- ٢٤٦ - أول أمير لجدة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عرفنا ان اول امير لمكة المكرمة . . في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ( عتاب بن اسيد ) رضي الله عنه .
وبقي ان نعرف اول امير من قبله - صلوات الله وسلامه عليه - على ( جدة ) . . فهو كما جاء في أسد الغابة . . " الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب القرشي وقد مات آخر خلافة عمر رضى الله عنه وقيل توفي في خلافة عثمان رضى الله عنه ، وهو ابن سبعين سنة - ودفن بالعراق - بالبصرة " . .
ولم يرد غير هذا بصدد ولايته - مدينة جدة - ولم يعلم المدى الذي قضاه في امارته هذه . . حيث عزله ابو بكر رضي الله عنه . . ثم لما ولي عثمان ولاه ولا ندري ان كانت ولايته - اعادته الى امارة جدة او هي في جهات اخرى والله اعلم .
- ٢٤٧ - شرط العضوية في ندوة قريش بمكة
قال مصعب بن عبد الله : جاء الاسلام وفي يد حكيم بن حزام ( الرفادة ) وكان يفعل المعروف . . ويصل الرحم ، ويحض
على البر وكانت عادة قريش ان لا يدخل ( الندوة ) احد منهم للمشورة حتى يبلغ اربعين سنة الا حكيم بن حزام فانه دخلها وهو ابن عشرين سنة . . "
قلت : وهذا شرط . . لا يزال الناس يهتمون به ويقصدونه في انظمتهم الحديثة . . وما يستثنى منه الا من قدمته اخلاقه وأفعاله !! وقديما قال الشاعر :
ليس الحداثة عن حلم بمانعة
قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
- ٢٤٨ - مقبرة المهاجرين في فخ بمكة
( مقابر مكة ) . . التاريخية المعروفة ذات الآثار المشهودة الباقية هي ( مقبرة المعلى . . او المعلاة بالحجون . . ومقبرة الشبيكة وهما من العصر الجاهلي .. والمقبرة المشهورة بالشيخ محمود .. بجرول وقد زالت كليا . . وكان آخر الدفن فيها . . في العقد الرابع من هذا القرن الرابع عشر ( وقد حضرته . . الى عام ١٣٣ ه . . ) ثم توقف ! ! وهناك مقبرة يطلق عليها مقبرة المهاجرين وهي التي تقع بفخ - اي الزاهر - وتسمى " الشهداء " . . ولا تزال آثارها باقية حتى الآن . . حيث يقال ان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دفن فيها . . وقد تأكدت من انها هي ( مقبرة المهاجرين ) بالنص الذي ذكره صاحب ( اسد الغابة )
ابن الاثير - حيث قال : وهو يترجم ( لابي واقد الحارث بن عوف الليثي الكناني انه توفي بمكة ودفن في مقبرة المهاجرين ( بفخ ) سنة ثمان وستين ه . . وهذا نص صريح لا يحتاج معه الى الحدس او التخمين . . وهي بلا شك احدث من مقبرتى المعلاة والشبيكة . . اما مقبرة الشيخ محمود . . فقد دفن فيها كثير من العلماء . . والامراء . . وتفصيل ذلك في تواريخ مكة . . الا انها حديثة العهد بالنسبة لما سبقتها آنفا ، اما لماذا سميت بالمهاجرين . . فأحسب انها اختصت بمن هاجر من مكة وعاد اليها بعد الهجرة .. دون سواهم . . ولو على سبيل التغلب اول الامر ثم ضمت رفات غيرهم من المقيمين . . وقد احاط بها العمران من كتب ، فليس تصلح للاموات اجداثا " . . والله اعلم .
- ٢٤٩ - كويس
هي اروج كلمة دارجة . . عامة ، خاصة . . في البلاد المصرية الشقيقة . . وهم يعنون بها ( الموصوف ) . . بانه طيب او جميل . . او حسن . . وما هى في اصلها ببعيد من كل ذلك . . فان اشتقاقها . . مع التصغير من ( الكياسة ) أو الكيس . . بسكون الياء . . والاولى لغة هي : " تمكين النفس من استنباط ماهو انفع " . . والأخرى لغة هي : " العقل ، " والظرف ، والفطنة . . وحسن الثاني في الامور " . .
وقد تطور بها التداول حتى صارت الى صيغتها المتداولة . . وقد اخذ بها كثير من الاقطار العربية في الوطن العربي الكبير . . فهى فصيحة صحيحة . .
