الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

نحو تجديد البارمج المناهج الدراسية، فى البلاد والاسلامية

Share

البرنامج  المنهاج  الدراسي هو مجموع ما تقدمه المدرسة لطلابها من حقائق و افكار و خبرات وعقائد و اتجاهات و عادات و أفعال لتحقيق الاهداف التربوية التى وقع عليها اختيار الامة . إنه قائمة الغذاء الصحى والفكرى والاجتماعى والابداعى والاخلاقي والروحى الذى تغذى به المدرسة ابناءها .

ان موضوع البرامج الدراسية هو أهم موضوع تربوى بعد الاتفاق على الاهداف التربوية . وهو موضوع يحظى بالاهتمام ويكثر حوله النقاش والجدل فى كل بلد من بلاد العالم الحية . فكل دين وكل فلسفة وكل سياسة يختاره بلد ما إنما تؤثر في صوغ البرامج الدراسية لذلك البلد .

ولقد تطورت البرامج الدراسية عبر التاريخ وفي مختلف الاقوام . ففي الاقسام الابتدائية يكون البرنامج ثابتا وبسيطا نسبيا فهو عبارة عن نقل خبرات القبيلة :  تقاليدها وأساليب معيشتها من صيد أو رعى وأساليب حماية نفسها من غزو الاعداء مع اتقان الفروسية  من جيل الى جيل .

وفى عصرنا هذا وقد تعقدت وسائل الحياة وتنوعت وتشابكت الحضارات نختلف البرامج من أمة الى اخرى . وفي الامة الواحدة قد تتنوع البرامج وتتطور حسب تطورات الظروف والاحوال . فالبرامج تكون مستقرة وثابتة نسبيا حيث يكون المجتمع هادئا مستقرا ومحافظا . وتكون البرامج متغيرة ومتطورة حيث يكون المجتمع مستعدا للتطور أو معرضا للتقلبات !

وفي العالم الاسلامي اليوم معاهد تختص برامجها بالتعليم الدينى واخرى قتيست من الغرب برامجه وانظمته التعليمية . ومن المعلوم ان البرامج التى تقتصر على التعليم الديني وحده غير كافية وحدها لتلبية مطالب العصر . كما ان بعض النظم والبرامج المقتبسة من الغرب لا تلائم حياتنا القومية أو الدينية وذلك لعدم عنابتها عناية كافية بالحياة الاخلاقية والدينية . ثم ان بعض النظم والبرامج المقتبسة من الغرب هى بالية ومعتله فى الغرب ذاته . وان دراسات وبحوث علماء التربية وعلماء الاجتماع وعلماء النفس تثبت ذلك . هذا وإن التقدم السريع فى العلوم والتقنيات يستدعى تطويرا مهما فى البرامج الغربية ذاتها . فبعد انتشار الاتومية والعقول الالكترونية و تفجير الذرة وغزو الفضاء والصواريخ عابرة القارات اصبح درس الفيزياء مثلا يحتاج الى اعادة نظر جذرية . وليس غريبا ان ينتقد أستاذ أمريكى برامج درس الفيزياء في بعض الثانويات الاميريكية فيصفها بأنها ما زالت تعيش فى القرن الثامن عشر ! فاذا كان هذا الحكم القاسى ينطبق على برامج تتبع في الولايات المتحدة الامريكية وهى فى مقدمة دول العالم فى حقل التقنيات فماذا يقال عن البرامح المتبعة فى البلاد الاسلامية ومعظمها متخلفة تقنيا وتنتمي الى العالم الثالث ؟

ولما كان العالم الاسلامي اليوم مقبلا على نهضة جديدة فلا بد من التفكير مليا فى تجديد البرامج التعليمية على ضوء العوامل التالية :

1 )  بعث التراث الاسلامي الحي الذي يمثل عبقرية الامة وانسانيتها مع عناية خاصة بدرس القرآن الكريم وفلسفته واساليبه التربوية .

2 ( الأخذ بمبادئ علم النفس التربوى وعلم نفس الطفل ومراحل نشوئه بصورة خاصة .

3 ) الثورة العلمية والتقنية وما تتطلب من تجديد للبرامج والاستفادة من أحدث الآلات فى درس العلوم المضبوطة .

