جاء كتاب " حديث الفعل " للاستاذ محمد مزالى ، الذى أصدرته دار " بيبليسر " الباريسية باللغة الفرنسية ، فى أوانه ، ومع ذلك بدا وكأنه خطاف فى عز الشتاء . . . او ثلج فى عز الصيف . . . فاهتمت به وسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية ، وتناولت مضامينه بالنقل والتحليل . . . . معتبرة إياه ظاهرة أدبية وسياسية بارزة ومثيرة فهو تأليف لم يقرأ عنوانه ، بل قرئ أولا من اسم واضعه ، وإن كان العنوان والمضمون يستحقان مثل هذه العناية أيضا .
ما هى أسباب ومبرررات هذه الضجة الاعلامية ؟ كل وسائل الاعلام استندت فى تغطيتها للحدث الى جملة من المعطيات نحصها على النحو التالى : - المؤلف مفكر له وزنه فى زمن قل فيه عمالقة لا ابداع - وهو سياسى محنك . . . يعتبر سندا قويا ومصدرا موثوقا به . - أفكاره تسبح فى فلك الانسانية المطلقة .
- مواقفه الوطنية والانتمائية والحضارية ، واضحة وقوية وجريئة . - تاريخه الشخصى مرتبط جدليا بتاريخ الزعيم الحبيب بورقيبة وبالتالى بتاريخ تونس الحديثة - مساهمته الفعالة فى تأكيد المسار الديمقراطى بتونس . - تدربه التدريجى الثابت على تحمل المسؤوليات .
- ظهور الكاتب فى فترة دقيقة من تاريخ تونس والعالم . كل هذه العوامل كانت وراء اهتمام بلاطات صاحبة الجلالة " بحديث الفعل " ، منها من فاز بسبق نشر فصول مطولة منه (1) . . ومنها من استعرض بأسون صحفى أهم ما ورد فيه . ومنها ايضا من تناول الكتاب بالتقييم والتحليل .
الاختيار الموفق
فيما يخص أسباب إصدار الكتاب يفسرها " بول بالتا " بجريدة " لوموند " (2) بقوله : " اختارت " كزافيار أوليس " اجراء حديث مع السيد محمد مزالى . . . فكان الاختيار موفقا . . . لان محمد مزالى سبق له ان احتل مناصب عدة قبل أن يصبح وزيرا أول . . ثم بالرغم من أعباء المسؤولية فقد بقي رجل ثقافة " .
زمن الدفاع عن الهوية
ومحمد مزالى مناضل عاش أدق فترات تاريخ تونس المعاصر . . . وساهم بفعالية فى تطبق بنود خطة الجهاد البورقيبي كتب عزيز محجوب بمجلة " جون أفريك " (3) شهادة مثيرة " . . يبقى محمد مزال فى نظر تلاميذه الفدامي بالصادقية ، أستاذ الفلسفة ، ذلك الذى ساعدنا على اكتشاف هويتنا القومية وانتمائنا الى الثقافة العربية الاسلامية ، والى هذه الامة التى يرزح معظمها تحت نير الاستعمار " ويضيف : " كنا سعداء برقيته قادما الى الصادقية كل يوم اثنين على متن سيارته السيمكا البرتقالية القديمة ، المحدودية قليلا نتيجة قطعها كل يوم أحد المسالك الحجرية ، حاملة الاخبار
السيارة لهذه الشعبة الحزبية الضائعة وسط الريف ، أو تلك المنظمة النقابية " . . ويؤكد - د - ل - بجريدة " لى كوتيديان دى بارى " ( 4 ) هذه لحقيقة فيقول : " يندمج الجهاد من أجل الاستقلال عند ( مزالى ) الطالب ، ثم المدرس الشباب ، مع المعركة من أجل الهوية الثقافية ورد الاعتبار للثقافة العربية ولغتها المجيدة " .
