الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "المنهل"

تحريم القات . .

Share

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا - أما بعد فقد ورد علينا سؤال عن حل أكل القات وتحريمه وهو الشجر الذى يزرع فى أرض اليمن ويؤكل على الصفة المعروفة عندهم وما فيه من المنافع والمضار نظرا لما يرى السائل من اضطراب أقوال الناس فيه وحيث أن هذه مسألة حادثة الوقوع والحكم عليها يتوقف على معرفة خواص هذه الشجرة وما فيها من المنافع والمضار وأيهما يغلب عليها فيحكم عليها بموجبه ، وحيث أننا لا نعرف حقيقتها لعدم وجودها لدينا فقد تتبعنا ما أمكننا العثور عليه من كلام العلماء فيها فظهر لنا بعد مزيد البحث والتحرى وسؤال من يعتد بقولهم من الثقات أن المتعين فيها المنع من تعاطى زراعتها وتوريدها واستعمالها لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار فى العقول والاديان والابدان ولما فيها من اضاعة المال وافتتان الناس بها ولما اشتملت عليه من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهى شر ووسيلة لعدة شرور والوسائل

لها أحكام الغايات وقد ثبت ضررها وتفتيرها وتخديرها بل واسكارها ولا التفات لقول من نفى ذلك فان المثبت مقدم على النافى فهاتان قاعدتان من قواعد الشريعة الاصولية تؤيدان القول بتحريمها وقياسا لها على الحشيشة المحرمة لاجتماعهما فى كثير من الصفات وليس بينهما تفريق عند أهل التحقيق والدليل على ما قلناه من كتاب الله وسنة رسوله (ص) وكلام العلماء ما يأتى : -

قال الله تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) وفى الحديث : لقد توفى رسول الله ( ص ) وما من طائر يقلب جناحيه فى السماء الا ذكر لنا فيه علما . . فنصوص الكتاب والسنة كفيلة بتبيان ما يحتاجه الناس فى أمور دينهم ودنياهم ومن حكمة الله ورحمته أن أحل لنا الطيبات وكل ما منفعته خالصة أو راجحة - قال الله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما ) فحرم تعالى الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع للناس لما اشتملا عليه من الاثم الكبير الذى تربو مفسدته على مفسدة فوات ما فيهما من المنافع وقال ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما

يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) . وفى الحديث الذى رواه الامام احمد فى مسنده وأبو داود فى سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضى الله عنها قالت نهى رسول الله (ص) عن كل مسكر ومفتر . قال العلماء المفتر كل ما يدرك الفتور فى البدن والخدر فى الاطراف ، وهذا القات لو فرضنا أن فيه بعض النفع فان فيه من المضار والمفاسد المتحققة ما تربو وتزيد على ما فيه من النفع أضعافا مضاعفة ، ولهذا جزم بتحريمه جملة من العلماء الذين عرفوا خواصه واستدل كل منهم على تحريمه بما ظهر له ، فمن جملة من نهى عنه وحذر عنه وأفتى بمنعه الشيخ احمد بن حجر الهيثمى وقاسه على الحشيشة وجوزة الطيب وعد استعمال ذلك من كبائر الذنوب كما ذكره فى الكبيرة السبعين بعد المائة فى كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر فى كتاب الاطعمة ثم انه صنف فيه رسالة مستقلة سماها تحذير الثقات من استعمال الكفتة والقات ، وقال انه ورد عليه بمكة المشرفة ثلاث رسائل من علماء صنعاء وزبيد اثنتان بتحريمه وواحدة بتحليله ومن جملة ما ذكر فى تلك الرسالة قوله وممن قال بتحريمه الفقيه أبو بكر بن ابراهيم المقرى الحرازى الشافعى فى مؤلفه فى تحريم القات قال : كنت آكلها فى سن الشباب ثم اعتقدتها من المتشابهات وقد قال رسول الله ( ص ) من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه

ثم انى رأيت من أكلها الضرر فى بدنى ودينى فتركت اكلها ، فقد ذكر العلماء رحمهم الله أن المنكرات من أشهر المحرمات فمن ضررها أن آكلها يرتاح ويطرب وتطيب نفسه ويذهب حزنه ثم يعتريه قدر ساعتين من أكله هموم متراكمة وغموم متزاحمة وسوء أخلاق وكنت فى هذه الحالة اذا قرأ على أحد يشق على مراجعته وأرى مراجعته جبلا وأرى لذلك مشقة عظيمة ومللا وانه يذهب بشهوة الطعام ولذته ويطرد النوم ونعمته ، ومن ضرره فى البدن انه يخرج من اكله شئ بعد البول كالودى ولا ينقطع الا بعد حين وطالما كنت أتوضا فأحس بشئ منه فأعيد الوضوء وتارة أحس به فى الصلاة فأقطعها أو عقب الصلاة بحيث أتحقق خروجه فيها فأعيده ، وسألت كثيرا من يأكلها فذكروا ذلك عنها وهذه مصيبة فى الدين وبلية على المسلمين . . وحدثنى عبد الله بن يوسف المقرى أنه كان يقول : ظهر القات فى زمن فقهاء لا يجرأون على تحريم ولا تحليل ولو ظهر فى زمن الفقهاء المتقدمين لحرموه ، ودخل عراقى اليمن كان يسمى الفقيه ابراهيم وكان يجهر بتحريم القات وينكر على آكله وذكر أنه انما حرمه على ما وصف من أحوال مستعطيه ثم انه أكله مرة ومرارا لاختباره قال فجزم بتحريمه لضرره واسكاره وكان يقول ما يخرج عقب البول بسببه منى ثم اجتمعت به فقلت له نسمع عنك أنك تحرم القات قال نعم فقلت له وما الدليل ؟ قال: ضرره واسكاره فضرره ظاهر وأما اسكاره فهل هو مطرب ؟

فقلت نعم فقال فقد قالت الشافعية وغيرهم فى الرد على الحنفية فى اباحتهم ما لم يسكر من النبيذ . النبيذ حرام قياسا على الخمر بجامع الشدة المطربة فقلت له يروون عنك أنك تقول ما يخرج عنه منى وليس فيه شئ من خواص المنى ، فقال انه يخرج قبل استحكامه ، وكان عمى أحمد بن ابراهيم المقرى وكان له معرفة بالطب وغيره يصرح بتحريمه ويقول أنه مسكر ، وقد رأيت من أكثر من أكله فجن . هذا كله ملخص كلام الحرازى . وهذا الرجل العراقى الذى أشار اليه ونقل عنه حرمه القات أخبرنى بعض طلبة العلم أنه جاء الى مكة المشرفة ودرس فيها كثيرا وانه قرأ عليه وزاد فى مدحه والثناء عليه ، ويوافق هؤلاء القائلين بحرمة القات قول الفقيه العلامة حمزه الناشرى وهو ممن يعتمد عليه نقلا وافتاء كما يدل عليه ترجمة المذكور فى تاريخ الشمس السخاوى فى منظومته المشهورة وقد أخبرنى محدث مكة شرفها الله انه قرأها على مؤلفها حمزة المذكور واجازه بها ولا تأكلن القات رطبا ويابسا           فذاك مضر داؤه فيه أعضلا فقد قال أعلام من العلماء أن           هذا حرام للتفتر مأكلا           وهذا الفقيه الى آخره . .

ومنها أنه ( ص ) نهى عن كل مسكر ومفتر قال فى النهاية ما معناه ان المفتر ما يكون منه حرارة فى الجسد وانكسار وذلك معلوم ومشاهد فى القات ومستعمليه كسائر