4 ) دمقراطية التعليم وما تتطلب من تنويع للبرامج بحيث يوجه الطلاب الى كافة الاعمال والمهن والحرف التى يتطلبها المجتمع الحديث . بعد ان كان التعليم فيما مضى يقتصر على نفر محدود من ابناء الامة يعدون لاشغال الاعمال الحكومية على الأكثر .

5 ) التجارب التربوية الحديثة وما فيها من تجديد فى البرامج والاساليب ذات القيمة التربوية .

إن من يأخذ العوامل الخمسة المار ذكرها بعين الاعتبار قد يتوصل الى المبادىء التالية في وضع البرامج :

المبادىء المقترحة لوضع البرامج :

1 )  ان تجعل الطالب يعيش تراث أمته الاسلامى ويعتز به ويتأصل فيه .

2 ) ان تكون ذات علاقة مباشرة بحياة الطالب الحاضرة وحاجاته الفردية والاجتماعية وآماله المستقبلية .

3 ) ان تكون متناسبة مع مواهب الطالب ومرحلة نموه وميوله السليمة . فلا يحمل الطالب ما هو فوق مداركه أو ضد رغبته أو حاجاته .

4 ) ان تراعي الفروق الفردية فى ترتيب المواد الدراسية فيسمح للطالب الذكى الموهوب بالسير بالسرعة التى تلائمه وبتحمل واجبات دراسية اثقل . والطالب البطئ يكلف بأقل من ذلك ويسير بالسرعة التى تناسبه أيضا .

5 ) لقد نمت المعارف البشرية بدرجة عظيمة وتشعبت الاختصاصات فلم بعد فى امكان الفرد الواحد ان يلم الماما تاما يفرع من فرع من علم مهما بلغ من العبقرية . ولذلك يضطر واضع البرنامج ان يقلع عن النظرية الموسوعية فى التعليم : تلك النظرية التى تتطلب من الانسان ان يلم بكل شئ ويستعاض عنها بتنمية حب المعرفة و حب البحث فى الطالب . ويدرب الطالب على معرفة المراجع للرجوع اليها عند الحاجة . ولنضرب مثلا لذلك : ليس في وسع الطالب ان يلم بكل مفردات اللغة فهو يعرف المفردات التى يستعملها فى حياته الاعتيادية . ولذلك وجب تعويده على الرجوع الى القاموس كلما صادف كلمة جديدة . وليس فى وسع الطالب ان يعرف اسماء كل مدن العالم وانهار العالم وجبال العالم . فيجب ان يتعلم الرجوع الى الكتب الجغرافية والاطالس ..

6 ) لقد درج البعض من واضعى البرامج على إقحام مواضيع بالية جامدة فيها لا تتصل بالحياة المعاصرة بحجة انها " تروض العقل  و  تقوى الملكات إن ترويض العقل وتقوية الملكات يمكن ان يحصل بمعلومات حية ومتصل بحاجات العصر . فلا مبرر لتعلم اللغات القديمة كاليونانية او اللاتينية مثلا الا لمن يريد التخصص في الآداب الخالدة . فيمكن ان يعطى الطالب لغة حية راقية

تفيد وتروض عقله . فيما إذا كانت نظرية الترويض العقلي حقيقة ثابتة . وما يقال عن اللغات يقال عن الرياضيات والفلسفات ففيها الكثير مما لا يتصل بالحياة ويشحن ذهن الطالب بها بدون ضرورة . فالافضل ترك هذه لذوى الاختصاص واعطاء الطلاب المواد الحية التى يزخر بها عصرنا الحاضر والتي لم نجد طريقها إلى البرامج بعد . والصحيح فى نظرنا هو عدم الركون الى نظرية الترويض العقلي عند وضع البرامج بل الاعتماد على القيمة الحياتية للمادة .

