الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

دور المثقف على حقيقته، في مجتمعنا

Share

الست من اولئك الذين يعتقدون ان " الثورة الكبرى " اندلعت يوم أن ظفرنا باستقلال بلادنا ! تحديد بداية الانبعاث بهذا التاريخ القريب تضييق فى مفهوم الثورة . . .

الثورة التونسية الكبرى انطلقت من يوم أن عزم رحال من الشعب مخلصون على استرجاع كرامة الوطن ولا نبعد ان قلنا ان مؤتمر قصر هلال سنة 1934 هو بداية الانطلاقة الحقيقية . . .  وأفاق الشعب ،

واشتد الكفاح ، وسقط الشهداء ، وتحقق الاستقلال ، وتحررت البلاد . . .

ولعلك لاتجادل في أن طورا جديدا من حياة أمة يفرض قلبا فى حياتها من مختلف وجوهها . . . أجل ! قد نتغنى بفوزنا ، ونحتفل بنصرنا ، ولكن لاسبيل الى العيش على ذكرى الفوز وشبح النصر ؛ ذلك ان الحرية مرحلة حاسمة ، خلافة زكية ، ولكنها تبقى صدفة جوفاء ، و " طبلا ضخما " ، أجهر الصوت فاشل الحقيقة ، ان اعتبرناها نهاية المطاف لابدءا للعمل ، الحرية " كالجوز الصحيح " لا تنتفع به حتى تكسره : نريد أن " نكسر الجوز " . . . والكسر ثورة ! ثورة سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية ، عقائدية وثقافية على الخصوص ، لاتجزيئية فى انطلاقتنا ! معركة كبرى يجب ان نخوض غمارها جسورين فى ايمان ، حذورين فى روية .

والمثقف الاصيل له دور هام - ان وعاه - فى المجتمع . لست اعنى بالمثقف ذلك الذى ساعده الحظ على الاختلاف الى المعاهد والجامعات ، فنال الدرجات العلمية ، فاصبح موظفا في مكتب أنيق أو معلما أو محاميا . . . لست أعنى بالمثقف هذا الرجل على وجه الحصر ؛ لست أعتقد أن الثقافة وقف على رجال التعليم والمحاماة والطب والهندسة ، انما المثقف - بالمعنى المطلق - هو كل من أتيحت له فرصة شحذ عقله ، وصقل فكره ، وتغذية انسانيته ، وتزكية نفسه بالدرس والقراءة والفهم ، سواء بالمطالعة ومن غير استعانة بأستاذ ،

أو بالاقبال على المعاهد العلمية والاختلاف الى الجامعات . فكيف يمكن أن نفهم دور هذا المثقف - على حقيقته - فى مجتمعنا هذا المتحفز ، وفى هذه المرحلة التى تجتازها بلادنا ؟ من الناس من ينكر على هذا السؤال فيقول : " دور المثقف من الوضوح بحيث لا يحتاج الى تعريف . . . دور المثقف هو أن يقوم بواجباته فى مكتبه ، هو أن يختلف الى المعهد يلقى الدروس على التلامذة ، هو ان يقف مدافعا امام المحاكم ، هو ان يقيم التصميمات لبناء جسر او عمارة " . .

قد لا يخلو هذا التحديد لدور المثقف من بعض الصحة ، ولكنه تحديد ضيق لا يعدو ان يكون ضبطا ضيقا لمظهر باهت من مظاهر رسالة المثقف . . . قد لا بعدو ان يكون تعريفا لدور الموظف ، لا لدور المثقف ، فالعمل اليومى الذى يقوم به المثقف ليس سوى مهنة للارتزاق ، كما يرتزق التاجر والصانع والاسكافى ، والحلاق والبلان ، والخباز والنقلى والفاكهانى . . .

فمن وقف عند الارتزاق بعلمه لم يعد ان يكون صاحب " علم رسمى " على حد تعبير أبى حامد الغزالى ، أى رجلا لايتجاوز " المعرفة الشكلية " كما نقول اليوم ؛ العلم المجرد اذن لانجاة فيه ولاخلاص به الا اذا اقترن بالعمل . . وعلى أساس هذه المعطيات ، يمكن أن نعرف المثقف - فى جوهره - بأنه العالم المنتفع بعلمه ، النافع به ، الفاعل في بيئته ، الدافع عنها ، الحال عن نفسه وعن مجتمه رابطة التقييد ، المكسر لواهى العقائد ، الناظر فى التلقينات العارضة . . .

