مدخل :
ماذا نقصد بالشعر الحديث ، وماذا نقصد بالتوصيل ؟ قد يكون من المفيد ان نحدد - منذ البداية - دلالة هذين التعبيرين فى دراستنا ، تجنبا لبعض الخلافات او الاختلافات ذات الطابع الشكل او اللفظي ، وتحديدا كذلك لمجال هذه الدراسة .
فالشعر الحديث الذى سنعرض له ، لا يمتد منذ أوائل هذا القرن حتى يومنا هذا كما قد توحى بذلك كلمة " الحديث " ، بل لا يقف عند حدود ما يسمى بالشعر المعاصر عامة ، إذ ليس كل شعر معاصر حديثا ، والحداثة - وان تكن لها دلالتها الزمنية والتاريخية عامة - ليست مجرد صفة زمنية ، وانما هى صفة تعبيرية أساسا . على أننا لا تقتصر كذلك على ما اصطلح على تسميته بشعر الحداثة أو بالحداثة فى الشعر عند مدرسة معينة من مدارس النقد والابداع في أدبنا العربي المعاصر . فالذى نقصده بالحديث فى الشعر العربى ، هو هذا الشعر المعاصر الذي يعد خروجا على المألوف الشعرى السابق ، أو تطويرا وتجديدا له ، فى بنتيه التعبيرية والدلالية على السواء ، والذي يثير - بنسب متفاوتة - احساسا بالصعوبة أو الغموض أو العجز عن التوصيل لدى قرائه ومتذوقيه على اختلاف مستوياتهم الثقافية .
ولعل هذا ينقلنا الى المصطلح الآخر : التوصيل . فما هو المقصود بالتوصيل فى الشعر ؟ لا شك أن التوصيل - أو الاتصال - قضية من أخطر قضايا عصرنا الراهن فضلا عن مجتمعاتنا العربية ، حقا ، انها قضية قديمة قدم الانسانية ، الا ان عصرنا بما توفرت فيه من حاجات وأوضاع سياسية واجتماعية وانتاجية
جديدة ، ومن وسائل اتصالية بالغة التعقيد والفاعلية ، قد اخذت تبرز فيه هذه القضية كجزء من معاركه الرئيسية من أجل التحرر من التخلف والتبعية ، ومن جل ديمقراطية الاعلام والتعليم والثقافة عامة . ان القدرة على الاتصال والتوصيل والتواصل هي جوهر العلاقات الانسانية من الجماعة الصغيرة الى الجنس البشرى عامة ، بل لعل تطور وسائل الاتصال والتوصيل والتواصل داخل الجماعة الصغيرة ، أو داخل مجتمع كبير أو على المستوى العالمى ، او يكون مقياسا للتطور والتحضر فى عصرنا .
وقضية التوصيل فى الادب عامة والشعر بوجه خاص ، هى جزء من هذه القضية العامة ، وان تكن لها خصوصيتها ونوعيتها . فاللغة اداة أساسية للاتصال والتوصيل الاعلامي والتعليمى والتثقيفي ، والشعر بنية لغوية ، على انه بنية لغوية خاصة ، انه لغة داخل اللغة ، ولهذا تتميز أو على الاقل تختلف وظيفته التعبيرية عن وظيفة أو وظائف اللغة الاخرى . ولكن دون أن يكون بينه وبينها هذه الحواجز المطلقة التى تقيمها بعض الدراسات الحديثة ، حقا ان للغة وظيفة شعرية خاصة تختلف عن الوظائف الاعلامية والتقريرية والتوجيهية الاصطلاحية وغيرها من الوظائف التى يحددها جاكوبسون (1) للغة ، على أن الوظيفة الشعرية ليست منقطعة تماما عن هذه الوظائف وانما تحققها بمنهج الشعر لا بمنهج التعبير اللغوي العادي ، فالشعر ليس مجرد كينونته البنائية ذاتها ، أى ليس له من دلالة ، من وظيفة غير ذاته ، غير كبنونته شعرا ، كما تذهب بعض الاتجاهات (2) الحديثة وهو ليس مجرد تفكيك أبنية اللغة الاتصالية أو التوصيلية (3) اذ ليس كل انقطاع عن أبنية التعبير اللغوي العادي يعد شعرا بل قد يكون مجرد تعبير عبثى (4) . حقا ، ان الابداع جوهر الشعر ، والابداع هو الارتفاع فوق المالوف ، أو اكتشاف ما في المالوف ، او الاكتشاف عامة لعلاقات ودلالات جديدة تتحقق فى بنية لغوية والصفة الابداعية هي غاية في
الشعر بغير شك ، وهي تحقق للشعر ذاتيته . ولكنها لا تقف به عند هذه الغاية وتجعل منه مجرد تحقق مضى ، مجرد شئ مضى ، كالجبل او النهر او مختلف الاشياء الطبيعية ، لا يقول الا بكينونته . ان الشعر بابداعيته ذاتها ، تعبير اشارى دال ، بل وسيلة اشارية دلالية ، وان تكن اشاريته ودلاليته تختلف عن اشارية ودلالية اللغة العادية ، ذلك أنها تنبع من بنيته الخاصة وهى قيمة مضافة اكبر من مجموع عناصره المكونة له والشعر كذلك ذو فاعلية تنبع من بنيته الخاصة ومن قيمته المضافة ، ولهذا فهو ليس مجرد فاعلية جمالية فحسب بل فاعلية دلالية كذلك . ان الشعر غاية فى ذاته ووسيلة بذاته . والجنوح الى جانب من هذين الجانبين دون الجانب الآخر ، هو انقطاع للشعر عن أصوله اللغوية ذات الدلالة المعرفية الانسانية استغراقا فى شكلانية شيئية مجرد خالصة ، او الخروج عن حقيقته الشعرية الى مستهدفات عملية مباشرة .
