- 1 -
انا - حين ابتدع القصيدة - لا أفكر في العواقب :
في ما تجر من الخسارة ،
أو تفيد من المكاسب .
أنا لا أفكر في رضاء المعجبين بها ،
ولا في سخط غاضب .
أنا حين ابتدع القصيدة . . .
أفرغ الآناء والأنحاء من حولي ؛
كأني في سكون الدير راهب :
استقطر الخلجات من لب الضمير
كرشة الأنداء صافية ،
فلا خلط يشين ولا شوائب .
أنا هكذا . . !
وكذا تكون قصائدي .
فإن اكتسبت رضاء قرائي فيا أهلا ! ! !
وإن سخطوا فإني اسف ،
" والله غالب " .
أنا - حين ابتدع القصيدة - أجمع الدنيا على ورقي ،
وأنزل من مسابحها الكواكب .
- 2 -
أنا - حين تملكني القصيدة - ابسط الكفين مبتهلا ،
وأدعو الله - جل جلاله - الا يفك سلاسلي .
أنا - حين تملكني القصيدة -
أحمد الله الكريم على نعائمه ،
وأدعوه ليبقيني على رقي ،
وقيد سلاسلي .
أنا - حين تملكني القصيدة -
استعيض مدارجي بماسبح من ذوب ياقوت ،
وضوء سائل ،
وتظل نجواي انصهار الروح في الروح ،
وذوب الذات في الذات ،
ولقيا التربة العطشى بغيث هاطل .
أنا - حين تدعوني القصيدة -
استجيب لها بحرق مسافتي ،
وبنهب أبعادي ،
وطي مراحلي .
لا أمر الا أمرها ،
لا نهى الا نهيها ،
ولربما كانت كرامة مكرمي ،
ولربما كانت قذيفة قاتلي .
-3 .
يا قارئي !
ان كنت صاحب مبدأ ،
فبأي حق تستبيح عقيدتي ؟
وبأى أخلاق تهين مبادئي ؟
لي - مثل أى مواطن - حق الخيار :
فإن أشأ أبحر على موج المحيط . . .
وان أشأ ألجأ لحضن مرافئي .
أنا هكذا . . . !
أنا خارج عن منطق المعهود ،
والزمن الرتيب الهادئ .
أنا هكذا . . !
وكذا تكون قصائدي :
فهي المرايا :
فوق صفحتها تلوح محاسني ومساوئي .
قصائدي صور لأفكاري ،
وخط السير في عمري ،
وأخلاقي ، وكل مبادئي .
هي صورة مني ، بما قد خصني ربي به .
وكما براني بارئي .
- 4 -
وتظل تنتقد التضاريس التي ملأت كتاباتي
فأرست ههنا الآكام ،
واحتفرت هناك مجاريا ووهادا .
وتظل تنتقد التناقض :
كيف - في شعري - أزاوج بين خاطرتين نافرتين .
كيف أؤلف الأضدادا ؟
كيف القصيدة تستقيم ؟
كيف تقرأ ؟
حين تفترق الخواطر ،
حين تختلف الكتابة ريشة ومددا ؟
بينا يكون البيت عصفا عاصفا ،
ويكون قصفا قاصفا . . .
تلفيه في فلك من الأفلاك . . .
متسق الخطا ، منقادا .
كيف القصيدة تستقيم لمنطق ؟
وبأى شكل تقنع النقادا ؟
- 5 -
يا ناقدي !
إن القصيدة حالة نفسية من صنع أيامي ،
وأيامي تمر بصالح - في مرها - وبفاسد
والعمر أحوال ،
ومن ينبوع أحوالي تفور قصائدي .
أنا لا أكيف بيت شعر واحد بالظرف ،
بالطقس المحيط ،
وبالمناخ السائد .
أنا لم أقيد قط قافية ،
ولم أبتر جناح قصيدة كي لا تفيض عن الحدود
بموقف صلب ، ورأي مارد
أنا لا أهندس بالمقاس كتابتي . .
حذر الوشاة ، وخوف كيد الكائد .
أنا لا أخطط خطتي بالمنطق الحجرى ،
والفكر الرزين البارد .
أنا لا أراوغ ، لا أناور ،
أنا لا أقايض ، لا أرابي ، لا أتاجر .
أنا لست إلا شاعرا يا ناقدي !
وطبيعة الشعر العطاء بلا حساب ،
دون تقدير لربح عائد ،
أنا شاعر ! يا ناقدى !
وقصيدتي ليست توهم واهم ،
ليست تخيل حالم .
هي طعنة السكين في لب الحقارة ، والقذارة ،
وهي إعدام انحطاط ، واغتيال مفاسد .
ولربما لانت فكانت نسمة بحرية . . .
تنداح فوق مفاوز ، وفد افد .
فأنا أنا . . . دوما أنا . . . بمساوئي ومحامدي
إن شئت تعرفني بدون تحيز . . .
فاقرأ - بلا نظارتيك - قصائدي