هو افلاس الثقافة والمثقف ان نحن استغنينا عن العمل ؛ هى الزينة الخادعة ، وهى الجعجعة الفاشلة ، وهى الاعراض الزائلة ان نحن وقفنا عند العلم المجرد " فالعلم بلا عمل جنون ، والعمل بغير علم لايكون " . . .

يمكن ان نفهم مسؤولية المثقف فى المجتمع على هذا النحو ! وهكذا يصبح احجام المثقف عن المشاركة في بناء المجتمع التونسي الجديد اضعافا فالانطلاقتنا ، واعراضه عن المشاركة في بناء المجتمع التونسي الجديد اضعافا لانطلاقتنا ، واعراضه عن حياة الجد صمتا ، والصمت ، فى غير محله ، استسلام ودعوة الى الاستسلام !

- ولك أن تسأل قائلا : العلم قد حصل ، فما عساك تدعونى اليه من عمل ! عند المثقف وديعة : الفكر . والفكر يفرض على صاحبه أن يكون رائدا لانائما . . . ولا يذهبن بك الظن أنى اقصد بالنوم ما يعتريك من غيبوية في أوقات نعاسك ، فنم ما طاب لك هذا النوع من النوم ، فهذا شأنك ؛ وانما أقصد بالنوم استرخاء الفكر ، ونظرنا الى الاشياء نظر الراضى بها او الصادف عنها ، ولا أبعد ان قلت انه يخشى ان يكون المثقف اليوم الى النائم أقرب منه الى الرائد ؟ لايمكن - ان اردنا الصراحة - ان نكون راضين عن انفسنا نحن الذين ننتسب الى الثقافة ! متى هززنا العقول هزا ، وعرفنا سبل العمل تعريفا ، وفتحنا طرق الثورة الاجتماعية فتحا ،

وكشفنا عن واهى المعتقدات كشفا ، وبعثنا فى العقول نسغا جديدا . . . المحاولات في هذا الميدان ضئيلة ، محتشمة ان وجدت ، كأن عقولنا قد صدئت ولما نشرع بعد فى العمل ، أو قد اصابها الفند ولاتزال فتية ! نحن لانقترح شيئا بل نترقب ان تقترح السياسة كل شئ ، ان تقدح لنا السياسة الفكرة لنسير على ضوئها !

المثقف المضطلع بدوره الحقيقى فى المجتمع هو الذى يخرج من غيبوبته ليعي الوضع العام على حقيقته فى الوطن ، فيجرؤ على النظر ، ويجرؤ على الجدال ، ويجرؤ على الحكم . . . ويجرؤ على تحطيم المذاهب الهرمة ، ويجسر على وطء الهياكل المهدمة ، فينشىء على انقاضها مذاهب جديدة تنسجم والحياة الجديدة ، وهياكل يدخلها نور العقل ، وضوء الفكر ، وعبير الانسان . . .

الا أن وعي المثقف للوضع الحقيقي فى الوطن ، يكون لاطائل وراءه حتى ينزل المثقف من عليائه فيعين الجماهير - جدى الاعانة - على الظفر بهذا الوعم نفسه . . . فلسنا نؤمن " بجنة المثقفين " ولا " بجنة الادباء " المثقف له رسالة لاتكون حقيقة واقعة حتى تتجه الى افادة أفراد عامة الشعب والشعب وديع يترقب ، حتى تنفذ الى قلوب عامة الشباب ، والشباب - وهو نسغ الامة ، متحفز يترقب : اولئك وهؤلاء يترقبون الرائد المغذى لاذهانهم ، المزكي لانفسهم ، الفاتح أمامهم آفاقا جديدة فى المعرفة والاخلاق والعادات والتفكير .

الساعة ساعة جد : أيحيا التونسي أم يموت ؟ أيحيا هذا الوطن أم يموت ؟ أيشارك في تطور الحضارة الانسانية أم يرضى باستهلاك ما يقدم له سائغا ؟ ايساهم في تغذية الثقافة العالمية ، ام يبقى - منطويا على نفسه - يترقب الاغذية العقلية من الشرق والغرب ؟

ليس الرأى عندى القعود ؛ وليس يسعنا - فى الحكمة - أن نبقى الوضع الثقافي على ما هو عليه من تفاهة ، وتذبذب ، نبلو أنفسنا باتباع هذا الطريق او ذاك ، فلا نتمسك ، و " نتساقط عن يمين وشمال " . . . لا ! لانريد ان نحمل " زقفونة " ! نريد أن " نعبر الصراط " راجلين لامحمولين ، فى صحو الفكر ، ويقظة الحس ، وايمان بالوصول ، شاعرين بالمسؤولية ، واعين للرسالة .

