1) " الصحراء "
غرس رمحه في التراب . وترك رسن جواده فالتا . ثم انه تمدد فى ظل شحرة سدر ليس عليها ثمر ، ورغم ذلك ورغم الاشواك الحادة فان العصافير الدورية كانت قد بنت أعشاشها بين الاغصان الصغيرة المتشابكة .
فتح عينيه المرهقتين من حدة الشمس والعرق على وسعهما ، وحدق فى السماء الفيسحة الصفراء ، الرمادية قليلا . . . ثم انه أطبق جفنيه . . وعلى أصوات العصافير أخذ ينام ، وقد لف رأسه وفمه وعينيه بكوفيته . . وكان حصانه قد تمدد على جنبه ونام . . .
أما الشمس فظللت تبتعد ، وكان الليل الصحراوى بظلمته الشاحبة المدهشة يقترب . . .
2) " حلم "
رأي أبو الطب جموع الناس تغنى له . . رأي أيديهم تفرش تحته وهو يرتفع . . يرتفع . . حتى يجلس على حافة القمر . . .
رأى أنه يندفع ملوحا بسيفة العربى الباتر ، وقد خرج من زوبعة من الغبار والدم والاشلاء ، وجيوش الروم تولى أمامه الادبار . . وسيفه يكبر . . يكبر . . حتى يظلل نصله العريض المهيب البلاد من حلب . . حتى آخر قرية على حافة البحر . . .
ثم أخذ ينشد ، والناس يرددون خلفه . . وصرخ الناس : أنت الخليفة يا ابا الطيب . . . وصرخ الناس : سنتوجك ملكا على البلاد من المحيط حتى الخليج . . .
لكنه همز جواده . . فاشتعلت الرمال تحت حوافر الجواد الذي كان يعدو كطوفان من الخيول ، وظل يوغل فى الشرق . . وكان يمد يده يريد أن يصل الى نجوم السماء ، وآخر نقطة فى الارض .
استيقظ على حمحمة جواده ، دعك عينيه ، وسحب رمحه من الرمال . . . ثم انه أخذ يتطلع حواليه فلم ير غير الصحراء والليل . . جاءته أصوات الضوارى فهز رمحه فى يده وقفز على صهوة الجواد . . . وانطلق . . .
3) " حلم في اليقظة "
رأى أطراف القمر تتوهج ، وتطاير منها الشرر ، ثم ان نارا هائلة بدأت تأكل القمر كله ، لجم جواده وأخذ يحدق مبهورا . . " القمر يموت " . بلا وعي صرخ : القمر سيموت . . والصحراء ستغرق فى الظلام ، والوحوش ستأكل البشر ، سيصبح الظلام غولا . . .
سقطت قطعة هائلة من القمر ، من حوافها كان يتصاعد الدخان المضئ والنار ، ارتطمت بالارض ، فارتجت الارض واهتزت ، واصطكت الجبال ، وارتفعت زوبعة من رمال الصحراء ، فرأى الناس يتطايرون فى الفراغ ثم ترتطم أجسادهم الميتة الممزقه بالارض . . . أما النيران فكانت تلتهم بقاياهم ، ومواشيهم وبيوتهم المصنوعة من شعر الماعز . . .
ارتفعت النار تلالا ٠٠٠ ثران القمر أخذ بهم ت النار تلالا . . . ثم ان القمر أخذ يهوى باتجاه الارض فهمز جواده . . أخذ الجواد يعدو بضراوة ، كان رمحه مشهرا . . . سقطت كتلة القمر الهائلة المشتعلة على رأس الرمح . . . أخذ صوته يحذر الناس ويطلب اليهم أن يفعلوا شيئا والا فلن يخرج من بينهم أحد .
ووقع عن ظهر جواده ودوار مذهل يفقده القدرة على وعى الاشياء أو إدراك ما به .
4) " كافور الاخشيدى "
وقف المتنبى فى حضرة كافور . . وجه كافور بلون القار أسنانه صفراء كبيرة . . بياض عينيه مشوب بحمرة قانية انه يزوم على كرسيه مثل وحش غير مروض . قال له :
وجهك أبيض كالثلج ، وليس للبلاد من حاكم سواك عقلك راجح ورأيك سديد لكنك تحتاج لمن سيسدى لك المشورة ويعينك على الحكم . .
قال كافور بصوت أجش خشن : - إن شئت مالا فخذ . . . وان لم تشأ فغادر مصر فورا . أدار المتنبى ظهره وخرج دون أن ينبس بكلمة وقد أدرك أن كافورا لا يريده فى مصر . . . ثم انه امتطى جواده ولعن الوطن الذى تحول إلى امارات صغيرة يحكم كل واحدة منها كافور صغير
5) " العودة الى الصحراء "
قال الاول : يجب أن نفتك به لقد هجا أمنا هذا الصعلوك الداعر قال الثاني : سيتحدث الناس عنا سيصفوننا بالشجاعة قال الثالث : ولكنهم سيقولون أشياء رديئة عن أمنا . . ربما يشكك بعضهم في أخلاقها .
قال الرابع : هل تظنون أن الناس سيصدقون بأن المتنبى قال فى امنا ما بصدق عليها ؟ على كل ذاكرة الناس ضعيفة انهم ينسون بسرعة ٠٠ المه أن نفتك به . قال الاول : المهم الثمن - لقد أخذنا الثمن سلفا . أما كونه طعن فى أخلاق أمنا فهذا ما يساعدنا على الفتك به .
قال الرابع : ولكن يجب أن نوزع الاجرة بيننا بالعدل . قال الاول : . . عيب . . نحن اخوة . . ثم ان المهم الآن هو التخلص منه وليس توزيع الكراء بيننا . . بعد الآن سنعيش فى بحبوحة وبما أن الناس يكرهون الشعراء وبما أن الله يكرههم فان الامور ستسير كما يرام وليذهب هو وسف الدولة وحلب وكل شئ الى الشيطان . . المهم أن نعيش . . أليس كذلك أيها الاشقاء ؟
كان المتنبى يضرب في الصحراء وقد نال منه ومن جوداه التعب ، واتعب عيونهما الغبار ، ولكنهما كانا بسيران . . وفجأة صهل الجواد تحته ورفع قائمتيه في الفراغ فانتضى سيفه العربى الباتر . . وكانت الرمال قد اصطبغت بدماء تشبه لون النار . . . وأخذت الرمال تحترق والارض تهتز . .

