الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "المنهل"

خطرات فكر

Share

* صورة . . ثابتة . .

عرفته كاتبا باحدى المحلات التجارية . .

ثم غسالا بأحد الأحياء ..

ومن قبيل الفضول سألته عن هذا التحول الغريب الذى طرأ على حياته العملية ؟! فأجابنى : بأن صاحب المحل الذى كان يعمل لديه قد استغنى عن خدمته ربما ليحل محله أحد أقاربه . . وان دراسته الليلية قد تخل بعمله لديه الذى يستمر أحيانا حتى الساعة الرابعة ليلا . . فما وجد عملا يتقن ودراسته الليلية دون انقطاع سوى هذا العمل ..

قلت : حقيقة انه عمل شريف ولكن ألم

البحث عن عمل كتابى غيره قد يتفق مع دراستك الليلية ؟

قال : كان بودى ذلك ولكن دون جدوى فأصحاب المحلات لا يشجعون من يعمل لديهم على الدراسة الليلية واذا وجد من يشجع على ذلك فهم قلة نادرة الوجود .

قلت : أشكر لك طموحك وروحك الوثابة وكان الله في عونك .

وثق أن مزاولة اى عمل في الحياة مهما كان نوعه ليس عيبا . . انما العيب كل العيب أن يفتقد الانسان العزيمة التى تدفعه للعمل ، فيبقى عالة على الناس . .

وصدق عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما قال : (( يعجبنى الرجل حتى اذا قال لا صناعة له سقط من عيني )) .

والمقصود هنا بالصناعة : العمل . . أى عمل يدر على الانسان لقمة عيشه ..

أيها التجار . . أيها الاغنياء . . ارحموا خدمكم . وافسحوا أمام من نفسه طموح منهم لاكمال دراسته .. ولا تقفوا حجر عثرة أمامهم فنوائب الحياة هى التى حالت دون اكمالهم دراستهم وهى التى أجبرتهم على اللجوء للبحث عن لقمة العيش .. فكونوا لهم آباء وكونوا لهم خير معين يثبكم الله .

* لنعد الى الله :

كان بزاول عمله فى صحة وثبات . . لا يشكو من ألم . . وفى دقائق معدودات . . سقط على الارض وفارق الحياة .. ففزع

كل من حوله . . وأخذوا يتساءلون في وجل: ماذا أصاب الرجل ؟. . ما حدث له ؟. .

هل كان يشكو من ألم ؟!    ويجيب آخرون .. كان صحيح الجسم . . لا يشكو من ألم !!!

ثم يأتى الطبيب .. ولما عجز عن تشخيص الوفاة .. قال كغيره من الاطباء .. بأنها سكتة قلبية لا سواها ..

ونسى الطبيب . . بل ونسينا معه . . أنه الأجل . . الأجل المحتم على كل انسان.

ويحمل الرجل الى داره ويغسل ويحنط . . ويكفن ويحمل الى مأواه الاخير . . في كفن زهيد الثمن . . ويوضع في حفرته الصغيرة التى تنتظره منذ خلق . . ويهال عليه من التراب ويترك . . وكأنه لم يكن شيئا مذكورا . . ترك لخالقه . . يفعل بروحه ما يشاء . . ليس معه سوى واحد من ثلاثة . . عاد المال والعيال وبقى معه عمله . . عمله فى الدنيا . . وحصيلته منها . . فهنيئا له . . ان كان من السعداء ، ودعاء من الاعماق ان كان بعكس ذلك . .

ما أحرانا بنى الانسان ان نقف برهة من الزمن نتذكر المال وهول المصير ..

ونزهد فى الدنيا . . ونتسابق الى العمل الصالح قبل فوات الاوان ، فالدنيا زائلة . . وزخرفها فان ، لم تدم لأحد من قبلنا . . ولم يخلد فيها بشر . .

فلنعد الى الله ولنحسب للاجل ألف حساب ، ولنغتنم فرصة الوجود فانها لا تعوض بثمن .

وصدق الله العظيم حيث قال : ( فاذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )

وقال تعالى : ( لكل أجل كتاب ) وفي الاثر    ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا )

* صورة . . مهزوزة . .

قال أحدهم : أهديت الى أحد الاثرياء قصيدة بمناسبة عودته من رحلة استشفائية أمضاها خارج البلاد وكان جارا لى . .

وما كنت أهدف من ورائها الى أن يلبسنى حلة أو يهبنى آلاف الدراهم كما كان يفعل الأقدمون اذا مدحوا بقصيد . .

بل قصدت بها التعبير عما يكن قلبى من الفرحة نحوه بعد أن عاد معافى . .

وبعد أيام علمت أنه استدعى أحد أقاربه وقال له :

زارنى أحد جيرانى (فلان) قدم لى هذا الظرف الذى لا أعلم ما به ..

ففضه وقرأ علي ، ما به . .