7 ) نرى التخلص من التمييز بين مواد الدراسة النظرية والعلمية من حيث قيمتها الثقافية . فالدروس النظرية ليست أشرف وارفع من الدروس العملية من حيث قيمتها الثقافية . فكل درس نظريا كان أم عمليا علميا كان او أدبيا ممكن ان يصبح مثقفا أو لا يكون وذلك بدرجة ما يحدثه من أثر فى اتساع أفتي الطالب وشعوره بالارتباط بالكل . فالفلاحة تكون مثقفة فيما إذا جعلت الفلاح ينظر إلى عمله نظرة انسانية شاملة نظرة ارتباط بالكل أى بخالق الكون ، بالمجتمع الذي ساهم فى خدمته ورائده الصدق والاخلاص والغيرية . ودرس الادب يكون مثقفا فيما إذا اعطى الطالب نظرة ارتباط روحي بالكل  وصدق اخلاص  الكل  . ويمكن ان ينحط درس الادب فيصبح عامل تبرير للانحلال الاخلاقي أو داعي يأس وعنف وعدمية . نحن نطمح بأن تكون كل مواد دامحنا مثقفة  بكسر القاف  وأن يلغي التميز بين الدروس من حيث القيمة الثقافية . فنتخلص من نظام  الضوارب  الذي فيه امتياز وتفضيل لدرس على درس ، وهو نظام غريب لا صلة له بتقاليدنا التربوية الاسلامية .

رأينا في محتويات البرامج للتربية الاساسية :

1 ) يضمن البرنامج لكل طالب اتقان لغته القومية كلاما وقراءة وكتابة وعدا ، فتعلم القراءة والكتابة والحساب من الامور الاساسية فى كل تربية اذ هي الوسائل والادوات الضرورية للتفتح على الحياة والاتصال بالمجتمع ثم إنها الوسيلة لاكتساب سائر العلوم .

2 ) يضمن البرنامج لكل طالب تعلم حفظ الصحة وضمان السلامة فى حياته الخاصة والعامة بما فى ذلك النظافة نظافة الجسم والبيئة واستنشاق الهواء النقي وتناول الطعام والشراب الصحيين . وممارسة الرياضة البدنية والروحية  الصلاة والصوم  بانتظام . واتباع طرق الوقاية من الامراض . والنوم الكافي . والعمل المفيد .

3 ) يضمن البرنامج لكل طالب ان يتحصل على بلغة  تتناسب وقابلياته واستعداده  من التراث القومى الحي فى الادب والفنون الرفيعة والتاريخ والحياة المدنية . على ان تقدم هذه المواد كمتعة تنعش الطالب بحيث يطلب المزيد منها وبذلك تنمو ثقافته الانسانية .

4 ) يضمن البرنامج توعية الطالب ليتعرف على البيئة الاجتماعية والطبيعية التى ينشأ فيها . وبذلك تبدأ حياته العلمية ، فينشأ الطالب على معرفة الحيوانات والنباتات الموجودة فى البيئة كما يتعرف على الآلات والمخترعات التى تحيط به ثم يوجه الى معرفة الاسس العلمية التى بنيت عليها : فالسيارة والطيارة والتلفون والراديو والتلفاز والمصنع الآلى كل هذه تستدعي التعرف على مبادئ القوانين الطبعية عمليا ثم التعرف على تفكيك أجزائها وتركيبها ثم محاولة صنعها وحسن استعمالها .

5 ) يضمن البرنامج للطالب ربط الحياة الفردية والاجتماعية بالاخلاق وبالايمان وتنمية الضمير الاخلاقي وتوجيهه نحو الايمان بالله وتقوى الله . حمل الطالب على التأمل فى حياة الانسان وما فيها من صلاح أو فساد ثم التأمل فى اسرار الطبيعة وعجائب المخلوقات يقوده الى الاعتقاد بعظمة الخالق الذي ارسل الانبياء والرسل لهداية الانسان وآخرهم سيد الرسل نبينا محمد  عليه الصلاة والسلام . والاستفادة من درس السيرة الشريفة ثم درس سير عظماء الامة الصالحين تساعدنا على الاقتداء بهم واتباع سبل الحق والخير في هذه الحياة . ثم الاهتمام دوما بدرس القرآن الكريم والاحاديث الصحيحة وحفظ ما تيسر منها . ثم التأكيد على ممارسة العبادة والتحلى بالاخلاق الاسلامية فى الحياة الخاصة والعامة .

