انتظم يوم 12 نوفمبر 1976 بنزل إفريقيا ( تونس ) بدعوة من اتحاد الكتاب التونسيين ومشاركة الديوان القومي البيداغوجى ملتقى هام لإعتبارات عديدة : هام من حيث موضوعه لانه تناول الادب التونسي وعلاقاته بالتعليم والثقافة لان الادب اصبح ينفصل شيئا فشيئا عن ميادين كان فى السابق لصيقا بها ولأن الادب التونسي ظل فى تونس الحديثة شبه معزول عن ركيزتين بارزتين فى الحضارة ألا وهما التعليم والثقافة ، علما بما للادب من دور كبير ووظيفة عظمى فى صهر المجتمع وابراز القيم التى بدونها لا يستقر قرار ولا تستقيم حضارة .
وهام ايضا للحصيلة الممتازة التى امكن تسجيلها ، رغم ان الملتقي لم يدم إلا يوما واحدا : عمقا في المسائل المثارة ، ودقة فى تناولها ، ومستوى غالبا ما كان رفيعا في المناقشة ، وحرصا مشكورا على الظفر بجملة من الافكار امكن للجمع المتنوع المشارب بأن يتفق حولها فى لائحة ختامية .
وهام كذلك لأنه جمع حول مائدة الادب والادب التونسي خاصة جمعا قل ان اجتمع لمناقشة هذا الموضوع . إذ ضم الى جانب أعضاء الاتحاد ، اساتذة الجامعة ، والمتفقدين للتعليم ، والباحثين والموسيقيين ، والصحفيين والمنتجين الاذاعيين والتلفزيين وغيرهم .
كل هذا حرصت مجلة الفكر على إبرازه فى هذا العدد الخاص جامعة كل الكلمات مع الوثائق التى قدمت كمنطلق للنقاش ، راغبة فى أن تعم الفائدة ولا ننحصر فى المشاركين فقط حتى يتم تحسيس الرأي العام لهذا الموضوع الهام الملتصق أشد الالتصاق بالكيان الثقافي التونسي ، والمساهم بقسط وافر في إثرائه وتكييف مستقبله .
وإن المتصفح لهذا الملف ليلمس فى تدخلات المشاركين غيرة على الادب التونسي مرموقة تتجلى خاصة فى تعديد العراقيل والصعوبات ورواسب عصور الانحطاط وكل ما من شأنه ان حد من النهضة الادبية التونسية وتظهر كذلك فى الإقتراحات والتوصيات البناءة التى كشفت عنها اللائحة بصفة عامة . اذ هي لاحظت أن الادب التونسي لا يقوم بدوره الوظيفي في المجتمع ولعله لان الاديب التونسي لا يحتل المنزلة اللائقة التى تنبغى له سواء بسبب الظروف الحافة الطاغية عليه ، أو بتقصيره فى مجابهة أوضاع تتقلب وتتغير حسب معطيات لم يقدر على التحكم فيها أو الكشف عنها .
ولعل السبب الرئيسى كما لاحظت اللائحة هو " عدم تجسيم الاختيار اللغوي وبلورة الاتجاه الثقافي القومى فى مجال الادارة والتعليم والحياة اليومية " وهو الذى "عرقل الادب التونسي عن الانتشار والادباء التونسيين عن القيام بدورهم الطبيعى " ولا ننسى ما لوسائل النشر والتوزيع من مسؤولية فى كل هذا .
على انه من الواجب علينا كادباء ، نصدع بالواقع ونؤمن بالقيم ، ان نحدد مسؤوليتنا فى كل هذا . ولعل طبيعة العمل الادبي الذي يفرض العزلة ويقتضى شيئا من التفرد هو الذي يصرف الكثير منا على مجابهة ما تقتضيه الحياة العصرية المتشعبة المتماسكة القطاعات ، من يقظة ، ومن كفاح ، وسبق ودراية بمختلف المسالك الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية وذلك للوصول الى الطريقة التى بها يسمعنا الرأى العام والمسؤولون على حظوظ البلاد فيتفهموا شرعية مطالبنا ويعينونا على فض المشاكل القائمة .
فواجبنا إذن بعد هذا الملتقى الهام الذى تعرف فيه اعضاء الاتحاد الى المجهود الذي يقوم به ، فى سبيل الادب التونسي ، أساتذة الجامعة والمتفقدون للتعليم والصحفيون وغيرهم هو ان نتتبع كل المقترحات ونوعز الى كل من يهمهم الخلق الادبي بمحاولة تطبيق ما اتفق عليه الجميع ، ويا حبذا لو تفرغت لجان مختصة
(تضم أعضاء من اتحاد الكتاب ونخبة من أساتذة الجامعة او تضم أعضاء من الاتحاد ومنتجين تلفزيين وغير ذلك ، من اللجان ) تجتمع من حين الى آخر لضبط الجزئيات فى سبيل تحقيق ما نرغب فيه جميعا .
ولعله يتضح من عمل هذه اللجان ما يتعين على الاتحاد الاقدام عليه من دون إلقاء المسؤولية على الغير ويتجل كذلك أهم ما يجب أن تقوم به الاطراف الاخرى ويتبين للرأى العام ولأهل "الحل والعقد " ضخامة دور الأدب في النهضة الشاملة وعلاقته الاكيدة مع كل القطاعات الاخرى لا الثقافية فقط ، وجسامة مسؤوليته فى بناء مستقبل البلاد
وليس هذا الا مجرد اقتراح لفك اسر العزلة التى تنتاب الفئات الخلافة في بلادنا ولسن التقاليد المناسبة لدخول المادة الادبية والثقافية بصورة عامة فى دولاب المجتمع بدون قسر ولا اصطناع لان ترك الامور بطبيعتها وعلى سجيتها فى هذا الميدان لا يتماشى مع فلسفتنا التى تريد أن تغير ما بالنفوس وما بالمجتمع وقد غيرت الكثير
فعسى ان يكون هذا العدد حافزا لكل الهمم على أخذ هذا الموضوع ماخذ الجد مبعدا عنها كل ما من شأنه أن يغرقها فى الهوامش وسفاسف الامور لان رائدنا جميعا هو خدمة الانسان التونسي الذي هو بدوره يمثل قيمة عربية فى صرح الانسانية لبناء مستقبل البشرية .
