الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

مطالعات, كلمات واشارات حول ديوان :، "وحينما نلتقي"

Share

هذه كلمات أحاول بها ان أسجل انطباعاتي بعد قراءتى للمجموعة الشعرية المشتركة : وحينما نلتقي ، ويشترك فيها كل من الشاعرين : السورى مصطفى النجار والاردني ابراهيم المجلوني .. هي ملاحظات قارئ ، وليست كلمات ناقدة ، وآمل أن أوفق فى الاشارة إلى ما تجدر الاشارة اليه .

صدرت المجموعة فى القطر السورى الشقيق ، وتضم خمس قصائد للمجلوني ، وست قصائد للنجار ، وتتوزع القصائد بين الشكل الخليلى للشعر والشكل الحديث .

أول ما يطالعنا في شعر الشاعر بن هو الشعور بالمرارة حيال الواقع المعاش ويختلف الحال فى التعبير عن هذا الشعور بين الاثنين ، اذ نجد التعبير أكثر حدة وابانة لدى المجاوني اكثر منه لدى النجار ، ولا سيما حين تناول الوضع العربى العام . والآن ادعوكم لتأمل هذا المقطع للمجلوني :

فتعال وقص على أساك ورش الهم بساح الهم

ولنلبس دورينا فى عرس الدم

فجميل أن يختار السم رضيع السم

وفي هذا السطر الاخير تتجلى التعبير عند ابراهيم - فجميل أن يختار السم رضيع السم .

هذه هي الذروة !

ونلاحظ الشعور بالخيبة جليا فى قصيدته : العنقاء ونيران طئ المطفأة . والمهداة الى ريما طنوس فى سجنها الرهيب غربى النهر ..

يقول ابراهيم على لسان ريما :

آه بالامس رجوت الله ودرت على الابواب

قرعت ، بكيت ، فلم تفتح

هنا ينطبق التعبير ... حين تقرع ريما الابواب فلا تفتح ، ولكن ابراهيم يعمد في نفس القصيدة الى ابراز ارادة التحدى والصمود عند ريما حين تشمخ كالطود وحين تكون بالنسبة للشاعر عنقاءه العربية للدلالة على قهر الاستحالة حيث أن العنقاء من المستحيلات الثلاث كما هو معلوم ، ولكن ريما تكسر المستحيل .

وبعد ذلك تبرز المرارة مرة أخرى حين يقول ابراهيم ، ويصدق إذ يقول:

ريما .. ما أمرى بيديا !

ثم يبرز الفخر والشعور بالتحدى فى هذا المقطع :

من الحسناء ترفل بالحرير           ممنعه الغدائر والخدور ؟

تتيه مواضع الأقدام فخرا           بخطوتها وتعبق بالعبير

وتقهر دون نعليها المنايا            ذليلات ويعصف بالمصير

ومن جديد يلوح لنا الشعور بالمرارة فى قوله المكرر والمتبوع :

(ريما .. ما أمرى بيديا ؟ )

كانت مطفأة نيران الطائى ، فتاه عن الحى الفرسان

والصيحة يا ريما ردتها الكثبان

نعم لم تصل الصيحة مقصدها ! لكن ابراهيم يختتم بالقول :

لم يبق أمامى غير الله ، وهذا السيف ، فقلت : اغير ..

لعل ، فقد يصحو الانسان

قد يصحو يا ريما الانسان

وفي هذا دلالة واضحة على الامل بالمستقبل .

لقد عمد ابراهيم في هذه القصيدة الى المزج بين لونى الشعر : الحديث والتقليدى ولربما يعطى ذلك نكهة ما للقصيدة ، ولكننى لا أشجع على هذا النمط ، ويستحسن استبعاد المزج فى ذلك ، حيث يختلف الايقاع الموسيقى الداخلى بين الشكلين ، وهنا لابد من الفصل . هذه ناحية فى شعر ابراهيم ، ولكن هناك سواها ، فانظروا مع الى هذا المقطع من قصيدته :

يا لائمين على عشق به ائتلفت               جباهنا السمر ، كفوا ... فالهوى قدر

وآخر النهر موصول بأوله                     ونزفة الدم مناصبها ( عمر )

لقد أجاد ابراهيم وأبدع فى التعبير عن وحدة التراب ووحدة الدم وأصالته ..

نعم يا ابراهيم إن آخر النهر موصول بأوله ، وإنه لدم أصيل واحد ، وفي قصيدته الدعاء المر ينبرى الشاعر لاستنهاض الهمم حين يهتف :

من ذا يهب بها نارا مسعرة            إن كان حاطبها جسما بلا روح ؟

وفي القصيدة أيضا نلمس الشعور الحاد بالمرارة لدى الشاعر ، يعود ابراهيم للمزج بين شكلى الشعر فى قصيدته : أغنيات للحب والامل ، وفي هذا الموضع يتغنى الشاعر بالحب ويبحث عنه حين يقول :

وقفت مع اليأس جنبا لجنب           وناديت (يا ناس) في كل درب

ألا من يبيع شعاعة حب               بمالى وروحي وشعري وقلبى

كذلك نلمس في القصيدة الاشارة إلى الواقع بجانب منه بقوله :

وليس كصحبة الأطيار فى زمن    مشاعر ناسه أحرى بغيلان

وهنا لا أوافقه كلية على تلك النظرة التعميمية ، ولا سيما أن ما أشار اليه الشاعر يبقى مسألة نسبية .

