- 2 -*
اهمال الملحون بتونس :
واذا بحثنا عن مبدأ ظهور الشعر الملحون بلهجتنا المعروفة اليوم في تونس لا نستطيع الوصول الى معرفة ذلك الا بالتخمين اذ لم يقع الاعتناء سابقا بالبحث عن فنون الادب الشعبى فلا نعرف لحد اليوم بحثا قديما مستقلا فى التراث التونسى بخلاف الشرقيين الذين اعتنوا الى حد ما بهذا التراث فقد رأينا صفى لدين الحلى يخصص كتابة العاطل الحالى بالحديث عن الزجل وانواعه وابن حجة الحموى يتحدث عن هذا الفن في كتابه بلوغ الامل فى فن الزجل - والدجوى فى كتابه بلوغ الامل فى بعض أنواع الزجل.
كما اعتنوا أيضا بالامثال العامية التى تعتبر من التراث الشعبى مثل كتاب أمثال العوام فى مصر والسودان والشام لنعوم شقير وكتاب الامثال العربية المصرية ليوسف هانكى وحدائق الامثال العامية لفائقة حسين راغب والامثال العامية لاحمد تيمور باشا الى غير ذلك من المؤلفين الذين درسوا السير والقصص القديمة والعادات والتعابير الشعبية كالدكتور أحمد أمين والدكتورة سهير القلماوي والدكتور عبد الحميد يونس بل أن بعض جامعات الشرق قد فتحت كرسيا لتدريس الادب الشعبى فى كلياتها الادبية.
قلنا اننا لا نعرف لحد اليوم بحثا قديما مستقلا فى التراث الشعبى التونسى سوى ما يهتدى اليه الانسان خلال مطالعاته لمختلف الكتب القديمة الأدبية والشرعية والتاريخية من استطراد لذكر بعض العادات فى المراسم والاعياد والافراح والاتراح حتى اواخر القرن التاسع عشر المسيح فرأينا بعض المستشرقين الاروبيين يتوجهون للبحث الخاص فى هذا الموضوع منهم ( شتوم ) الالمانى الذى جمع نصيبا من الشعر الملحون وحتى عادات البدو بتونس وليبيا أواخر القرن التاسع عشر وظهرت مجموعته فى أجزاء ومنهم مجلة ( ابلا ) الصادرة عن الاباء البيض بتونس التى نشرت عدة دراسات فى الموضوع ومنهم الضابط ( سيران ) الذي نشر كتابا بعد الحرب الاخيرة جمع فيه بعض أساطير الجهات الجنوبية ومنهم الضابط ( مول ) الذي ألف رسالة عن
قلعة دوز جمع فيها ملاحم من الشعر الهجائى كانت لها قصة تتعلق ببلدة القلعة ومنهم المستشرق ( بوريس ) الذي قضى بالجنوب التونسى سنوات عديدة يدرس لغة الجهة وصدرت له كتب ورسائل فى لغة وتعابير السكان وفي عادات وتقاليد الجهة وما يقال فيها من أغان .
أما التونسيون فقد تصدى لهذا الموضوع المرحوم الصادق الرزقى فجمع كتابا سماه ( الاغاني التونسية ) جمع فيه كل ما هو معروف في العاصمة التونسية من عادات وتقاليد فى الافراح والاتراح وفى المواسم والاعياد وفي الزوايا والمزارات ومن اغان ونغمات عند مختلف الجماعات بحيث يعتبر هذا الكتاب من أحسن ما الف في الموضوع ولو انه يقتصر على الموجود في العاصمة التونسية وبعض المدن الكبرى وبقى تراث الجهات الاخرى فى الشمال والوسط والجنوب وعلى الاخص تراث سكان البادية والقرى لم يتعرض اليه غير المستشرقين فعند هؤلاء السكان تراث غاية في الجمال يجدر الاهتمام بجمعه قبل تلاشيه واهمالة فحفلات الاعراس الحديثة يجرى اختصارها عاما بعد عام وما كان فيها من حفلات تقليدية ورقص وأغان قد اختفي او كاد وعرس النعجة فى موسم الجز فى فصل الربيع قد اهمل أيضا فى بعض الجهات ولهذا العرس أغان تلقي على نغمات غاية في الابداع ، وهناك المأتم وما يلقى فيه من عبارات مسجوعة تساوق بها النادبات وقصة خاصة وهناك النواح وما فيه من أغان تلقى على نغمة المزموم وهذه الاغاني قد اضمحلت في كثير من الجهات نتيجة للتطور الحديث ، ولنا أمل أن تكون نتيجة السعي الذي تقوم به حكومتنا اليوم في الموضوع موصلة الى احياء هذا التراث والمحافظة عليه من التلاشى .
