هذا الرجل الذى يعترضنى كل يوم ، يعذبني في نفسى أشد العذاب ويؤلمني فيها أشد الالم . لا يكاد يرانى حتى يبادرنى باسما بالتحية والسلام , يصافحنى بحرارة ، يناولنى سيجارة ويعرض على باسما ابنته الصغيرة : هذا عمك يا هاجر . عمك عماد . قبلى عمك . قبلة أخرى ، لا . لا . من الخد الايسر أيضا . وتميل الصغيرة على خدى تلثمه بشفتيها الرقيقتين متفرسة فى ملامحى كأنها تستعيد فى مخيلتها الصغيرة صورة هذا الرجل . لقد سبق لها أن رأته يوما ما مع أمها ولكن أين ؟ ومتى ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟ نقط استفهام كبيرة تعربد فى رأسها الصغير دون ان تدرك لها معنى ولما يجهدها ويتعبها التفكير تطرق رأسها صامتة ثم تهتف بعد برهة بحرارة كأنها تصحو من أشياء لا تفهمها ولا تهمها : انظر . انظر ! يا عمى كم اشترينا زهورا وحلويات وشموعا . اليوم عيد ميلادى . ألا تتناول معنا يا عمى وجبة الغداء . شعر باحراج وألم مباغت ، فتجاهل كلامها ، وأدار اتجاه الحديث بسرعة وجد لا يخلوان من التمثيل : اليوم يبدو قصيرا جدا . لي أعمال شتى تنتظرني سأزوركم الى اللقاء . وانساب فى الشارع . ظلام في رأسه ، وظلام في قلبه ، وظلام فى عينيه ووجدته فى قاع الندم ، تصارعه مئات الافكار : لماذا لا أقاوم ؟ لماذا لا أتراجع ؟ لماذا انصاع ؟ : الخيانة ليست فى دمى . والمرأة زوجة لرجل عزيز على قلبي ولكنى لا اعرفه من قبل . وتحين الساعة ويلح عليه الموعد . ويزداد الالحاح . وضعفه يشجع هذا الالحاح . ويدخل الحديقة ويفاجأ بها داخل قلبه . أنسام الصباح ما تزال تهب باردة ، منعشة ، فتميل على الاعشاب الخضراء تداعبها . . وتهامس الزهور . . تضاحكها فى هدوء وفتور . خطاهما ما انفكت تخفق على العشب وتنقر صدر الارض الخافة بأفراح الربيع . واصابعهما تتلامس تلامسا واجفا ، سريعا . وتلتقي عيونهما فتتصارح بغير كلام فيطرقان الى الارض فى صمت وهدوء حزين . لم يستطع هو اليوم أن يخفى علامات الالم التى طفح بها وجهه ، فراح يتشاغل بالنظر الشمس وهو تبدو كبرتقالة كبيرة تشع دفئا ونورا وأثارت نظراته الكسيرة فى نفسها شيئا من الالم والقلق فابتسمت محاولة تفتيت صمت الكآبة على وجهه :
هي : لم اعهد منك هذا الصمت والوجوم ؟ ما السر فى هذا الانقلاب السريع دعك من الاوهام لماذا تتألم وأنا معك هو : لان الاقتراب منك قاتل ، ولان الابتعاد عنك قاتل . الارتفاع يوازي لكست والضياع ، والنزول يحاذى الرذيلة الغاشمة . هي : مامعنى هذا الكلام ..؟ انك تبدو غريبا اليوم . هو : لاني انتقلت من مرحلة اللهو بالاشياء الى مرحلة التفكير والبحث فى الأشياء هي : اذن بحثت ؟ ٠٠ هو : وعرفت أيضا الحقيقة ! هي : وماذا قررت بعد أن بحثت وعرفت عني كل شئ ؟ هو : ٠٠٠٠٠000000000000000
رفع اليها رأسه الثقيل كرخامة ، فبدت بعض الدموع ، كحبات بيضاء من الرمان تنحدر برفق وهوادة على خديه الخاسفين وأقبلت تنجيه وتمسح بشفتيها دموعه : لماذا تتألم وأنا دائما معك ؟ سنهرب ان شئت . سنتزوج حبنا . ابنتى وزوجى اتركهما من اجلك . ان كنت تريدني فى غرفتك بقيت لك ، ان كنت تريد الفرار بي ، فررت معك . ألا يكفيك ما أقدمه اليك . أما الاموال فتأتينا من كراء البيت الذى أملكه لن ينقص من دخلك شيئ ، انفقه على أمك واخوتك الصغار . وتعالى الى فى الليل .
