الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

الاذاعة :، نصوصها وموادها الثقافية، بين قومية الثقافة ومحليتها

Share

ملاحظتان :

تقول النظرة التقليدية بأن للاذاعة من خلال برامـجها وموداها المختلفة اهدافا ثلاثة هى : الاعلام والتثقيف والترفيه . وعلى اساس من هذه النظرة يقوم التقسيم التقليدى للمواد والبرامج الاذاعية :

أ - مواد سياسية ، نشرات اخبار ، تعليقات ، وبرامج تحقق الهدف     الاول " الاعلام " .

ب - مواد ثقافية ، تحقق الهدف الثانى " التثقيف " .

ج - مواد درامية ومنوعة ، تحقق الهدف الثالث " الترفيه " .

غير أن النظرة المتعمقة تتجاوز هذا التقسيم التقليدى ، وترى أن فى كل ما تقدمه الاذاعة ملمحا ثقافيا وقيمة ثقافية ، يستوى فى ذلك ما قصد به التثقيف البحت ، أو ما قصد به الاعلام والترفيه ، فليست هناك أولا فواصل قاطعة أو حدود مانعة بين هذه الاهداف الثلاثة فضلا عن أن المسألة يحكمها تماما التناول الاذاعى لموضوع من الموضوعات ونوعية هذا التناول ، وهو ما يعطى فى النهاية الطابع العام للبرنامج أو المادة الاذاعية بحيث يمكن القول : أن هدف هذا البرنامج هدف ثقافى أو ترفيهى أو اخبارى . . وهكذا . .

هذا الفهم ، من شأنه أن يعطى للنصوص والمواد الثقافية والاذاعية معنى ارحب وأفقا أشمل ، ودورا أخطر بكثير من حدود ذلك المجال الضيق الذى تحبسها فيه تلك النظرة التقليدية ، هذه واحدة . .

وأخرى ، ما تثيره تلك الجزئية من عنوان البحث " بين قومية الثقافة ومحليتها " . وليس وجه الصعوبة هنا ما نعرفه من تداخل ما هو قومى مع ما هو محلى ، وما هو عربى مع ما هو اقليمى - على صعيد الثقافة العربية - بحيث تصبح التفرقة بينهما فى كثير من الاحيان عسيرة أو مصطنعة ، لكن الصعوبة تكمن فى أن الوجدان الثقافى العام للمستمع - الذى تتجه اليه النصوص والمواد الثقافية الاذاعية - وجدان يلتحم فيه القومى بالمحلى . . ومن خلال هذا الالتحام الذى اكده الموروث الثقافى المستمر ، والدين ، واللغة الأم فى صراعها المستمر مع اللهجات المحلية ( وهو موضوع يتخذ بعدا خاصا من خلال اجهزة ووسائل الاتصال بالجماهير وفى مقدمتها الاذاعة ) يصبح التحديد القاطع للمفاهيم والاتجاهات والسمات أمرا قد يتضمن بعض الشطط والمجازفة ، كما قد تصبح التفرقة بين ما هو مصرى وما هو عربى - ( على سبيل المثال ) - تفرقة تتطلب بحثا حضاريا متكامل العدة والوسيلة ، وهو أمر لم تتح دراسته حتى الآن .

أرجو - بعد هذه المقدمة - أن يتجه الحديث الى تصور محدد يتناول الموضوع : شكلا و مضمونا وتطبيقا .

فمن حيث الشكل :

لا بد من وقفة مستأنية عند قضية اللغة ، باعتبارها وعاء الثقافة وحاملة التراث والحضارة من ناحية ، واللسان الذى تنطق به المواد والنصوص الثقافية الاذاعية من ناحية أخرى ، فضلا عن أنـها القضية المحورية دائما بين دعاة القومية والمنتصرين للمحلية .

لقد مرت نظرتنا الى قضية اللغة - خاصة فى الآونة الاخيرة - بمزالق قومية وعاطفية خطيرة ، كان ابرزها الدعوة العنيفة الى التمسك بالفصحى وحدها لغة للتعبير والحياة باعتبارها لغة القرآن ولغة التراث واللسان الذى يربط بين أبناء الوطن العربى الواحد والذى بدونه لا يكون تفاهم ولا تواصل ، وارتبطت هذه الدعوة بالهجوم العنيف على العاميات أو اللهجات المحلية والقطرية باعتبارها غير جديرة بالتعبير والحياة والاستمرار وعلى أساس أن التعصب لهذه العاميات يخفى مروقا على القومية العربية وترديدا لدعوات الانفصال والعزلة .