فقد عرفنا ان الشعر استمر على الطريقة الهلالية والاندلسية الى القرن الثامن ، وعثرنا على بعض القطع بلهجتنا التونسية نظمت فى القرن الحادى عشر واذن يمكن أن نتكهن بان الطريقة الحديثة للشعر وجدت في القرن التاسع او العاشر تقريبا وتطورت أوزان الشعر وظهرت فيها أنواع القسيم والمسدس والملزومة والسوقة التى تشبه فى هيكلها الموشحات والازجال اثر توارد اللاجئين الاندلسيين على تونس فى القرن الحادى عشر.
على أن تونس عرفت العائلات الاندلسية قبل هذا التاريخ فان عائلات كثيرة نزلتها فى أواخر القرن السابع والقرن الثامن ونحن نجد آثار لهجة هؤلاء الاندلسيين فى تونس قد سيطرت بالخصوص على لهجة العاصمة واحوازها .
حضرى وبدوى :
يختص الشعر الحضرى فى تونس بخلوه من الصور الشعرية الجميلة فى الغالب لانه منظوم على نغمة موسيقية محدودة أى أن القصد من نظمه كان
مقصورا على تاليف قوالب من الكلمات تساوق النغمة الموسيقية المقصودة واذا وجدت به صور شعرية بليغة فان وجودها يكون عفويا ، وغالبا ما توجد هذه الصور فى منظوم الشعراء المحترفين الذين يمتلكون حاسة شعرية متنبهة وقدرة على خلق المعانى والصور الرائعة .
أما الشعر البدوى فهو غنى بالصور الشعرية الرائعة لان المقصود من نظمه هو تلك الصور المعينة والموازين المنغمة فيه ، أمر ثانوى عند الشاعر ولذلك اقتصرت موازينه على القسيم والمسدس والملزومة والسوقة التى تشبه بعض أنواعها الارجاز والاهازيج فى الشعر الفصيح.
ويمتاز الشعر البدوى فى تونس- خصوصا فى الجهات التى يقطنها احفاد هلال وسليم - بمحافظته على الصور الشعرية المعروفة في الشعر العربى القديم خاصة الجاهلى فانك لا تكاد تفرق بين الصور التى جاء بها شعر جماعة من الجنوب فى وصف الفرس والمهرى والمطر وبين ما جاء فى شعر امرئ القيس وطرفة مثلا فى هذه المواضيع بالذات.
ويظهر ان لتوافق المناخ الذى عاش فيه القدماء والمحدثون واستمرار الحفاظ على العادات والتقاليد دخلا كبيرا فى هذه الظاهرة الشعرية، فمناخ الجنوب التونسى مثلا يقارب مناخ الجزيرة العربية والمناظر الارضية والاشجار متماثلة والعادات والتقاليد القديمة لا تزال آثارها ظاهرة وحتى نفس الاساطير القديمة المعروفة في العصر الجاهلى ما تزال ماثلة يقصها الناس مع شىء من التأقلم والتغيير مثل اسطورة ( شن وطبقة ) التى لا تزال معروفة يرويها الرواة مع شئ من التغيير والزيادة.
أمثلة للتشابه :
يقول امرؤ القيس في وصف حصانه :
قد اغتدى والطير فى وكناتها
بمنجرد قيد الاوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلود صخر حطه السيل من عل
كميت يزل اللبد من حال متنه
كما زلت الصفواء بالمتنزل الخ .
