الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

اصداء الفكر, حول مؤتمر الادباء العرب المنعقد ببغداد

Share

نورد فيما يلى - تعميما للفائدة ومن دون تعليق - مقالين حول مؤتمر الادباء العرب الذى انعقد مؤخرا ببغداد .

الادباء يلعنون أنفسهم فى بغداد

ففى مؤتمر الادباء القيت ابحاث طويلة . . . وكلمات كثيرة ، وكانت تبدأ عادة بعبارة واحدة : اننا انهزمنا . . .

هذه البداية نعرفها جميعا قبل ان نجئ الى بغداد . ومن العجيب - وليس عجيبا - ان اكثر الذين يتحدثون عن النكسة وعن الهزيمة والبكاء عليه مواطنون من بلاد بعيدة عن موقع المعركة بالوف الاميال . . . ولكى يبرروا هذا الغضب الذى يبعث على الدهشة يقولون اننا وضعنا كرامتهم فى الوحل ، لماذا ؟ لاننا نحن انهزمنا ، ( وهم ) لم يكونوا يتوقعون ذلك ! تماما كما يسقط امامك انسان جثة هامدة ، فيكسر لك فنجان قهوة ثم تغضب انت لانه عندما سقط كسر لك كوبا من الماء !

ولا استطيع - ولا احب - ان انقل هنا ما قاله كل الادباء ولا كل الشعراء . . ولكن بعضهم يكفى . .

مثلا الكاتب اللبنانى د . سهيل ادريس . . هاجم وشتم ، ولعن ، واتهمنا بالجهل ، ولذلك انهزمنا .

اما شاعرنا صالح جودت فقد بدا قصيدته بالغزل فى بغداد ، وبصوته الرقيق الهامس اخذنا الى غراميات بغداد . . . وانتقل - طبعا - الى النكسة ولابد انه كان يقصد د . سهيل ادريس عندما طالب ان يعتز لبنان بعروبته ! . .

وشاعرنا محمد التهامى معروف فى العراق هو ايضا بغزل له الشديد لبغداد وقد سمعت من محافظة كربلاء ان الناس معجبون بالشاعر لقوة صوته وحسن ادائه وعروبته . . وصفق له الناس كثيرا ! . . .

اما شاعرنا محمود حسن اسماعيل فقد عرفت منه ان قصيدته مائة بيت وانه اتى بشئ جديد ، والقى قصيدته وخشينا عليه من شدة الحماس ان يفقد صوته . وققصدته مليئة بالصور ولكن من الصعب ان يتابعها المستمع ولذلك فهى قصيدة للقراءة وليست للاستماع . .

ثم شاعرنا محمود غنييم من المدرسة التقليدية ، فالاداء مدرسى ، والنظم مدرسى ايضا ، ولكنه كان مجيدا .

وشاعرنا الفلسطينى ابو سلمى قد استمعت اليه قبل ذلك فى غزة ، وهزنى وهز كل الادباء وابناء فلسطين السليبة ، وكان قوى الاداء ملتهب العبارة حادا عنيفا . . . مريرا عميقا !

اما شاعر العراق محمد مهدى الجواهرى الذى جاء من اوروبا ليلة المهرجان فقد ارتدى طاقية على شعره المنكوش . . . وصفق له الشباب طويلا ويبدو ان الرجل قد نسى - ويقال تناسى - الغرض من المهرجان فراح يعبث ويلسع يمينا وشمالا ، ويقبل الاقدام ويلعن الايام . . . لقد بلغ الشاعر من العمر مرحلة تثير الاشفاق ولكن موقفه يثير الضحك ! . . .

والشاعر العراقى مصطفى جمال الدين ، وهو من رجال الدين الشيعة فقد كان مفاجأة فنية ، وربما كان هو الشاعر الوحيد الذى القى قصيدة تتوافر لها كل شروط العمل الفنى ، وشروط المناسبة التى اقيم فيها المهرجان . . . وكان ذكيا رائعا ممتعا ، واستحق بجدارة كل هذا التصفيق من كل الايدى الناعمة والخشنة ، ايدى الشيعة وايدى السنيين !