والشعور بالمسؤولية ليس حياة الدعة ، والوعى للرسالة ليس حياة الترف والميوعة ، تراه فترتاح الى هندامه ، ويعجبك جسمه ، وتهش نفسك لنظاراته الانيقة الحالمة ، واذا قال وددت لو لم يقل ؛ دعوى الثقافة عنده

ملحة ، ولكنها تتبلور ، عنده فى العرضى دون الجوهرى ، هو كمؤدب الجاحظ ! هو كقاضى البصرة : زميت ، ركين ، وقور . . . يضبط نفسه ويملك حركته ، لا ينطق ، وان نطق فكأنه هاتف ؟ يتصنع الغموض كى يقال " عظيم " ، ويتصنع الصمت كى يقال " حشى علما " ؟ مثله كمثل طالب " علم الفصيح فى الصحيفة الصفراء " .

لا ! الثقافة الحق ليست حسن هندام ولا درسا لعلم الفصيح " لا ! ليس لاحد ان يدعى انه مثقف مثقف حتى يترك برجه العاجى ، ويفتح قلبه للجماهير ، وتطيب نفسه لاحترام افراد الشعب

اعتقد اذن أن الاتصال بأفراد الشعب ، واعانتهم على الخروج من الجهل ، والبؤس ، والحيرة ، والتعثر فى خضم واهى الآراء ، عنصر اساسى من العناصر المكونة لدور المثقف فى المجتمع

من منادرس المجتمع التونسى وصور حياته وفهم قضاياه اليومية ؟ من منا اهتم بحياة العامل فى واحات الجريد وقابس وعاينه عن كثب يعمل فى موسم التمر او الرمان ؟ فنظر وسال وفهم ثم قص او صور ، من من منا ضرب الى مناجم جريصة أو المتلوى وشاهد العملة يكدحون لتحصيل قوتهم اليومى ؟ فنظر وسأل وفهم ثم قص او صور ، من منا أبه لشأن الفلاح يخدم ارضه ، والنساج يعمل على نوله ، والمرأة تنضد القطن على البكر بمردنها أو تغزل بمعزلها ، او تصنع الزربية بئالتها ؟ فنظر وسأل وفهم ثم قص او صور ، من منا تنازل فعاش بين ملاحى المهدية ، وفهم وضع خزافى نابل ، ونقاشى الحجر بدار شعبان ؟ فنظر وسأل وفهم ثم قص أو صور ؛ . . . من منا تجاسر على ان تصور معتقدات الناس في " كرامة الاولياء " ، وما لشعوذة القصاص بساحات الحلقاوين ، وباب السويقة ، والمركاض ، من تزييف للعقائد وتأثير فى عقول العامة . . .

المحاولات فى هذا الصدد ضعيفة ضنيين ، لا تتجاوز قصصا قد تطول وقد تقصر . . . ولكنها لم تبلور هذه النماذج من حياة الشعب ، ولم تصفها ، ولم تكشف عنها . . . ليس لنا من الانتاج ما يؤثر تأثيرا فى مختلف الطبقات ، فيكون كفيلا بان يحول المجتمع ، ويبدله ويطوره ، ليس لنا من الانتاج ما يكون صلة بين المثقف وافراد الشعب ؛ أين الروايات القصصية التى تصور المجتمع التونسى ؟ اين الروايات المسرحية التى تصور المجتمع التونسي ؟ أين المحاولات النقدية التى تكشف القناع عن الحياة التونسية ؟

ذلك أنا نعتقد أن تصويرنا لمختلف مظاهر حياتنا فهم لروح مجتمعنا وثورة بالخصوص على ما هرم من مكوناته فاصبح لا ينسجم وحياتنا الجديدة . . . " الكلمة " - بصرك الله بحقيقتها - سهم نافذ ! بها السحر كامن ، وبها طاقة التطور مخزونة ، فلم لا يستعمل المثقفون " الكلمة " سواء مكتوبة أو مقولة فينشأ تجاوب بينهم وبين افراد الشعب ! لننطق ، ولكن لننطق فى وضوح ، ولنكتب ، ولكن لنكتب فى بساطة حتى يفهم عنا الناس ، ولنكتب فى غير رمز ، ولنكتب في غير مجاز ؛ لنكتب للجماهير لا للنخبة ، لان للجماهير علينا حقا اكد من حق النخبة ، لان تطوير تفكير الجماهير هو بالدرجة الاولى من الاهمية ، فالاسلوب المنغلق لا يعدو ان يكون ضربا من السفسطة او من الدعوة فى الصحراء .