6 ) يضمن البرنامج للطالب وقتا كافيا يوميا لممارسة شغل عملى منتج اقتصاديا : كالزراعة أو الصناعة أو الطباعة أو أية حرفة أخرى كادارة حانوت وللفتيات الفنون البيئية كالخياطة والتطريز والطبخ والعناية بالطفل . واعتبار كل عمل يدوى وكل انتاج اقتصادى كرعى الغنم والبقر وتربية الدواجن والنحل امرا حيويا لاقتصاد الامة . والعمل على اقتباس أساليب تقنية جديدة تزيد فى الانتاج وتقلل الكلفة .

7 ) يضمن البرنامج للطالب فرصة للتمتع بالفنون الجميلة وممارسة فن أو أكثر منها : فالرسم والموسيقى الآلية والانشاد الجوقى والشعر والتمثيل

وحسن الخط والتصوير هى بعض الفنون التى تدخل السرور والبهجه على النفس للجميع . وللبعض القليل النابغ قد تكون مصدر رزق ومعاش في المستقبل .

8 ) يضمن البرنامج للطالب تعلم لغة أجنبية واحدة على الاقل والتفتح على العالم للتعرف على ترابط بني الانسان فيما بينهم وحاجة الشعوب اليوم الى التهاهم والتعاون فيما بينها على أسس الاحترام المتبادل والحرية والعدالة . التعرف على المنظمات الدولية الرئيسية التى تخدم هذا الغرض . والتعرف على الاخطار التى تجابه أمتنا خاصة والانسانية عامة . والتفكير فى طرق الوقاية منها .

0 ) يضمن البرنامج للطالب وقتا خاصا لممارسة الاعمال الحرة خارج الصف القسم  وقد تدعي بالاعمال  اللاصفية  أو  اللامنهجية  . يختار الطالب الانتماء إلى واحد أو اكثر من هذه الاعمال التى تجرى فى نواد كنادى الفروسية  أو نادى  الشعر والخطابة  أو نادى  التاريخ الطبيعى  أو بادى  الموسيقى  أو نادى  الشطرنج  أو نادى  السباق البحرى  أو نادى  التحول وتسلق الجبال . وربما كانت التنظيمات الكشافية والحياة الكشافية تشمل العديد من هذه الاغراض ولذلك يجدر الاهتمام بالحركة الكشافية وحمل أكبر عدد من الطلاب على الانتماء اليها .

وفي الاعمال " اللاصفية " هذه يوجه الطلاب لممارسة الحياة الدمقراطية فيصبح تعلم الدمقراطية عن طريق ممارستها أمرا مطلوبا من كل طالب . والدمقراطية التى تدعو اليها هى التى تتضمن مبدأ  الشورى  وهو مبدأ الحوار بين الاطراف المتعددة والوصول الى قرار تجمع عليه الأكثرية . كما انها تتضمن  الصبر  الذي يؤكد عليه القرآن الكريم والصبر معناه ضبط النفس ، تحمل آراء الغير المنبعثة عن قناعتهم مهما كانت مخالفة . أهمية الاعمال اللاصفية  تزداد في التربية متى اصبحت هذه وسيلة من وسائل دعم الحياة الدمقراطية المؤسسة على الصدق والاخلاص والروح الرياضية العالية مع شجب الجدل البيزنطي والفوضى والغوغائية .

10 ) يضمن البرنامج التربية العسكرية والخدمة المدنية : من الضرورى لحفظ السلام العالمي ان تستعد الشعوب الاسلامية للدفاع عن الوطن . واذا اختارت

الدول الاسلامية لنفسها  الحياد  فليكن حيادا مسلحا كما هو الحال مع سويسرا والسويد . فان الضعيف الاعزل يبقى عرضة للعدوان . ومع ان المسلم لا يجوز له ان يعتدى على أحد حسب تعاليم القرآن الكريم الا انه ينبغي أن يكون دوما مستعدا للدفاع عن النفس كما يأمر القرآن . ولذلك فنحن نقترح النظر فى ادخال التربية العسكرية فى المعاهد الثانوية وفي المعاهد العليا :  خدمة العلم

ثم اننا نقترح توجيه خريجى الثانويات الى  الخدمة المدنية  والاشغال فى المعامل أو الحقول أو فى التعليم أو فى التجارة قبل دخولهم الجامعات . إن هذه الخدمة ستساعد كثيرا على نضجهم وعلى اتصالهم بالحياة وادراك مطالبها ومشاكلها فهم بذلك سوف يقدرون ما يقدم لهم فى الجامعة أفضل تقدير . وخدمة العمل  هذه تعتبر من أثمن المحدثات التربوية في عصرنا هذا .