السياسى الحكيم
ويبقى محمد مزالي مثال السياسى الحكيم الذي غرف من نبع البورقيية حتى ارتوى ، والمساهم بجد واخلاص فى رسم ملامح تونس الحديثة ، تونسر النظام والديمقراطية والخير والاستقرار ، كتب عزيز محجوب بمجلة " جون افريك " (5) : " يجب أن نسجل لمحمد مزالي مساهمته الفعالة فى صنع القرا التاريخى الذى اتخذه بورقيبة يوم 19 نوفمبر 1983 والقاضى بالبعث الشرع لحزبين من المعارضة ( حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ، وحركة الوحد الشعبية ) ، اضافة إلى الحزب الشيوعي المعترف به رسميا من قبل" . . . . وتعد " آن موراتورى فيليب " من جهتها بجريدة " لى فيغارو " الفرنسية (6) الانجازات الكبرى التى عرفتها تونس وساهم فى ظهورها محمد مزالى : " على امتداد مناصبه الحكومية المتعددة ترتسم رؤية تونس الجديدة ، تحرير المرأة ، السياسة الثقافية ، ظهور التلفزة ، معركة بنزرت ، تحديد الولايات ، الهجرة .
أما " جوزات عليا " فقد أكدت فى مقال نشرته مجلة " لى نوفال ابسرفاتور " (7) ان : " محمد مزالى قد فعل كل ما فى وسعة لتمرير الديمقراطية والتعددية تدريجيا فى تونس " وأضافت : " وان كانت تونس اليوم قد غدت أكثر البلدان حرية فى العالم الثالث ( اعتبارا لوضعية المرأة ، والنقابات والاحزاب السياسية ) فالفضل فى ذلك يعود لبورقيبه ولمزالى أيضا " . . وأشارت جريدة فرانس سوار الفرنسية (8) الى هذا الجانب الهام من شخصية محمد مزالى فكتبت تقول : " دوما ما تكون خلافة العمالقة محفوفة
بالمخاطر ، لكن محمد مزالى خليفة الحبيب بورقيبة الوفى يمتاز الى جانب هيبته اللدنية وثلاثين سنة من التجربة فى خدمة الدولة ، بمؤهل حاسم " .
مزالى الانسان
ومن خلال " حديث الفعل " برزت شخصية محمد مزالي الانسان المتوازن ، المحب للخير ، الصادق ، النزيه والجدى ، ورد بمجلة " كل العرب " الصادرة بباريس (9) " الكتاب والمثقفون كانوا ينتظرونه فى لقاء حى ومباشر فوجدوا فيه المحاور الواثق مما يقول لانه الواثق بما يفعل أصلا " . . كما أدرجت مجلة " ديالوغ " التونسية (10) عند تقديمها لفصول مطولة من " حديث الفعل " قولا جاء فيه بالخصوص : " شاهد عيان وعنصر ذو امتياز فى أحداث بلده ، وزمانه والعالم ، مفكر ورجل سياسة وكاتب ورجل عمل ، عميق التجذر فى هويته القومية وانتمائه للمجال الثقافي العربى الاسلامى ، ولكنه متفتح بفضل مرسى المتوسط وافريقيا . . . " .
خصائص المبدع النزيه
وعند تقييمها لاسلوب كتاب " حديث الفعل " تعرضت وسائل الاعلام الى محمد مزال المبدعت جريدة " فرانس سوار " ( 11) تقول : " يقرأ هذا التأليف دفعة واحدة ، كررواية معبرة وصادقة ، لا تخلو من تفكير وخفة روح ولهجة رقيقة " . . أما " بول بالتا " فيقول بجريدة " لوموند " (12) : " هذا الكاتب التونسي الذي نشر ستة كتب باللغة العربية يقدم لنا هنا ، سيرة ذاتية مكتوية بلغة فرنسية جميلة ، صافية ، متينة ، ومنتقاة ، متخلية عن الكليشيهات والرطانة التقنقراطية التى عادة ما يلجأ اليها رجال السياسة " . . وعلقت جريدة " لاكسيون " (13) على الكتاب . . بقولها : " كتاب ثري مثر ، وعلى طول صفحاته يأخذنا شعور قوى بالحقيقة والجمال والجلال " . . واكتفى م . حلمي فى جريدة " الاعلان " (14) بقول عميق تعليقا على " حديث الفعل " : " رواية كتبت بجدية سياسي فيلسوف كبير " .
