حركية النمو الطبيعي .
* معالي الوزير كأديب ومنتج نشيط ومدير مجلة "الفكر" التى تعتبر بحد ذاتها مدرسة فكرية وكرئيس اتحاد الكتاب ووزير الا يمكن ان تتعارض هذه المراكز مع بعضها بعضا وتعرقل مسيرتك الفكرية وتونس بأمس الحاجة لامثالك من الادباء ؟
- انك لم تذكر بقية مسؤولياتى المتعددة فى الميدان الرياضى وخاصة فى اللجنة الدولية الاولمبية ... نعم ، أنا موزع على عدة نشاطات واهتمامات ولكنى أحاول دائما أن أحكم هذا التوزع ، بحيث لا أتشتت بل انى ازعم انى نجحت الى حد كبير ليس فقط فى التوفيق بين مختلف أعمالى بل وفي ايجاد علاقات مثرية بينها .
ان كل المهام التى اضطلع بها وسعت من آفاق تفكيرى وتجربتتى وجعلتنى أنظر الى الانسان من زوايا متعددة وان كتاباتى لتعكس بوضوح مختلف اهتماماتي ، فليس ثمة اذن اية عرقلة لمسيرتى الفكرية ، المشكل الوحيد الذى يمكن ان يقوم فى ذاتى هو انى بمقتضى تعدد المسؤوليات رجل يكاد لا يعرف
الراحة ولا التسلية ومن حسن حظى ان كانت الشؤون الفكرية والأدبية تملأ أوقات فراغي وكفانى ذلك مؤانسة وامتاعا .
. واقع الأديب العربى :
. هذا يجعلنا نسألك سؤالا آخر وهو ما هى نظرتك الى واقع الاديب العربى الراهن وكيف يمكن لهذا الاديب ان يخرج من هذا الوضع ؟
- انتم تعنون بالاديب الشاعر والقصاص وكاتب المسرحية والناقد اى الخلاق الذي يصعب ان يعيش بقلمه مهما بلغت شهرته وبالتالى يجد عناء ليمارس حريته تمام الممارسة ويكون قادرا على ان يصدع برأيه ويقف المواقف التى يمليها عليه ضميره .
ان واقع الاديب العربى فى الوقت الراهن لا يخرج عن واقع أى مواطن عربى . فالضغوط التى تسلط على المواطن العربى من داخل وطنه وخارجه هي نفسها والاديب أكثر احساسا بها وأشد تأثرا بوقعها . وتتأتى هذه الضغوط من عوامل عديدة لئن كان الوطن العربي بمعزل عنها فى السابق فانه اليوم غارق فيها اذ وجد نفسه فى خضم الصراع الدولى بين العمالقة وهو صراع سياسى واقتصادى وايديولوجى وثقافى فى آن واحد وهذا اقتضى تحولا فى المجتمعات العربية وانشأ ضغوطا لا اعتقد ان الاديب العربى كان مهيأ لها أو مستعدا للسيطرة عليها اذ هو تتجاذبه تيارات عنيفة الى الماضي فلا يقدر دائما على الوعى بما حوله الوعى الكامل وعوضا عن ان يكون فى المقدمة مثلما كان الامر فى القديم ويلهم الجماهير ويقودها ان لزم الامر ، ترك ذلك الى السياسة والسياسيين وحدهم وتأثر عوض ان يؤثر .
وانى لا أتصور الاديب خارجا من هذا الواقع الا اذا كانت له رؤية واضحة لمستقبل وطنه العربى وكانت له بالخصوص الشجاعة الادبية الكافية ورباطة الجأش وطول النفس وملكة التمييز بين اجترار الشعارات ولوك الكلمات وبين الابداع والتجديد والخيال والعلم ..!
ان مستقبل الوطن العربي لا يمكن ان يكون بمعزل عن العام أو أن يتجاهل الايديولوجيات وان يتفاعل معها ولكنه لا يليق به ان ينساق الى الفكر الفوضوى
والعشوائي كما نلاحظ ذلك اليوم ولعل هذا من الاسباب التى جعلته عير مسموع الكلمة ، غير سباق الى المواقف التى تخرجه من واقعه .
واني آسف كثيرا عندما أجدني أمام الحال التى تردى اليها كاتب مثل توفيق الحكيم وهو اسوأ ما يتردى اليه واقع الاديب عندما يصيبه الدوار وبفقد الوعى ويقف مواقف مشينة من أمته وينحط أدبه الى دركات ما كنت لأتصورها .
واني أتألم عندما أشاهد الكثير من الادباء والمفكرين " العرب " ينبحطون أمام العدو ويدعمون " الهزيمة " العربية فكريا بل يسعون الى التخلص من العروبة والتنكر للأمة .
ان الاديب العربى مفروض عليه اذن ان ينبذ الفكر الفوضوى العشوائي والانهزامى والاستعمارى وان يحمي كيانه كمنتسب الى أمة عظيمة وكأنسان يعيش على أبواب سنة 2000 ويتسلح بالشجاعة والجرأة ولا يخاف فى الحق لومة لائم ويقبل ان يضحى فى سبيل حريته والاصداع برأيه . ومستقبل الاديب العربى يرسم ملامحه ويصنعه الاديب العربى فاذا هو انتظر من يصنعه له فانه لن يظفر بالثوب الذي يريده فاما ان يكون دون قياسه أو أكبر منه فيحتاج الى الاصلاح و " الريتوش " .
. مستقبل الأدب :
. ومستقبل الأدب والثقافة - هل انتم متفائلون به ؟
- وهل هناك غير التفاؤل اذا فكرنا فى المستقبل وتوخينا سبل العمل والخلق ؟ ونحن إذا قسنا ما كان عليه الادب والثقافة فى أوائل القرن وما وصلا اليه الآن يجوز أن نقول ان هناك تقدما . ولكن القضية كما قلت هى ان العالم يعيش عصر التقنية والتكنلوجيا اللتين اصبحتا تكتسحان حاضر العالم ومستقبله الى حد بعيد بينما كان الدين والادب والثقافة هى التى تكيف المجتمعات ان العلم والتقنية والتكنولوجيا فى المقدمة وفى الطليعة تفرض على الدنيا سيطرتها بكل قوة اما الادب والثقافة فهما يلهثان وراءها لانهما فى الواقع فوجئا بهذا الزحف ولم يتنبأ به .
اني اعتقد ان بقاء البشرية فى مستقبل للأدب وللثقافة زاهر ، فنحن اذا امنا بالانسان فلا يكون ذلك الا اذا استرجع الادب والثقافة مكانهما وتكاملا مع المعارف الانسانية الاخرى وأصبحا يحسب لهما حساب مع العلم والتقنية والتكنولوجيا اني اعتقد ان ضمير العالم هو فى مستقبل طافح بالامال للادب والثقافة والا فالفناء هو مستقبل البشرية ولا أرى أن الانسان مهما بلغ من الجنون يصل إلى القضاء على نفسه بنفسه ..
