نعم ، ليس الأدب مأساة بالضرورة ، ولا هو أنشودة الانسان تلعب به الأقدار وتعبث به قوى غامضة رهيبة تتعداه وتتحداه !
المأساة - فى الأدب الاغريقى خاصة والكلاسيكي عامة ، وفى معناها المتعارف - قصة كفاح الانسان مع " القدر " وتصوير لشعوره بالعجز أما القضاء والطبيعة والنفس ، وتشخيص لنفسية الاستسلام والرضا بعد فشل المحاولة وخيبة المسعى وغصة الروح تترجرج بين الوجود والعدم .
قد يكافح الانسان ويضطلع بدوره على مسرح الدنيا ، ولكنه يدرك - وهو يكافح - مصيره المأسوى ويعرف أن " سيزيف " منحدر الى أسفل الجبل مهما بذل وتجاوز قواه واقترب من القمة .
وإذن فالقول بأن الادب مأساة إيمان والقدر ، وحد من طموح البشر وتهاون بامكانياتهم وطاقاتهم التى لا تعرف حدودا . إنه يقتضى - أو يضمر - رؤية كونية تشاؤمية وينفى البطولة الخلافة ويغفل ما صنعه الانسان وحققه فى دنيا العلوم والفنون ويهمل مكاسبه من الكرامة والعزة ... والحرية .
ان الادب تصوير امين رائع لمعاناة الانسان تحربته في الوجود ومجاهدته الأهواء وصراعه مع الكون وطموحه الى التأثير فيه والسيادة عليه .
إلا أن الانسان فى هذه المنزلة ليس مهزوما دائما ، صريع الغيب ، ضحية العجز ، شهيد الهوى . إنه قد يتعثر فى جهاده وتخونه قواه أو يخذله رفاة أو تتغلب عليه شهواته وقد ينهزم أو يداهمه الموت . ولكنه لا يستسلم باعتبار كائنا اجتماعيا أو - بالأحرى - مواطنا متضامنا مع اخوانه في الوطن الاصغر والوطن الأكبر ، يتحمل واياهم عبء وشرف نصرة الحق والخير ويستبسل وإياهم فى صنع مصير العالم ونسج خيوط التاريخ البشرى على أساس مزيد من العدالة والمساواة والكرامة والحرية الواعية .
قد تنظر إلى نفسك فتهولك حقارتها وتطمح ال المدينة الفاضلة فتتبدد أحلامك ويطغى عليك الواقع الذي رمت تغيسره ! فتتسلى عن ذلك كله بقولك إنها مأساة الانسان في الكون !
إلا أنك لو ضممت جهودك الى جهود إخوانك ونظرت فيما حققته الانسانية وفيما هى بصدد إنجازه لرجعت لك الثقة فى النفس وغمر قلبك الايمان بالانسان ولوجدت فى صراعه - غير الميئوس منه مسبقا - ينبوعا لتجاوز الذات وتحدى الشر واللا معقول والعبث . . والتأثير فى الحياة وفى واقع الناس ( لو تعلقت همة ابن آدم بما وراء العرش لناله ) .
فاذا صور الأدب الانسان في هذا الكفاح المضنى المتفائل وتغنى بانتصاراته على نفسه ، وشخصه وهو يبنى مصيره بفكره وجوارحه ويغالب الصعاب ويتجاوز ... المآسى ، كان ملحمة بحق .
الفكر