ويقول أحمد البرغوثي فى وصف الحصان:
الله لكوت حماق
فى الجرى سباق
عذي سيرته موش قلاق
مطلوق إيده وساقه
ولد الكحيلة بتحقاق
جابوه سراق
باعوه بيعان تدراق
قبضوا ثلاثين ناقه
أزرق كما صم الامداق
فى اللون يغماق
مرشوش ترشريش الاوجاق
داره بداره صفاقه
مهذول ريشات الاشدق
فى الصرع لهماق
عيونه كما صل بلحاق
تغلق وتفتح أنشاقه
أغذف ووذنية تلباق
وكرومته شناق
عرصة جهل بنئ عملاق
فى برج طاحت أنطاقه
صدره كما صيد الاخناق
وقوايمه رقاق
وحوافره مثل الاطباق
والعاج أسود حواقه
متين الظهر موش هقهاق
دفات وزياق
وكفل مكفوف يزناق
ودلال كرت اشلاقه
طواي في البعد شولاق
والصم دقداق
إذا عرق ونشف وفاق
يطرب وتسخن اطواقه
يخلى الوعر حافره زقاق
والصم دقداق
مجدوب فى بعض الاسواق
ضربوا جوادب اطراقه
إذا حس بركاب لهلاق
في الارض دياق
يقفز كما رمشة لحاق
يسبق رياح الشراقة
وعند التنظير بين القطعتين الفصيحة والملحونة لا يظهر التطابق في الوصف فقط بل التطابق حتى فى محاسن الفرس فما يعتبره القدماء حسنا لا يزال كذلك عند المحدثين .
- فمن محاسن الفرس عند امرىء القيس متانة ظهره واكتنازه . ( يزل الغلام الخف عن صهواته )
كان على المتنين منه إذا انتحى
مداك عروس أو صلاية حنظل
وكذلك هو عند البرغوثى
( متين الظهر موش هقهاق )
ومن محاسنه عند امرىء القيس رقة قوائمه
( له أيطلا ظبي وساقانعامة )
وكذلك عند البرغوثى
(صدره كما صيد الاخناق
وقوايمه رقاق)
ومن محاسنه عند امرىء القيس سرعته:
فالحقنا بالهاديات ودونه
جواحرها فى صرة لم تزيل
فعادى عداء بين ثور ونعجة
دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
وكذلك عند البرغوثى:
( طواي في البعد شولاق
في الارض مزاق
إذا عرق ونشف وفاق
يطرب وتسخن اطواقه
إذا حس بركاب لهلاق
في الارض دياق
يقفز كما رمشة لحاق
يسبق رياح الشراقه)
ويقول امرىء القيس فى وصف البرق والمطر
أصاح ترى برقا أريك وميضة
كلمع اليدين فى حبي مكلل
يضيء سناه أو مصابيح راهب
أمال السليط بالذبال المفتل
قعدت له وصحبتى بين ضارج
وبين العذيب بعد ما متأمل
على قطن بالشيم أيمن صوبه
وأيسره على الستار فيذبل
فأضحى يسح الماء حول كتيفة
يكب على الاذقان دوح الكنهبل
ويقول البرغوثى فى نفس الموضوع:
شير عل الابعاد
يظهر سحابه وهي ثلث قدود
عمال هوينزاد
والعقربة تخفق بغير برود
دكن سحابه اسواد
وتكلموا فى المزن زوز رعود
قرب جباه انقاد
باذن الاله الواحد المعبود
ظهرت الناس ارجاد
يتفرجوا على رحمة المعبود
جاهم الخير قصاد
متراكمه روس السحاب بنود
فكل من الشعرين الفصيح والملحون يبدأ بوصف البرق والسحاب ثم المطر وأثره فى الارض ثم ينتقل الى الحديث عن فرحة الحيوان فيصف صفيره كما يصف نبات الارض وبروز أعشابها الخ . .
