* البنية القصصية فى رسالة الغفران - تأليف : حسين الواد - 96 ص ( نشر الدار العربية للكتاب )
* البنية القصصية ومدلولها الاجتماعى فى حديث عيسى بن هشام - تأليف : محمد رشد ثابت - 312 ص ( نشر الدار العربية للكتاب )
لأكثر من سبب واحد ، يمكن التحدث عن الكتابين المشار اليهما - أعلاه - ضمن (( مذكرة قرائية )) واحدة ، داخل هذه الكناشات ، وذلك لأن هذين الكتابين هما الكتابان الوحيدان الصادران عن الدار العربية للكتاب والمتضمنان لاصرار واحد ، في مقدمتيهما ، على عبارة (( مغامرة من مغامرات البحث ))
وهي عبارة نجدها تحت قلم الاستاذ توفيق بكار فى تقديمه للكتاب الاول ، ثم نجدها تحت قلم الاستاذ صالح الڤرمادى فى تقديمه للكتاب الثانى .
والاستاذان المذكوران كأنهما يكتبان بقلم واحد !
أما البحثان فهما بحثان جامعيان نوقشا ( بين جوان 1972 ، واكتوبر 1972 ) لنيل شهادة الكفاءة فى البحث بكلية الآداب بالجامعة التونسية . .
(( مغامرة )) البحث فى الكتاب الاول ( لحسين الواد ) فى دراسته ( البنية القصصية فى رسالة الغفران ) تمثلت ( بالخصوص ) فى أنه انطلق من (( الإنشائية الهيكلية )) كاطار نظرى ، وكفرضية عمل ، وبعد ضبطه لمنزلة ( الرحلة ) من (( رسالة الغفران )) للمعرى ، وقف عند نص ( الرحلة ) ولم يتجاوزه ، ثم هو فى وقوفه عند نص ( الرحلة ) لم يتجاوزه كشكل وبناء الى ( مظهره المدلول) ، ايمانا بأن الهيكليين ، لم يقصدوا الهزل عندما ذهبوا الى أن (( الشكل هو ما يسمح لأجزاء الأثر بالدخول فى علاقات غير اتفاقية ، وأن المعنى رهين التركيب الواعى للأجزاء التى تكون الأثر)) .
أما مغامرات البحث ، فى الكتاب الثانى ( لمحمد رشيد ثابت ) فى دراسته ( البنية القصصية ومدلولها الاجتماعى فى حديث عيسى بن هشام) ، فقد
تمثلت في أن ( ثابت ) لم يقف عند (( الجانب الشكلى)) ، على نحو ما فعل ( الواد ) ، وإنما تجاوزه الى (( المدلول الاجتماعى )) فى حديث عيسى بن هشام ، مع خلق جدلية ثرية بين تحليل ( البنية القصصية ) و ( المدلول الاجتماعى ) لها ، اعتمادا على بعض مبادئ منهج التحليل الاجتماعى للادب وهي مبادئ تعد كتابات لوسيان ڤولدمان Goldmann من (( أبرز الاعمال الموضحة والمطورة له)) .
هذا الوصف للملامح العامة (( للمغامرتين )) يبدو مختزلا ، أكثر مما ينبغى ، ولذلك يمكن اضافة ما يلى :
اولا - يقول [ توفيق بكار ] متحدثا عن حسين الواد : (( فبدأ بتحديد العلاقات اللفظية والمعنوية التى تربط بين (( الرحلة )) من ناحية رسالة ابن القارح وجواب المعرى عنها من ناحية اخرى لعله يقف على (( مولدات )) هذا الاستطراد المفاجئ الطويل الى عالم الجنة والنار فيفهم وظيفة هذا الذى سماه بعض النقاد (( جملة اعتراضية )) انفتحت فى بداية كلام المعرى وكادت لا تنغلق . . ))
(( وعمد الى النص بعد ذلك فحلله مقطعا مقطعا من وجهة القراءة السياقية لاستجلاء منطقه السردى وما انبنى عليه من صيغ الترابط كالنظم والاستتباع والتضمين ثم محورا محورا من وجهة القراءة الوظائفية لدراسة أوضاع المكان والزمان ، فموقع النظر الذى منه سرد الراوى الاحداث قدم الاشخاص فتوزيع هؤلاء الاشخاص وطبيعة الصلات التى تشدهم الى بعضهم بعضا )) .
ثانيا - يقول ( صالح الڤرمادى ) متحدثا عن محمد رشيد ثابت : ( وجاءت النتيجة التى توقف عندها المؤلف في الجزء الاول من التحليل رفضا لعملية التصنيف الآلى والاتباعى للاشكال الادبية الموروثة ، وكشفا عن شكل قصصى متصدع ، تمثل ظاهرة (( التحول المحجوز )) أهم خصائصه اثر تفجير العلاقات الداخلية التى تهيكل الاثر فى مستواه الادبى الانشائى واثر اعادة بنائها من جديد ، ثم انتقلت الدراسة فى الجزء الثانى من البحث الى مستوى المضمون فكان المنطلق الرئيسى ، خلال كامل هذا الجزء ، مبادئ (( الهيكلية الحركية )) Structuralisme génétique ومبادى منهج التحليل الاجتماعى للادب ))
(( المغامرة )) الاولى ( البنية القصصية فى رسالة الغفران ) لئن كانت مقصروة بطبعتها على حد الوصف لشكل القصة ، فهى تمهيد جاد لبحث يكملها باستخراج (( المداليل )) .