مقبولة رشيقة رقيقة . . وما شانها التصغير وربما زانها . . وما اكثر ما تدل عليه . . وتلك تعاريفها اللغوية . . واحسبها تشمل مع ذلك معنى الاستهواء والارضاء . . ويستأنس بها القائل والسامع . . وما بها من تأويل غير الاستحسان . . والتقدير . . ويقابلها في استعمال عرب الجزيرة . . المحافظين كلمة اخرى هي : ( عدل ) : او حسن كلما افرحهم نبأ . . او اعجبهم خبر . . وكلهم في ذلك على هدى من ام اللغات . . وحتى في لغة فارس ما يقابلها . . ( كزه ) او ( خوش ) !! . . وكل وما اختار . .
- ٢٥٠ - " القصر الابيض " عربى منذ ١٢٠٠ سنة
روى بن عساكر في تاريخه . . عن احمد بن سيار الجرجاني وكان شاعرا راوية . . انه قال : دخلت انا وابو محمد التميمي واشجع على ( الرشيد ) - بالقصر الابيض - بالرقة . . وانشده النميمي ارجوزة فنثر عليه الدر من جودة شعره ! وانشده اشجع قصيدة جاء فيها قوله :
وعلى عدوك يابن عم محمد
( رصدان ) ضوء الصبح والاظلام
فاذا تنبه رعته واذا غفا
سلت عليه سيوفك الاحلام !
. . واستوقفني . . قوله : ( بالقصر الابيض ) . . فهذا القصر الابيض العربي . . قبل ان تكتشف ( الدنيا الجديدة ). . ولمن ؟؟ للخليفة الذي من مأثور قوله : " امطري حيثما شئت . . فان خراجك عائد لنا " . . وذلك قبل الف ومائتي عام .. ونيف . .
وهنا نكتة أو طرفة أود أن اثبت بها ان من المصححين في المطابع . . رجالا متفوقين في الحذق والفطانة والزكانة !!! فقد كان في محل ( رصدان). . رضوان . . ( تطبيعا ) !! واعتقد ان التطبيع نفسه قد ابتلي بدائه ؟؟ فكانت ( ضوان ) . . وصارت الى ( رضوان ) . . والاولى انسب وأقرب . . وكلاهما . . اعجب وأغرب !! ولابد ان يكون من يتولى امر التصحيح . . في الادب . . وفي الفن . . وفي العلم . . وفي كل شيء . . المعيا يظن الظن كمن قد رأى وقد سمعا . . والا فالويل للالفاظ والمعاني والهياكل والمباني . . وما هناك كبير حرج . . ولا ضر .. ما دام القارئ هو ذاك ان شاء الله .
- ٢٥١ - الا أنها بنجد لا حوران يا ابن عساكر
وترجم ابن عساكر في تاريخه . . ( لامريء القيس ) بن حجر صاحب المعلقة . . واورد صدرها . .
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقرأة - لم يعفر سمها
لما نسجتها من جنوب وشمال وعقب على ذلك بقوله : وكل هذه مواضع معروفة ( بحوران ) ونواحيها !
قلت غفر الله له . . وتجاوز عنه . . فما اعجب وأغرب هذا التعقيب ؟!! فما احسب احدا غيره قال ذلك . . وكل الناس مجمعون على انها من بلاد العرب وفي قلب نجد . . وانها لا يزال بعضها بهذه الاسماء ذاتها . . ومع اننا نتقبل ( الترادف ) في الاسماء والتعدد . . فاننا لم نسمع بواحدة منها في ( حوران ) ولا غيرها من المناطق والبلدان . .
اللهم الا ما جاء في مطلع القصيدة البتارة لحسان بن ثابت رضي الله عنه وقد انشدها عمرو بن الحارث . الغساني وهو :
اسألت رسم الدار ام لم تسال بين ( الجوابي ) فالبضيع - فحومل ولا نكابر ان تكون هناك ( حومل ) شامية ولا ( سقط لوى ) او ( دخول ) . . وانما نريد . . الواقع الصحيح .. فقط . .!!
ولنا رجاء الى العلامة الكبير الشيخ حمد الجاسر . . ان يميط اللثام عن مواقعها في بلادنا في ( منهلنا الاغر ) وعلى وجه الدقة والتحديد . . والتعريف الكامل . . وحصنا لهذه الدعوى .. وانصافا للحق والعدل والزمان والمكان كما هو شانه في الآثار الباقية ، والتراث الخالد حفظه الله ورعاه ولفضيلته الشكر سلفا .