11 ) يتضمن البرنامج اجتماعا عاما لكل الطلاب وهيئة المدينة يوميا على الاكثر ومرة فى الاسبوع على الاقل . يفتتح الاجتماع بآى من الذكر الحكيم ثم تلقى كلمة من قبل الاستاذ أو ضيف أو طالب استرشيد باستاذه . كلمة توجه الطلاب توجيها دينيا واخلاقيا ووطنيا وتحضهم على عمل الخير واحترام حق الغير يعقب الكلمة نشيد أو أكثر ويختتم بالنشيد القومى وتحية العلم كما يستحسن تنظيم صلاة الجمعة لكل المدرسة كل يوم جمعة يؤمها أحد لاساتذة وتلقى خطبة دينية قيمة .

مستحسن ألا تكون هذه الاجتماعات طويلة ومسجلة فلا تتجاوز الثلاثين دقيقة عادة .

وبهذه المناسبة نسجل ما يلى : أمران يتطلبان من كل مؤسسة تربوية ان تضعها فى المحل الاول من العناية . أولهما : أخلاق الطلاب وتحليهم بالصدق والامانة والاخلاص والادب والعفة وما يرافق هذه الصفات من شرف النفس . ثانيهما : الانتماء والولاء . الانتماء الى الاسرة فالوطن فالدولة فالامة فالرابطة الاسلامية فالرابطة الانسانية . وفوق الولاء لكل هذه الجماعات ويشملها كلها الولاء لله تعالى ! ولا يصح في نظرنا التساهل فى تخريج طالب ضعيف في المستوي الاخلاقي أو في المستوي الولائي من معاهدنا التربوية . المستوى الاخلاقي أو فى المستوى الولائى من معاهدنا التربوية .

اقتراحات حول تطبيق البرامج :

1 ) من المهم جدا ان يدرك المربى بأن البرامج الدراسية لا يقصد منها ان  نصبح برامج معلومات تخزن فى ذهن الطالب فحسب . إنها بالاضافة الى المعلومات ينبغي أن تشتمل على تكوين الاوضاع النفسية التى تجعل الطالب يتعلق بالمادة الدراسية فيهتم بها وعلى العادات و المهارات و الافعال التى تجعل الافكار والمعلومات فاعلة ومؤثرة فى حياة الطالب والمجتمع . فالمعلومات النظرية مهما عظمت أهميتها تبقى عقيمة ما لم ترافقها ميول وأوضاع نفسية ايجابية وما لم تطبق تلك المعلومات فى الحياة لتكون منها سجايا و عادات و مهارات . والا فالتعليم يصبح وكأنه شجرة من دون ثمرة . وهذه هي مأساة التربية في العديد من اقطار العالم اليوم ! ولنضرب مثلا على ذلك :

إذا عرف الطالب ان التدخين ضار بالصحة فمعرفته هذه تظل عقيمة ما لم تقترن بامتناعه عن التدخين ونصحه الآخرين بالاقلاع عن عادة التدخين . وما يقال عن التدخين يصدق على الكحول وسائر المخدرات .

إذا درس الطالب موضوع الصلاة والصوم وتعرف على فوائدهما فى حياة الفرد والمجتمع تبقى معرفته عقيمة ما لم يمارس أداء فريضة الصلاة والصوم فتصبح جزءا من حياته اليومية . وما يقال عن الصلاة والصوم يصدق على ممارسة الفضائل الاسلامية كالصدق والامانة والتصدق الخ . . . فلا تكفى معرفة الفضائل بل الاهم ممارستها . سألت مرة فتاة فى الرابعة عشرة من عمرها إن كانت تؤدى فريضة الصلاة فأجابت بالنفي ولما سألتها عن السبب قالت انها تعلمت الصلاة نظريا ولم تطبق الصلاة عمليا ولم تصبح جزءا من حياتها .

