الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

مع الدكتور عمر فروخ،

Share

اعتنى الدكتور فروخ بالحياة الفكرية فى المغرب العربي فالف عدة كتب حولها ونخص بالذكر كتابه " وثبة المغرب " وكتابه عن الشابي . . وانه زار المغرب الاقصى وتونس وتركا في نفسه اجمل الذكريات . . واذا تحدثت اليه فانه لا يترك لك فرصة تمر دون ان يستشهد لك بكلام ابن خلدون التونسي الذي يعتز به كثيرا .

زرته فى بيته فاستقبلنى بحرارة الصديق . . وتحدثنا في مشاكل الثقافة في العالم العربي وحركة النشر والتأليف فقال لي :

" اني رأيت فى تونس نهضة وحماسا قل ان نجدها في بلادنا العربية الاخرى . . والشئ الذي أعجبني وابهجت به هو معرفة شباب المغرب العربي بحياتنا نحن المشارقة ، وعلى عكسنا نحن بمعرفة حياتكم ونهضتكم ونشاطكم وحماسكم . " وبعد الحديث في مشاكل الفكر سألته :

- ما هى جهودكم في الميدان الادبي ؟

منذ بدأت التأليف ، فى عام 1932 ، حرصت على أن أجعل دراساتي الادبية عرضا دقيقا واضحا للنتاج العربي في الادب . أنا أعتقد أنه لا يمكننا أن نورخ أدبنا تاريخا وافيا ولا أن ننقده نقدا صحيحا الا اذا كنا نعرف خصائصه معرفة وافية صحيحة . وكذلك لا يمكننا أن ننتج أدبا يمثل حضارتنا وعبقرية أمتنا الا اذا فهمنا أدبنا الماضى فهما كاملا . وفي هذه السنين الثلاثين التى مرت أخرجت دراسات تختلف طولا وقصرا وتتباين شمولا واقتصارا تتناول الادباء من الشعراء والناثرين من امرئ القيس وعبيد بن الابرص فى أقدم عهود الجاهلية التى تعرفها الى الشابى وابراهيم طوقان من المعاصرين لنا .

اننى أود أن نهيئ دراسات أدبية دقيقة تتيح للجيل التالي أو الجيل الذى يليه حتى يكتب تاريخ الادب العربى كتابة واعية صحيحة مفيدة.

- ما الفن الادبي الذي ينقصه البحث الصحيح عندنا

لا ريب فى أن الفنون الادبية قد لقيت عناية كبيرة منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى : تاريخ الادب ، والنقد ، والترسل والنظم ، والقصة والمسرح ، غير أن كل واحد منا يشعر اليوم ان جانبا كبيرا من انتاجنا الادبي الذي لمع رجاله فى خلال السنين الثلاثين الماضية قد ران عليه الآن شىء من النسيان ، ولعل جانبا آخر مما لا يزال الى اليوم على شىء من الزهو سيخسر زهوه هذا فى عدد من السنين المقبلة.

على أن النقد لا يزال عندنا طفلا بعوامل متعددة منها أن ادباءنا الكبار لا يزالون ينظرون الى النقد نظرة شخصية ، ان الناقد يريد فى العادة أن يحدث الناس بما يعجبه وما لا يعجبه فى النتاج الادبي . أما الناقدون الذين بدأوا يعتمدون أسسا معينة للبحث فان اتكاءهم على المقاييس الاجنبية - والفرنسية منها خاصة - كبير جدا . واذا كنا نحن نعتقد أن فى المقاييس الاجنبية خيرا كثيرا فيجب أن لا ننسى أن المقاييس العربية ضرورية فى تبيان قيمة أدبنا أيضا . وفى الناقدين نفر كثيرون يرمون النقد العربى بقولهم : قديم ! كأن القدم وحده كاف لافساد المقاييس ، أو كأن الجدة وحدها كافية لجعل تلك المقاييس صحيحة .

وهناك سوء آخر فى نقص العدة عندنا فى ميدان النقد : أن نفرا كثيرين منا يخلطون بين الخصائص الادبية وبين المكانة الاجتماعية . حينما درست شعر الشابى وأردت أن أنفذ الى أصول عبقريته ، وجدت تلك الاصول متغلغلة فى عوامل اجتماعية من حياة لم تكن منعمة بحال من الاحوال . ولقد عز على نفر من الادباء فى تونس أن يقال أن الشابى لم يكن غنيا ، وأنه كان مريضا مرضا لا يجد المريض به راحة الا مع قدرة بالغة على الانفاق ومع امساك للنفس عن الاندفاع فى الشهوات.

ومع أن هذه العوامل كلها بارزة فى شعر الشابى الذى نشره أخوه، فان هؤلاء الادباء يريدون أن يفسروا تلك العوامل تفسيرا رمزيا فيجعلوا حبه الذى اتلف صدره وقلبه حبا روحانيا سماويا ، ويجعلوا الغرفة التى عاش فيها فى أيام دراسته فى الزيتونة غرفة من غرف الجنة.

والذى أراه أن الشابي شاعر عبقرى لاشك في ذلك . ولعله مدين بجانب كبير من عبقريته الى المعيشة التى عاشها والتي لم تكن مترفة قط .

ثم يلحق بذلك ، مما يتصل بالشابى أيضا ، أن نفرا يملكون رسائل وأوراقا بخط الشابي أو يعرفون أشياء كثيرة من خفايا حياته ثم لا يريدون أن ينشروا ما عندهم أو ما يعرفون حرصا على هالة الغنى والترف التى يتوهمونها حول الشابى.

ان النقد لا يزال عندنا فنا خاضعا للعاطفة واللياقة الاجتماعية ، فعلينا أن نجعل منه علما قائما على القواعد المستمدة من جميع العلوم المتصلة بالادب والحياة معا . هذا مع الايقان بأن نفرا كثيرين من المؤلفين فى النقد قد قطعوا أشواطا كبيرة فى ذلك .

- باعتباركم استاذا ، ما الطريقة المثلى لتدريس الادب العربى ؟

ان الجواب على هذا السؤال يختلف باختلاف المرحلة المقصودة فى الحياة التعليمية . على أننى قد وجدت أن تربية ملكة الادب تقوم على فهم للنصوص وحفظها كما يقول ابن خلدون . لقد مارست التعليم فى جميع المراحل الدراسية من رياض الاطفال الى صفوف الجامعة ، وأدركت فى تلك الاثناء أن لا فائدة من القاء الكلام على الطلاب فى خصائص أديب أو في نقد قطعة أدبية إذا كان الطلاب لا يعرفون النصوص التى يجرى الكلام عليها معرفة صحيحة. ثم ان معرفة الادب والنقد ذروة في الدراسة لابدء لها ، فلا يمكننا أن نخلق من الطالب أديبا وهو لا يزال يخطئ فى اللغة . ثم يحسن ألا ننسى أن الادب فن الحياة ، وأن فهم الادب وانتاجه محتاج الى مآخذ كثيرة من التاريخ والفنون والعلوم ومن الاختبار أيضا . وبغير ذلك لا تحصل لنا ملكة الادب كما يقول ابن خلدون.

اشترك في نشرتنا البريدية