وفى وصف الابل المهرية المستعملة للركوب فى الصحراء يقول طرفة فى ناقته :
وإنى لأمضى الهم عند احتضاره
بعوجاء مرقال تروح وتغتدى
لها فخذان أكمل النحض فيهما
كأنهما بابا منيف ممرد
وطى محال كالحفى خلوفه
وأجرنة لزت بداى منضد
لها مرفقان أقتلان كأنما
تمر بسلمى دالج متشدد
كقنطرة الرومى أقسم ربها
لتكتنفن حتى تشاد بقرمد
جنوح دفاق ، عندل ثم أفرعت
لها كتفاها في معالي مصعد الخ
ويقول ( بوخف ) فى وصف جمل مهرى من ملزومة طالعها :
رقراق دونك يا ظريف انيابه
حفز دار عالروس الخشوم ضبابه
رقراق يا ما شفه
جادون من يلبس غميق مرفى
ودك معفى ، قفزته بالخفه
ذرعيه صنفه ، وخطوته مصوابه
العروج هف ، كل جبهه ضف
حزق ضلع دفه ، السير تحت كرابه
قاصد عليه بلادى
بلا زاد داير خالقي معمادى
يهيدب يدادى ، يزوز فى الارداد
قطع انهادي ، وتر قلبي جابه
موشى جرادى ، قبح فى الاضواد
أريل حمادى ، قامحات كلابه
لا هدر في نياقه
لاقسم سارح من حليب فهاقه
أشقر صفاقه ، ريم فى رقراقه
مجرود ساقه ، مدورات اكعابه
يروجوا حلاقه ، محزمه يتلاقي
يحرم مذاقه ، اليا قصد احبابه
لأسفر لمخاطر
لاخش فندق حرقفوه قناطر
يوخرص فاطر ، قص دوره شاطر
شهوة الخاطر ، منية الركابه
يقطع عواطر ، غيمهم متقاطر
دون من يساطر ، قطبته واسرابه
ويجتمع طرفة وبوخف فى وصف اجزاء المهرى وصفا مدققا يصور للقارئ راحلة الشاعر بجميع اجزاء بدنها تصوير خبير بالابل يعرف صفات السريع منها والبطئ فكلاهما يلح على رقة القوائم مع قوتها
(أمرت يداها فتل شزر )
( مجرود ساقه ، مدورات اكعابه )
وعلى سرعة السير
( وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد)
(يهيدب يدادى ، يزوز في الأرداد، قطع أنهادي ، وتر قلبي
جابه )
( اريل حمادى قامحات كلابه )
وعلى ذكر السراب الذي يتراقص فى طريقهما كناية عن بعد المسافة واقفار الارض :
(أحلت عليها بالقطيع فأجذمت
وقد خب آل الامعز المتوقد )
( يقطع عواطر غيمهم متقاطر )
وهكذا يتلاقى الشاعران فى وصف اجزاء بدن الراحلة وفى وصف سيرها وجو الارض التى تقطعها .
ولو اردنا تتبع التشابه بين الشعرين ومظاهره فى مختلف المواضيع لطال بنا البحث فنحن نجد تشابها غريبا فى أغاني السقى على الابار ، وأغانى ترقيص الاطفال والحداء واغانى المأتم وأغانى الافراح الخ. . .
أهمية الملحون :
والشعر الملحون فى تونس له أهمية بالغة من النواحي الادبية والسياسية والاجتماعية فهو يشتمل على آيات رائعة من الصور الشعرية والمعاني البليغة وهو يشارك فى أهم الاحداث الاجتماعية فيسجلها فى صور متعددة وهو
بالتالي يحتفظ برصيد زاخر من الوثائق التاريخية التى تسجل احداثا سياسية هامة مما يصلح أن يكون مرجعا من المراجع التاريخية الهامة ومن الغريب أن نجد العلامة ابن خلدون يقول فى مقدمته عن الاغاني التونسية فى زمنه : انه لم يتعلق بمحفوظه شىء منها لرداءتها وهو المؤرخ الباحث والاديب المطلع .
ولا يمكن أن نعتذر عن ابن خلدون بأنه لم يطلع الا عن بعض الاغاني الرديئة ما دام قد اورد هو نفسه شيئا من القصائد البليغة للتونسيين كقصيدة ( خالد بن حمزة ) التى اوردها فى قصائد الاعراب المختارة لبلاغتها وخالد بن حمزة معروف من رعايا تونس ومن شيوخ اعراب الكعوب.
واذا كان هناك عذر يلتمس لابن خلدون فهو حمله على أنه يقصد اغاني العاصمة من النوع الحضرى الذى ذكرنا سابقا انه يخلو غالبا من الصور الشعرية .
فمن الصور الشعرية الرائعة فى الشعر الملحون التونسى قول الشاعر
مسكين جمل النواعير
بالهجر ضاقت خلوقه
يسمع فى الماء بوذنيه
لا يشبحه لآ يذوقه
واذا عرفت أن جمل الناعورة تغطى عيناه أثناء دورانه لاستخراج الماء اثناء العمل ظهرت لك الصورة الشعرية الرائعة التى لا تقل روعة عن قول المعرى :
والعبس أقتل ما يكون لها الصدى
والماء فوق ظهورها محمول
ومن ذلك أيضا قول الشاعر
ضوى خد من هز النسيم قناعه
استغفرت نحساب القمر فى القاعه
فهو يصف دهشة الشاعر عند ما لمح فجأة امرأة وقد رفع النسيم قناعها عن وجهها فتصور من دهشته أن معجزة حدثت بظهور قمر السماء على وجه الارض .