وفي العلوم الطبيعية من المهم جدا عدم الاكتفاء بتحفيظ الطلاب أسماء الاشياء ونصوص القوانين النظرية قبل مشاهدة الاشياء والتعرف على خصائصها وقبل مشاهدة التجارب الفيزياوية أو الكيمياوية بالمشاهدة والتحرية ينبغى ان يسبقا التحفيظ ، سألت شابا جامعيا وكنا فى مسيرة فى التلال عن اسم نبات مررنا به وفيه رائحة زكية . ما اسم هذا النبات ؟ قال إلى : لا أعرفه . قلت له : إن هذا  اكليل  أجاب : إنه كان قد حفظ كلمة  اكليل  ولكنه لم يتعرف على النبات قبل هذا . إذن فالقضية الاساسية في تطبيق البرامج هى ان يعنى عناية كافية يجعل المعرفة تقترن بالاوضاع

النفسية الايجابية وتطبيق المعلومات تطبيقا عمليا على الحياة بحيث تصبح المعرفة عامل إنماء وتطوير فى نشوء الفرد والمجتمع .

2  الطريقة النفسية  السيكولوجية والطريقة المنطقية فى صوغ البرامج : فحسب الطريقة النفسية يقدم للطالب المواد التى تقع ضمن بيئته وتحظى باهتمامه وتلبي حاجاته : فهو قد يذهب الى حديقة الحيوانات فيتعرف عليها او نذهب إلى المزرعة والمرووج فيتعرف على الاشجار والثمار أو أنه يذهب الى محطة القطار أو المطار فيثير أسئلة عما يرى . فالمعارف التى يحصل عليها لم تبوب ولم تصنف تصنيفا علميا بل تتصل مباشرة بحياة الطالب واهتماماته . وهي ما تدع بالطريقة السيكولوجية  النفسية  فى وضع البرامج . وهذه الطريقة تتبع عادة في وضع برامج الصفوف الابتدائية وبعد ان يتقدم الطالب في الدراسة يبدأ برؤية العلاقات بين الاشياء ويدرك بأن عالم الاحياء يختلف عن عالم الجماد . وان عالم الاحياء يشتمل على الحيوانات والنبات وان كلا من الحيوان والنبات ينقسم الى فصائل وأنواع . كما ان عالم الجماد يشتمل على المواد الصلبة والسائلة والغازية  التراب والماء والهواء  أى إن البرامج ترتب ترتيبا علميا وهي ما تدعى  بالطريقة المنطقية  . فالابتداء يكون بالطريقة النفسية ومنها الوصول الى الطريقة المنطقية .

3 ) ان البرامج الدراسية الرسمية قلما تربط بحياة الطالب الواقعية : كما انها تفتيت عادة وتقدم كاجزاء متقطعة للجسم الواحد . فدروس اللغة مثلا تحزا إلى قراءة و املاء و محادثة و انشاء و محفوظات و صرف و نحو الخ ... مدرس كل عنصر من هذه العناصر منفصلا عن العناصر الاخرى ومنفصلا عن الحياة وذلك ما يفقد الدرس روحه وقد يجعله جامدا ومملا . فلو اعتبرت دروس اللغة كوحدة مترابطة مستقاة من واقع الحياة لكانت أعمق أثرا فى تربية الطالب . فلو سمع الطالب قصة أحبها ثم قرأها فى الكتاب وحكاها واستنسخها فتعلم املاء كلماتها وعرف معاني مفرداتها اللغوية وأجاد إعرابها فانه يكون قد أحاط بالدرس بصورة مترابطة وموحدة .

و لو تقرر درس مدينة  القيروان  كموضوع موحد فان الطالب يمارس فيه القراءة والكتابة والجغرافية والتاريخ والحساب والرسم والشعر والمعلومات الاقتصادية والمدنية . واذا تقرر القيام برحلة الى مدينة القيروان فيتعرف الطالب على الطرق المؤدية إلى القيروان ووسائط النقل وأجور السفر الخ ...