-٢٥٢ - نيل العراق
قرأت في شرح او ترجمة لاسماء وردت في كتاب ( الصداقة والصديق ) لابي حيان التوحيدي . . قام به وتولاه الاستاذ ( الدكتور ابراهيم الكيلاني ) - العبارة التالية . . وهو يترجم للشاعر المجوني أبي عبد الله حسين بن احمد البغدادي : قال : " توفي ابن الحجاج سنة ٣٩١ ( بالنيل ).. قال : وهي قرية على الفرات بين بغداد والكوفة "
قلت : وبهذا يصح القسم لو اكد احدنا ان النيل بالعراق ، اذا قصد به هذه القرية . . ولست ادري ان كانت ما تزال قائمة حتى الآن ام تقوضت ؟ ! وتقتضي المقابلة والمجاملة . . ان تقوم الى جانب ( نيل مصر ) قرية ( الفرات ) ان لم تكن قائمة !
- ٢٥٣ - الجود من الموجود
قرأت للحسن بن عبيد الكلابي بيتين اثرت نقلها للقراء . . في ( الشذرات ) . . ولهما قصة حيث كان في صحبة ( الوليد بن يزيد بن عبد الملك الاموي ) وخرج معه يوما الى الصيد . . فانفردا عن الناس . . وانقطع الناس عنهما وتعالى النهار وجاع الوليد . . فمال نحو قرية فوجد رجلا فاستطعماه . . فجاء بخبز شعير ، وزبيب ، وزيت ، وكراث . . فأكلا فقال الحسن :
ان من يطعم الزبيب مع الز
يت ، بخبز الشعير ، والكراث
لتحقيق بلطمة او بثنتين
لقبح الصنيع - او بثلاث
فقال الوليد : اسكت قبحك الله ، فان الجود من الموجود لو قلت :
لحقيق ببدرة . . او بثنتين لحسن الصنيع او بثلاث قلت : ما احسن ما ارشد اليه من الحق والصواب . . من كان احق بالتذمر والعتاب بما نشأ عليه من رفاهية .. وترف . . واخصاب !! ولكنه الخلق الكريم . . والادب القويم . . وبهذه المناسبة : عرفت ان الجملة المأثورة : ( الجود من الموجود ) ترجع الى نحو الف وثلثمائة عام . .
وهنا - يجد صديقنا الحكيم .. وأديبنا الكريم . . صاحب ( اللونديات ) بجريدة المدينة الغراء . . واتعمد عدم ذكر اسمه المحبوب . . لاسباب غير مجهولة . . اقول انه يجد . . الحجة التي لا تقبل دفعا ولا حصنا في اولئك الذين يضطررون مع العسرة . . والمتربة الى استقبال الضيوف المفاجنين . . واقامة ما هو متعارف . . من الاضافة . . او
الضيافة . . بالشمال او باليمين . . ولم رهنوا . . ( الآنية ) . . واحتملوا ( الدين ) المهين !! وقديما قال الشاعر :
ما كلف الله نفسا فوق طاقتها
ولا تجود يد الا بما تجد
فالى متى الحياء . . مع البلاء ؟؟
ولماذا ( الفنجرة ) . . مع الاغضاء ؟
ورفقا باهل الصيانة . . والاكتفاء
. . وحسبهم الحرمان . . والانطواء . .
ولهم البشرى بانهم - ممن ينفقون سماحا
ويخلف عليهم رباحا . . دون ابطاء !!
-٢٥٤ - انه الاختصاص والتوفيق
وقف رجل من اهل الشام على ( اياس ) بن يزيد الخزاعي التابعي القاضي الشهير والمعروف بالذكاء يضرب به المثل . . وكان الشامى حسن الهيئة . . وكان اياس على باب خالد . . فسأله عن شيء ، فقال له : ان اردت ( القضاء ) فعليك بالحسن . . فهو معلمي ومعلم ابى . وان اردت ( الصلح ) فعليك ( بحميد الطويل ) . . فأدر ما يقال لك مما لك ومما عليك فخذ ما هو لك ودع ما ليس لك " . .