ان الشعر بنية لغوية خاصة ذات دلالة فعالة . وليس التوصيل فى الشعر الا هذه الدلالة الفعالة التابعة من بنيته اللغوية الخاصة . ولعل هذا هو ما يجعل الشعة بطبيعته غامضيا ، أى مختلفا عن اللغة العادية رغم استعانته بمفرداتها . انه يصوغ هذه المفردات ويوظفها على نحو يختلف عن صياغتها وعن توظيفها فى لغة الحديث العادى الذى يتسم بالتقريرية والمباشرة .
هذه هي ميزته وهذا هو معنى غموضه وصعوبته الجمالية - فى التوصيل التقريرى المباشر المسطح . على انه قد تصبح ميزة الشعر هذه عيبا من عيوبه ، إذا لم يعد الغموض معني من معانى صياغته الخاصة ، ومنهجه الخاص فى التوصيل ، وانما يصبح سدا يحول دون التوصيل بين النص وقارئه ، أى يصبح بلا دلالة فعالة ، بل قد تصبح دلالته الفعالة هي مجرد غموضه ذاته ، او عدم اتصاليته المطلقة . فلا يقول الا مجرد كينونته الشكلية المجردة او جماليته الخالصة .
ولا شك ان قضية التوصيل أو الغموض فى الشعر عامة قضية نسبية . ذلك أنها قد لا تكون صفة ذاتية فى النص الشعرى بقدر ما تكون لنقص ثقافى لدى القارىء . فالتذوق الشعرى يقتضى بالضرورة مستوى من الثقافة ، وليست المهمة المباشرة للشعر هى التثقيف .
على ان قضية التوصيل أو الغموض فى الشعر لا ينبغي ان تقتصر على الجانب الشكلى وحده من هذه القضية ، الذى يثار ويبرز أحيانا شغلا عن جوهر القضية الا وهي دلالة التوصيل وحقيقة الغموض بل طمسا لهذه الدلالة وهذه الحقيقة .
وقضية التوصيل والغموض قديمة قدم شعرنا العربى ، غير أنها تثار دائما مع كل منعطف أبداعى جديد ، وتأخذ مع كل منعطف دلالة تاريخية خاصة بحسب الملابسات التاريخية المحيطة .
وقد يكون من المفيد أن نعرض لبعض معالمها التاريخية الرئيسية عرضا سريعا قبل أن نعرض للقضية تفصيلا فى شعرنا الحديث فى ضوء العناصر التى ذكرناها .
لمحة تاريخية : طوال القرون الثلاثة الهجرية ، الثاني والثالث والرابع نشط وتألق الفعل الابداعى العربى الاسلامى فى مختلف المجالات الفكرية والادبية والانتاجية والعملية عامة . وكان للابداع الشعرى حظ وافر ، بالغ الدلالة ، ولقد كان هذا الفعل الابداعى عامة ثمرة للتحولات والتمخضات والتمردات الاجتماعية التى أخذ يحتدم بها المجتمع العربى الاسلامى آنذاك .
وكما كانت الانشطة والفعاليات الفلسفية خاصة محاولة للخروج على الايديولوجيات السائدة ، واضاءة رؤى انسانية واجتماعية جديدة ، كذلك كان الابداع الشعرى محاولات - فى كثير من جوانبه - للانفلات من ربقة البنية الشكلية والدلالية السائدة فى الشعر ، تعبيرا عن حركة الواقع الجديد وما يرتعش به من معاناة وصراع وتطلع الى تغيير .
