هـديـة إلى (( بيكيت )) رائـد المسـرح اللامعقول
تعليق المؤلف : المسرح المعقول يرى أن المجتمع الانسانى - فى العالم الثالث - هو فى وضع (( معقول )) لأنه مجتمع له هدف وغاية . وفي مثل هذ المجتمع يكون المرء ضائعا أول الأمر بين التيارات والمذاهب فى واقعه الخارجى ، ثم يجد طريقه عندما تتجـلى له نفسـه فى صفائها الحقيقي فيكون الخروج من حياة الحيــرة والاضطـراب .
الشخصيـات الـرمـزيـة
عــامل ثــاقــف صــوت سـاسـى ليمـــا يـبـــــرم
المشهــد الأول
قاعة فسيحة مظلمة ، يسلط ضوء فنرى رأس انسان بشعر ناعم ، ويده التى لا نراها تدق بمطرقة شيئا كالنقود ، دقات متوالية على نغمة واحدة ، هذا الانسان يدعى - ليما - ثم يسلط ضوء آخر فى ركن من القاعة ، يد إنسان قوية وملامح رأس بشعر مغبر اشعت ، نرى مطرقة تدق دقات أخرى تختلف عن دقات - ليما - هذا الانسان يدعى - عامل - الدقات تتواصل (( دقائق )) كل فى نغمته . . نسمع صوتا يحادث (( عامل )) .
- الصوت : ماذا تفعل ؟ ! - عـامـل : كما ترى . .؟ - الصوت : ماذا أرى . .؟ - عـامـل : أدق . . - الصوت : تدق ماذا . . ؟ ! - عـامـل : ألا ترى شيئا . . ؟ - الصوت : نعم . . مطرقة . - عـامـل : لا . . مطرقتان . - الصوت : قد يكون . . ولكن لماذا تفعل هذا ٠٠ ؟ - عـامـل : لأني أردته ٠٠ - الصوت : انت . . ؟ ! - عـامـل : أنا وغيرى . . - الصوت : إذن أرادوه لك . . - عـامـل : قد يكون هذا وذاك . . - الصوت : كيف يكون هذا وذاك ؟ ! . . أتحب هذا الذي تفعله ؟ - عـامـل : نعم أحبه وأريده فأصنعه . . - الصوت : ألم تفكر في شئ آخر غير هذا الذي صنعته . . ؟ ! - عـامـل : فكرت يوما . . - الصوت : فى ماذا . . ؟ ! - عـامـل : فكرت في أن أكون شيئا آخر . . - الصوت : مثل ماذا . . ؟ - عـامـل : سؤال غريب . . ! - الصوت : لماذا . . ؟ - عـامـل : ألم تر شيئا آخر ؟ يسلط الضوء الآن على الرأس الذي يدق شيئا كالنقود . - الصوت : نعم . . إنه مثلك ، وليس آخر . .
- عـامـل : قد يكون هذا . . . ولكن ليس مثلى . - الصوت : إنه يدق ويصنع ، ويريد ما يصنع . . - عـامـل : إن دقاته ليست مثلى . . . إنه يصنع شيئا آخر . - الصوت : ولكنه يصنع وكفى . - عـامـل : ( فى غضب ) : وهذا هو سبب بلائى . - الصوت : سبب بلائك . . كيف ذلك . . !؟ - عـامـل : أنا ادق بمطرقة واصنعها ، وهو يدق بمطرقتي ويصنع شيئا آخر . - الصوت : ذلك الذى يلمع . . ؟ - عـامـل : قد يكون . . - الصوت : هل حاولت أن تدق مثله . . - عـامـل : حاولت . . - الصوت : كيف ذلك ؟ - عـامـل : ( يدق مطرقته ) : ألا ترى . . ! - الصوت : نعم تدق مطرقة بمطرقة . . أين النتيجة من هذا الذي تدق ؟! - عـامـل : ألا ترى مطرقتي هناك ؟ ( مشيرا الى - ليما - ) . - الصوت : نعم نتيجة ولكن لا كما تريد فى المحاولة ( بعد سكوت ) . . أتصاب بالاعياء ؟ - عـامـل : ( بغضب ) : هل وقفت دقات قلبك يوما . . ؟ - الصوت : قد يكون . .
تسمع ضجة من بعيد . دقات المطارق تشتد . . يد تمسك يد الذى يصنع شيئا يلمع . . . وتحول اتجاهها فتسمـع نفس النغمـات ، ولكـن الاتجـاه بتغير . . الذى يدق مطرقة بأخرى تمسك به يد أخرى وتحول اتجاه المطرقة ولكن النغمات هى . . هي . .