اما شاعرة العراق نازك الملائكة فلا بد ان شيئا غريبا قد طرا عليها ، من المؤكد انها كبرت ، وانها اصبحت اما لعدد من الاطفال ، وانها عندما سهرت فى المهرجان حتى الساعة الواحدة صباحا قد ضاقت بذلك ، فليس فى المهرجان ما يستحق ان تترك له بيتها واولادها واهلها ، وهى قد وضعت منظارا غليظا على عينيها ، وقد ذهب صوتها ايضا ، والذي يراها لا يصدق انها الشاعرة الثائرة على الشعر القديم . . . ولكن يظهر ان نازك الملائكة قد قالت كل ما عندها فى السنوات الاولى من حياتها ، ولم يعد لديها شئ جديد تقوله ، فالمرأة الاديبة قصيرة العمر من الناحية الفنية ، ومثلها فعلت اديبات اخريات : فرانسواز ساجا وليلى البعلبكى وغادة السمان وكوليت خورى وليل عسيران . . فقد اصدرن عملا فنيا واحدا ، وجاءت اعمالهن الاخرى تكرارا وتفسيرا هذا العمل . .

وتمنينا الا تظهر نازك الملائكة ، والا تقول لابصوتها ولا بصوت غيرها !

والمجال لا يتسع لذكر كل الشعراء ولا حتى لاختيار عينات من قصائدهم وربما فعلت ذلك فيما بعد ! . . .

ومن الغريب فى امر هذا الشعر وهؤلاء الشعراء انهم جميعا يبكون . وانهم بجعلون دموعهم موسيقية . ويصفق الناس للموسيقى وينسون المعنى والمعنى كله شتييمة فى الشعراء وفي الذين يستمعون الى الشعر . ومن الغريب ان الناس يطلبون المزيد من الموسيقى - أى المزيد من الاهانة والشتيمة لانفسهم! . .

انه اذن - حب العذاب وحب الهوان . . ان الشعراء يدينون بوجودهم الى هذا ( الحب المريض ) عند معظم الناس : حب الذى يعذبك بالفاظه الجميلة وموسيقاه الحزينة .

ولو تنبه الناس الى ذلك لبكوا بدلا من ان يضحكوا ، ولا حنوا رؤوسهم بدلا من ان يصفقوا . . ولشنقوا الشعراء . . ولكنها المآتم : فلا احد يضرب النادبة . . ولا احد يدفنها مع الميت . . ان الناس يستأجرونها ويختارونها !

ولا بد ان رجال الدين اكثر تسامحا من الشعراء المتحررين من الدين . . . فقد استمع رجال الدين من يشتمهم ويسب دينهم وارضهم وسماءهم واولياءهم ولم يردوا !

وكان الشاعر العراقى الكبير الرصافى يسخر من القيود على الكلام . . . ويطلب من الناس جميعا ان يسكنوا ويناموا . يقول الرصافى سنة 1922 :

يا قوم لا تتكلموا

ان الكلام محرم

ناموا ولا تستيقظوا

ما فاز الا النوم

وتأخروا عن كل ما

يقضى بان تتقدموا

ودعوا التفهم جانبا

فالخير الا تفهموا !

ولو عاش الرصافى لطلب الى اكثر الادباء والشعراء الا يتكلموا لانه لا اقل من ان يفهموا !

الكرامة والحرية . . .

عرب نحن  ، ،

كذلك تقول الجغرافيا . . ويقول التاريخ . . وتقول اللغة التى نصوغ بها أفكارنا ، ونعبر بها عن وجداننا ومنطقنا . . .

عرب نحن . . . اختيارا ، او اضطرارا ، ولكننا عرب ، ولن نكون غيرهم الى الابد .

ذلك منطق الواقع وحكمه . . . وذلك قدر فى هذه الدنيا .

من هنا كان حرصى على ان اتعرف على هذا العالم الذى يسمونه " العالم العربى " بكل وسائل المعرفة الممكنة بالدراسة وبالرحلات ، وبالكتاب والمجلة والصحيفة ، وبالصداقات والخصومات .