المسكرات ، وان كان يحصل منها توهيم نشاط أو تحققه فان ذلك مما فضل من الانتشاء والسكر الحاصل من التخدير للجسد وكذلك يحصل من الاكثار والادمان على المسكر حتى الخمر خدر يخرج الى الرعشة والفالج ويبس الدماغ ودوام التغير للعقل وغير ذلك من المضار . ولكن القات لم يكن فيه من الطبع الا ما هو مضرة دينية ودنيوية لان طبعه اليبس والبرد فلا يصحبه شىء من منافع غيره من المسكرات التى أشار اليها الشارع لأن سائر المسكرات فيها شئ من الحرارة واللين فلا يظهر الضرر فيها الا مع الادمان عليها وهذا محصل من الضرر فى الاغلب ما فى الافيون من مسخ الخلقة وتغيير الحال المعتدلة فى الخلق والخلق وهو يزيد فى الضرر على الافيون من حيث أنه لا ينفع فيه بعلم قط وان ضرره أكثر وفيه كثرة يبس الدماغ والخروج عن الطبع وتقليل شهوة الغذاء والباه ويبس الامعاء والمعدة وبردها وغير ذلك . ومنها أن جميع الخصال المذمومة التى ذكرها فى الحشيشة موجودة فى القات مع زيادة حصول الضرر فيما به قوام الصحة وصلاح الجسد من افساد شهوة الغذاء والباه والنسل وزيادة التهالك عليه الموجب لاتلاف المال الكثير الموجب للسرف ومنها أنه ان ظن أن فيه نفعا فهو لا يقبل ضرره . ومنها أنه شارك كل المسكرات فى حقيقة الاسكار وسببه من التخدير واظهار الدم وترقيقه ظاهر البشرة مع نبذ الدسومة من الدماغ والجسد الى الظاهر وليس فيه حرارة ولين

يبدلان ما نبذه من الحرارة واللين الى ظاهر الجسد بخلاف الخمر والحشيش فهذا أكثر ضررا الى أن قال وقال بعض مدرسى الحنفية زرت بعض متصوفة اليمن بالمسجد الحرام فأعطانى قليلا من القات وقال لى تبرك بأكل هذا فانه مبارك فأكلت منه فوجدت فيه تخديرا فذكرت له كلام من ينفى ذلك فقال ان عندى معرفة بالطب وبدنى معتدل المزاج والطبع فالذى أدركه بواسطة ذلك لا يدركه غيرى وقد أدركت منه التخدير ودوران الرأس ولا أعود لأكله ابدا . وكذلك قال بعض الاشراف أن فيه غيبة عن الحس وانه استعمله فغاب مدة طويلة لا يدرى السماء من الارض ولا الطول من العرض . . هذا كله كلام ابن حجر فى (( تحذير الثقات عن استعمال الكفتة والقات )) وقال أيضا فيه فى الكلام على الحشيشية وجوزة الطيب وهذا يستدعى ذكر أوصافهما لتقاس بهما شجرة القات ثم ذكر أنه استفتى عن جوزة الطيب فأفتى بتحريمها لاسكارها كالحشيشية ثم قال فثبت بما تقرر أنها حرام عند الائمة الشافعية والمالكية والحنابلة بالنص والحنفية بالاقتضاء الى أن قال : وذلك ان الاسكار يطلق ويراد به مطلق تغطية العقل وهذا اطلاق أعم ويطلق ويراد تغطية العقل مع نشأة وطرب وهذا اطلاق أخص وهو المراد من الاسكار وحيث أطلق فعلى الاطلاق الاول بين المسكر والمخدر عموم مطلق اذ كل مخدر مسكر وليس كل مسكر مخدرا . فاطلاق الاسكار على الحشيشة وجوزة الطب ، ونحوهما المراد منه

التخدير ومن نفاه عنهما أراد به معناه الاخص وتحقيقه أن من شأن المسكر بنحو الخمر أنه يتولد عنه النشوة والطرب والعربدة والغضب والحمية ، ومن شأن المسكر بنحو الحشيشه والجوزة أنه يتولد عنه ضد ذلك من تخدير البدن وفتوره ومن طول السكوت والنوم وعدم الحمية الى أن قال انتهى جوابى فى الجوزة وهو مشتمل على نفائس تتعلق بهذا الكتاب بل هو ظاهر فى حرمة القات لأن الناس مختلفون فى تأثير الجوزة فبعض آكليها يثبت لها تخديرا وبعضهم لا يثبت لها ذلك فاذا حرمها الائمة مع اختلاف آكليها فليحرموا القات ولا نظر للاختلاف فى تأثيره .      انتهى كلام ابن حجر رحمه الله وقد استقصى صفات القات وصفه بصفات المسكر المضر بالعقل والاديان والابدان وصرح فى بعض عباراته بالمنع والنهى والتحذير بل والتحريم . وجبن فى موضوع آخر عن اطلاق التحريم فاما أن يكون ذلك توقفا منه وتأدبا لعدم وقوفه على نص فى ذلك أو أنه قوى على القول بالتحريم بعد ذلك .