لا شك في ان الربط والتوحيد بين المواد الدراسية وربط المواد الموحدة بحياة الطالب اليومية فيه تطبيق للطريقة  النفسية  فى تقديم البرامج الدراسية ، وهو ما يحدث فى حياتنا اليومية فنحن نقوم بمشاريع واعمال فى حياتنا اليومية تتطلب أنواع المعرفة التى تترابط أجزاؤها . ويعرف ذلك كل من قام بسفر الى بلد بعيد أو تولى إنشاء بيت جديد !

 إن تقديم البرامج الدراسية على شكل  وحدات  دراسية أو مشاريع  متصلة بحياة الطلاب وحاجة المجتمع تعتبر من الاتجاهات التقدمية فى التربية فى عصرنا هذا ، فهى تنقذ الطالب من الجمود والملل وتعتبره مشاركا فعالا فى عملية التعليم والتعلم . فمشروع رحلة للقيروان كما أسلفنا أو مشروع درس الطاقة والنفط ومشتقاته أو مشروع اصدار صحيفة مدرسية أو مشروع تربية الدواجن أو صيد السمك كل هذه قد تتطلب الرجوع الى عدد من المواد الدراسية المترابطة . التى تساعد الطالب على التفكير الشمولى فى الحياة وتحمله على التخطيط والرجوع الى المراجع والمصادر المناسبة .

4 ) إن طريقة المشروع مع ما فيها من مزايا تربوية وفي مقدمتها اهتمام الطالب بالمشروع وصلته فى الحياة إلا أنها تنتقد لعدم توفر المجال فيها للاتقان الذي يحصل بالتمارين الكافية . ثم إنها قد تترك فجوات فى حقول المعرفة : فالمعرفة فيها تكون عرضية وغير شاملة . ولذلك يفضل الاخذ بما يدعى  بالتعليم المبرمج  إضافة الى طريقة المشروع . والتعليم  المبرمج  هذا يتطلب ترتيب مواد الدرس ترتيبا متسلسلا Education Programmee من البسيط الى المركب وتقسيم المواد على مراحل فلا ينتقل الطالب من مرحلة أولى الى الثانية قبل ان يتقن المرحلة الاولى . ففي الحساب مثلا لا ينتقل من العشرات الى المئات قبل اتقان العشرات ولا ينتقل من الجمع الى الضرب ولا من الطرح الى التقسيم قبل اتقان الجمع والطرح . فالتمارين تبرمج بشكل تصاعدى . وكل طالب يتقدم بالسرعة التى تناسبه . إن التعليم المبرمج يصلح بصورة خاصة فى موضوع اللغة وموضوع الحساب .

5 ) لما كانت عملية التربية تستمر مع الانسان طوال حياته فلا حاجة للاستعجال وحشو ذهن الطالب بالمواد الدراسية الكثيرة بحيث تحصل التخمة ولا تهضم المعلومات . وقد يمني الطالب بالارهاق وبالضجر بينما المفروض ان تكون الحياة الدراسية مسرة ومنعشة . والضجر والملل الناشئين عن التعب وسوء الفهم وعدم الاهتمام بمادة الدرس عدوان لدودان للتعلم

الصحيح الناجح . ولذلك وجب اختيار المواد الدراسية المتصلة بحياة الطالب والتى تهمه والسير فيها بتؤدة بحيث يتحقق استيعابها وهضمها وتمثيلها .

فالعبرة ليست بتعدد المواد وكثرة المواضيع بل باتقانها والاستفادة منها فى الحياة حاضرا ومستقبلا .

6 ) إن البرامج المتصلة بالحياة تتطلب مرافق ومبانى منوعة تشكل  تجمعا مدرسيا  . يحتوى على : غرف دراسية ، مكتبه يؤمها الطلاب للبحث والمطالعة ، قاعة اجتماع عام ومسجد ، ساحة ألعاب رياضية ، ورشات صناعيه ، حقل للزراعه وتربيه الحيوانات ، مطعم ، حانوت ، ناد للطلاب ، مستوصف .

كما ان البرامج تتطلب وسائل سمعية وبصرية ، وآلات حاسبة ، ومختبرات  معامل  للفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة . وكل هذه تقرن بالاتصال المباشر بالحياة فى المجتمع وفي الطبيعة وبالاشاء ذاتها ثم الرجوع - الى المصادر العلمية والكتب المقررة .