ولم تكن هذه الدعوة العنيفة - فى جوهرها - سوى رد فعل حاد لما نادى به أنصار العاميات واللهجات الاقليمية ، الذين حاولوا جهدهم كسر رقبة الفصحى ، وترديد الحملات الضاربة عليها ، وغمزها بالعجز عن مواكبة التطور ومسايرة ركب الحضارة والقيام بأعباء المعاصرة فضلا عن جمود التراكيب وجفاف التعابير والبعد عن مألوف الحياة والناس . .

وهدأت العاصفة ، بعد أن فرض الواقع نفسه ، وكان منطق الواقع العربى دائما - على صعيد الثقافة والادب والفن - يقدم النموذج الرفيع للمواءمة والتعايش بين اللغة الأم من ناحية والعاميات أو اللهجات المحلية والقطرية من ناحية أخرى ، منذ أقدم العصور وحتى اليوم ، ولم تكن العلاقة بينهما علاقة سكون أو جمود ، وانما علاقة تفاعل واثراء وافادة ، كانت نتيجتها ما يسميه اليوم بعض علماء اللغة المعاصرين - فى وطننا العربى - اللغة المشتركة أو اللغة الثالثة أى ما نسميه نحن الاذاعيين العرب : لغة الاتصال بالجماهير . .

      ونزيد المسألة وضوحا ،    المتأمل فيما نستعمله الآن من ألوان التعبير اللغوى ومستوياته فى مجالات  حياتنا الثقافية المعاصرة يستطيع أن يضع يده على ثلاثة انماط من التعبير  ترتبط جميعها بلغتنا الفصحى ، وهذه الانماط الثلاثة خاضعة بدورها لطبيعة  الاجناس الثقافية التى نمارسها ونعبر بـها ونتخذها وسيلة للاتصال .

هناك أولا ما يمكن تسميته بفصحى التراث ، ومثلها الاعلى عند الناطقين بـها قائم فى الماضى ، فهى اذن لغة سلفية ، يتحمس لـها من وقفت ثقافتهم الاساسية عند التراث دون أن يتجاوزه ، والذين يضيقون ذرعا بكل ما يـمكن أن يتسع له اهاب اللغة من معانى المعاصرة والانفتاح على مجالات أرحب نتيجة للاحتكاك والتفاعل اللغوى ، بل ان هؤلاء عادة يقفون فى وجه التطور اللغوى سواء أكان هذا التطور فى نـحو اللغة أو بنيتها أو تراكيبها وأساليبها أو بلاغتها . .

مثال آخر نجده لدى المشتغلين بالعلوم والبحوث التجريبية والمتصلين بالحضارة الحديثة ومنجزاتـها ، ان هؤلاء يستعملون لغة عصرية تحاول أن تستوعب هذه المنجزات ، وتتسع لفروع العلم الحديث وتطبيقاته ، وتتلقى الحضارات الوافدة وتتفاعل معها . . وهى لغة تختلف عن لغة التراث ، لأنـها

لا تعتمد على المتوارث المألوف قدر اعتمادها على الاشتقاق والنحت اللغوى والترجمة والتعريب والتوسع فى القواعد والاصول اللغوية التقليدية حرصا على أن يتسع رداء اللغة لمستحدثات العصر وعلى أن تنهض اللغة العربية بأعباء النهضة العصرية التى تبرز مشاكلها اللغوية الحادة فى مجالى الفاظ الحضارة ومصطلحات العلوم : ( مشكلة الفاظ الحضارة بين التعريب والترجمة ومشكلة صوغ المصطلح العلمى العربى وتوحيده ) .

هناك ثالثا اللغة الادبية التى يستعملها الادباء فى شتى فروع الانتاج الادبى ( الشعر والقصة والرواية والمسرحية والريبورتاج الادبى ) وأساس هذه اللغة الانفعال والعاطفة والشعور ، وهى تنهض اساسا بالتعبير عن التجارب الشعورية والوجدانية . . فهى اذن لغة ظلال تـهتم بألوان الشعور ومستويات التعبير الانفعالى اكثر من كونـها لغة تحديد وحتمية وحسم . . بل ان هذه اللغة الادبية كثيرا ما تكون غاية فى ذاتـها ( فى الشعر مثلا ) لا مجرد وسيلة من وسائل التعبير .