ولم تكن الثورة الشعرية التى تطالعنا ونطالعها فى شعر بشار بن برد وابي نواس وابى تمام والمتنبى والبحترى وابى العلاء وابن الرومى وغيرهم الا تعابير متنوعة عن هذا الواقع الجديد . ولهذا كان يقال عن شعرهم : إنه " اشكل بالدهر " أو " أشبه بالزمان " . ولم يكن ما عاناه هؤلاء الشعراء الا نتيجة لمواقفهم من هذا الواقع الجديد مع اختلاف هذه المواقف . ولم تكن تهمة الزندقة أو الشعوبية او الخروج عن عمود الشعر او الغموض ، أو " لماذا لا تقول ما يفهم " فضلا عن السجن والقتل ، الا نتيجة لهذه الرؤى والمواقف الاجتماعية التى عبر بها هؤلاء الشعراء تعبيرا فنيا جديدا عن عصر " التجار " او " الدهر الحمار " على حد تعبير ابى تمام أو " زمن القرود " على تعبير أبى نواس (5) لم يكن خروجهم عن خصائص لغتهم العربية وحقائق عصرهم ، بقدر ما كان خروجا على الافكار المتسلطة السائدة والقيم الشعرية السلفية الجامدة وتعبيرا عن خبرات حية
جديدة ولهذا جاء شعرهم غامضا بالضرورة فى بعض جوانبه ، غامضا بالمعنى الذي اشرنا اليه من قبل ، ذلك لخروجه على المألوف وتعبيره عن دلالات وخبرات ورؤى جديدة بعيدة عن تلك الدلالات والخبرات والرؤى السائدة الجامدة لم تكن القضية غموض لفظ بل غموض معنى ، أى غموض رؤية على انها لم تكن قضية غموض بقدر ما كانت قضية رؤية جديدة فالالفاظ هى الالفاظ ، وإنما الجديد هو ما تحمله هذه الالفاظ بتراكيبها الجديدة من معان بعيدة ،او على حد تعبير أبى تمام المتهم بالغموض متحدثا عن معاني شعره :
حزن مستعمل الكلام اختيارا
وتجنبن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدركن
به غاية المراد البعيد
ولهذا لم تكن تهمة الغموض - فضلا عن المواقف والاجراءات القهرية والتعسفية الاخرى الا محاربة لطمس معاني الشعر الجديد ودلالته التعبيرية ذوقا وفكرا ، كجزء من عملية طمس محاولات التجديد والتغيير فى المجتمع العربى الاسلامى عامة ، ولكننا وجدنا نقادا فى ذلك العصر يتصدون للدفاع عن حقيقة الشعر مفسرين طبيعة الغموض فيه ، مفرقين بين المعاظلة وتتبع (6) حوشى الكلام الذي هو التعقيد وبين الغموض الناجم عن حدة المعنى وعمق الخبرة فأحق أصناف التعقيد بالذم - كما يقول الجرجاني (7) - ما يتعبك ثم لا يجدى عليك ويؤرقك ثم لا يروق لك " على أن المعنى اذا كان ادبا وحكمة وكان غريبا نادرا فهو أشرف مما ليس كذلك ( 8 ) " .
واذا تركنا هذا التراث القديم وعدنا إلى عصرنا الراهن ، لطالعتنا مع بداية القرن حركة تجديدية فى الشعر ، تدعو الى الثورة على التعبير الشعرى السائد ، وتطلع الى رؤية شعرية جديدة ، هى حركة " الديوان " نسبة الى الكتاب الذي اصدره كل من عباس محمود العقاد وابراهيم المازنى ، كبيان لهذه الحركة
ومحاولة تطبيقية لفلسفتها . والملاحظ ان الديوان قد صدر عام 1921 ، أى بعد عامين من ثورة 1919 ، هذه الثورة التى وان تكن قد فشلت في تحقيق أهدافها الوطنية والديمقراطية ، الا أنها فجرت كثيرا من التصورات والقيم الجديدة ولم يكن " الديوان " فى تقريرى الا معنى من معاني ثورة 1919 فى الادب . وفى مقدمة " الديوان " يقول كاتباه : وأوجز (9) ما نصف به علمنا ان افلحنا فيه ، انه اقامة حد بين عهدين ، لم يبق ما يسوغ اتصالها والاختلاط بينها وأقرب ما نميز به مذهبنا انه مذهب انسانى ، مصرى ، عربي.. " ثم يقول : " ولم يكن أدبنا الموروث فى أعم صورة الا عربيا خالصا يدير بصره الى عصر الجاهلية ، وقد مضى التاريخ بسرعة لا تتبدل وقضى أن تحطم كل عقيدة اصناما عبدت قبلها وربما كان نقد ما ليس صحيحا أوجب وايسر من وضع قسطاس الصحيح وتعريفة فى جميع حالاته ، ولهذا اخترنا ان نقدم تحطيم الاصنام الباقية على تفصيل المبادىء الحديثة كانت دعوة واضحة الى قطيعة فنية مع اتجاه سائد ، والى ارساء اتجاه جديد . وكان شوقي أو مدرسة شوقي الشعرية من اكبر الاصنام التى كان يراد تحطيمها على ان المعركة لم تكن مجرد معركة شعرية بل كانت تمتزج بابعاد وطنية واجتماعية ، فشوقي لم يكن مجرد شاعر كلاسيكى ، بل كان شاعر القصر ، شاعر البلاط . على ان حركة " الديوان " فى جوهرها كانت دعوة الى تحرير الشعر من التعميمات التقريرية ، واعتباره تعبيرا ذاتيا عن خبرة حية ، متحقق فى بنية موحدة عضويا . ولعل عبد الرحمن شكرى ان يكون قد عبر ابلغ تعبير عن هذه الدعوة بقوله فى قصيدة من قصائده ان الشعر وجدان " . وقد لا نجد اختلافا جوهريا بين " الديوان " والغربال لمخائيل نعيمة ، ففي المقدمة التى كتبها العقاد " للغربال " يقول : " رأيت قلما جاهدا في طلب الشعر الصحيح .. شعر الحياة ، لا شعر الزحافات والعلل ، ويقول " من صحح مقياسا للادب فقد صحح مقياسا للحياة (10) . وأكاد أقول فى غير مغالاة : إن مدرسة " الديوان " بقيمها النقدية التى طورها العقاد خاصة فى كتاباته النقدية اللاحقة كذلك - دون تعبيره الشعرى - تعبر عن مجمل الحركة الشعرية الجديدة ، سواء عند عبد الرحمن شكرى ، ومطران أوعند شعراء المهجر ، بل هي القيم النقدية الرئيسية التى تأسست عليها حركة أبولو فى الثلاثينيات .
وقد قامت هذه الحركة الشعرية الجديدة ، فى تعابيرها المختلفة المتنوعة بتحديدات بالغة العمق احيانا فى نسج العبارة الشعرية ، وفى تعميق الخبرة الذاتية الحية للقصيدة ، وفي تنويع موسيقى الشعر وتطويرها تطويرا تعبيريا وبالرغم من خروج هذه الحركة الشعرية - فى مجملها - على بنية الشعر الكلاسيكى ، فانها لم تتهم بالغموض - بشكل أساسى - وانما اتهمت بالنثرية والتقريرية أحيانا وبالخروج عن أصول الفصاحة العربية فى كثير من الاحيان من جانب الكتاب السلفيين . حقا ، قد نجد بين ابناء هذه المدرسة من يشطح خياله الى ما يقرب المحال - مثل محمود حسن اسماعيل الا انه بغنائيته الحادة كان يقرب الدلالة ويوحى بها فى يسر نسبى على ان هذه المدرسة هى مدرسة الوجدان العربى المستيقظ ، المؤكد لذاتيته ، الذي بدا متفائلا محلقا مع بداية القرن ثم سرعان ما أخذت تغلقه أحزان الاحباطات الوطنية والاجتماعية المختلفة طوال النصف الاول من هذا القرن
ومع أواخر الاربعينات وطوال الخمسينات أخذت تتحلق وتنمو مدرسة شعرية جديدة منبثقة من المد الوطني العارم المعادى للاستعمار خلال تلك السنوات ومتواكبة معه ومعمقة له ، وكانت حركة نابضة بإرادة التحرير التعبيرى والوطنى والاجتماعى واكتشاف آفاق بلاغية وفكرية وانسانية جديدة تخلصت من البحور الخليلية مكتفية بتفعلية واحدة من بعض هذه البحور وتخففت من اطراد القافية بل تخلصت منها أحيانا على أن أهم ما كان يميزها هو التعبير بالصور تعبيرا بنائيا والمزج بين الذاتى والموضوعى ، والاستعانة بالاساطير والرموز الدينية التراثية والشعبية . ولعل أبرز المعبرين عن هذه المدرسة هم نازك الملائكة ، والسياب والبياتى وبلند حيدر والشرقاوي وعبد الصبور وحجازى والفيتورى وغيرهم فضلا عن شعراء الارض المحتلة ، محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم .
وكان من الطبيعى أن تقوم فى مواجهة هذه المدرسة الشعرية الجديدة حركة مضادة ، لعلة كان من ابرزها وأخطرها لجنة الشعر فى المجلس الاعلى لرعاية الاداب والفنون فى مصر التى كان يرأسها عباس محمود العقاد وكان مؤسفا ان يتصدى العقاد المبادر الى الدعوة للتجديد الشعرى فى مستهل القرن لتحطيم هذه الدعوة للتجديد الشعرى فى نصفه الثاني . وقد صدر عن اللجنة بيان تاريخي ضد هذه المدرسة الشعرية الجديدة صاغه د . زكى نجيب محمود على ان التهمة الاسبابية التى وجهت الى هذه المدرسة كانت تهمة ايديلوجية أساسا
هي خروج هذا الشعر الجديد عن" القيم الدينية الاسلامية الثابتة" باستخدامها مصطلحات تنتسب الى ديانة اخرى غير الديانة الاسلامية كالخطيئة والصلب والخلاص ، فضلا عن استخدامها لفظ الاله بغير المحدد الذي جاء فى القرآن الكريم ! (11) ولم تكن تهمة الغموض او صعوبة التوصيل من التهم التى وجهت الى هذا الشعر أساسا ، بل لعله قد اتهم بالنثرية والتقريرية وخاصة بالنسبة لبعض نماذجة التى أخذت في الخمسينات طابعا جماهيريا مثل قصيدة عبد الرحمان الشرقاوى " من أب مصرى الى الرئيس ترومان " التى يبدؤها (12) بقوله :
يا سيدى اليك السلام وان كنت تكره هذا السلام وتغرى صنائعك المخلصين لكى يبطشوا
بدعاة السلام ولكننى
سأعدل عن مثل هذا الكلام وأوجز فى القول ما استطيع
بل لعلنا نجد مؤخرا من يخرج بعض قصائد هذه المدرسة الشعرية من قائمة الشعر ويضمها الى قائمة النثر ، ولست أقصد العقاد الذي أحال بعض هذه القصائد " الى لجنة النثر للاختصاص " ، وانما اقصد ادونيس في تقييمه لقصيدة (13) الكليرا لنازك الملائكة التى يعدها البعض بداية الشعر الجديد والتي تقول فيها :
الكوليرا فى كهف الرعب مع الأشياء وضمت الابد القاسى حيث الموت دواء ...
ما أريد بأن اخوض فى تقييم شعر هذه الحركة الشعرية وانما أردت ان اقول فحسب : ان هذه الحركة وان تكن خروجا على الشعرى السائد ، سواء فى بنيتها او دلالتها او موسقاها - طبعا يتمثل هذا فى أفضل نماذجها - فانها لم تثر قضية الغموض ، او صعوبة التوصيل ، بل على العكس من ذلك ارتبطت بدعوة الى جماهيرية الشعر ، من جانب شعرائها ، ونقادها على السواء . كقول محمود درويش فى مرحلته الشعرية الاولى :
أجمل الاشعار ما يحفظه عن ظهر قلب
كل قارئ
فاذا لم يشرب الناس أناشيدك شرب
قل أنا وحدى خاطئ
أو قول الشاعر :
قصائدنا بلا لون بلا طعم بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت الى بيت
وان لم يفهم " البسطا " معانيها
فأولى ان نذريها .. ونخلد نحن للصمت
والحق ان هذه الحركة الشعرية الجديدة حققت نجاحا جماهيريا لا نظير له فى تاريخ الشعر العربى . ولا شك ان ملابسات الصراع الوطني والاجتماعى الذي كان محتدما خلال الخمسينات خاصة وبعض سنوات الستينات كان عاملا من عوامل هذا النجاح الجماهيري وليس هذا بالطبع حكما على قيمة هذا الشعر فالجماهيرية ليست صفة فى الشعر ، وانما قد تصبح صفة للشعر .
على ان مع اواخر الستينات وطوال السعبينات وحتى يومنا هذا ، أخذت تبرز ظاهرة جديدة أو متطورة فى الشعر العربى هى ما سوف نتحدث عنها باسم الشعر الحديث فى الاطار الذي حددناه فى مستهل هذه الدراسة
ثلاث ظواهر تعبيرية فى الشعر الحديث :
من التعسف ان نحدد بالدقة البداية التاريخية لنشأة هذا الشعر الذى نصطلح على تسميته بالشعر الحديث . ذلك ان هذا الشعر - فى راينا - يمثل اكثر من تيار واتجاه . فهناك الاتجاه الذي يمكن ان نعتبره تطويرا وتعميقا تعبيريا ودلاليا لشعر المرحلة السابقة للشعر الجديد ، وهناك الاتجاه الذي يصطلح على تسميته بالحداثة الشعرية ، او شعر الحداثة ، والتى تعتبر مجلة شعر ، ثم مجلة مواقف من منابره الاساسية .
وما اشد اختلاف الاطار التاريخي الذي تخلق فيه الشعر الجديد ، عن هذا الاطار التاريخي الذي يتخلق فيه هذا الشعر الحديث . لم نعد فى مرحلة مد وطني عارم ، بل نحن فى مرحلة ردة وانتكاسة على المستوى الوطني والاجتماعي والقومي ، بلغت الى حد خيانة الثورة العربية عامة والفلسطينية خاصة ، والتسليم للعدو الصهيونى ، هذا فضلا عن بروز التناقضات واستفحالها بين الشعارات والتطبيقات ، واحتدام الصراع الطبقى الداخلى ، وتفكك وحدة العمل القومي ، واستشراء عمليات القمع والقهر وكبت الحريات الديمقراطية بل التعذيب والتصفيات الجسدية التى لا ينجو منها المثقفون ، ان لم يكونوا من ابرز وقودها .