وقد سجل الشعر الملحون جميع مظاهر الحياة الاجتماعية واحداثها وتعرض للعادات والتقاليد والاخلاق العامة كما سجل الاحداث السياسية وأطوارها من ثورات شعبية ومعارك حربية وانتفاضات ضد المحتلين فى مختلف الازمان ، والنماذج من هذا اللون كثيرة جدا يحتار الانسان أمام اختيار شئ
منها فهناك اشعار رائعة فى وقائع تاريخية وسياسية هامة كمقاومة الاحتلال الفرنسى وكوقائع الزلاج والتجنيس والانتفاضات التحريرية التى قام بها الحزب الدستورى الجديد والثورة الاخيرة التى أدت الى الاستقلال ومعركة الجلاء الخ . . مما يصلح أن يجمع ويحفظ كوثائق تاريخية تصلح مرجعا هاما لتاريخ تونس الحديثة:
أغراض ومصطلحات :
واغراض الشعر الملحون كثيرة ولها اسماء خاصة فى اصطلاح ارباب هذا الفن .
- فشعر الغزل والنسيب يسمى عند ارباب هذا الفن ب ( الاخضر )
- ووصف الخيل يسمى عندهم ب( الكوت ) والكوت هو الحصان ولهم طريقة خاصة فى صوغ هذا الوصف على عرض خاص حيث لا يقتصرون على وصف الفرس بل فى الغالب يبدؤون بذكر بعد الحبيب والبر الواسع الرهيب الحائل دونه الذى يقطعه الا فرس متين يركبه فارس شجاع وهنا يصفون الفرس بجميع اجزائه ويصفون الارض التى يقطعها والوصول الى الحبيب ثم يصفون ذلك الحبيب يتبعون ذلك غالبا بوصف معركة تحدث بين ذلك الفارس وبين حراس الحبيب تنتهى بانتصاره عليهم.
- وشعر النجعة ويسمى عندهم بشعر ( النجوع ) وفيه توصف نجعة حي بدوى الى أرض خصبة ويأتى الشاعر على ذكر الحركة والاستعداد للرحيل بعد النبأ الذى تلقوه من الرواد بخصب الارض المرتحل اليها وتوصف الابل المحملة والفرسان الذين يحمونها والنساء الماشيات في كسل خلف الابل ثم توصف الارض المرتحل اليها وما فيها من اعشاب ونباتات ويوصف الفرسان عند خروجهم الى الصيد وقد يستطرد الشاعر الى ذكر احدى الغارات على الحى ودفاع أهله عليه .
- وشعر وصف المطر ويسمى عندهم ب( البرق ) وهذا النوع يشبه شعر النجعة حيث يصف فيه الشاعر السحاب والرعد والبرق والمطر النازل ثم ينتقل الى وصف آثار ذلك المطر فى الارض من سيول ونباتات وفرح الحيوان بذلك ورحيل الاحياء الى المكان الممطور وقد يستطرد الشاعر الى ذكر الصيد والغارات ودفاع الحماة عن احيائهم.
- وشعر الحرب ويسمونه شعر ( الخطارى ) وهذا في الغالب يختص بوصف معركة مخصوصة ومدح الذين ابلوا فيها بلاء حسنا وهجاء الجبناء . - وشعر الهجاء ويسمى عندهم ب ( الاحرش ) وعند المصريين بالقرفى من القرف . - ونقد المجتمع ويسمى عندهم ب( العكس ) وهذه الكلمة جاءت من عمد.