(( والمغامرة )) الثانية ( البنية القصصية ومدلولها الاجتماعى فى حديث عيسى بن هشام ) ، فهي بمزجها بين التحليل للبناء الشكلى للاثر ، وعلاقته ككل بالواقع الاجتماعى والتاريخى الذى يعبر عنه ، فهى فتحت آفاقا بكرا (( وغير معهودة لدراسة الادب العربى )) . . .
بعد هذا العرض السريع للأثرين الدراسيين ، لا يسعنا إلا أن نبدى الملحوظات المتواضعة التالية :
1 - إذا نظرنا من زاوية مجمل الدراسات الادبية الصادرة بتونس منذ 1972 إلى اليوم ( أى بعد انتكاسة (( الحركة الادبية الشابة )) التى ترعرعت في شكل اتجاهات حديثة فى الشعر والقصة والمسرح والنقد) ، فاننا نلاحظ أن الكتابين الذين كنا بصددهما ، دعم للحركة التجديدية ولما اتسمت به من نزوع حى مستقبلى الى التجريب للمناهج الحديثة والى التفتح عليها . .
2 - إذا نظرنا من زاوية أكثر ضبطا وتحديدا ( أى من زاوية البنية العامة للحركة الادبية الشابة التى تضم فى إطارها تنوعا يصل إلى حد التناقض ) فاننا نلاحظ ان الكتابين اللذين كنا بصددهما ، لا يمكن اعتبارهما دعما لجزء غير أساسى من العناصر المنتسبة الى الطليعة . أى ذلك (( الجزء )) الذى ساهم فى الادب التجريبى والحركة ككل دون أن تكون له أهمية من أحدثوا التحول ( مثل عز الدين المدني ، وسمير العيادى ، ومحمود التونسى والحبيب الزناد) .
3 - رأيى الخاص ( باعتبار جزءا من الاطراف ، متجادلا معها سلبا وايجابيا) ، أرى أن (( المغامرتين )) المشار اليهما فى البحث ، لئن كانتا أقل أهمية من ذلك النزوع لدى المنتجين الاساسيين الى مزجهم بين (( الكتابة )) و (( خلق المقاييس )) ونطلاقا من الممارسة (( للكتابة)) ، فهما ( أى المغامرتان المتمثلتان فى كتابي (( الواد )) و (( ثابت)) ) تتكاملان مع مجمل الحركه دون الترادف معها ، أو الحلول محلها . .
فهل أخطأت في الحكم ؟ لا أعتقد ! وشخصيا أرى أن المناهج الاجنبية حل اضطرارى غير نهائى ، وإلا أصبح نزوعنا إلى ايجاد البديل الايجابى لعبة صبيانية يحل فيها الشعار محل الواقع ، ويحل فيها النزوع النظرى محل الفعل . و (( البديل الايجابى )) هو أن يفجر النقاد العرب من تربتهم التاريخية والحضارية ، ومن تفاعلهم مع مناهج الغير ، الاصول الفكرية لمناهج علمية غير مستعارة ، وغير موروثة . . . وغير أوربية المنشأ ، وغير (( قولدمانية )) الاسلوب ! ( مع احترامنا بالطبع لمناهج الغير )
فالناقد الذى يصبح بارعا فى تطبيق المناهج الاجنبية هو أشبه شئ بأى اختصاصى محلى يرسل الى الخارج فى شكل تربص . وهذا حسن وضرورى ، ولكن ذلك (( المتربص )) يتحول الى اكثر من متتلمذ مقلد عندما يتوفق الى أن يخترع ، ويبتكر لا سيما إذا انتقل من التحرك على أفق الآلات المستوردة الى أفق التراث والحساسية والبنية الحضارية للشعوب التى ينتمى اليها . . .
وقد يذهب الظن ببعض المتعاملين بشئ مفرط من الحرارة مع المناهج الاجنبية الى أن ((علمية )) تلك المناهج هى علمية تفضى نفس الاسباب فيها الى نفس النتائج ( على الصعيد الموضوعى ) . . . وهذا خطأ فادح لسبب بسيط وهو أن أربع قراءات (( علمية )) لرواية (( القضية )) (( لكافكا )) لا تفضى - رغم علميتها - الا الى أربعة تفاسير متباينة ، الى حد التناقض ، لنفس الرواية . . وهذا راجع الى أن علمية المناهج الادبية ليست من جنس علمية مناهج العلوم الصحيحة .
فالمطلوب إذن ، أن يواصل المنتجون ) للاتجاهات الجديدة على مستوى الخلق ) انتاجهم على هامش الخلق للنظريات الجديدة ، الجمالية وغير الجمالية على نحو ما فعل ادونيس فى الشرق ، وعز الدين المدنى فى تونس .
والمطلوب أيضا ، هو أن تتحفنا العناصر ( التى هى من جنس (( الواد )) و(( ثابت )) ) بالمزيد من بحوثها الجادة . . . فهى لا شك ضرورية وتخدم المستقبل . .
ولكن الاهم ، هو التجاوز لأزمة المنهج فى الفكر العربى عن طريق بلوغ المثقفين العرب فى تونس وفى غير تونس الى (( اختراع )) البديل الايجابى للبضاعة المستوردة من الاجنبى ، أو من متاحف التراث العربى الاسلامى