ثم تتلاشى الاضواء - ظلام - موسيقى . تعود الاضواء فى خفوت ثم نشاهد رجالا كالاشباح تتحرك من الصنفين : صنف عامل ، وصنف ليما ، ثم ضجة .
حركات - أضواء - سقوط أشياء حديدية - دقات مطارق - صفير - صياح - بكاء تتضح بعض هذه منفردة ثم تتداخل . . وتتلاشى أخيرا .
ضوء يسلط - ليما - يمسك خبزا هشا يأكله ، ترى بعض أصابـع اليـد الماسكة للخبز .
- الصوت : أتأكل الآن ؟ ! - ليمــا : لماذا الآن . . دائما . - الصوت : إن خبزك هش . - ليمــا : ( سكوت ) . . - الصوت : ألا تسمع ! ! - ليمــا : إنى آكل وكفى . . - الصوت : أين صانع مطرقتك ؟ ! - ليمــا : ( يشير بيده الاخرى الى مكان ما ) : ٠ . . إنه هناك . نرى يدا ماسكة خبزا هى أيضا . . يأكل بعناء خبزا يابسا . - الصوت : ( مخاطبا - عامل - ) : وانت الآخر تأكل خبزا الآن . . ؟ ! - عـامـل : دائما . . - الصوت : إنه ليس كخبز الآخر . . ! - عـامـل : قد يكون . . ولكن أترى هذه القطرات فى جبيني ؟ ! - الصوت : إنها تلمع . . دائما هكذا ٠٠ ؟ ! - عـامـل : هل رأيت هذه القطرات فى جبين الآخر . . ؟ ! - الصوت : لم أر ذلك . - عـامـل : لأنه عرق جاف . . - الصوت : ماذا تفعل . . ؟ - عـامـل : ألم تر . . - الصوت : نعم . . كانت لك مطرقتان ، والآن خبز وعرق . . - عـامـل : بل مطارق ثلاث وخبز وعرق . . - الصوت : ( متوجها إلى - ليما - ) : وانت يا صاحب الشئ اللامع . . ألا تسمع ؟
- ليما : قد يكون . - الصوت : أتأكل خبزا حتى الآن . . ؟! - ليمــا : قد يكون . . ودائما . - الصوت : أين مطرقتك ؟ - ليمــا : ليست مطرقتي ، أنا صنعت شيئا لامعا وخبزا . - الصوت : ثلاث مطارق صنعت شيئا لامعا وخبزا ( بصوت مرتفع مشيرا إلى - عامل - ) العرق . . هذا العرق . . هذا الذي يتصبب ! ! - ليمــا : ( بصوت مرتفع ) : أنا عرقي من نوع خاص ، عرق سماه الآخر جافا ، إنه عرقي .
المشهـد الثــانـي
نفس القاعة المظلمة الفسيحة في المشهد الاول ، ضوء يسلط على جبين لماع ، وأوراق مبعثرة هنا وهناك ، وكتاب مفتوح بين يدى صاحب الجبين اللماع وهو يدعى - ثاقف - يحمل رأسه بين كفيه فى إطراق .
- ثـاقف : ( بصوت مسموع ) : خبز هش أو يابس وعرق جاف أو سائل ومطارق تدق ، وهذه الاشياء اللامعة . . كلها مهازل . . نعم مهازل ٠٠ ! ! - الصوت : ( فى غضب ) : مهزلة من ؟ - ثـاقف : ( باستهزاء ) : مهزلتك أنت ! - الصوت : ( باستغراب ) : مهزلتى أنا . . ؟ ! - ثـاقف : قد يكون أو لا يكون . . فالمهزلة أنت صانعها وكفى . . - الصوت : غريب أمرك يا - ثاقف - يظهر أن دقات المطارق قد ازعجتك . تسمع الآن دقات مطارق من بعيد ثم تقترب رويدا . - ثـاقف : ( بعد سكوت ) : نعم أزعجني صوتك الملحاح ، والتمييز بين دقات المطارق الثلاث . - الصوت : وما الفائدة من هذا التمييز وإلحاحك المزعج فيه ٠٠ ؟ ! - ثـاقف : اسأل أصحاب المطارق .
- الصوت : إنهما يعرفان ما يصنعان ولا يدركان . . - ثـاقف : ولم الصياح والخصام بينهما ؟ - الصوت : سل أحدهما - ثـاقف : من . . ؟ - الصوت : كما تشاء . .
- ثـاقف : ( ينادى بصوت مرتفع ) : يا - ليما - . . أين أنت . . ؟! يظهر - ليما - بأوصافه الاولى رأس انسان بشعر ناعم وبيده نقود تلمع . - ليمــا : إنى أمامك . . لماذا هذا الصياح . . ماذا تريد مني . - ثـاقف : ماذا فى يديك . . ؟ - ليمــا : شئ أللهو به وألهى به الناس .
- ثـاقف : من تقصد بالناس . - ليمــا : أنت والآخر وحتى الصوت الذى تسمعه . . - ثـاقف : أنا أهتم بغير ما في يديك . - ليمــا : تهتم بعرقي الجاف فتحلله . . ؟! - ثـاقف : قد يكون .
- ليمــا : ولكنك تهتم بشئ غير موجود في الواقع . . ! ! - ثـاقف : إن عرقك الجاف وعرق الآخر السائل أمزجهما وأحاول أن أجعل منهما شيئا جديدا . - ليمــا : إذن أنت تصنع شيئا يجمـع بين اليـابس والهش والجـاف والسائل ومطرقة وأخرى . . ! !
- ثـاقف : أنا لا صنع شيئا وقد أصنع . . - ليمــا : إنه تناقض . . - ثتاقف : مثلك أنت والآخر . - ليمــا : من ٠٠
- ثـاقف : إنك تنساه دائما أما أنا فلا أنسي الآخر ولا أنت . - ليمــا : لأنك إنسان أما أنا . . - ثـاقف : ( يقاطعه صائحا ) : أما أنت فماذا ؟ ! - ليمــا : اسأل - عامل - الذي لا تنساه .
- ثـاقف : ما لك و - عامل - . . ! ؟ - ليمــا : إنى مدين له بما فى يدى . . ولكن أقول هذا أمامك فقط . - ثاقف : إنك تثق بى . . ؟ ! - ليمــا : لأنك إنسان تعيش فى الخيال . . أما حقيقتى فيعرفها الآخر . - ثـاقف : من ٠٠ الصوت . . ؟ ! - ليمــا : قد يكون . . وربما الآخر . . - ثـاقف : تقصد (( عامل )) صانع مطرقتك . - ليمــا : مع أنى ناكر فضله . - ثـاقف : إنه اعتراف منك . - ليمــا : أمامك فقط .
- ثـاقف : ( صائحا في وجه - ليما - ) : دائما أمامى فقط . يظهر فجأة - عامل - وهو بنفس الملامح فى المشهد الاول رأس بشعر مغبر أشعث . - عـامـل : ( يخاطب ثاقف مشيرا الى - ليما - فى غضب ) : إنه دائما هكذا لا يعترف بواقع . . إنه يتلهى دائما . . - ثـاقف : إن عرق جبينك يزعجه . . ودقات مطارقك تلاحقه . . ورغم هذا فانه لا يعترف .
- ليمــا : ( فى غضب ) : انا لست أمام محكمة . - ثـاقف : إنك أمام الواقع . . والواقع هو بعض الحقيقـة التى تنكرهـا دائما . - ليمــا : ( فى لين مخاطبا ثاقف ) : حاول ان تكون منصفا معى . - ثـاقف :أنا دائما انصفكما . . ولكن اصرارك على النكران يزعجني ويزعج صانع المطارق . - ليمــا : قل الحقيقة التى تعرفها . . ولا عليك فيما يقع بيننا ، فنحن لتناقضنا عارفان .
- ثـاقف : وأنا أدرك هذا وأحاول أن أخفف منه بالصنع والخلق الجديد . - ليمــا وعـامـل : ( بصوت واحد ) : علك تنجح . . ! - الصوت : قد يكون . . ولكنه يحاول دائما وانا معه أناصره . .
المشهــد الثــالث
رجل يرتدي بدلة من آخر طراز تبدو عليه الحيرة ، يحاول أن يخفف منها بالسير جيئة وذهابا أو الوقوف برهة ثم النظر الى لا شىء . . يستمر دقائق فى هذا الوضع .