الشاعر غالبا فى هذا النوع الى الرمز فيذكر الاشياء معكوسة فيجعل الفأر متغلبا على القط والخروف متغلبا على الذئب الخ كقول الشاعر :
الداب كاتب حجه
منه الضبوعة هاربه تتلجى
والكبش ريتجاب ذيب وقتجه
وذرية جاو مكتفين غصايب
البدعه الكبيره الفار رامى سرجه
وراكب على قطوس شارف شايب
- وشعر الوعظ والارشاد وما يتبعه من توحيد وتصلية على النبى صلى عليه وسلم ويسمى عندهم ب ( المكفر ) فكأنما يكفر به الشاعر عن ذنوبه التى انجرت اليه من شعر التغزل والهجاء وهكذا يسمية المصريون أيضا .
- وشعر الالغاز ويسمى عندهم ب ( الرباط ) وهو نفس الاسم الذى يطلقه المصريون على هذا الفن ، وكلمة الرباط فى الجنوب التونسى جاءت من ان الشعراء يربطون به العرس أى أن الشاعر يعمد الى الاتيان بلغز يتحدى به شاعرا آخر فاذا استطاع حله فقد انتهى النزاع وان لم يستطع بقى العرس مربوطا أى أن الداخل والخارج للحفلة يمنعان من الدخول والخروج حتى يتكرم الشاعر بحل اللغز إلى غير ذلك من الاغراض الكثيرة كالمدح والتشكى ومحلات الشواهد الخ . ...
وكنت أود أن أسرد عليكم نماذج من هذه الاغراض كما كنت اود أن أتعرض الى تفصيل موازين هذا الشعر الكثيرة ولكن ضيق الوقت يضطرني الى عرض بعضها فى كلمات مختصرة .
ان موازين الشعر الملحون لم يستطع حصرها أحد الى اليوم لكثرتها وتفنن الشعراء فى اختراع الموازين الجديدة.
وقد حاول بعض القدماء أن يحصرها فى اثنى عشر اصلا وجعلها بعضهم واحدا واربعين وتجاوز بها بعضهم المائة . ويدعى بعضهم أن هذه الاوزان كلها ترجع الى الاصول الاثنى عشر وقد تتبعت أنا شخصيا هذه النظرية وحاولت تطبيقها على الاوزان الموجودة فادركت أن النظرية خاطئة وان جمع الاوزان وتعدادها لا يمكن الوصول اليه الا بعد التمكن من جمع التراث القديم والحديث وتتبع الموازين بالاستقراء.
وقد شك المرحوم أحمد بن موسى أكبر شعراء الملحون بتونس فى صحة هذه النظرية فقال :
أصل الغنا كان سته وسته
دليلله نعته
الرب معبود والعلم شتى
فهو يقول أن الموازين كانت عند القدماء اثنى عشر ولكن العلم شتى لا يمكن الوصول الى حصره فى عد. وقال الشاعر الحاج مصطفى
أصل المعاني كانوا اثناش يافلان
والذي يعاندني هم واحد واربعين
وقد علق أحد الادباء على هذا القول فى رسالة مخطوطة بقوله ( وقول الحاج مصطفى صحيح حيث انه لم يذكر الا بعض فروع الاصول والا فجملة ما وجدناه الى يومنا هذا أكثر من مائة معنى مع ما سيحدث عليه بعد ) وقصدهم من كلمة معنى هو الوزن .
ولضيق الوقت كما قلت سأقتصر على ذكر بعض هذه الاوزان التى ترجع فى الاصل الى القسيم والمسدس والملزومة والموقف .
فمن انواع القسيم 1 ) المغراوى مثل
باسم المعبود فى البقا واحد أحد
لادو نودون بتسخيرو جرات الاقدار
2 ) العوارم مثل
العيون السود مغنجات الاشفار
كحلهم ربانى زاد الهذوب سر
3 ) العرضاوى مثل
حبيب إن زرع لي في الضمير حسيفه
من غير لادرتش معاه احساف
وميزانه يساوى ميزان الملزومة بورجيلة 4 ) الحمرونى مثل
كنت معاملك فيما مضى
لاهو خوف لانا طامعين
5 ) المحدور مثل
عيف الدنيا اللى تبين صدها
لا ياتيك عيار بعد صدودها
6 ) الروشن مثل
حسن ظنك يا بنادم في مولاك
7 ) العروبى وميزانه معروف
8) الفارس وتراس والاصل فيه بورجيله ناقص المصرع الاول مثل
بالله يالافراس
ردوا النبا ياراكبين الخيل
ومن انواع القسيم عوارم مزيود وعوارم مقطوف والمربع والمزحوف الى آخر هذه الأنواع.