فى هذا الاطار التاريخي الفاجع ، يتخلق الشعر الحديث ، منعكفا على ذاته مجترا احزانه وجراحه الداخلية ، او ذاهلا عما حوله فى تعويض اغترابي او يقف محددا اسلحته شاحذا وعيه ونضاله دون ان يفقد تفاؤله الصعب . انه بشكل عام شعر الرفض وارادة التجاوز ، وان اختلفت دلالة هذا الرفض وهذا التجاوز وتنوعت بين رفض وتجاوز مناضل ورفض وتجاوز متعال مثالي .
ولست هنا في مجال تقييم تفصيلي لهذا الشعر ، وانما اكتفى بهذه الاشارة العامة لننتقل منها الى الحديث عن طبيعة هذا الشعر من حيث قضية الغموض والتوصيل .
الحق ، اننا نستطيع ان نتبين ثلاثة تيارات فى هذا الشعر الحديث فيما يتعلق بهذه القضية :
1 - التيار الاول هو ما يمكن تسميته بتيار التعقيد الذي يصل احيانا إلى حد الابهام وانعدام التوصيل ، وهو يجمع بين ما يسميه نقادنا القدامى بالمعاظلة
واستخدام حوشي الكلام ، وبين غموض المعنى وابهامه . ولنضرب مثلا عليه بفقرات من شعر الشاعر المصرى محمد عفيفي مطر . يقول فى مطلع قصيدته (امراة : اشكالية علاقة ) .
(تهدت ناقة الليل ، استطف لها من الريح المليئة بالظلام الكتر في اللحيين من حرش اللغام الزعد ، وانتشرت من الرغو النجوم الفضة الماء المرقم والغبار الزعفرانى ، الرغاد وشيجة الايقاع بين دمى وبين الارض) .
وقد لا تواجهنا مثل هذه المعاظلة اللفظية كثيرا فى الشعر الحديث ، وان واجهتنا في بنية الشعر ودلالته فى كثير من الاحيان ، ولنضرب مثالا آخر (14) من شعر عفيفي مطر ايضا :
(جسدى يطلع من طينته ، والغمر محفوف بليل الخلق والله على جوهرة الخضرة (2) يدعونى كتابا وقراءه وانا اسمع صوت الشجر الطالع فى الرعد
فادعوه رغيفا وعباءه (3)
ونجد هذا الترقيم (2) على لفظة الخضرة ، فنقرا فى الهامش :
(هذى جذاذة قول من الكتب الصفراء تطفو الى مطر الخلق من غرين الشهوة الجامحة / وتخضر ما بين
متن وحاشية ثم نقرا فى ورق القلب (والقلب ساعة طمى يرفرف ميقاتها فى فضاء الدما) ثم
تأخذ وجها يجد فى جملة القول ركنين : فعلا وفاعل )
ثم نجد هذا الترقيم (3) على كلمة (عباءة) فنقرا فى الهامش :
كنت ارتديها ، اكانت مخبأة تحت جلدى ؟ . زمانا ارقع والخرق ليس يضيق ، وها انذا خالع جسدى )
ونلاحظ فى هذه الفقرات التكديس الشديد للصور ومحاولة الابهار بخلق تشابيه واستعارات غير متوقعة ان تكن مستحيلة ، الا انها لا تثير احساسا بالغرابة بقدر ما تصنع عتمة مبهمة يستحيل معها الاتصال والتوصيل .
حقا ، ان الدراسة التحليلية المستأنية تستطيع ان تصل الى تفسير هذه الدلالات على ان الاول سيكون عملية عقلانية استخلاصية وليست تذوقا واستمتاعا شعريا ، والحق ان شعر عفيفي مطر ظاهرة فى الشعر الحديث . انه يبدأ من رموز ريفه المصرى الذى ولد وعاش فيه ، ولكن سرعان ما يشطح عنها الى رؤية ميتافيزيقية متعالية للعلاقات والأشياء والتجارب .
ان هذه الرؤية هى المسؤولة عن هذا الغموض المبهم فى شعره .
ان عفيفي مطر شاعر كبير بغير شك ، خرج من معطف محمود حسن اسماعيل ، ومن ريفياته ومن خياله الغنائى المفرط الى هذه الافاق الميتافيزيقية المتعالية التى تغرب به عن التجارب الحية المعاشة وتسد - فى كثير من الاحيان - امكانية التواصل الشعرى بينه وبين متذوقى الشعر وقرائه . على ان عفيفي مطر وان اتخذته مثالا لتيار التعقيد فى الشعر الحديث ، فهو ينتسب كذلك الى التيار الثاني في هذا الشعر .