قلت : ما شاء الله لا قوة الا بالله ، هذا ما نصح به اشهر قضاة الاسلام وأروعهم واعلمهم واذكاهم . . واسيرهم ذكرا في الآفاق ، وعجبت من التوافق الغريب بين ( طويل ) القرن الاول الهجري ( حميد ) . . واشتهاره باقامة ( الصلح ) بين المتخاصمين . . وبين ( طويل ) القرن الرابع عشر " الشيخ محمد - ابو يوسف . . الطويل " وهو غني عن التعريف في الحجاز كله . . رحمه الله واحسن جزاءه . . فما كان اسرعه الى كل صلح واصلاح . . لاسيما في السنوات العشرين الاخيرة من حياته الحافلة . .
وما زال الناس يذكرون فضله ومعروفه في ذلك . . واهتمامه بمشاكل الضعفاء واسعافه للفقراء . . وحرصه على قضاء حوائجهم . . وايصال شكاواهم الى ولاة الامور . . وهي خصلة قل من يتصدى لها في وقتنا هذا الا من وفقه الله . . واعانه على ذلك . . ( وانها لكبيرة الا على الخاشعين ) . . وقد قال صلوات الله وسلامه عليه : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) . . ونحمد الله تعالى ان الخير لا يزال في امته حتى تقوم الساعة
- ٢٥٥ - تجارة قريش والعطاء والاحتراف
لما اراد امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان يفرض العطاء . . شاور المهاجرين والانصار . . فاشاروا عليه به به . . ثم شاور مسلمة الفتح . . فأشاروا عليه بفرض العطاء الا " حكيم بن حزام " فانه قال : يا امير المؤمنين ان قريشا اهل تجارة - ومتى فرضت لهم عطاء تركوا تجارتهم . . فيأتي بعدك من يحبس عنهم العطاء . . فتكون التجارة قد خرجت من ايديهم . . قلت : وهكذا كان . . فالهى العطاء . .
اهل التجارة من قريش . . وكان منهم صحاب الثراء العريض . . ولا يزال بهم حتى . . تحولت التجارة الى غيرهم ، منذ قرون طويلة . . وهم الى ذلك كانوا اهل ( صناعة ) . . ايضا . . فقد مر حكيم نفسه على شباب قريش في حياته ، وهو يتوكأ على عصاه فقال احدهم لصاحبه : اذهب بنا الى هذا الشيخ الذي قد خرف . . فقال له صاحبه : وما تريد من شيخ قريش وسيدها ؟ فلم يسمع منه . . وتقدم الى حكيم فقال له " ما بقي من عقلك ؟ " فقال : ( بقي اني رأيت اباك
" فنيا " ) يضرب الحديد بمكة . . فر . الى صاحبه وقد تغير وجهه . . " قلت : وما تغير وجهه الا بعد ان اترف . . واختلف حاله عن حال ابيه . . العامل الصانع الكادح المحترف . . وهذا القول انما كان من رجل مارس الحياة . . ودفع نصف مليون في دين احد لداته واقرانه الزبير بن العوام " احسن الله جزاء ( فهل من مدكر ) ؟؟
- ٢٥٦ - المنن والمصايب
كان حكيم بن حزام - المكي - القرشي الاسلامي يقول : " ما اصبحت يوما وببالي طالب حاجة الا علمت انها من منن الله تعالى علي . . وما اصبحت وليس ببالي طالب حاجة الا علمت انها من المصائب التى اسأل الله الاجر عليها
وهو هو الذي جاءه ابناء الزبير رضي الله عنهم اجمعين . . بعد ما قتل والدهم . . وقد جعل الناس بلقونهم بمناكرة . . ويسمعون منهم الاذى . . فانطلقوا الى ( حكيم ) ليسالوه عن معايب قريش .. ليلقوا من يشتمهم بما يعرفون !! قالوا فدخلنا عليه داره وسالناه ذلك . . فقد لغلامه : اغلق الباب . . فلما اغلقه قام الى سوط راحلته فجعل يضربهم . وجعلوا يلوذون به ، حتى قضى بعذر ما يريد !! ثم قال : أعندي تلتمسون معايب قريش ؟؟! التجئوا لقومكم يكفون عنكم ما تكرهون .
قلت الا ما اعظمها قدوة . . وم اكرمها نخوة . . وهكذا كان السلف الصالح سخاء . . واباء . . وعظة وذكرى . . ونصيحة . . وتاديبا وتهذيببا . . اما اليوم فما ازهد الناس . . ا اقلهم . . في هذه ( المنن ) ! وما اسبقها الى الغمز واللمز !! " وانما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب " .
