مزق البرق غشاء السحب فى عنف لا زوردي ، وأشعل من السماء ثقوبا لزجة غمرت بسيولها الشارع ، وقيدت فى تحد أصفر مزلزل كل انطلاق نحو تخطى المازل . ولبست الطفولة برقع الدهشة والفضول . وأعجبها من الدنيا وشاح الزعازع وبشائر الدمار . وأنست الجدة بوحل الفناء يغمر الوجود وقد ترهل زمانها وخاط لها ثوب انتظار وأفاض عليها أملا قاتما وتوق نجاة . وانطلق لسانها من مغابن اليأس إلى مسامع الامل والرجاء يقص ملحمة آدم في الجنه . قال مترجما عنها :
ملك أول : حين ألقي إلينا آدم نعلمه مع هذه المخلوقات لم يكن فى عينيه إلا لمع تراب وفى سحنته لون إلى الطين أضيع نسبا وإلى كدرته حقيق بالعطف والرحمه
ملك ثان : أين هو من قوة الاسد ، وضراوة النمر ، وضخامة الفيل ؟
ملك ثالث : أبعد به عن صبر الحمار ، واحتيال الثعلب ، وذكاء القرد ، وأسر النسر !
الملك الاول : ما أقربه من الزاحفات والعاطلات والناعسات . . . !
الملك الثانى : واليوم تطلقت منه الاسارير ، وتألق في عينيه بريق أنفذ من شعاع الشمس ، وأحد من وقع حرف من حروف الله .
الملك الثالث : وأشع من وجهه سحر أخرس طيور الجنه ، وألبس الفصيح منها عقال الصمت وأحيا فى قلوب المخلوقات حوله بذور العنف ونعرة الشر .
وانفلقت جموع المخلوقات ، زاحفة مكشرة عن أنياب زرق كلون الشر ، وزأر الاسد نحو الملائكة زئيرا مرا :
لن نكون فى غباوة آدم وغفلته . ولن نفتح للأسرار الإلهية قلوبنا إلا بجزاء . نحن كما نحن ، قبلا وبعد ومنزلتنا من ربنا لم يحسنها علم ولا معرفه ، ولم يغير من نفوسنا وحياتنا تهجد بالدليل ولا عمل بالنهار .
الملك الاول : لذة المعرفة الإلهية ، غنم يفتح أقفال القلوب .
الاسد : لا يفتحها إلا الجزاء . . .
ملك رابع : حرف وهاج من حروف اللوح المحفوظ ، يزجى كتل شهر لمن نفذ فى قلبه النور الإلهى وأحاله شفافا كلمعة البرق فى ظلمة الاديم .
وتقاطرت الحروف الوهاجه ، على آدم مطلع كل شهر ، وأشاعت في نفسه لذة لم يدر أهى القرار يشده إلى وجوده ، أو هى غيبوبة الزوال ينخرها سوس الفناء ؟ لذة تعمق إلى الحشا ، وتنزل إلى دفين كيانه ، وتزلزله شوقا ولهفه . أين منها لذة الامس تفتح القلب وتشيع منه سحر الراحة المعطاء ، والنور المتألق ؟ ما أضيع الملك الرابع ؟
الثعلب : هذا الملك الرابع أضاعنا تسامحا وطيبه ، وشح علينا بالنور الإلهي فانقلبنا في حضرته عابثين . لو هجوناه .
وهجاه آدم سرا بقصيدة عموديه دسها فى أذنه من حيث لا يرى ويسمع . وكانت أول عهد أهل الجنة بالهجاء . وأشاع الثعلب السر فأخفى آدم الحروف ، وأطبقت عليه الملائكة ورجته رجة فأحس لها لذة ولا لذة الامس ، تعمق فى الحشا ولكنها تقطعه ، وتزلزل كيانه تمزيقا وتفتيتا .
لقد عرف آدم الألم وتجاوبت أرجاء الجنة مزلزله : - لآدم النجاح ولا حرف ، وله التفوق ولا فوز . وضحكت المخلوقات بالوان مشتبكة من السخرية صنع لها آدم درعا كلما صكته ولت على أعقابها مقهقهه .
وأصمت الضحكات سمع آدم ، مطلع كل شهر ، حين يرتقي الدرجة الاولى ولا حرف . وكأنها شحذت همته فانهال يتقبل الانوار الإلهيه . في جوع لم يعرفه أهل الجنه وخلط لذة الامس بلذة اليوم فلونت وجهه بخطوط تعجب لها الملائكة ، ورأوها ، كلما نهل منها آدم ، رسوما توشحت بها المعرفة الإلهية ، وتبينوها خطوطا سوداء بين أشعة الانوار الربانيه .
وحاول الملائكة غسل الخطوط فزادت غورا وألحوا على الانوار يكيفونها فتلطخت أيديهم سوادا . فرفعوا أمرهم إلى ربهم وأعلنوها حيرة زلزلت لها أركان الجنه. فضحكت كل المخلوقات سخرية وانتظرت .
ونودى إلى آدم أن لك فى حواء الحرف الوهاج الدائم فلازمته ولازمها لزوم النفس والآخر ورنت إليهما مخلوقات الجنه عجبا وإعجابا . ولكن الخطوط زادت عمقا والانوار تلفعت برداء رمادى فنفخ الملائكة فى بوق الإنذار وما أن أقلعوا حتى دفعت إليهم بذرة الخلق غضبى فأنبتوها قسرا فى رأس آدم فعاوده مزيج من لذة الامس ولذة اليوم . ودمعت عينه دمعة بريقها كقبسة من نور إلاهي لم يخالطه سواد .
فكان أول عهده بالدمع . وانتاب الملائكة هلع شديد . آدم ينفث أنوارا ثم
بغسلها بدمعه فتتألق وتتوهج ، ويرقص لها من المخلوقات من لم يعرف الرقص ويجثو لها منها من لم تقدر عليه الملائكة رجا وإرهاقا .
وتألب عليه القوم وغسلوه بالتراب والطين ، فلم يزد إلا توهجا وانعتاقا فشكوه إلى ربهم فقدر وأمر ، أمر أن تستل منه بالالم والحسره بذرة الخلق ، وتخلط بماء الفناء وزيت الزوال وتزرع فى قلب آدم وليس لها من جذور فيه وفى عقله الا " اللهو" .
وفي الفجر دله الملائكة ، رحمة به ، على الخمر . ثم كان مولد الإنسان على الارض . "