- سـاسى : ( يحدث نفسه بصوت مسموع ) : ماذا يريد هذا الذي كثرت طلباته ، إنه لأمر مزعج ، إن أمره غريب . - الصوت : من تقصد . . ؟ ! - سـاسى : أنت . - الصوت : أنا . . لم أطلب منك شيئا . . - سـاسى : إنه يقلقني بطلباته بواسطتك . . - الصوت : ألا يزعجك الآخر . - سـاسى : من . . - ليمــا - . . - الصوت : قد يكون . - سـاسى : إن - عامل ، لا يرضيه شىء ، فالطلبات كثيرة ، وقد يكون عمله قليلا .
- الصوت : إنك دائما ترضى عن تصرفات - ليما - بل تشجعه . - سـاسي : . . ودائما لأنه يعرف كيف يقدم طلباته . - الصوت : قل طلباتك أنت . - سـاسى : قد يكون . - الصوت : إن حاجتك الى - ليما - تجعلك رفيقا به . - سـاسى : إنى أرفق بالآخر . ولكن أمره مزعج . لو يدرك هذا - عامل . - الصوت : مزعج لك كليما .
- سـاسى : من أدراك ؟ ! - الصوت : سؤال غريب . . وأغرب منه انزعاجك من - عامل - . - سـاسى : ( بتهكم ) : مسكين أنت وهو . .
المشهــد الــرابع
فى هذا المشهد نرى - ليما - يضع على رأسه شعرا مستعارا ويرتدى بدلة فخمة وهو فى عظمة وانتفاخ وأمامه يقف - عامل - فى انفه ظاهرة شعره منفوش وعليه أسمال بالية وبه هزال ، جسمه كانه كتلة عظام . أما صاحب الصوت فلا أثر له فى هذا المشهد .
- ليمــا : ( ينظر أمامه فى كبرياء ظاهر متكلما ) : كل ما أريده لى . . هؤلاء . . وهؤلاء ، إنهم جياع . . إنهم فقراء . . إنهم ملكى . . فى حاجة لى . . الخبز وما ادراك ما الخبز . . ! ! ما معنى الحرية بدون خبز . .؟ !
- عـامـل : ( مخاطبا - ليما - ) : وما معنى الخبز بدون حرية . - ليمــا : هراء . . هذيان . . هذيان . - عـامـل : ( متسائلا ) : من تعنى . . ؟ - ليمــا : ( فى غضب ) : اسكت . . لا تتكلم . - عـامـل : أسكت أنا لتتكلم أنت . - ليمــا : قد يكون . . لا . لا . لا . . نعم بالضبط وليس قد يكون . - عـامـل : إن كلامك يزيدني . .
- ليمــا : ( مقاطعا ) : آه . . نعم فهمت . . . - عـامـل : ( فى غضب ) : أبقى عندك فهم - ليمــا : ( فى غضب ) : بقى أو لم يبق . . هذا يهمنى أنا . . - عـامـل : مسكين . . - ليمــا : مسكين أنت . . أما أنا . . ( ثم يضحك ضحكات هستيرية ) - عـامـل : مسكين أنت . . مسكين يا . . - ليمــا : ( مقاطعا ) : مسكين أنت . . وانت لا تدرى . . ! !
- عـامـل : غريب . . ما يضحكك . .؟ ! - ليمــا : سل صاحب الصوت . . لعله يجيبك . - عـامـل : هذا أمر يهمنى . . أما الصوت فلا أثر له عندما تكون هنا . . - ليمــا : كل شئ يهمنى أنا ولا يهمك أنت .
- عـامـل : قد يكون . - ليمــا : لم يبق لك الا هذه . . قد يكون . . وهي لك كالخبز . . والآن قل لى ماذا تريد . . ؟ - عـامـل :أنت تعرف ماذا أريد . . - ليمــا : أريد أن اسمع . . ماذا تريد . - عـامـل : لن تسمعها منى . . - ليمــا : هكذا أنت دائما . - عـامـل : وهكذا خلقت . - ليمــا : وهل أنا مجبر على تلبية ما تريد . . إني أفكر فيما تريد . . وقد لا أريد . .
- عـامـل : أعرف هذا . . ولكن . - ليمــا : أن تعرف فهذا يهمك . . أما (( لكن )) فهى تهمنى . . - عـامـل : أنت دائما تهيم بــ (( لكن )) . - ليمــا : لأن كل ما عندى وما أملكه ، أهب منه ما أشاء مع و (( لكن )) دائما . . فهي سلاحى . . وهي كل شئ عندي . . لذلك أحب هذه (( لكن )) . - عـامـل : وأنا امقتها .
- ليمـــا : أنت حر . . وبدون (( لكن )) لا تستطيع أن تعرف معنى الحرية . . لأني لا أعطى شيئا بدون لكن . - عـامـل : انت تضع لكن في طريقي دائما . . كلما أردت شيئا . . - ليمـــا : تلك هي طريقتى . . أنا أضع أمامك لكن وانت تطلب ما تريد . . - عـامـل : صار طلبي بدون ارادة . - ليمــا : كما تحب . .
- عـامـل : ( فى غضب شديد ) : سأرفض هذه الحرية مع لكن . - ليمـــا : لن تستطيع ذلك . - عـامـل : لأن كل ما تريده لك . - ليمـــا : هذا بفضل لكن . . التى تمقتها . . وأنا أحبها . .
- عـامـل : ( فى غضب ) : فلا كانت حرية مع لكن . . وليكن الجوع والفقر والفناء بعدهما . . - ليمــا : إنها مكابرة . - عـامـل : مكابرة . . ولكن هي حريتى . ثم يغمى على - عامل - ضوضاء - وصياح : حرية . . حرية . . خبز . . خبز . .
المشهــد الخــامـس
يدخل - ثاقف - الى قاعة فسيحة ، يبدو عليه الغضب الشديـد والعـرق يتصبب من جبينه ، يجلس متهالكا فى اعياء على كرسى ، يعطي بظهره لنا .
- ثـاقـف : ( متكلما ) : لن أفلح بعد اليوم ( ثم يواجهنا ) : لقد فعلت المستحيل . . استخدمت أقصى ما عندى من امكانيات . . تخيلت . . قلدت . . استعملت الرموز . . جربت . . كنت متفائلا وأحيانا متشائما . . ولكن لن أفلح بعد اليوم . . العراقيـل . . دائما العـراقيل فى وجهى . . آه مـن هـذا الوجـود . . يسمع صياح من بعيد وصخب ثم نرى - عامل - وقد أصبح مقعدا يدفع به ليما عربة خاصة .
- عـامـل : ( صائحا ) : دعنى لوحدى . . دعنى لوحدى . . أما كفاك مـا أنا عليه . . أغرب عني لا أريدك . . ماذا تريد مني . . يبتعد - ليمــا - عن عـامل - دافعـا العربة بغضب فتتجـه نحو حائط ٠٠
- عـامـل : ( صائحا ) ادركني . . أدركوني . . إنى سأقع . . إن مقعدى سينكسر . . سأتحطم . . النجدة . . النجدة . ليما ينظر وقد أعجبه المشهد أما - ثاقف - فهو لا يحـرك ساكنا كأنه غير موجود . فى هذه اللحظة ترتطم العربة بالحائط ثم تعود نحو - ليما - .
- ليمـــا : ( يخاطب - عامل - ) : ها إنك تعود الى يا - عامل - مرغما . . ودائما . .
- عـامـل : إنه مفعول جاذبية ما أخذته منك . - ليمـــا : بل إنه الاحتياج . . - عـامـل : قد يكون . . - ليمـــا : هذه ليست من عندك . . اذهب لثاقف لعله ينفعك . . ثم يدفعه نحو ثاقف - فينتبه هذا من ذهوله عندما يرتطم به .
- ثـاقـف : ( مخاطبا - عامل - ) . . ماذا . . ما هذه المصيبة . . هذا أنت يا - عامل - . . ماذا دهاك . - عـامـل : إنها علامة عجزك . . أين هى وعودك لى . . - ثـاقـف : إن - ليما - سبب بلائك . - ليمـــا : ( مخاطبا - ثاقف - ) : هراء . . وتهمة كلاسيكية أو تجديدية غامضة . - ثـاقـف : لقد اختلط عليك الامر . . - ليمـــا : كما اختلط عليك أنت . .
- عـامـل : ( صائحافيهما ) : ألا يكفيكما ما أنا فيه . - ليمـــا : ( بسخرية ) : إنها إرادتك يا - عامل - . . - ثـاقـف : ( فى غضب ) : وعجزى أنا . . يا لى من أحمق . . إن خيالي قد سرح بي بعيدا فحسبت أشياء ممكنة الوقوع . . ولكن ادركت أخيرا أني بعدت كثيرا عن الواقع ومن ذلك عن الحقيقـة . . وانت يا - عامل - . . الدليل القاطع على ضياعي وتيهي . . .
- عـامـل : وحاجتى الأبدية الى هذا - ليما - - ليمـــا : لانكما تتمسكان بالوهم والخيال المجنح . . ولا تدركان الواقع إلا بعد فوات الاوان فيكون الضياع والتيـه . . والفـراغ . . والاهمال .
