الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

ساعة مع الاكواخ

Share

يوم ربيع . . نتف من أكمام الزهر . نتف من زهر البرتقال تتساقط على أرض الحديقة .

شمس ودفء وصحو تلطفه غيوم سائرة . . تائهة . . سابحة

نتف رقيقة من الازهار تساقط بين الفينة والفينة . البعض يسقط دفعة واحدة ، خطا مستقيما كالفراشة الصريع تقع هويا أو القطرة تنفلت من الغصن غب المطر .

شذور تنزل فى شبه دائرة مديدة القوس ، تلامس الارض فى رفق . . جسا خفيفا كوطأة قدم راقصة " البالي "

وتهب نسمة مباغتة فإذا كتل دفعات تهوى معا تنفح الثرى بمثل ذرات القطن أو الريش الناصع البياض .

يا لثراء الطبيعة تبذر الحسن سرفا . تجرد من بعض كسائها تطرحه وهو لا يزال رفاقا جديدا . كمثل الحسناء المترفة لا تتبرج فى ثياب منوعة مستجدة .

وفيما أنت فى هذه السبحة الحالمة والنشوة السارحة إذا رائحة طعام دسمة كثيفة عنود تشق طريقها إلى الانف فتنشب في الخياشيم وتستقر وتربض . تطردها فلا تريم . تزعجها فلا تفلت . كأنها البغى المكتنزة لحما ، الرجراجة ردفا تنضح غواية ونداء فتنة تعرض لك على حال خشوع وصلاة فتحيلك وتعكرك وتجعل من صفائك كدرا وطينا

كم يهوى البشر الكثوف والمتانة ! فى ذات الطعام تجد شبقهم وجنونهم بالحياة وتشبثهم بالبقاء تشبث الغريق بالاشلاء . بالوهم بالسراب .

أصوات تنطلق فجأة . صيحات نسوة من حولك دون سياج الحديقة وإذا فى أرض براح بدويات ينحنين بحثا بين الاشواك والاعشاب . . هذه قد احتفظت بولدها مشدودابرباط إلى ظهرها فكأنه الكيس الصغير

اندلقت أطرافه وتدلت فوق مطية ذلول . وهذه قد أطلقت حفيدا لها رضيعا يرعى ويتقلب في رفقة الحشرات والفراش والذبان .

ينازعن عن الشمس والدود والبقر أقواتها . . فا رحمة الاعشاب ! تباركت أيتها البقول بل الكنوز البرية . لانت موسم الاجسام الجرداء وفاكهة البطون العجاف .

يجمعن العيدان الهزيلة ثم يضممنها ويضعنها حزما على الرأس أو العاتق ويؤبن إلى الاكواخ . . إلى آنصاف وكسور الخيام وقد ضمن الوقود والطعام

إلا الطيور ونحن ، البلديين ، إلا الطيور بعافية وخير ! وهل ثمة كعشرة الطير ، كمثل صداقة الطير والربيع ! أيتها الطور . . أما عرفت ، أما ذقت عرضا لذعة الجوع والقحط...

أيتها الطيور المرنمة على الدوام ، يا آنفاس من الربيع بل يا دقات قلب الربيع... أرض رحيمة صمود والاكواخ فى ضواحينا .

لعلها ، كما يقال تقينا أذى العيون . أو لعلها ، كما يرى أهل الفن للفن ذوو الاذواق الترفة عشاق كل طريف غريب النهمون إلى الجمال حيثما وجد ( أليس من الجمال ما هو بمثابة الجوهرة في مزيلة ؟ ( لعل من شأن هذه الاكواخ أن تبرز النعم وتظهر الفروق وتقيس مدى الخيرات . معالم بليغة تنطق بالرقى والتقدم " وبضدها تتميز الاشياء " .

ألم تكن المرأة عندنا ، وما العهد ببعيد ، تلبس طفلها الوضىء الوسيم رذل الثياب تحصنه من العيون الحاسدة والارواح الشريرة ؟

الاكواخ عناق البادية الحار اللهوف . أيد من البادية تصافحنا شدا . فروع منها وجذور تمتد إلينا حنينا . فلنكرم المثوى ولنفسح الصدور.. هيهات ! لن يطول أجلك أيتها الاكواخ أمس رأيت أناسا بل معاول وهنات كأنها الدببة من حديد تسطو على بعض من اخواتك . نماذج من فصيلتك . تدوسها وتدعسها فإذا هى اشلاء هشيم كأنها الخنافس وطئتها أظلاف البقر . لا تراعى أيتها الاكواخ فإن لكل أجل كتابا .

وقرى عينا فلن تعدمى شعراء يقفون على الاطلال فحولا يجددون سالف الرسوم والايام .

اشترك في نشرتنا البريدية