لا ! الثقافة الحق ليست حسن كلام وروعة أسلوب ، ولكنها اجتهاد فى العمل قائم على تفكير .

لا ! ليس لاحد ان يدعى أنه مثقف مثقف حتى ينزل الى ميدان النضال فى سبيل مجتمع أفضل ، سليم العقل ، متحرر فيحيى الضمائر ، ويعين ذوى " النوايا الطيبة " على وعى قضايانا ، ويعمل لتحقيق الازدهار الاجتماعى !

فالثقافة وسيلة ! وعبثا نعتقد اننا قمنا بدورنا لمجرد ارتفاع صوتنا فى قاعات المحاضرات او ابواق الاذاعة ، اذ الرسالة - على حقيقتها - هى فى ان نتجاوز القول الى الفعل

وقد يكون العمل الاساسى الذى نعتبره نقطة الارتكاز فى مساهمة المثقف فى الثورة الكبرى هو النشاط فى البحث عن الوسائل التى تسهل تعميم التعليم لجميع افراد الامة ؟ فالمواطن الجاهل لا يمكن ان يتاثر بجهاد المثقف ولا يمكن ان يساهم فى بناء الوطن مساهمة ناجعة ؟ على المثقف اذن ان لا يشمئز من العمل الجدى المتواصل - بجميع الوجوه - كى يعم التعليم جميع الطبقات ؛ فدستورنا صريح فى هذا الصدد ، ولا نخشى لومة لائم فى المناداة بتطبيق نص من نصوص الدستور الذى كافح شعبنا فى سبيله سنين طويلة ، وانا زعيم بان تعميم التعليم لا يتحقق الا بتيسير اللغة العربية - لغتنا الوطنية - ، وتيسير اللغة لايكون الا اذا قبلنا فكرة تيسير النحو وتيسير الخط العربى بوضع الحركات على حروفه بصورة قارة (1)  ، وانا زعيم بأن

تعليما يعم ابناء هذا الشعب جميعا ، يقفز بتونس قفزة بعيدة المدى ، ويمكن التونسى شيئا فشيئا من الاضطلاع بمهمات التدريس ، فى جميع الميادين ، والبحث العلمى ، وتشييد البلاد تشييدا قائما على السواعد القومية ، ومن تعويض الاجانب اكثر فأكثر ، وهكذا يمكن للمثقف ان يقوم بدور هام فى تشييد الوطن فى نطاق الانطلاقة الكبرى . . .

وليس ما حاولنا تحديده - ايجازا لا استيفاء - لدور المثقف بدعا من الامر ، فالشعوب لا تتقدم الا بما يكون لها من ثقافة حية فاعلة ، ومثقفين رائدين فاعلين ، نافعين ، مناضلين فى سبيل منزلة افضل للمواطن ، نافخين روحا جديدة في ضميره ، وعواطفه ، واخلاقه ، وعاداته وتفكيره

