الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "المنهل"

كيف تفكر

Share

التفكير عملية عقلية يقوم بها الانسان اذا واجهته مشكلة جديدة تتطلب منه الحل ، ويحلها حلا يجعل سلوكه ملائما للظروف التى وجد نفسه فيها ومناسبا لها ، ويشترط فى هذه المشكلة أن تكون مهمة بحيث تثير اهتمام الانسان وتكون متعلقة بشخصه     وللتفكير خطوات هامة لا بد من توافرها لكى تكتمل المنفعة والغرض المراد تحقيقه . ومن أهم هذه الخطوات وأولها الشعور بالمشكلة . فالتفكير لا ينشأ الا اذا وجد الانسان نفسه أمام مشكلة تتطلب حلا ، بحيث تكون المشكلة مشكلته هو أى متعلقة به حتى تثير اهتمامه وتشعره بالحيرة ، فاذا لم تحرك المشكلة الانسان فانه لا يعنى بها .

مثال : ذهبت لشراء شىء من البقال وبعد أخذك ما يلزمك بحثت عن كيس النقود فلم تجده . فهنا تواجهك مشكلة تستحق التفكير ، وقد تعود الى منزلك فتجد باب حجرتك مفتوحا وملابسك مبعثرة . .    من هنا يتبين أنك شعرت بمشكلة تضايقك وتؤرقك ، ولكن لا يتسنى لك اتخاذ أى اجراء ايجابى الا اذا انتقلت من الخطوة الاولى وهى الشعور بالمشكلة وتحليلها الى عناصرها اذ أنه فى حالة ضياع كيس النقود تبحث فى مختلف الجيوب لمعرفة : هل فقد

الكيس أم هو فى جيب آخر ؟ . وفى حالة رؤية باب المنزل مفتوحا تجد المشكلة بمعرفة : هل حدثت سرقة ؟ وما الذى سرق ؟ ومتى حدثت السرقة؟ والخطوة الثالثة هى أن تفرض الفروض لحل تلك المشكلة وهى تقتضى منك تفحص الموقف تفحصا دقيقا وتبحث فى معلوماتك السابقة التى تشبه الموقف نفسه لحل المشكلة ، وتبدأ فى فرض الفروض للوصول إلى الحل وهذه الفروض تحتمل الصواب والخطأ ، ففى مثال الكيس قد يظن أن أحدا نشله أو سقط من الجيب دون أن يشعر ، أو نسيه فى جيب ثوب آخر ، وفى حالة المنزل المسروق يفرض أن خادمه هو الذى سرقه أو أن لصا آخر هو السارق . . ويجب أن نلاحظ أن

الخبرة والمعلومات التى عند الانسان لها أهميتها فى التفكير ، فان الانسان اذا لم يكن عقله منظما شاملا لخبرات وتجارب وافرة فى موضوع ما فانه يصعب عليه التفكير فى هذا الموضوع وحل المشاكل المتعلقة به . . وبعد الانتهاء من هذه الخطوة ننتقل الى أخرى وهى ما يمكن تسميته ((باختيار الغرض وتحقيقه)) وهنا لابد أن تبحث وتستفسر : هل هذا الغرض يتفق مع عناصر المشكلة وهل النتائج التى يوصل اليها هذا الغرض تطابق الواقع ؟ . .

فاذا كان صاحب الكيس قد افترض كل المشكلة ان الكيس قد نشل من جيبه فلا بد لصحة هذا الفرض أن يكون قد احتك به انسان فى طريقه. وأن يكون الجيب الذى وضع فيه الكيس معرضا للنشل ومن السهل تناول الكيس منه أو يظهر به تمزيق . . وفى حالة المنزل المسروق نبحث هل السارق كسر شيئا أو استخدم العنف أو ترك وراءه أثرا ، فان وجد هذا الاثر صح الفرض واعتبر حلا للمشكلة . فاذا رأينا أن الفرض يوصل الى شئ معين يتفق مع الواقع قبلناه واعتبرناه حلا للمشكلة والا عدلنا عنه وبحثنا عن فرض آخر ، ويجب عدم التسرع فى قبول حل المشكلة قبل أن يثبت الاختيار الدقيق صحته على الحل . فان التسرع فى قبول الحل من صفات الاطفال .

ونلاحظ أن الفروض التى تفرضها تزيد فى خبرتنا وتعودنا الصبر والوصول الى الحل الصحيح وتجنب

الاخطاء . وأخيرا تأتى مرحلة التعميم أو ما يطلق عليها البعض بالتطبيق اذ فيها نطبق ما نصل اليه من حقائق على الحالات التى تشبهها فيما بعد والتى تحدث من نوعها فى المستقبل . وللتعميم أو التطبيق فوائد جمة منها الاستفادة من خبرة الغير وتطبيق القواعد على الحالات المتشابهة وتوفير الوقت والمجهود والمال ، كما تساعد على الرقى والتقدم .

هذا وليس التفكير واحدا عند الجميع ، فهو يختلف لا بحسب الحالات الخاصة والعامة لدى الأفراد وانما يختلف ايضا باختلاف السن ، فهناك فرق شاسع بين تفكير الطفل وتفكير الراشد ، فرغم أن عملية التفكير واحدة بالنسبة للطفل والراشد والمتعلم والجاهل من حيث وجود مشكلة تعترض الانسان ووجود عقلية لحل هذه المشكلة ، الا أن هناك فروقا ظاهرة منها أن تفكير الطفل بسيط يقوم على عناصر بسيطة هداه اليها حسه وتجربته وملاحظاته فى بيئته التى يحيا عليها.هذا وتفسير الراشد مركب يقوم على التفكير المجرد من الحقائق التى يدركها عقله وان لم يمهد اليها بحسه ومشاهدته . ثم ان مادة تفكير الطفل حسية وهى عبارة عن أشياء وأشخاص يشاهدهم ويلاحظهم فى محيطه ويوازن اعمالهم بمجهوده الذاتى ، لذلك نرى انشاءه يشمل أشياء وأشخاصا لا معانى مجردة .

ومادة تفكير الراشد مركبة تشمل معنويات ، كما وان الراشد أقدر على

اتباع طريقة منظمة فى تفكيره، ولذلك نجد تفكيره منظما ومرتبا ترتيبا منطقيا ، بخلاف الطفل الذى يكون تفكيره سطحيا غير مرتب لعدم اتباعه طريقة منظمة .

هذا وتفكير الطفل استقطابى يدور حول نفسه ولذلك يدرك الاشياء من حيث منفعتها له فتفكيره قاصر على هذه الناحية ، أما الراشد فتفكيره موضوعى يتعلق بالموضوع أو المشكلة التى تواجهه .

وأخيرا نجد أن تفكير الطفل كثير الاخطاء ، غير دقيق ، وذلك راجع الى عدة عوامل أهمها قلة خبرته وجهله

باللغة وضعف معلوماته وعدم وضوحها ثم تسرعه فى الحكم وقبول الفروض قبل التأكد من صحتها .

أما تفكير الراشد فهو أكثر صحة ودقة ولا توجد به العيوب التى نلاحظها فى الاطفال ، اذ يمكنه تركيز انتباهه فترة طويلة ويستمر تفكيره لزمن طويل ، وهذا بعكس الطفل الذى سرعان ما يتحول تفكيره الى موضوع آخر غير الذى يفكر فيه ، كما انه قد يتأثر بايحاء غيره فى تفكيره بعكس الراشد .

جدة

اشترك في نشرتنا البريدية