- اما هذا التيار الثاني في الشعر الحديث فهو ما يمكن تسميته بتيار التجريد الذى تكاد تستغرقه دعوة التجاوز الميتافيزيقى والصوفى . وهو تيار مثقل بالخبرات الثقافية المجردة اكثر من الخبرات الانسانية الحية . يهتم اهتماما بالغا بالتفجيرات الشكلية فى بنية الشعر ويعتبرها جوهر الثورة الشعرية . يتخلى تماما فى أغلب الاحيان - وخاصة فى المرحلة الاخيرة - عن الاوزان التقليدية وحتى عن التفعيلة الواحدة ، فضلا عن القافية ، ويتبنى ما يسمى بقصيدة النثر ، ويدعو الى القطيعة مع الذاكرة الشعرية (15) التراثية ، وتصبح قضيته الاساسية هى المغامرة التعبيرية باللغة وفي اللغة . وتبرز اخيرا دعوة يتبناها واحد من شعراء هذا التيار الى استخدام الخط (15) العربى الزخرفى لكتابة الشعر لتحقيق الفراغ المكانى فى بنية التعبير الشعرى . ويعتبر هذا التيار نفسه الممثل الوحيد للحداثة فى الشعر العربي المعاصر .
والحق ، ان هذا التيار الشعرى يكاد يجعل من مناهج الدراسة الالسنية الوصفية البنيوية الجديدة فى دراسة الشعر منهجا له فى ابداع الشعر .
ولعل الشاعر ادونيس ان يكون بلا منازع رأس هذا التيار الشعرى ، وابرز المعبرين عنه ابداعيا ونظريا ، بل ما اشد التداخل (16) التعبيرى بين ابداعه لهذا الشعر وتنظيره له . وقد احب ان اقف قليلا عند قصيدة من قصائده التى تفرغ د . كمال ابو ديب (17) لتحليلها تحليلا تفصيليا ، هي قصيدة (كيمياء النرجس - حلم) . تقول القصيدة :
المرايا تصالح بين الظهيرة والليل
وخلف المرايا
جسد يفتح الطريق
لاقاليمه الجديدة
جسد يبدأ الحريق
فى زكام العصور
ماحيا نجمة الطريق
بين ايقاعه والقصيدة
عابرا آخر الجسور
وقتلت المرايا
ومزجت سراويلها النرجسيه
بالشموس . ابتكرت المرايا
هاجسا يحضن الشموس وابعادها الكوكبية .
ولعل هذه القصيدة الا تكون من اجمل قصائد ادونيس او اكثرها تعبيرا عن مذهبه الشعرى وطاقته الابداعية . على انها قصيدة معبرة بغير شك عن هذا المذهب الشعرى بما تقول وبطريقة قولها .
ولن يتاح لى فى هذا المجال الضيق ان اناقش تحليل ابو ديب لهذه القصيدة ، هذا التحليل البالغ الرهافة والدقة والذكاء رغم ما فيه كذلك من تعسف ومغالاة وانفعال فى القراءة التفسيرية . غير انى اكتفى بتأكيد ما يقوله فى نهاية دراسته لهذه القصيدة (18) بانها (تمثل الموقف الذي يرفض الواقع مجسدا التوتر العميق بين الآن والآتي ، او الهنا والهناك . ويحاول صهر هذا الواقع بعالم الحلم ليخلق منهما معا عالما جديدا يصنعه عبر التجاوز والكشف والتوق والعنف الخلاق). حقا ، ان القصيدة تعبر عن رؤية تجاوزية للمستقر والثابت والمظهرى والمحدود ، وعن دعوة فاعلة من اجل التحقق الشامل الكونى .( وهي خالية من محاولة التصالح بين الماضي والمستقبل التى يحاول ابو ديب اثباته بتحليله التفصيلى ). (19) وتكاد هذه الرؤية وهذه الدعوة فى القصيدة ، هي رؤية اغلب قصائد ادونيس ودعواها . انها تنويعات وتفريعات على نفس اللحن الواحد . وهو لحن واحد ذو طبيعة مجردة ، وتنويعات وتفريعات لا تقل تجريدا بل يغلب عليها احيانا الطابع العقلانى الشديد الذي يقترب احيانا من التقريرين فى بنية التعبير الشعرى وفى دلالته ، ويجعل تذوقه او بالاحرى تفهمه جهدا عقلانيا واعمالا فكريا فى أغلب الاحيان . ولهذا ما اكثر ما يكون الغموض فى القصيدة ليس غموضا شعريا ايحائيا وانما هو مجرد غموض معنوى . على ان القصيدة رغم هذا تنتسب الى الشعر بفضل بنيتها التعبيرية التى تقوم فى اغلب الاحيان على المفارقات الاستعمارية ، والرموز الضدية ، والثنائيات النافية لبعضها أو المحتضنة لبعضها . ففي قصيدة " كيمياء النرجس " نجد الظهيرة والليل ، والمحو والعبور والقتل والابتكار والسراويل والشموس . والانا والابعاد الكوكبية . هذا فضلا عن اثارة الاحساس بالغرابة عن طريق الاستعارات المفاجئة غير المتوقعة (مثل قتل المرايا) ، وبروز الانا بروزا نرجسيا متضخما رافعا راية البشارة البنوية المتفردة .
