الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

انا والقصيدة

Share

- 1 -

انا - حين ابتدع القصيدة - لا أفكر في العواقب :

في ما تجر من الخسارة ،

أو تفيد من المكاسب .

أنا لا أفكر في رضاء المعجبين بها ،

ولا في سخط غاضب .

أنا حين ابتدع القصيدة . . .  

أفرغ الآناء والأنحاء من حولي ؛

كأني في سكون الدير راهب :

استقطر الخلجات من لب الضمير

كرشة الأنداء صافية ،

فلا خلط يشين ولا شوائب .

أنا هكذا . . !

وكذا تكون قصائدي .

فإن اكتسبت رضاء قرائي فيا أهلا ! ! !

وإن سخطوا فإني اسف ،

" والله غالب " .

أنا - حين ابتدع القصيدة - أجمع الدنيا على ورقي ،

وأنزل من مسابحها الكواكب .

- 2 -

أنا - حين تملكني القصيدة - ابسط الكفين مبتهلا ،

وأدعو الله - جل جلاله - الا يفك سلاسلي .

أنا - حين تملكني القصيدة -

أحمد الله الكريم على نعائمه ،

وأدعوه ليبقيني على رقي ،

وقيد سلاسلي .

أنا - حين تملكني القصيدة -

استعيض مدارجي بماسبح من ذوب ياقوت ،

وضوء سائل ،

وتظل نجواي انصهار الروح في الروح ،

وذوب الذات في الذات ،

ولقيا التربة العطشى بغيث هاطل .

أنا - حين تدعوني القصيدة -

استجيب لها بحرق مسافتي ،

وبنهب أبعادي ،

وطي مراحلي .

لا أمر الا أمرها ،

لا نهى الا نهيها ،

ولربما كانت كرامة مكرمي ،

ولربما كانت قذيفة قاتلي .

-3 .

يا قارئي !

ان كنت صاحب مبدأ ،

فبأي حق تستبيح عقيدتي ؟

وبأى أخلاق تهين مبادئي ؟

لي - مثل أى مواطن - حق الخيار :

فإن أشأ أبحر على موج المحيط . . .

وان أشأ ألجأ لحضن مرافئي .

أنا هكذا . . . !

أنا خارج عن منطق المعهود ،

والزمن الرتيب الهادئ .

أنا هكذا . . !

وكذا تكون قصائدي :

فهي المرايا :

فوق صفحتها تلوح محاسني ومساوئي .

قصائدي صور لأفكاري ،

وخط السير في عمري ،

وأخلاقي ، وكل مبادئي .

هي صورة مني ، بما قد خصني ربي به .

وكما براني بارئي .

- 4 -

وتظل تنتقد التضاريس التي ملأت كتاباتي

فأرست ههنا الآكام ،

واحتفرت هناك مجاريا ووهادا .

وتظل تنتقد التناقض :

كيف - في شعري - أزاوج بين خاطرتين نافرتين .

كيف أؤلف الأضدادا ؟

كيف القصيدة تستقيم ؟

كيف تقرأ ؟

حين تفترق الخواطر ،

حين تختلف الكتابة ريشة ومددا ؟

بينا يكون البيت عصفا عاصفا ،

ويكون قصفا قاصفا . . .

تلفيه في فلك من الأفلاك . . .

متسق الخطا ، منقادا .

كيف القصيدة تستقيم لمنطق ؟

وبأى شكل تقنع النقادا ؟

- 5 -

يا ناقدي !

إن القصيدة حالة نفسية من صنع أيامي ،

وأيامي تمر بصالح - في مرها - وبفاسد

والعمر أحوال ،

ومن ينبوع أحوالي تفور قصائدي .

أنا لا أكيف بيت شعر واحد بالظرف ،

بالطقس المحيط ،

وبالمناخ السائد .

أنا لم أقيد قط قافية ،

ولم أبتر جناح قصيدة كي لا تفيض عن الحدود

بموقف صلب ، ورأي مارد

أنا لا أهندس بالمقاس كتابتي . .

حذر الوشاة ، وخوف كيد الكائد .

أنا لا أخطط خطتي بالمنطق الحجرى ،

والفكر الرزين البارد .

أنا لا أراوغ ، لا أناور ،

أنا لا أقايض ، لا أرابي ، لا أتاجر .

أنا لست إلا شاعرا يا ناقدي !

وطبيعة الشعر العطاء بلا حساب ،

دون تقدير لربح عائد ،

أنا شاعر ! يا ناقدى !

وقصيدتي ليست توهم واهم ،

ليست تخيل حالم .

هي طعنة السكين في لب الحقارة ، والقذارة ،

وهي إعدام انحطاط ، واغتيال مفاسد .

ولربما لانت فكانت نسمة بحرية . . .

تنداح فوق مفاوز ، وفد افد .

فأنا أنا . . .  دوما أنا . . . بمساوئي ومحامدي

إن شئت تعرفني بدون تحيز . . .

فاقرأ - بلا نظارتيك - قصائدي

اشترك في نشرتنا البريدية