هذه الانـماط أو النماذج الثلاثة من التعبير اللغوى ، موجودة فى مجتمعنا العربى المعاصر تتفاعل وتتشابك وتتصارع مع المحليات واللهجات القطرية والاقليمية ، ومن خلال صراعها وتفاعلها ولدت لغة رابعة هى لغة الاتصال بالجماهير ، التى تبنتها الصحافة لغة لها أول الامر - بعيدة عن تقعر فصحى التراث وغرابتها من ناحية وعن الوقوع فى أسر العاميات واللهجات المحلية من ناحية أخرى - ثم آزرتـها وسائل الاتصال السمعى والمرئى بالجماهير ، الاكثر حداثة وهى الاذاعة والسينما والتليفزيون . وهكذا وجد لدينا هذا النموذج الرابع من نماذج التعبير اللغوى ، يرفض بطبيعته الجديدة المتغيرة ، والواسعة الانتشار أن يكون حبيس لغة التراث وليس من الممكن بطبيعة فاعليته ومدى انتشاره أن يكون لغة متخصصة للعلم والحضارة ، ثم هو يختلف كثيرا عن لغة الادب والفن . . لكنه ليس مقطوع الصلة تماما بهذه النماذج الثلاثة من التعبير اللغوى ، فهو يأخذ من كل منها ويصنع من هذه الحصيلة المشتركة شيئا جديدا يحمل ملامح التمايز والاختلاف ، ويقرب بدوره من وجدان الجماهير وتعاملهم اليومى مع الحياة .

وهكذا استطاعت لغة الاتصال بالجماهير من خلال الصحافة والاذاعة بالذات ، أن تكسب للعربية قاموسا جديدا من المفردات والدلالات والتراكيب الجديدة .

والخلاصة - بعد هذا الاستطراد الذى لم يكن منه بد - أن لغة الاتصال بالجماهير قد حسمت المناظرة التقليدية بين الفصحى والعامية أو القومية والمحلية فى اللغة ، وكشفت عن ملاءمة لغتنا العربية لاحتجاجات العصر الحديث ومتطلباته ، وحققت نفاذها الاوسع والاكثر انتشارا الى جماهير المستمعين عبر اقطار الوطن العربى ، مجتازة حدود المتعلمين والأميين معا ، وأصبحت بذلك اللسان الذى يحقق المعادلة الصعبة بين القومية والمحلية فى اللغة عبر اذاعاتنا العربية المختلفة .

وعلى صعيد التطبيق ، فقد اصبحت هذه اللغة تتسم بالتخلص من العبارات والكليشيهات المحفوظة والمتوارثة ، والوان الزينة اللفظية والتأنقات البلاغية التقليدية ، متجهة الى تحقيق بلاغة عصرية من نوع جديد تتمثل فى المباشرة والتحديد والمرونة والعمق والقدرة على الحركة ومراعاة مستويات المستمعين واحتياجاتـهم ، وأصبحت هذه اللغة تمثل " الوسط المشروع " الذى لا بد أن يراعيه كل اذاعى يتوجه بالمادة الاذاعية ( خبرا كان أو تعليقا أو برنامجا ثقافيا أو تمثيليا أو منوعا ) الى جمهور المستمعين ، لا يصعد عنه ولا يهبط دونه ، ولم يعد السؤال المطروح : الفصحى أم العامية ، لكنه اصبح : لغة اتصال ناجحة أم لا ، لغة تحتفظ بالمقومات الرئيسية للفصحى ، وتتسع - مع ذلك - للسمات والالوان والظلال الخاصة بالعاميات واللهجات المحلية ، وتـخلق من كليهما وسطا لغويا متناغما ، اساسه الوحدة والتنوع معا . .

ومن حيث المضمون :

لعل الملاحظة الاولى الجديرة بالتسجيل - ونحن نتأمل نصوص الاذاعة وموادها الثقافية - هى أنه لا خلاف على التراث الثقافى العربى كركيزة اساسية ومنطق رئيسى فى تشكيل الوجدان الثقافى العام للمستمع ، بل ولا صعوبة فى العثور على هذا التراث والاهتداء اليه فى مظانه ومصادره المختلفة ، وبالتالى فان تناول هذا التراث داخل مواد الاذاعة ونصوصها الثقافية أمر ميسور ، غير مختلف عليه ( كما هو الحال فى البرامج الثقافية والادبية والخاصة التى تعرض لشخصيات وأعلام التراث العربى : شعراء وأدباء ومفكرين ومصلحين وبرامج المختارات الشعرية والكتابات الادبية والمواقف الحضارية واللمحات التاريخية الدالة . . الـخ ) لكن المشكلة الحقيقية هى فى تناولنا للانتاج الثقافى العربى المعاصر - على مستوى الوطن العربى - ومدى الافادة منه .