فعمل كما أمر .. وقرأ عليه ما بداخله .. فأجاب أخونا الثرى بقوله : كنت أظنها عينة تجاريه .. والا لما كلفتك عناء المجئ ..

قلت :

تذكرنى هذه الصورة بما قاله مارون عبود فى كتابه ( حبر على ورق ) : (( الاغنياء الظازة )) لا يطربون الا لرنة الذهب وخشخشة الورق النقدى ، فأهد اليهم كتابا يعلم الجمع فلن يجديهم كتاب أدب يلهيهم عن الطرح والضرب .

سقى الله تلك العهود الغابرة التى كان يقام للشاعر فيها وزن ، فاذا قال قصيدة أطرب لها جل قومه وتداولوها فيما بينهم حتى يحفظوها عن ظهر قلب ، مدحا كانت أم هجوا ، افتخارا بشاعرهم وتشجيعا له ، اضافة الى الحلل والهدايا التى تغدق عليه .. .

حتى ان الشاعر فيما مضى ليكاد يكون سيد قومه فقصيدة واحدة يقولها قد تثير حربا و أخرى قد تحل سلاما .

أما اليوم فقيمة الشاعر زهيدة الثمن فى نظر الآخرين ، فاذا قال قصيدة فانه المستمع لها والمطرب لها وحده . وربما انتقص او استهزىء به ..

* حاجتنا الى نقاد اسلاميين :

المتتبع لحركة الدراسات النقدية في عالم اليوم يجدها محصورة في بوتقة واحدة هى ( شعر . نثر . قصة . مسرحية . الخ الفنون التى لا تخرج عن النطاق الأدبى )

أما المجال الاسلامى وما يصدر عنه من مؤلفات .. بين الفينة والاخرى .. والتى لا يخلو معظمها من الشوائب والمآخذ مثلها .. كمثل غيرها .. من المؤلفات الاخرى ..

فانها لا تكاد تجد من ينقدها .. وينبه الى مآخذها .. بل وربما انها تظل محبوسة في المكتبات الى حين من الدهر لا يقتنى منها الا النزر اليسير ..

والسبب فى ذلك كما يبدو لى يعود لعدم وجود من لهم الباع الطويل والاطلاع الواسع فى مجال الثقافة والدراسات الاسلامية .. وان وجدوا فهم قلة .. وهذه القلة منصرفة عن نقد ودراسة أمثال ذلك ..

اننا بحاجة ماسة الى نقاد اسلاميين ..

يتابعون بنقدهم ما يصدر من الكتب الاسلامية فى عصر كثر فيه اعداء الاسلام ومحاربوه .. لينبهوا الى المآخذ والشوائب التى تقع فيها ذلك ان مؤلفيها ليسوا معصومين من الخطأ .. فهم بشر والبشر عرضة للخطأ والصواب . والكمال لله أما اذا بقى الحال على ما هو عليه فان من يكيد للاسلام وللشبيبة المسلمة .. سجد المجال مفتوحا أمامه ..

في تأليفه عن الاسلام يبث سمومه ، ويخلط السم بالعسل .. دونما رادع .. أو رقيب.

والله من وراء القصد .

* كاتب . . وكتاب ..

أما الكاتب : فهو فضيلة الشيخ زيد بن فياض وشهرته تغنى عن تعريفه . .

وأما الكتاب : فهو ( في سبيل الاسلام ) للكاتب نفسه . . صدر منذ سنوات . .

و يحتوى على ( ١٩٠ ) موضوعا . .

ما بين العلمى . والسياسى . والتاريخى والادبى . والاسلامى . ومعظم هذه الموضوعات قد أذيع من الاذعة وقرىء بالتلفاز ونشر بالجرائد والمجلات . .

ومع هذا فهى موضوعات خالدة لا تملها النفس .. وتصلح لكل زمان ومكان . لا سبيل فيها للوقتية وقد أصدر الكاتب . .

بالاضافة الى هذا السفر القيم ما يقرب من عشرة كتب جميعها تبحث فى شؤون الدين والمجتمع والتاريخ والشريعة والسياسة .

وفضيلة الكاتب من خيرة علمائنا الأماثل الذين نذروا أقلامهم ضد التيارات الملحدة والمبادىء الهدامة فى عصر كثر فيه أعداء الاسلام وخصومه .

وقد خاض فضيلته غمار الصحافة فكان موفقا وموجها .. ثم انصرف أخيرا للمجال الاسلامى فصال فيه وجال وبحث وألف فأجاد وأفاد ..

جزاه الله عن الاسلام والمسلمين خيرا .. وأكثر أمثاله . .

وحبذا لو تقتدى به تلك الكثرة الكاثرة من علمائنا الافاضل الذين نضاهى بهم من سواهم من علماء الدنيا فنحن في زمان أحوج ما تكون فيه الى التذكير والتبصير بأمور الدنيا والدين ( فالعلماء هم ورثة الانبياء ) .

( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .

الطائف :

اشترك في نشرتنا البريدية