وقال الشيخ محمد بن سالم البيحانى فى كتابه ( اصلاح المجتمع ) فى الكلام على حديث ابن عمر أن رسول الله ( ص ) قال : - كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر فى الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها فى الآخرة ، رواه البخارى. ومسلم فقال بعد الكلام على هذا الحديث وهنا أجد مناسبة وفرصة سانحة للحديث عن القات والتناك

والابتلاء بهما عندنا كثير وهما من المصائب والامراض الاجتماعية والفتاكة والا يكونا من المسكر فضررهما قريب من ضرر الخمر والميسر لما فيهما من ضياع المال وذهاب الاوقات والجناية على الصحة وبهما يقع التثاقل عن الصلاة وكثير من الواجبات المهمة الى أن قال ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية ويحطم الاضراس ويهيج الباسور ويفسد المعدة ويضعف شهية الاكل ويدر السلس وهو انودى وربما أهلك الصلب وأضعف المنى وأظهر الهزال وسبب القبض المزمن ومرض الكلى وأولاد صاحب القات غالبا يخرجون ضعاف البنية صغار الاجسام قصار القامة قليلا تراهم مصابين بعدة أمراض خبيثة وهذا مع ما يبذل أهله فيه من الاثمان الغالية المحتاج اليها ولو أنهم صرفوها فى الاغذية الطيبة وتربية أولادهم أو تصدقوا بها فى سبيل الله لكان خيرا لهم وصدق شاعرنا القائل :

عزمت على ترك التناول للقات .

     صيانة عرضى أن يضيع وأوقاتى

وقد كنت عن هذا المضر مدافعا

     زمانا طويلا رافعا فيه أصواتى

فلما تبينت المضرة وانجلت

     حقيقته   بادرته   بالمناواة

طبيعته اليبس الملم ببردة

     أخا الموت كم أفنيت منا الكرامات

وقيمة شارى القات فى أهل سوقه

     كقيمة ما يدفعه فى ثمن القات

وانهم ليجتمعون على أكله من منتصف النهار الى غروب الشمس وربما استمر الاجتماع الى منتصف

الليل يأكلون الشجر ويفرون أعراض الغائبين ويخوضون فى كل باطل ويتكلمون فيما لا يعنيهم ويزعم بعضهم أنه يستعين به على قيام الليل وانه قوت الصالحين ويقولون جاء به الخضر من جبل قاف للملك ذى القرنين ويرددون فيه من الحكايات والاقاصيص شيئا كثيرا وربما رفع بعضهم عقيرته بقوله :

صفت وطابت بأكل القات أوقاتى

كله لما شئت من دنيا وآخرة

    ودفع ضر وجلب للمسرات

   ومن الشيوخ الذين قضى القات

على أضراسهم من يدقه ويطرب لسماع صوت المدق ثم يلوكه ويمص ماءه وقد يجففونه ثم يحملونه معهم فى أسفارهم واذا رآهم من لا يعرف القات سخر بهم وضحك منهم ، وأن أحد المصريين ليقول فى قصيدة يهجو بها اليمنيين :

أسارى القات لا تبقوا على من

       يرى فى القات طبا خير شافى

أما التنباك وهو التبغ فضرره أكبر والمصيبة به أعظم ولا يبعد أن يكون من الخبائث التى نهى الله عنها ولو لم يكن فيه من الشر الا ما يشهد به الاطباء لكان كافيا فى تجنبه والابتعاد عنه وقد أفرط جماعات من المسلمين فى حكمه حتى جعلوه مثل الخمر وحاربوه بكل وسيلة وقالوا بفسق متعاطيه كما أن آخرين قد بالغوا فى استعماله الى حد بعيد وهو شجرة خبيثة دخلت بلاد المسلمين فى حوالى عام ١٠١٢ ه وانتشرت فى سائر البلاد . الى أن قال : وأخبث من ذا