- أتتذكرين ؟ رفضتني بشدة منذ زمان . صرخت فى وجهى ، تركتني للالم والمرارة أجتر خيبتى وأرى ضجرى وخيبتى دموعا . لقد قلتها بالحرف الواحد : أنت يتيم حقير . ابتعد من طريقي . وتزوجته . أغرتك فيه سيارته الطويلة العريضة ومركز أبيه ، فسال لعابك على أمواله وضحيت بحبنا في سبيل المال .
- ألا تؤمن معى بأن الحياة تجربة وخطأ . كنت أظن الحب شيئا فوجدته شيئا آخرا . - والآن أيرضيك أن تعكري صفو هذا البيت الهادىء وتضرم نار الفتنة بيني وبين زميلى . - انه الحب المر . انها الشهوة القاتلة . انه الافيون . . من ليس له قلب لا يساوى حفنة من تراب .
- انه الفجور ، انها الخيانة المدمرة انه الحب الرخيص من ليس له عقل لا ساوى حفنة من تراب . ابتعدى عنى . أنت شيطان في صورة امرأة يحرضني على ارتكاب المعصية ضد ربى . ورمت برأسها على كتفيه صارخة : لا : أنا امرأة من لحم ودم . امرأة طرقت أبواب قلبها من زمن بعيد علمتها كيف تتبع خطواتك رغم الصخور والجبال . بصريح العبارة امرأة تحبك وبمرارة تريد ان تمارس معك أنت سطوة جمالها وانوثتها الخاملة وارتمت على صدره . جذبته اليها بشراسة الانثى . طوقته بذراعيها العاريين وهوت على شفتيه نمزقهما تقبيلا . وارتجفت ساقاه فقد صوابه عند صدرها العارى . اهتز جسمه الجائع . وفي غمرة الالم والخوف من الاتهام بالعجز ، أصابته لعنة الحب ، فأخذ عنقها وشفتيها اتى على صدرها وفخذيها : أكلها بمرارة وتماوأت فى أحضانه وهى تتلوى كالافعى غارقة فى نشوة اللذة : أح . . أ . . ح . . ح . أح . . أح ..أ
اة- أح : أح : أح : يا مدينة المصائب والاعاجيب . أح : أح : أح : يا لجنون حواء . وانصياع آدم ٠٠0 أح : أخ : أح : إبحار في يم الرذيلة . الخيانة ، الكبت ، التدمير ، الضياع الاسطورة ، الندم ، الدموع ، المرارة . وماذا ؟ ماذا بعد ؟ ماذا يا ليلى ؟
وانغمرا بصمت كثيف ، وشعرت ليلى باستراحة فألقت رأسها على صدره بارتياح لتشاركه الصمت ريثما يهدا الضجيج والصراخ الحاد فى رأسه . لقد مصت كل دمائه ، ارتوت منه حتى افرزته كالنخالة : لا تدرى ماذا تفعل انها تتخلى عنك بعد أن تسحب ماء ظهرك كله ، لاشئ يمكن أن يفصلني عن هذه المرأة الا الموت ، فحياتي لم تعد لها أية قيمة ، لقد لامونى ، واللوم يعذبني ، أشاروا الى بأصابعهم ، سخروا مني ، أشاحوا عنى وجوههم . تناقلت الافواه والاذان همهمات سرية تقصمني وتقطعني أوصالا ثم تنشر أشلائى على حبل طويل . لقد اعتدت هذه الغمغمات كما اعتدت الصفعات التى أواجه بها نفسي . لو أمسكت بسكين حادة . تقدمت منها . أغمضت عيني . ثم دفعت السكين فى قلبها بجنون ، تدفق الدم ، قالت بصعوبة : خذ روحى وهى تخرج من فمى فى فمك . أنا سعيدة أن تقتلني بيديك وهوت السكين ، وسقطت ، ماتت ليلى قتلتها بيدى لانى فقدت ظلي ولان قيم الحياة ومفاهيمها تساوت فى نظرى فلا فرق عندى بين خيرها وشرها ولا فرق عندى بن وضيعها ورفيعها . ولانها .. لانها بعبارة واحدة ، قتلت فى ذاتى مكارم الاخلاق ، زركشت لى درب الحب بالفل والورود ، وأغرتني بالبحث فيها عن ذاتي ولما ابحرت اليها ، اندثرت قلاعى فغرقت وصرت ابحث عن نفسي .