وأيضا فى تغنى ابراهيم بالحب نجد تفانيه فيه ، حيث يعلن :

تجاوزت فى حبك المنطقا

وسيان أغرق أو أحرقا

وبعد ... هذا ما تولد لدى من انطباع حول قصائد ابراهيم .

والآن دعونا نحلق مع مصطفى فى عالمه الشعرى .. لعل قمة قصائد النجار فى هذه المجموعة قصيدته : الفجر ...

إن رأيت الفجر قولى         ها هو الشعر تعرى

فمعى قلب يلبى             فى كتاب الحب يقرأ

تتميز هذه القصيدة بالعمق أولا وبالاندفاع الموسيقى الحاد ثانيا . فهى عميقة بمراميها ومتناسقة فى موسيقاها المندفعة من بحر الرمل :

واشهد الليل غرابا         يأسر الأطفال أسرا

عربات الموت تجرى        ويموت الورد   قهرا

أى تغريد وأضحت        روضة الأزهار   قبرا

الليل غراب .. صورة بلاغية رائعة التعبير حيث التوافق بين اللونين ، لون الليل ولون الغراب . كذلك تعبير : عربات الموت تجرى .. جاء موفقا في محله .

ان ما يميز هذه القصيدة عن سواها في هذه المجموعة وفي ما سبق أن قرأته للنجار هو ازدحامها بالصور البلاغية الموفقة التعبير مثل :

وأفاق الوجد كهلا . ثم فى : فسطرا عاف سطرا ، ثم ذروة الاجادة

فى :

إن رأيت الفجر يمضي       من قميص الليل حرا

حين ينسل الفجر من قميص الليل وهو حلكته ، صورة شعرية جميلة ، وكأن الليل يرتدى الظلام قميصا ، وعند الفجر يتخلص منه كما يتخلص منه الفجر .

وبيت آخر لا يقل روعة عما سبقه وهو :

فأرى الصحراء نخلا       وصهيلا باح شعرا

وهنا نظرة تختلف عما سبق وأشرت اليه .. حين تصبح الصحراء نخلا وصهيلا شعرا . الى أن يختتم النجار قصيدته بقوله :

سلمتني في يميني        أعظم    الأوراق  طرا

ثم قالت بحنان :       ولدى .. أهديك فجرا ؟

وهي خاتمة جميلة المحيا ، قوية الأثر .

وفى قصيدته وحين يجيء نجد النجار باحثا عن حلمه الموعود وهو يمدنا باستقباله أحسن استقبال حين يوقف كل اذاعات البث لحزنه .

كذلك يستمر النجار فى بحثه وانتظاره فى قصيدته : روضة حب تنتظر على الميناء وفيها يتساءل عمن سيفهم كلماته :

من ذا يفهمها كلماتى

وشظايا العمر المهدور

ويجيب عن التساؤل بنفسه في موضع آخر من القصيدة اذ يقول :

من ذا يفهمها .. يسمعها

لا يسمعها الا مفؤدد ، معشوق ناوشه الاعياء

الى أن ينتهى بالقول :

فسؤالي مفتوح لبرارى الشوق

- أيا فرسى السمراء -

فتعالى كلماتى روضة حب تنتظر على الميناء !

وفي قصيدته : مسكون بالحب يميل النجار الى ابراز شعوره المتناقض لدى حبيبته حين يقول :

ميلى على فاننى

أشكو لديك القيظ ، أشكو الزمهرير

ثم نلاحظ الطباق المعنوى فى قوله :

أقرأ فى كتاب النار سقسقة الغدير

وفى موضع آخر وبالتحديد فى قصيدته : اللقاء الاخير .. نجد الشعور بالاغتراب الداخلى لدى الشاعر ، ويبرز ذلك فى :

للقب سافرت الدروب .. الى اللقاء

فى منفاى ( بيتى والوطن )

لكن النجار يمجد الحب ويقرنه ببقائه حين يقول :

قلت لى ذات مساء

هل نما الورد بلا ضوء وماء ؟

ربما كان ؟ ولكن ليس قلبي يستطيع

أن يعيش دون حب ووفاء !

يقرر مصطفى أنه لا يستطيع العيش بدون حب ووفاء وذلك هو السمو الانسانى ، وقبل الختام أود أن اشير الى وجود التفاوت الموسيقى بين قصائد النجار ، حيث نجد الموسيقى اكثر بروزا فى قصيدة منها فى قصيدة أخرى .

ويبقى أن أقول : إن هذه المجموعة تأتي كمحاولة ثالثة لتجسيد اللقاء الادبي بين أقطار العرب في وطنهم الكبير وذلك بعد المحاولة الاولى فى المجموعة المشتركة : الطائران والحلم الأبيض والتى اشترك فيها النجار مع الشاعر المغربي محمد على الرباوى ، والمحاولة الثانية في المجموعة المشتركة : حوار الابعاد والتى اشترك فيها النجار مع زميله سمير ددم من سورية مع الشاعرين حسين على محمد ومحمد سد بيومى من مصر العربية .

والآن أجدنى قد استكملت ما أردت الاشارة اليه وما كان لا بد من توضيحه ، وأرجو المعذرة فيما إذا جانبني الصواب فى بعض ما طرقت .

اشترك في نشرتنا البريدية