من المعلوم أن الاستاذ محمد مزال مع ما كانت لمجلته " الفكر " من أياد بيضاء على الادب والثقافة فى تونس والمغرب العربى خاصة وفى الوطن العربى عامة - انتصت في الساحة كمفكر ملتزم بتغلب عنده النزعة الفلسفية على الجانب الأدنى ومرجع ذلك الى تكوينه الفليستفى الجامعي وقد مر بكل أطوار الفلسفة من افلاطون الى باشار فتشبع بأعمق النظريات دون أن ينقاد الى احداها بالخصوص نوعاها جميعها ولم يكرع منها الا ما اقتنع وآمن به من "سبر أغوار النفس واستكناه منزلة البشر وقدرتهم على الفعل والخلق وروعة الانسان من احل السيطرة على نفسه والرفع من منزلته وصراعه الدائم فى سبيل حياة أفضل . ." .
وهكذا تبدو نظرية محمد مزالى كتعامل متين خلاق بين الفكر الفلسفى الحق والواقع المعيش وهو ما سميه " بالنظرية التفاعلية " الاستاذ محمد الامين خلفه صاحب كتيب " محمد مزالى والنظرية التفاعلية " الصادر أخيرا فى مارس 1984 عن الدار التونسية للنشر والذى يحاول فيه الكاتب استنتاج فلسفة محمد مزالى وعرضها فى وضوح اعتمادا على آثاره الفكرية ومواقفه السياسية وانجازاته العملية مبينا أن ليس هنالك جدلية بين العقل والواقع بل تفاعلية بين الذات والواقع .
ويحاو لنا نحن ان نعرف تفكير محمد مزالى بالفلسفة العملية إذ أنها خلافا لنزعة النظرية الثابتة تعتمد أساسا على الظاهرة التطبيقية الدائبة الحركية
تبعا للواقع الظرف المتطور على الدوام شأن الحياة نفسها ضمن المسيرة التاريخية للبشرية عن طريق الفعل والخلق مع الاحتفاظ بالاصالة والتعلق بالقيم الدينية السامية الحالدة التى لا مندوحة عنها للسعى الدائم الى تغليب الخير على الشر واللحق على الباطل والجمال على القبح والحرية على العبودية فى سبيل تحقيق الأفضل خدمة للآخرين .
ونحن الذين رافقنا محمد مزالي في مسيرته الفكرية نعلم يقينا أن قوله كان دائما ولا يزال حديث الفعل وان نظرته الى المستقبل البشرى كانت دائما ولا تزال تفاؤلية ترفض المستحيل وانه كان ولا يزال شديد الاعتزاز بمنجم الفكر العربى الثري الذي يجب عليه ولن يصعب على خصوبته أن تقوم من ديد - على شاسع البون اليوم بينه وبين مشارف العلم المعاصر - بالدور الهام وحنى الرائد فى دعم الحضارة الانسانية غير " أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " . وهكذا تبدو شخصية المفكر الكبير والفيلسوف الانسان محمد مرالي بفضل تكوينه الفلسفى وتتلمذه للطريقة البورقيبية وممارسته للفعل .