- ومن انواع المسدس
1 ) البسيط وهو ذو ستة اغصان
2 ) العريض وهو ما تجاوزت أغصانه الستة
ومن هذين النوعين تتفرع أنواع أخرى
3 ) المبطوح مثل
لاش يا سلطانة جيلك
تقصر جميلك
على اللقا بين تاويلك
4 ) المضموم مثل
ضحضاح ما يقطعه من توانى
واسع اركانه
جادون من ينحبوا عل جبانا
5 ) سعداوى مثل
العز خاله والاخيل
جحاف ومرااحيل
ونجوع فى الصحرا مخاويل
ومن اوزانه المربع والمزحوف والمردوف والحمرونى والسماوى قصعة والسماى موقف الخ . . .
- ثم الموقف ( والموقف عبارة عن قصيد يشبه القسيم الا انه يتركب غالبا من أربعة أغصان تتحد قافية الثلاثة الاولى وتختلف قافية الغصن الرابع الذي هو الخرجة أو المكب كما تتحد قوافى الاغصان الثلاثة فى جميع القصيد وكذلك المكبات تتحد قافيتها أيضا وغالبا ما يكون الغصن الثاني ناقصا تفعيلة عن اخواته ) وانواعه كثيرة منها
1 ) المقطوف مثل
موقف نجيببو بتعديل
من خزنة الهيل
مفصل على الحرف تفصيل
ما فيه كلمه زياده
2 ) المبطوح مثل
سميت باسم العزيز المقدر للخلق ينظر
لا ثم فى الملك غيرو يدبر الواحد القهار
3 ) المربع الكامل ( ووصفه بالكامل يتمثل فى اتمام نقص الغصن الثاني) مثل
أصل الغنا ليه تاويل على البل والا على الخيل
مضبوط لا فيه تمهيل تصغاه أهل المثايل
ومن انواعه المزحوف والفارس والتراس الخ . . - ومن انواع الملزومة 1) أشهرها بورجيلة مثل
حبيب ان زرع لي فى ضميرى غصه
من خاطرى نقطع غلاه نقصه
2) العيدودى مثل
يا عوم الغيد ما نحساب اديريلى
كيف بنت دريد غرت بحسونه الليلي
3 ) العيدودى المقلوب مثل
نارى تشعل فى الجاش مرسول فلانه
غيب عني ما جاش والبعد اقسانا
4 ) القعمازى مثل
يا عيشة حبك ما امره خلاني مهموم
محتار نلوج فى الجره عل جالك يا عوم
5 ) السعداوى مثل
يا نجع ان قلفط وانزاح خش الضحضاح
زعمه وين ناوى يرتاح
6 ) المطرود مثل
سالمة سامر موقود كواني من عينيك السود
وللملزومة موازين متعددة أخرى وأنواعها كثيرة منها ما يمت بصلة الى بورجيلة ومنها ما ينسب الى العيدودى والى المطرود والمزحوف.
ولشعراء الملحون فى كل جهة طريقة خاصة فى القاء هذه الانواع وتقاليد يراعونها فى حفلات الاعراس وكل نوع من هذه الانواع له نغمة خاصة فغالب الشعراء المحترفين فى تونس واحوازها مثلا عندما يقفون فى العرس للغناء يبدؤون اولا بطالع من نوع العروبي او من نوع المثلث يجعلونه كمقدمة للموقف ويشترطون أن يكون الطالع من نوع غرض الموقف ان كان اخضر فالطالع يكون اخضر وأن كان من نوع الكوت يكون الطالع كذلك واثر الطالع يأتى الموقف ثم يعقبون الموقف فى الغالب بمسدس ويأتى بعد المسدس قسيم ويختمون بملزومة وأغلبهم يوحد الغرض اى انه اذا بدأ بالاخضر يستمر فى الاخضر واذا بدأ بالبرق يستمر فى البرق واذا بدأ بالكوت يستمر فى الكوت الى النهاية والملاحظ ان النغمة تختلف عن بعضها فالنغمة التى يلقى بها الموقف غير التى يلقى بها المسدس وهكذا وقد يعمدون أحيانا الى الاتيان ببعض الحشو كمحلات الشواهد مثلا تتخلل هذه الانواع من الشعر التى تلقى فى موقف واحد.