من يتولى وضع البرامج الدراسية ؟

لم يكن هذا السؤال ليرد فى الايام الحالية وفي عهود التربية القديمة ذلك لان البرامج كانت ثابتة تقريبا ولا تتغير من جيل إلى جيل فقد كانت تقتصر على تعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم خاصة وبعض المعارف الدينية . وكانت الكتب اللغوية والدينية معروفة وثابتة تقريبا . أمافي العصور الحديثة فقد تغيرت الاحوال واصبح وضع البرامج وتغييرها من الامور الاساسية في التربية والامور التى تثير النقاش والجدل حول كل صفحة من صفحاتها . ولذلك فالموضوع يختلف من دولة الى دولة فهناك دول ذات نظام مركزي في الادارة  كما كان الحال فى فرنسا الى عهد قريب  تصدر البرامج فيها عن سلطة مركزية عليا هى وزارة التربية القومية . فهذه السلطة تصدر برامج تفصيلية يطلب من رجال التعليم في كل انحاء البلاد تطبيقها بحذافيرها .

وهناك دول يغلب عليها نظام اللامركزية فى الادارة كما هو الحال في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية . فهذه البلاد تترك الحرية للمدرسة  مديرها وأساتذتها  ليتولوا وضع البرامج واختيار الكتب المدرسية . و كل ما تفعل السلطة المركزية هو اصدار توجيهات عامة وارشادات يؤخذ بها علي

قدر الامكان . فهذه الارشادات والتوجيهات العامة لا يقصد بها الحد من حرية التصرف .

وربما كان أفضل ما استجد فى تعيين الجهة التى تضع البرامج هو الاخذ بمبدأ المشاركة  . المشاركة بين السلطة المركزية والمدرسة أولا ثم المشاركة بين الاستاذ والطالب . فطريقة المشروع التى أشرنا إليها آنفا تفسح المجال للتيشاور والحوار بين الطلاب انفسهم والطلاب والاستاذ حول اختيار مادة الدرس فالدرس يتصل مباشرة بما يحرك اهتمام الطلاب من أمور تتصل بحياتهم وفي بيئتهم فيختارون مشروعا واقعيا مفيدا ويتعهدون القيام به دارسين كل ما يساعد على تحقيقه من معلومات نظرية ونشاط عملي .

الدعوة الى توحيد البرامج :

تصدر بين الحين والآخر دعوات من جهات دينية أو قومية مخلصه لتوحيد رامج التعليم في العالم الاسلامي أو في العالم العربى . إن هذه الدعوات تستحق العناية على شرط ان تفهم فهما صحيحا وتستجيب للواقع التربوى . فليس المقصود بتوحيد البرامج أن يدرس كل الطلاب فى كل العالم الاسلامي الدروس عينها وفق برامج واحدة . إن هذا التفسير لتوحيد البرامج أمر غير قابل التحقيق وهو غير معقول بل المطلوب هو وحدة العقيدة ووحدة الولاء للانتماء الاسلامي وتحقيق الترابط والتأخي بين المسلمين عن طريق البرامج الدراسية وهكذا يحصل توحيد برامج التعليم الدينى ونشر اللغة العربية لغة القرآن ودرس تاريخ وجغرافية العالم الاسلامي الى جانب درس خاص بحاضر العالم الاسلامي . إن هذه الدروس هى التى تحقق الوحدة . أما درس اللغات والآداب والعلوم المضبوطة والتقنيات فانها قد تختلف من قطر الى آخر وحتى فى القطر الواحد قد تختلف من منطقة الى اخرى . وحتى من فرد إلى فرد . وما يقال عن توحيد البرامج في العالم الاسلامى ينطبق تماما على توحيد البرامج فى العالم العربى .

وأخيرا نقول : إن البرامج التى تتطلبها التربية الاسلامية تجمع وتوحد الدين والدنيا والعلم والعمل والمادة والروح والمطلوب من الفكر التربوى الاسلامى الا يبقى متفتحا آخذا بمبادئ الشمول والتوحيد والتطور فى وضع البرامج .

اشترك في نشرتنا البريدية