قرار خطير لن يضر الا الكنيسة المسيحية ويجب الا يصرفنا عن العمل
يرجع امر البحث فى تبرئة الاسرائيليين من دم المسيح الذى يشغل بال الم المجمع المسكونى المنعقد حاليا الى دعاية صهيونية ورأسمالية علمت عنها منذ كنت فى منفاى فى افريقية الاستوائية فقد حدثني يوما السيد لورانس الكاتب العام للولاية العامة فى الكونغو اذ ذاك والذى كان من اقطاب لجنة التحرير الوطني الكونغوية ، بأن مجهودات من الحلفاء تكاد تكلل بالنجاح لحمل الفاتيكان على الاعتراف ببراءة اليهود وادخالهم ضمن الطائفة المسيحية ومع اننى قد استغربت ذلك فقد فهمت ان اخضاع الديانة المسيحية لمقررات كهنوت معين لا يبعد معه أن تقرر اشياء مناقضة للاسس التى بنيت عليها العقيدة المسيحية . وحينما كنت مريضا فى مبرة الاميرة فريال عام ١٩٥١ بالقاهرة زارنى المأسوف عليه الاستاذ مأسينيون وأطلعته على رسالة كنت بعثت بها لقداسة البابا استياء من اعتقال المرحوم السيد احمد بن عبد الله الذى كان يلقى درسا في المسجد بالرباط ونبه الى قيمة التضحية وذكر مثلا لاصحابها عد منهم القديسة جان دارك
وقد كنت حسبت ان من تجلية هذه الواقعة ما ينبه الى رغبة المسلمين في تقارب خلقي مع الطوائف المخالفة لخدمة السلم والحرية . . ولكن السيد ماسينيون قابل
تلك الرسالة بمظهر مزدوج : الاستحسان أولا ثم التعبير عن نوع من اليأس وقال لى ان دوائر الفاتيكان تاخذ الفلوس من الصهيونيين وتريد ان تجعل منهم براءة وقد تأسف على ادخال السياسة والمصالح المالية فى مصير الديانة وحقائقها .
فالمسيحيون حينما يدخلون فى مفاوضات من أجل خدمة الصهيونية انما يسيئون الى عقيدتهم وعلى المؤمنين المخلصين من امثال ماسينيون الذين يرون فى هذه الانحرافات بحسب نظرهم ما يستوجب الكفر بمركز الكهنوت من الديانة .
وهذا فى نظرى احد الاسباب التى جعلت المسيحيين فى الشرق الاوسط الذين لا يخضعون للفاتيكان ثائرين على هذا الاتجاه ومعلنين سخطهم على كل من يريد العبث بمبادىء يعتبرونها مقدسة لا يصح لاحد ان يتنكر لها .
أما ثانى الاسباب فهو ان العرب بصفة عامة يرون فى هذا الاتجاه ما يقوى جانب دويلة اسرائيل وما يزيل من الضغط العاطفى على المسيحيين العرب الذين يتضامنون مع اخوانهم المسلمين فى قضية فلسطين مستعملين اذاية اليهود للمسيح سبيلا لبعث الاشمئزاز من جعل مسقط رأس المسيح تحت سيطرة الصهاينة .
ومع تقديرى لهذه العواطف العربية وللمرامى السياسة التى تصاحبها فاننى ارى ان الخير للعرب وللمسلمين فى أن يتجهوا
الى عمل جدى لانقاذ فلسطين . . وان تبرئة اليهود او بقاءهم متهمين من طرف المسيحيين لا يغير شيئا من الحقيقة الناصعة وهى ان اسرائيل نقطة ارتكاز للرأسمالية الاجنبية وقنطرة تسير منها الى اكتساح الاسواق العربية واستغلال مقدرات البلاد العربية ، والفرار من هذه الحقيقة ومواجهتها بمحاولة التأثير على بعض العواطف المسيحية شئ لا يجدى نفعا .
وبهذه الروح يمكنني ان أقول انه لا محل للتألم من تبرئة اليهود من دم المسيح .
أولا - لاننا نعتقد ان اليهود وان حاولوا اذاية المسيح فانهم لم يصلوا الى قتله وانما خيل اليهم ذلك كما قال تعالى : " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " .
فالمسيحيون حينما يتنكرون لمبدأ ادانة اليهود انما يعترفون ضمنيا بصدق القرآن بما أخبر به .
وثانيا - فان المسيحية الرسمية حينما تتنكر لعقيدتها انما تثبت مرة أخرى ان
الانظمة الكنسية تؤدى الى الشرك بالله ، فى ربوبيته لان الحقائق الموحى بها لا تقبل لتبديل .
وثالثا - فان العقيدة المسيحية حينما قررت مبدأ قتل المسيح وادانة اليهود جعلت ذلك فى شكل خبر ثابت واذا كان يمكن نسخ القرارات والاحكام فانه لا يمكن الاخبار ولو كان ذلك بطريق الوحى لان الخبر فى صورته الاولى يعتبر صادقا فى نظر المؤمنين به فاذا نسخ كان معنى ذلك انه كان كاذبا ، وقرار المجمع المسكوني اذن نكذيب لماضى المسيحية كلها ، وهذا الضرر لن يمس العرب فى شىء ولكنه سيمس النصرانية كما صورها أخبارها ورهابينها .
اذن فلا محل لان نشغل أنفسنا بقضية غير قضيتنا وعلينا ان نحول جهودنا الى أعمال ايجابية تجعل من العالم الاسلامى لا العربى وحده اداة صالحة لتحرير فلسطين ولانقاذ العالم كله من خطر الصهيونية .