وهنا ، لا بد من الاشارة الصريحة الى طغيان العنصر الاعلامى المباشر الوثيق الصلة بالحياة السياسية اليومية على غيره من مكونات الحياة العربية المعاصرة ، وتحكم هذا العنصر فى مدى الانفتاح أو الانغلاق على الحياة الثقافية فى قطر عربى دون آخر ، والى تعذر وسائل المتابعة والاتصال بالنسبة للانتاج الثقافى فى كثير من اقطار الوطن العربى - نتيجة لصعوبات النشر والتوزيع والقيود المفروضة على الكتاب والمجلة والصحيفة - مما أدى الى استئثار بعض العواصم العربية بالواجهة الثقافية لكل الوطن العربى ( على سبيل المثال : القاهرة وبيروت ) بينما بقيت فى الظل عواصم عربية أخرى لم يتم التعرف على وجوه حياتـها الثقافية المعاصرة بصورة كاملة ، فى احسن الفروض ، أو لم يتم التعرف عليها أصلا فى الأغلب الأعم !

بالاضافة الى هذه الملاحظة ، ملاحظة أخرى لا تقل عنها أهمية ، وهى خاصة بانفتاح العواصم الثقافية العربية على الثقافات العالمية المعاصرة ، وخضوع هذا الانفتاح فى كثير من الاحيان لظروف التأثير السياسى والاعلامى - سلبا وايجابا - دون أن تتحقق له متطلباته الصحية المتمثلة فى فتح جميع النوافذ ، والاتساع لكافة الثقافات ، مما ادى الى ردود فعل متضاربة ازاء بعض المفاهيم والتيارات الاساسية فى الثقافات المعاصرة رفضا وقبولا - والى اختلاف فى المواقف من حيث النظرة العربية القومية الى هذه المفاهيم والتيارات ( على سبيل المثال لا الحصر : الفكر الماركسى والاشتراكى والوجودى ، تيارات العبث واللا معقول فكر العنف والغضب ، الفكر الثورى بوجه عام ٠٠) .

ومن هنا ، فان النظرة الى نصوص الاذاعة وموادها الثقافية لم يعد ينبغى حصرها فى اطار قومية الثقافة ومحليتها فقط ، وانما ايضا فى اطار قومية الثقافة ومحليتها وعالميتها .

ملاحظة ثالثة ، يكشف عنها تأمل نصوص الاذاعة وموادها الثقافية - فى اطارها العام - هى انه ليس هنا تصادم بالضرورة بين ما هو قومى وما هو اقليمى ، بين ما هو عربى وما هو محلى ، لكن المشكلة هى دائما فى المنهج الذى يتناول هذا وذاك ، والرؤية التى بها نستطيع أن نضع كلا منهما فى مكانه الصحيح من الخارطة الثقافية للانسان العربى المعاصر بحيث يتم التركيز على الاصيل والجوهرى ويصبح كل ما هو اقليمى ومحلى وعابر زيادة فى الغنى والثراء والتنوع فى الاشكال والالوان والظلال والسمات ، بهذا وحده يتحقق التكامل والتنوع ( على سبيل المثال : التناول الاذاعى لموضوع ادبى كأحمد شوقى شاعر العصر الحديث ، من الممكن أن يصبح تناولا اقليميا محليا ، ومن

الممكن أن يصبح تناولا قوميا عربيا ، فالعبرة هنا بمنهج الرؤية واسلوب التناول ) . .

على صعيد التطبيق :

لم يكن فى خطة هذه الدراسة أن تقدم بحثا احصائيا ميدانيا من واقع النصوص والمواد الثقافية الاذاعية ، بل كان اهتمامها الاول والرئيسى أن تشير الى ابرز الظواهر والاتجاهات الموجودة فعلا ، ذلك أن تأمل هذا الواقع يكشف عن بعض الاتجاهات العامة ويمهد لبعض التوصيات التى يمكن أن تكون مجال مناقشة :

أ ) يمثل البرنامج الثانى لاذاعة القاهرة ذروة الاهتمام الثقافى المتخصص لدى الاذاعة والموجه اساسا لمستمعى الثقافة الرفيعة ، والطابع العام لما يقدمه البرنامج الثانى يتمثل أولا فى انه يعكس أول ما يعكس الثقافة العالمية المعاصرة ( الدراما العالمية - البرامج الخاصة التى تتناول موضوعات وتيارات واعلاما من المعاصرين - المترجمات الحديثة فى القصة والشعر والادب بوجه عام ) ٠٠

تأتى بعد ذلك من حيث النسبة العددية لساعات الارسال ، ما يخصصه البرنامج الثانى من حيز للثقافة المحلية ، شعرا ونثرا ، قصة وحديثا ، بالاضافة الى بعض البرامج العلمية والادبية والخاصة . .