- ثـاقـف : إنه عصرك . . وانت سبب هذه المصائب البشرية . - ليمـــا : عودا أنت و - عامل - الى نفسيكما وتعرفا عليها بأكثر عمقا وواقعيـة . - عـامـل : إنكما بارعان في تضميد جراحي . . ولكن مع هذا فانى مقعـد ومحتاج إلى أحدكما . .
يتقدم - ثاقف - من - عامل - ويدفع به للخروج . - ليمــــا : إنها تناقضات العصر . .
المشهــد الســادس
ساحة كأنها شاطئ بحر ، يدخل - ليمـا - و - عـامل - و - ثـاقف - و - ساسي - وهم يحبون كالصغار فيجلسهم - يبرم - الذى يرتدى بدلـة متواضعة ، فيضحكون كلهم ضحكات صبيانية .
- يبـــرم : ( صائحا ) : اسكتوا . . اسكتوا . . أين لعبكم يا اطفالي . . !؟ ينبطحون أرضا ويأخذون فى الحبو . - يبـــرم : ( صائحا فيهم ) : إنكم فى الثامنة من عمركم . . هيـا . . امشوا على أرجلكم مثل سائر البشر . فيطيعونه ويخرجون . .
- يبـــرم : ( وحده ) : إنهم صغار . . ولكنهم طيبون . . ابرياء . . فى صفاء الماء . . في صفاء الماء ( أصداء للصوت ) . بعد حين تسمع ضجة وضحك وصياح أطفال . تدخل كـل الجماعة بايديهم لعب يلبسون فى هذه المرة سراويل قصيرة .
- يبـــرم : ( يخاطبهم ) : هذه لعبة . . هي لعبة النفوس . . ستكون عن طريق أسئلة وأجوبة لكل واحد منكم . . واذا كانت أجوبتكم صحيحة فانكم ناجحون لا محالة فى هذه اللعبة . . الآن بدأت اللعبة . كل واحد يضع سطلا أمامه وينظر فيه .
- يبـــرم : ( يخاطب ثاقف ) : ماذا ترى يا - ثاقف - فى الماء . - ثـاقـف : وجهى فى صفاء والنسيم يداعب الماء . - يبـــرم : وانت يا ليما . - ليمــــا : وجهي والماء . - يبـــرم : وانت يا - عامل - . - عـامـل : وجهى والسماء . - يبـــرم : وانت يا ساسى .
- سـاسى : وجهى والماء . تسمع اصداء بعيدة : وجهي . . وجهي . . وجهى . . صفاء . . ماء . . سماء . . نسيم يداعب الماء . - يبـــرم : ( يخاطبهم جميعا ) : كل واحد منكم يحرك سطله . ( يقع تطبيق الرغبة ) . - يبـــرم : انظروا الآن . . ماذا ترون . . ( البعض يرفع أصبعة والبعض الآخر ينظر ويحدق فى ماء السطل . . )
- يبـــرم : ( مخاطبا - عـامل - ) : وانت ماذا ترى ؟ - سـاسى : الماء مكدر . . لا أرى شيئا . . - يبـــرم : ( مخاطبا - عامل - ) : وانت ما ترى ؟ - عـامـل : مثله تقريبا . - يبـــرم : وانت يا ليما . . ؟ - ليمــــا : أرى وجها مخيفا . . بل انه وجهى ، ولكـن ليس على هيأتـه الأصليـة .
- يبـــرم : وأنت يا ثاقف . . ؟ - ثـاقـف : أرى وجهى فى صفاء والنسسيم يداعب الماء ، فما أحلى هذه الذبذبات الطافحة على الماء تداعبه وفوق ذلك زرقة السماء . . - يبـــرم : ( يخاطبهم جميعا ) : لقد رأي بعضكم صفاء الماء ورأى الآخر الماء مكدرا . وتلك هي اللعبة التى نجحتم فيها . . وتلك هي النفوس فمنها المكدر ومنها الصافى . .
- الجمــاعة : ( الجماعة يصيحون فى صوت واحد ) : علمنـا كيـف تكـون نفوسنا صافية ماذا نفعل . . قل لنا . . ونحن تحت أمرك . . حتى نرى وجوهنا صافية غير مخيفة . . نريد الصفاء . . نريد الصفاء . . نريد صفاء النفوس . - يبــــرم : سأفعل عن قريب . . سأفعل . .
