. . أما اننا فى تطور ، فذلك ما لا يمترى فيه ذو عينين . . وتطورنا أحدث تطور نشأ فى العالم ، وهو يشمل شتى مرافقنا . .
كانت منازلنا تبنى على الطراز العتيق . . طراز القرون الوسطى . . بالحجر والطين ، وتسقف بجذوع النخل والجريد والخسف وما أشبه ،
او بأعواد القندل . . وتبيض بالنورة . واليوم صارت تبنى على أحدث طراز . . وبالخرائط التى تكفل وسائل الراحة والصحة وتقى من الحرارة فى زمن الصيف ، وتكفل الدفء فى زمن الشتاء . . انها تبنى الآن بالاسمنت وتسقف بالاسمنت المسلح ، وتبيض بالجص ، وتضاف اليه الالوان المبتغاة . . وتضاء بالكهرباء . .
وكانت شوارعنا ضيقة وطرقنا خربة . .
وشوارعنا اليوم قد ادخل على كثير منها التحسين فعبدت بالاسفلت ، وكذلك طرقنا الرئيسية . .
وكانت وسائل المواصلات لدينا هى الجمال والبغال والحمير . .
واليوم ولى عهد تلك الوسائل دفعة واحدة . . واقبل علينا دفعة واحدة عهد السيارة والطيارة . .
وكانت مدارسنا ضئيلة ومعدودة على أطراف الاصابع . . واليوم فتحت لدينا مدارس ابتدائية وثانوية عديدة وبها عشرات الالوف من الطلاب ، يعبون من انهار العلم عبا ، وعلاوة على ذلك فتحت لدينا بعض الكليات ، والاستعداد قائم على قدم وساق ، لانشاء (( الجامعة السعودية )) . . لتتوج النهضة العلمية السعودية الحديثة . .
وكانت صحافتنا محدودة العدد . . ضئيلة الاخراج ، وها هى اليوم فى تعدد وتمدد ، وفى تحسن فى الانتاج والاخراج .
وكانت مطابعنا يدوية ورجليه قديمة ، وها هى اليوم تنافس مطابع الخارج فى الجدة والمتانة وسرعة الانتاج وجمال الاخراج .
وكانت المياه العذبة فى مدننا محدودة . . واليوم جلبت المياه العذبة الى كثير من مدننا الرئيسية من عشرات الاميال ، فاوجدت ريا بعد ظمأ ، واثمرت حدائق فى أماكن كانت صحارى وقفارا .
وكانت المخابرات السريعة لدينا مع الداخل والخارج متمثلة فى اللاسلكى ذى الاشارات القديمة . . وقد أسرع التطور الى هذه المواصلات فانشئ لدينا (( التليفون اللاسلكى )) على أحدث طراز .
ولم تكن لدينا إذاعة ، فصارت لدينا الآن ، وهى بسبيل التحسين والتقوية فى الصوت والانتاج والاخراج .
وادخل على جيشنا التنظيم الحديث وصار فيه مظليون وطيارون حرربيون وناهيك بالبعوث التى ابتعثت الى الخارج ، وبما تخرجه الكلية الحربية فى الرياض وفروعها المنتشرة فى البلاد من ضباط وعسكريين حديثين، يحمون حمى الدين والوطن، ويعيدون للجزيرة العربية سالف مجدها الشامخ العظيم . .
وكنا نستبعد انشاء مصانع الاسمنت والطوب الحرارى والجيرى وما أشبه ، فى داخل بلادنا ، وها هو انشاء هذه المصانع اصبح حقيقة ملموسة فى بعضها ، وحقيقة تكاد تلمس فى بعض آخر . .
وتمدد العمران فى بعض مدننا الرئيسية تمددا عجيبا . .
ولا تنس التنظيمات الاجتماعية الكبرى وفى طليعتها تنظيم شئون الحج والحجاج وتأمين راحتهم . .
ولا تنس المشروعات الكبرى كتوسعة المسجدين الشريفين فى المدينة ومكة . .
ولا تنس انشاء المستشفيات والمصحات والمراكز الصحية لتأمين الصحة العامة والخاصة وقاية وعلاجا. ولا تنس المشروعات العمرانية التى استتبعها مشروعا التوسعة من فتح شوارع جديدة ، وتنظيم مجارى المياه والتليفونات والمجارى العامة فى المدينة ومكة .
ولا تنس المصارف والبنوك والفنادق العديدة التى انشئت فى غير ما بلد .
ولا تنس العمارات الضخمة التى أقيمت فى المدن الرئيسية . ولا تنس السكك الحديدية التى انشئت فى داخل البلاد ، وما هو بسبيل الانشاء والاحياء . .
لا مرية اذن فى ان هذا تطور حميد ، وان له ما بعده من تقدم وتنظيم وانعاش للصناعة والزراعة اللتين بلادنا احوج ما تكون اليهما . . فبالصناعة الحديثة نحمى بلادنا من الحاجة الرتيبة الى استيراد كل شئ . . وبالزراعة الواسعة تكفل لبلادنا الرفاهية ، ونضمن لها الحياة فى حالتى الرخاء والغلاء وفى حالتى السلم والحرب . . وأملنا ان يحدث هذا التطور المأمول فى أوجز برهة ممكنة ، وأن تتحول جهود الاثرياء وذوى العقول الى ميدان هذا النشاط الدافق العجيب الذى يكفل لهم أعظم ربح رتيب ، ويضمن للبلاد اعظم تطور حميد . عبد القدوس الانصارى