وبالمؤتمرات احضرها ، من القمة الى القاعدة . . . ولكنى لم اتمكن من حضور اجتماع للأدباء العرب الا فى هذا العام وفى مؤتمرهم السابع الذى انعقد فى بغداد فى التاسع عشر من شهر ابريل الماضى .

ولقد تهيبت فى النهاية وبضاعتى فى الادب زهيدة ، وصاحبنى التهيب منذ ان استلمت دعوة الحكومة العراقية الى ان اخذت مقعدى فى المنصة استمع الى رجال الفكر العربى يتحدثون عن الاديب العربى المعاصر . وعن المعركة التى جعلوا كل شئ من اجلها شعارا للمؤتمر . فاذا بى اتخلص من تهيبى كالنائم بصحو عن حلم مزعج . . . وإذا بأشقائنا العرب سواء . . . لا فرق بين رجل السياسة ورجل الفكر . . ينهلون من مورد واحد ، تأسرهم الكلمة الرنانة ، وتهتز اعطافهم للشعار الجميل ، وكان الهزيمة الحزيرانية او اليونيوهية لم تكن كافية لترج الفكر ، وتزلزل الكيان . .

وانطلق صوت المغرب ليوضح لهم فى بساطة ، ان الاديب المغربى لم ينزلق الى هاوية الغموض والابهام وترديد الشعارات ليبتعد عن مشاكل المجتمع العربى الحقيقية . وان الادباء فى المشرق العربى الفوا ان لا يعالجوا القضايا القومية والانسانية الا اذا صدرت لهم الاوامر بذلك ، فانقلب الاديب الى آلة طيعة فى يد اجهزة الاعلام العربية ، يعبث بها كيف يشاء ، وبذلك فقدت الكلمة العربية صدقها واشراقها . واخذ المواطن العربى يكذب كل ما يسمع وما يقرأ ، فقد اكتشف الانسان العربى انه كان ضحية للمذياع ، والتلفزة ، والصحيفة والكتاب قبل ان يكون ضحية العدوان الصهيونى .

كان الكاتب العربى، اسيرا للوصاية التى فرضت على فكره وثقافته وانتاجه بينما نؤمن نحن انه لا فكر بدون حرية ، ولا كرامة بدون حرية ولا حرية ولا كرامة بدون مسؤولية .

فما الحرية التى نطالب بها للاديب العربى ؟ . . لقد مر العالم العربى بكثير من التجارب ، وخبر عددا من النظم والمذاهب فى السياسة والحكم . فهل اثبتت هذه النظم والمذاهب انها صالحة للفرد العربى ؟ . . . ام انه برغمها ما يزال ضائعا تائها ؟ . . .

موقف بسيط ، وكلمات واضحة ، واسئلة موضوعية ، كان يجب ان يسمعها الادباء العرب ، وسمعوها ، وكانهم يسمعون شيئا جديدا لا عهد لهم به ، او قدم عهدهم به فى احسن الاحتمالات ، واذا بهم ينتفضون افرادا وجماعات . . . . وطنيون وقوميون ، وبعثيون ، فرقتهم الشعارات والمذاهب والمعتقدات ، وجمعتهم الدعوة الى حق الانسان العربى فى ان يختار بدون وصاية ، وان يفكر بدون الزام ، وان يعبر عن اختياره وفكره بحريته الفطرية التى رضعها اجداده ف لبان النياق فى الصحراء منذء ءالاف السنين .

واذا بهم الانسان العربى على حقيقته الاصيلة ، حتى الشاعر العراق الكبير محمد مهدى الجواهرى المتهم بعراقة انتمائه الشيوعى ، سجل دعوتنا الى الحرية فى قصيدته التى القاها فى مهرجان الشعر عقب المؤتمر

وانتهى المؤتمر بتوصيات غير قابلة للتنفيذ . . . وبدراسات سريعة يغلب عليها طابع الاستعجال والسطحية ، ولست مغاليا اذا اكدت انها دون مستوى ما قراته من دراسات قدمها الادباء المغاربة الى مؤتمر طرابلس ،

اشترك في نشرتنا البريدية