وذاك من يمضغ التنباك ويجمعه مطحونا مع مواد أخرى ثم يضعه بين شفتيه وأسنانه ويسمى ذلك بالشمة فيبصق متعاطيه حيث كان بصاقا تعافه النفوس ويتقذر به المكان . ولربما لفظها من فيه كسلحة الديك فى أنظف مكان ، وللناس فيما يعشقون مذاهب ، وبعضهم يستنشق التنباك بعد طحنه ، وهو البردقان يصبه فى أنفه صبا يفسد به دماغه ويجنى به على سمعه وبصره ثم لا ينفك عاطسا ويتمخط بيده وفى منديله أو على الارض أمام الجالسين . أخبرنى أحد أصدقائى أن قريبه الذى كان يستعمل البردقان لما مات مكث ثلاث ساعات وأنفه يتصبب خبثا ولو اقتصر الناس على ما لا بد منه للحياة لاستراحوا من التكاليف والنفقات الشاقة ولما عرضوا أنفسهم لشئ من هذه الشرور . وأنا لا أقيس القات والتنباك بالخمر فى التحريم وما يترتب عليه من عقاب الآخرة ولكن اقول هذا قريب من هذا وكل مضر لصحة الانسان فى بدنه أو عقله أو ماله فهو حرام والبر ما اطمأنت اليه النفس واطمأن اليه القلب ، والاثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر وان افتاك المفتون ، والله تعالى يقول : (( يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) . انتهى كلام الشيخ

محمد بن سالم البيحانى فى ذلك وقد ذكر صفات القات وحكم عليها بالضرر والنهى والتحريم . . لكن قوله وأنا لا أقيس القات والتنبك بالخمر إلى آخره . . . الظاهر أن مراده أن غلظ تحريم القات ليس كغلظ تحريم الخمر وما يجب عليه من حد فى الدنيا وعقاب فى الآخرة مع اتفاقهما فى أصل التحريم . . وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فى الاختيارات - فصل - واذا شككت فى المطعوم والمشروب هل يسكر أم لا ؟ لم يحرم عليك بمجرد الشك ، ولم يقم الحد على شاربه ولا ينبغى اباحته للناس اذ كان يجوز أن يكون اباحته للناس اباحة الحرام مثل تحريم الحلال فيكشف عن هذا بشهادة من تقبل شهادته مثل أن يكون طعمه ثم تاب منه أو طعمه غير معتقد أو معتقد حله لتداول ونحوه أو على مذهب الكوفيين فى تناول يسير النبيذ فان شهد به جماعة ممن تناوله معتقدا تحريمه فينبغى اذا أخبر عدد كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب أن يحكم بذلك فان هذا مثل التواتر والاستفاضة كما استفاض بين الفساق والكفار الموت والنسب والنكاح والطلاق فيكون أحد الامرين أما الحكم بذلك لأن التواتر لا يشترط فيه الاسلام والعدالة وأما الشهادة بذلك بناء على أن الاستفاضة يحصل بها ما يحصل بالتواتر واما أن يمتحن بعض العدول بتناوله لوجهين أحدهما أنه لا يعلم تحريم ذلك قبل التأويل فيجوز الاقدام على تناوله . وكراهة الاقدام

على الشبهة تعارضها مصلحة بيان الحال الوجه الثانى أن المحرمات قد تباح عند الضرورة والحاجة الى البيان موضع ضرورة فيجيز تناولها لأجل ذلك . انتهى كلام الشيخ تقى الدين رحمه الله .    ومما قرره شيخ الاسلام رحمه الله ها هنا يتبين صحة الطريقة التى سلكناها فيما تقدم فى تحريم القات وتمشيها على الأصول الشرعية والقواعد المعتبرة المرعية

ومما قدمناه يتضح صحة القول بتحريم القات والنهى عنه ومنعه منعا باتا زراعة وتوريدا واستعمالا وغير ذلك . وهذا ظاهر لكل من تدبر ما ذكرناه وعرف أصول الشريعة وقواعدها.ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح والله يقول الحق وهو يهدى السبيل . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم       أملاه الفقير الى عفو ربه

اشترك في نشرتنا البريدية