وتكاد هذه الصفات التعبيرية ان تكون كذلك هي الصفات الاساسية لاغلب تجاربه الابداعية . فهو فى (مفرد بصيغة الجمع) (20) .
يجوهر العارض ويغسل الماء ، وهو يشك المثلث باضلاعه والدائرة بمركز الدائرة ويشكك الخبز بالملح .
ويقول :
أتدحرج بين انا الجمر وانا الثلج
وبين
الياء
والالف
اتدلى
اخلق
اخلق فى اليوم يوما اخر .
وهو يعلن : مكان ولادتى
وتاريخها
1930 الشمس قدم الطفل
عرفت اقل من امرأة
لانني تزوجت باكثر من امرأة
عرفت اقل من رجل
لانى تزوجت باكثر من رجل
ويقول : لا اكتب
اتغير
اغير ما يغيرنى
غموضا حيث الغموض ان يحيا
وضوحا حيث الوضوح ان
تموت
ويقول فى نهاية الديوان :
امحو وجهى - اكتشف وجهى
ايتها الابجدية البائسة
ماذا استطيع بعد ان احملك
واية غابة ازرع بك ؟
ويختتمه قائلا :
وانت ايتها الاشياء الباقية من
احلامنا
تحومى حول صبواتنا
اجسادنا نتوء الطوفان
وليس فى انقاضنا غير المحيطات
والان أول البحر
انا الصارية ولا شئ يعلوني
والان أول الارض
وفي ديوانه الاخير (كتاب القصائد الخمس تليها (21) المطابقات والأوائل ) يقول
(والمصادقة عصية حتى على الفرد)
ويقول : قولى ينكسر
هو ذا الثلج حار ، هي ذي النار باردة
هو ذا المعلوم ساكن وهو فى نفسه متحرك
غامض وهو فى نفسه الواضح .
ويقول : حقا انا الطاغية وأعلن جمهورية الهدم
الا ، فلنكن شغلك الرئيس ايها الانشقاق ،
وليهتز تحت حواسنا عرش الاشياء ، ولتزلزل
دولة الموازين ،
قولوا لاحلامكم ان تأخذ مكان النجوم
وتتدلى ،
قولوا لافكاركم بان تأخذ مكان الشجر وتتأصل ،
احتضنا ، يا جنس الوله ، - ما بعد الملاك ما قبل
الشيطان ،
والنفي لك ، ايها الرضى ..
حقا ، ليس من اللائق ان يتعامل الشعر هكذا ، بانتزاعه من سياقه ، واجتزائه من وحدته ، وانما اردت فحسب ان اسوق بعض امثلة من شعر ادونيس لادلل بها علي ان الدعوة الى التجاوز تكاد ان تكون الدلالة الاساسية العامة لمعظم شعره ، يعبر عنها تعبيرا تجريديا ، بل عقلانيا خالصا فى بعض الاحيان ، - كما راينا - وان تنوعت وتفرعت اساليب وصور التعبير عن هذه الدعوة التجاوزية . هذا فضلا عن ان نهجه فى بنية الشعر ، يكاد يقوم اساسا على المواجهة والمصادمة بين الرموز الضدية والثنائيات المتنافية او المتحاضنة .
وليس فى هذا اقلال من قيمة الشعر ، وانما هو تحديد لخصائصه . فادونيس - بغير شك - من اكبر شعراء العرب المعاصرين ، وله تاثير غالب على جانب كبير من الابداع الشعرى المعاصر . على ان شعره - وشعر ما يسمى بتيار الحداثة الشعرية - يتسم بهذه السمة التجريدية الثقافية ذات الدلالات الميتافيزيقية والصوفية ، فاغلب معطيات شعره وعناصره وصوره مجردات فكرية ، تكاد تخلو من اى تجربة ذاتية حية ، او اية نبضة حسية بنبضات عالمنا المعاش . ولعل هذا ان يكون مصدر الغموض فى هذا الشعر ، الذي قد ينشا فى كثير من الاحيان لا من الطبيعة الخاصة للشعر ، وانما من الطابع التجريدى والميتافيزيقي والصوفي لمعانيه ودلالته وما تفرضه احيانا كذلك من بنية خاصة ملائمة .
- يتبع -