وفى المرتبة الثالثة ، يجىء ما يخصصه البرنامج الثانى للثقافة العربية ممثلة فى برامج خاصة تتناول موضوعات من التراث ( شخصيات ادبية وفكرية وعلمية ) .

وهكذا تتضاءل المساحة المخصصة للثقافة القومية وتنكمش ، لتأتى قبلها فى الاهمية والمساحة الزمنية المعطاة : الثقافة العالمية ثم الثقافة المحلية .

ب ) اذا نظرنا الى اذاعة اخرى هى " إذاعة صوت العرب " وهى كما يفهم من اسمها اذاعة قومية بالدرجة الاولى ، سنجد أن هذا الطابع القومى يصدق اكثر ما يصدق على موادها ونصوصها السياسية اكثر من انطباقه على نصوصها وموادها الثقافية التى تظل فى كثير منها خاضعة لامكانيات ومتطلبات الثقافة المحلية ، خاصة ما يتصل منها بالاداب والفنون ، فضلا عن الصعوبات التى سبق الحديث عنها والتى تتصل بالعزلة الثقافية بين كثير من اقطار الوطن العربى الواحد ، وانعدام القدرة والوسيلة على التواصل والتعرف على ملامح

الحياة الثقافية المعاصرة فيها ( على سبيل المثال : أين هى الصورة المكتملة لدينا عن واقع الحياة الثقافية فى السعودية أو فى اليمن أو فى السودان ؟ وما هو الدور الذى تقوم به النصوص والمواد الثقافية الاذاعية بالنسبة لحركة التعريب فى المغرب أو فى الجزائر وهى حركة عربية قومية فى المحل الاول ؟ والى أى حد تعكس برامجنا الثقافية الاذاعية النشاط العلمى العربى الموحد لعدد من المجامع العلمية المتماثلة فى دمشق وبغداد والقاهرة ؟ والى أى حد تستطيع أن تؤدى هذه النصوص والمواد الثقافية دورا بالنسبة لتوحيد المصطلح العلمى العربى ، والصياغة العربية لالفاظ الحضارة الحديثة وبالنسبة لمشاكل الترجمة الحديثة - على مستوى الوطن العربى كله ؟ الـخ . . . )

ج ) بعد ذلك ، فان الامر يتطلب تخطيطا شاملا - على مستوى الاذاعات العربية - تتحدد من خلاله النسبة بين ما هو قومى وما هو محلى ، على أن يراعى ذلك فى الخارطة العامة للمواد والنصوص الثقافية داخل كل اذاعة عربية ، علما بأن اذاعاتنا العربية جميعا بحاجة الى دراسة احصائية ميدانية عن طبيعة وحدود هذه النسبة حاليا وعن التصور السليم لها مستقبلا .

د ) ضرورة العمل على تأكيد وابراز جوانب اللقاء والتفاعل والترابط فى الثقافة العربية وجعل هذه الجوانب محورا للعديد من التناولات الاذاعية فى اشكالها وصورها المختلفة تحقيقا لتجانس الوجدان الثقافى العربى العام ، وهنا لا بد من التأكيد مرة اخرى على ضرورة الالتزام بالمنهج القومى والرؤية القومية والتناول القومى لكافة جوانب الثقافة العربية قديمها وحديثها .

ه ) ضرورة الاهتمام بالعنصر الفعال فى هذا المجال - ونعنى به عنصر الانسان - أى الاذاعى العربى نفسه - فقبل القرارات والتوصيات والخطط والخرائط الاذاعية ، لا بد أولا أن يتجه الاهتمام الى صنع هذا الاذاعى العربى وتشكيله وصياغته بحيث يتحقق فى وجدانه الثقافى هذا التناسق والتناغم والتكامل بين كل ما هو قومى ومحلى وعالمى فى ثقافته بحيث يصبح تأثيره وفاعليته من خلال المواد والنصوص الثقافية ، متجهين الى المسار الصحيح .

ذلك أن أخطاء التطبيق - التى سوف نكتشفها جميعا من خلال تأملنا لواقع الاذاعات العربية بالنسبة للجانب الثقافى منه - ناتجة بصورة رئيسية عن افتقاد النموذج البشرى المتوازن الثقافة ، المكتمل الفهم والمتمثل لثقافته فى ابعادها المختلفة ( القومية والمحلية والعالمية ) والمتصل بوجدان أمته وروحها وحضارتـها : تراثا وحاضرا واندفاعا الى المستقبل .

اشترك في نشرتنا البريدية