وليس ما اشرنا اليه من مسؤولية المثقف على حقيقتها مما يعز تحقيقه . . . فتاريخ الانسانية حافل بالامثلة التى تثبت ان المثقفين كانوا فى طليعة التقدم والثورات الانشائية الجذرية ! ولا اذكر لك الا جملة يسيرة من الاسماء اللامعة ، فى تاريخ البلاد الاسلامية ، من المثقفين حسب التحديد الذى ضبط آنفا - : اشير الى ابن المقفع ونضاله لتحقيق الخير والصلاح فى المجتمع ، وغيرته على كرامة المثقف فى المجتمع ، واشير الى ابى العلاء المعرى رائد التقدم الاخلاقي والعقائدى والاجتماعى ، وناقد المجتمع نقد المخلص لوطنه وانسانيته ، وأشير الى حجة الاسلام وزين الدين ابى حامد الغزالى مجرد العقيدة من شبعوذة المشعوذين ، والعامل فى تلك الفترة الدقيقة من حياة الامة الاسلامية عمل المؤمن بالمبادئ ، الواعى لرسالة المثقف فى غير ضعف ، وفى غير مداراة ، واشير الى زعيم الثورة الدينية والاجتماعية فى عصر المماليك الشيخ تقى الدين ابن تيمية صاحب الكتاب العظيم فى اهميته ، الصغير فى حجمه ، والمترجم عن " بالسياسة الشرعية فى اصلاح الراعى والرعية " ، والمناضل بالقول والعمل في سبيل نهوض اجتماعى قائم على تحطيم العقائد الواهية ، وعلى مراعاة الاصلح للامة ، وعلى العدل ، وعلى احترام جميع افراد الشعب باعانتهم على الخروج من الجهل والفاقة ، واشير الى جمال الدين الافغانى ، رأس الدعاة لحركة التحديد الاسلامي وباعث التيار المعروف بالوحدة الاسلامية ، والمجاهد لتحرير الاسلام من التأثير الاجنبى ، واشير الى تلميذه وزميله محمد عبده المكافح لتحرير التفكير الاسلامى والمجتمع الاسلامى من الجمود الدينى والثقافى والاخلاقي ، واشير الى " السيد " امير على ، واحمد خان بهادر فى الهند ، والى اقبال فى الباكستان ، والى طه حسين فى مصر ، والى الطاهر الحداد وابى

القاسم الشابى فى تونس . . . هذه اسماء قد دخلت سجل التاريخ اشرنا اليها على سبيل الشاهد .

ولنا نحن المثقفين - فى تونس الجديدة ان نضطلع بدورنا ، اى علينا ان تختار : انشارك فى انطلاقة الوطن فنكون قد اخلصنا لارضنا ولشعبنا ولضمائرنا او لانشارك ، وعند ذلك سوف يجرفنا تيار التاريخ ويدحرجنا . . .

ولكن المثقف ، رغم حسن نيته ، واندفاعه ، واخلاصه لا يمكن ان يقوم بدوره على حقيقته ، وعلى وجهه الاكمل الا اذا توفرت له اسباب نعتقد انها اساسية فالمثقف التونسى - فى هذه الفترة - هو رجل يقوم بدور رجال عديدين : هو المدرس ، وفى الوقت نفسه هو الكاتب والمحاضر والزعيم السياسى وربما ايضا الموظف فى الادارة . . .

وما دام المثقف مشتت القوى ، يجمع بين عديد المسؤوليات ، فلا سبيل الى ان نطالبه بان يضطلع بدوره على حقيقته ، وهنا تبرز مسؤولية الدولة ازاء المثقف ، ان اردنا ان يكون هذا المثقف عنصرا فاعلا فى الثورة الكبرى ، فلا بأس من ان يعفى بعض المثقفين من مهماتهم الرسمية كى يقوموا بعمل اجتماعي فعال . . .

فنحن نعتقد ان المثقف التونسى - فى الحالة الراهنة - ليس المثقف المنشود بعد ! وليست التبعة عليه لا قليلا ولا كثيرا ، لانه نتيجة بيئة خاصة واسباب موضوعية : بيئة احتكرته للدفاع عن كرامة الوطن قبل الاستقلال ، واحتكرته لتسيير شؤون الدولة ودواليب الادارة بعد الاستقلال . . وهذان سببان جوهريان عاقا المثقف التونسى عن القيام بدوره الحقيقى فى المجتمع ، وكل ما نرجوه هو ان يتمكن المثقف فى وقت نأمل ان يكون قريبا من ان يعمل العمل المفيد للمجتمع ولعامة افراد الشعب ، وعند ذلك يمكن لكل واحد منا ان يقول - معتدا بمساهمته فى الثورة الكبرى - ما قاله الكاتب الفرنسي " جيد " " Gide " فى الصفحة الاخيرة من كتابه الموسوم بــ " تيزى " " Thesee " " انى راض عن نفسي ، لانى قمت بما يمليه على الواجب . . . انه ليلذلى ان اتصور بان الناس ، بفضل جهودى سيجدون انفسهم اكبر سعادة ، وافضل حالا واكثر حرية ، لخير الانسانية قدمت اعمالى . "

اشترك في نشرتنا البريدية